إن ما يدعو إلى القلق البالغ وصار مبعث سخط وتذمر واستياء في وسط عموم المواطنين بالبوادي والحواضر، على حد سواء، ما يحبل به المركز الجهوي الاستشفائي الحسن الثاني بسطات الذي صار نموذجا صارخا ، في الاختلالات والاعتلالات التي تدب في أوصال المنظومة الصحية في أوجهها المختلفة وجوانبها المتعددة وتضرب في الصميم التنمية الاجتماعية ، كما تحدد مؤشراتها منظمات دولية كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسيف ، وتؤثر عليها بالسلب ، ويساهم بدرجة كبيرة في هبوط مؤشر التنمية الاجتماعية المأمولة نظرا لخروجه وجنوحه عن الوظيفة التي يفترض فيه القيام بها، ما جعله يتصدر المكانة الرئيسية في الأحاديث الخاصة والعامة، وكل الآمال المعقودة على هذا المرفق الصحي تبخرت في أعين المواطنين والمواطنات، سواء بمدينة سطات أو على صعيد الإقليم برمته إلى حدود الآن، ما لم تثبت لهم الايام، بالملموس، العكس! ظاهريا، وعلى مستوى المظهر العمراني ، تبدو للناظرين والزائرين والمرتفقين البنايات والأجنحة المترامية هنا وهناك على امتداد مساحة كبيرة شاسعة ،وبمنطق خريطة التخصصات الطبية ، يتوفر هذا المركز الاستشفائي على تخصصات عديدة ومتنوعة حتى إذا جال المرء بنظره في الفضاء الرحب والواسع لهذا المستشفى وفي ممراته ومسالكه وولوجياته المؤدية إلى الأجنحة المتباعدة والمتقابلة فيما بينها ، يلحظ الحركة ذهابا وإيابا وعملية تراقص لا تنقطع لذوي الوزرات الخضراء والبيضاء،وكذلك المرضى وطالبي العلاج في كل الاتجاهات ، ويقول المثل الشعبي «كل حركة فيها بركة» لكن، مع واقع الحال بهذا المركزالاستشفائي «تطير البركة» ! فلماذا؟ ببساطة، لأن هذا المرفق الصحي صار رهينة للتسيب والفساد في أبشع صوره، ومعه ارتهن كل شيء، الناس و الأنام ! أن يصل الأمر ببعضهم إلى درجة عرض صحة الناس للمساومة القبلية والإخضاع القبلي لقانون السوق المتسم بالعرض والطلب كما لو كانت بضاعة أو سلعة ،فهذا استهجان واسترخاص واستخفاف لامثيل له بصحة الناس وآدميتهم وكرامتهم التي نصت عليها التشريعات السماوية والأرضية ، وما نظن أن صاحب هذه الأفعال بسوي ، وهو أمر مثير للشفقة ، حقا،على كل حال؟ وكم صارت متمنيات البعض أن يتوصل العلم إلى صنع الأعضاء ك»العيون» و «الحنجرة» و «الأنف» و»الاذن» و»العظام» و»المفاصل»،والعبرة هنا بالمقاصد والمعاني لا بالالفاظ والمباني على حد قول الأستاذ الجليل إدريس العلوي العبداللاوي، وتكون، من ثم ، جاهزة للتركيب بعد اقتنائها من «دكاكين» أقارب بعض الحانثين بقسم ابقراط المتواجدة بجوار المستشفى، فشكرا لهؤلاء على مبادراتهم هاته المجسدة لسياسة القرب بالمنظومة الصحية، وشكرا مضاعفا للساهرين على الشأن المحلي، على استجابتهم الفورية والسريعة للترخيص بفتح أكشاك ودكاكين تيسيرا للخدمة(إن بكسر الخاء أو بفتحها)!!؟ ،»وكفى المؤمنين شر القتال»؟ مادام هذا المركز الاستشفائي قد فرخ ويفرخ الفساد ،وفرخ ويفرخ العاهات تلو العاهات ،نسأل الله أن يضع لهما حدا في أقرب الآجال . «أشنوبان» على هذا المركز ألاستشفائي لردح من الزمن؟ بالنتيجة لاشيء بان وظهر يذكر!غير مظاهر التسيب والفوضى التي أصبحت لاتطاق بهذا المرفق في جميع المناحي اقتصادا وتسييرا وتطبيبا! فرفقا بالناس والعباد !ألم تصل درجة التسيب التي يعرفها هذا المركز ألاستشفائي حد قيام بعضهم بممارسات تحكمية غير مبررة ولامستساغة بجميع المعايير والمقاييس،لا المهنية ولا الأخلاقية ولا الإنسانية ولا التجارية حتى! فما معنى أن يتم التنسيق المسبق واستغلال النفوذ وتوظيف اختصاصات المهنة وسلطاتها للترهيب والتهديد ?على حساب صحة المرضى وطالبي العلاج- بين بعض الأطباء و بعض الصيدلانيين ،من خارج المستشفى لاشتراط الاقتناء القبلي والمسبق للأدوية واللوازم الطبية الضرورية في العمليات الجراحية، في تبادل وتكامل للمصالح واقتسام للمغانم ؟! ليتم بذلك، تسخير المرفق لخدمة الأحباب والأقارب؟ « ألأن الصدقة في المقربين أولى « ! بأي حق تفرض بطاقة الزيارة carte visite فرضا على المرضى والمرتفقين لتوجيههم عنوة نحو عيادات ومصحات خصوصية ؟ أما المظاهر البيروقراطية فهي العلامات الدالة على المرفق الصحي خاصة في قسم الإنعاش حيث الحصول على الخدمة والظفر بها أمرا في غاية الصعوبة،وإذا حصلت فهي امتياز لا يضاهى يرقى إلى مرتبة المعجزة ،مع احتمال عدم دركها إلا إذا أطال الله العمر،سيما بعد الخصاص المهول الذي أصبح يعانيه طب الانعاش والذي ازداد تفاقما بعد تنقيل بعضهم دون تعويضهم! وما يرافق ذلك من غلظة في التعامل مع المرتفقين ومن تفشي مظاهر الزبونية والمحسوبية والابتزاز بدون حسيب ولا رقيب! فأما قسم الولادة فحدث ولا حرج ؟! ينضاف إلى كل ذلك التغيبات شبه الدائمة للمسؤولين عن العمل وبالخصوص أثناء فترة المداومة الليلية ،أما أثناء النهار فأبواب القطاع الخاص مشرعة لهم ما دام»كلا يلغي بلغاه» شريطة القيام ببعض «الخدمات» تتخذ في مجملها طابع التواطؤ المحبوك والمكشوف ضدا على العمال والمستخدمين والتآمر عليهم واستهداف مصالحهم في مقابل نيل رضى الإدارة والرأسمال ! ليبقى القانون الذي يجرم القيام بوظيفتين معطلا ويظل التسيب هو سيد الموقف؟! لايقف الأمر عند هذا الحد،بل يتعداه إلى الظفر بتعويضات وهمية -في أحايين كثيرة- عن الحراسة الليلية و العمل الليلي الذي لم يحصل أصلا ! ليتم تبديد المال العمومي وهدره،هذا في وقت نسمع فيه لغطا وصخبا يطبقان الآفاق عن ترشيد الإنفاق العمومي وحماية المال العام و وربط المسؤولية بالمحاسبة و.و.!! أبهذه الاختلالات و الاعتلالات والسلوكيات المعوجة الدخيلة على المجال الصحي،والمخالفة لما يجب أن يكون عليه واقع الصحة فعليا وعمليا، يتم تحسين الوضع الصحي والنهوض بالمنظومة الصحية الذي طالما انتظره المواطنون والمواطنات بالمدينة والإقليم؟أين هو نصيب النوع الاجتماعي وموقعه في المعادلة الصحية وفي حقه إلى الولوج إلى الخدمات الطبية والاستشفائية الضرورية بهذا المركز ألاستشفائي الجهوي؟هل مقاربة النوع الاجتماعي في المجال الصحي،التي غدت تمثل إحدى الأولويات التي لاغنى عنها لكل تنمية مرتقبة كما مثبت ومدون في تقارير المنظمات الدولية ذات الصلة بالمجال الصحي،كمنظمة الصحة العالمية واليونسيف ، تقتصر فقط على مستويات من داخل النوع دون أخرى، وهل مقاربة النوع تطال فقط مجالات معينة ومحددة،سياسية وغيرها، يتم الدعاية لها والترويج لها ليتم تغييبها في أخرى منها الصحة ؟أليس من حق المهمشات واللائي يعشن إقصاء اجتماعيا ، واللائي تبذل الجهات الامنية جهودا كبيرة من أجل الحفاظ على أمنهن خلال عمليات التطهير التي تقوم بها، ومن ثم نقلهن إلى المستشفى ، أن يلجن إلى الخدمات الصحية الأساسية ويستفدن من حقهن في التطبيب والاستشفاء عوضا عن لفظهن ورفضهن وعدم اعتبار آدميتهن بمنعهن من العلاج السريري والتدفئة و ضخ الاكسجين وعدم تركهن لقساوة الطبيعة في عز نوة فصل الشتاء القارس ؟ وبارتباط مع كل ما سبق، ألا تشي هذه الاختلالات والاعتلالات التي تنخر جسم هذا المركز الاستشفائي الجهوي كالسرطان ، حتى باتت متمكنة منه، بتدبير سيء لهذا المرفق من قبل مستويات المسؤولية فيه؟ ألا يجب أن يكون هناك تناغم بين مختلف مكونات التراتبية الادارية لمرفق من هذا الحجم ، وفق منظور مبني على التكامل والعمل بروح الفريق لضمان التسيير الجيد والعمل والاداء الجيد والمردودية المثمرة والاهتمام بقضايا العاملين فيه و تحفيز موارده البشرية خاصة فئة الممرضين(ملائكة الرحمة)؟ و كذا تقديم خدمات تليق وحاجات المرضى وتراعي صحتهم وبالاولى كرامتهم كتحسين الوجبات من غذاء وطعام التي تعرف تدنيا كبيرا،وهو ما فاقم الوضع وزاد من أعباء عائلات المرضى التي صارت تصطحب معها الأطعمة والأغذية على نفقتها الخاصة لتظل «مشوجرة بها « بجوار المستشفى إلى حدود الساعة الرابعة زوالا ، لا لشيء إلا لابتداع منطق عمل غريب وعجيب من إدارة هذا المركز دون سند منطقي أو إداري أو إنساني يذكر،أم أن واقع الحال يقتضي «شي يشرق وشي يغرب» مادامت البقرة حلوب» و» الدجاجة تبيض ذهبا»! و»الكل في الهوى سوا» والسؤال الجوهري و الأهم إلى متى سيبقى هذا المركز الاستشفائي الجهوي بسطات جسرا ونقطة عبور لعدد من الأطر الطبية التي تتخذ منه محطة escale لاستجماع الأنفاس بالمعنى المادي ?طبعا-ومغادرته بعد ذلك، وبعد تحصيل اللثروة وتجميعها، نحو مشاريع شخصية وخصوصية؟ أليست الدولة مسؤولة عن هذا الوضع ،وإلا كيف تتخلى عن أطرها الطبية بعد عناء ومجهود تكوينهم وتأطيرهم والمصاريف الخيالية التي انفقت على إعدادهم لغاية تخرجهم وأدائهم القسم وتوفير الفضاءات والتجهيزات المكلفة والباهظة الثمن الموضوعة تحت تصرفهم لمراسهم و اشتغالهم ،وتوفير الامكانات الهائلة لهم المساعدة على اكتساب الخبرة ومراكمة التجربة وصقل الممارسة؟إلا يساهم ذلك في إضعاف القطاع الصحي العام والعمل على تقويضه لحساب الخواص والقطاع الخاص مع ما يستتبع ذلك من هدر مالي وتبديد له؟ ألا تفاقم الوضع ،بهكذا ممارسات بتقليصها لعدد الاطباء مقارنة مع نسبة الساكنة وهو ما من شأنه أن يفاقم الوضع المتردي في مجال التنمية البشرية الذي جسد في تقرير الخمسينية الاخير؟ألاينم ذلك عن وجود منطق خفي،في اعلى مستويات المسؤولية، يعمل في الظل،لنسف كل ما يمت بصلة للقطاع العام و للمكتسب الاجتماعي عامة وخدمة ،بدلا عن ذلك، توجهات مغايرة ومخالفة ،والتي يعتبر ما يحصل داخل هذا المركز الاستشفائي إحدى تجلياته ومؤشراته الدالة ؟