كاد مولاي بوشعيب الرداد، المشهور أيضا بالسارية، أكبر أولياء أزمور، أن يكون شاهد عيان على اندلاع حرب كلامية جديدة بين مصر والجزائر، على غرار تلك التي كانت قد نشبت بينهما عقب مباراة كرة القدم الشهيرة لشهر نونبر 2009. لكن هذا تفصيل صغير كاد أن يعكر صفو عرس كبير. المكان كان أزمور، حاضرة بعض أهم شعراء الملحون في القرن التاسع عشر: أحمد وموسى بنرقية، المختار بن المطحن ومحمد بنمسعود. والمناسبة كانت فعاليات «الملتقى العربي الثاني للزجل» المنظم من طرف جمعية محلية نشيطة هي «المرصد الوطني للشباب والتنمية». في دورته الأولى المنعقدة في شهر فبراير من السنة الماضية، كان الملتقى «مغربيا» محضا، لكنه انفتح هذا العام على محيطه العربي فاستضاف خلال أربعة أيام (من 19 إلى 22 يناير الجاري) أصواتا زجلية من (الجزائر) توفيق ومان، ياسين أوعابد ودحو قاضا(، مصر )طارق أبو النجا(، تونس )عبد اللطيف بلقاسم(، لبنان )جورج زكي الحاج( وسوريا )شاهر خضرة(. بين دورتي الملتقى جرت مياه كثيرة إذن في نهر الزجل المغربي الذي ينساب رقراقا مثل أم الربيع، إذ عرف هذا المجال، من بين ما عرفه طوال سنة انقضت، تحقق إحدى أهم توصيات الدورة الأولى: تأسيس «الاتحاد المغربي للزجل» الذي كان أحد شركاء الدورة الثانية. «الزجل والهوية الثقافية»، هي اليافطة التي وضع تحت سلطتها المنظمون الدورة، مثلما انتقوا وسمها ب «دورة أحمد الطيب لعلج» الذي أشاد به الشاعر أحمد لمسيح واصفا إياه ب» رائد الزجل المغربي الحديث»، مضيفا أن الزجالين المغاربة المحدثين هم من تلامذة الفنان لعلج». أما شعار الملتقى )الزجل والهوية الثقافية(، فقد تم تنزيله عبر بوابة ندوة نظمت بتنسيق مع «مجموعة البحث في علوم البلاغة والتواصل» بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، شارك فيها مولاي علي الطاهري، لطيفة الأزرق، نعيمة الواجيدي والزجال الجزائري توفيق ومان الذي هو في نفس الآن رئيس الرابطتين الجزائرية والمغاربية للأدب الشعبي وعضو «اللجنة الدائمة العليا لإتحاد الرواد و المبدعين العرب بجامعة الدول العربية». احتفت أزمور بضيوفها العرب وبأكثر من ثلاثين زجالا مغربيا، كان الصوت النسائي ممثلا بشكل محترم بينهم. وتعددت فعاليات الملتقى بين قراءات زجلية ولقاءات مفتوحة وتوقيع دواوين ولحظات فنية )مجموعة الحال للأغنية الغيوانية(. وشرعت الدورة أيضا بابها للبراعم الزجلية المقبلة على التفتح، وحسنا فعلت عبر احتضانها لمسابقة وطنية للشباب الزجالين، مسابقة أكد المنظمون أنها «تميزت بمشاركة مكتفة لشباب قدموا من مجموعة من مدن المغرب، وأن مستوى نصوصهم كان جد مشرف». رئيس «المرصد الوطني للشباب والتنمية»، سعيد الخاتري، اعتبر أن»نجاح هذه الدورة يدفعنا للاستمرار والبدل والعطاء للمحافظة على الملتقى العربي للزجل بأزمور كمكسب ثقافي بامتياز». رئيس «الاتحاد المغربي للزجل»، الزجال محمد مومر، أكد أن «الملتقى يشكل مناسبة لإبراز إبداعات الزجالين المغاربة، وتحقيق التواصل والتفاعل بين تجاربهم المتعددة». رئيس «الرابطة المغاربية للأدب الشعبي»، توفيق ومان، قال إن «الملتقى فرصة للقاء كبار الزجالين المغاربة والعرب، وأنه جد سعيد أن تكون الجزائر ضيفة الشرف في مدينة أزمور المغربية»، مضيفا أن «اللقاء هو محطة لحماية الموروث الشعبي المغاربي الغني بالتميز الأمازيغي والعربي والإسلامي». وكانت أزمور أيضا حضنا لتوقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين «المرصد الوطني للشباب والتنمية» و»الرابطة المغاربية للأدب الشعبي» و»الاتحاد المغربي للزجل»، هدفها التنسيق والتعاون بين الهيئات الموقعة، والحفاظ على الملتقى كموعد ثقافي متميز مع تدعيمه وضمان إشعاع أكبر له. وفي انتظار أن تتحول أزمور، إذا وجدت الدعم الضروري، إلى عاصمة غير متنازع حولها لإيقاع الكلمة الزجلية العربية الأصيلة، علم المشاركون أن بعض الزجالين الحاضرين في ضيافة لالة عايشة البحرية سيحلون في نهاية شهر فبراير القادم بمدينة صفاقسالتونسية لإحياء أمسية شعرية تخليدا لأرواح شهداء ثورة الياسمين. هكذا سيرحل إلى تونس أحمد لمسيح وأحمد مومر، بالإضافة إلى الجزائريين توفيق ومان وقادة دحو والتونسي عبد اللطيف بلقاسم. وهناك في صفاقس، سيجدد الزجالون المغاربيون الخمسة ليالي أنس أزمور. أما حكاية الحرب التي لم تندلع بين مصر والجزائر على ضفاف أم الربيع ولم يكتب لمولاي بوشعيب أن يكون شاهد عيان عليها، فقد أوحت بشرارتها الصحافة الجزائرية حين كتبت: «تزامن حفل افتتاح الملتقى العربي الثاني للزجل، المقامة فعالياته بمدينة أزمور الأثرية بالمغرب الشقيق، مع المباراة التي جمعت المنتخب الجزائري لكرة اليد مع نظيره المصري. وقد كانت كل الوفود المشاركة في الملتقى تترقب بشغف نتيجة المباراة حتى يكون عرس الافتتاح عرسين، عرس الافتتاح وعرس فوز المنتخب الجزائري الذي أرق مضجع المصريين، لدرجة أن أحد الشعراء المشاركين في هذا الملتقى تلعثم فوق المنصة لحظات قليلة بعد سماعه خبر انهزام المصريين، ما دفع بالحضور من الأشقاء المغاربة إلى التعليق أن الجزائر لم تتفوق على المصريين )تلك الليلة( في الكرة فقط... بل حتى في الشعر والأدب.» نترك الأمر بدون تعقيب، ونضيف له مقتطفا آخر من مقال لصحيفة جزائرية كذلك نشر قبل انطلاق فعاليات الملتقى ردا على مقالات مصرية. المقال الجزائري نشر تحت عنوان لا يخلو من دلالة «قائمون على التظاهرة نفوا ما تداولته وسائل الإعلام وأكدوا: الجزائر ضيفة شرف الملتقى العربي للزجل بالمغرب وليس مصر»، وورد فيه من ما ورد: «تنطلق، يوم الخميس القادم) 19 يناير(، تظاهرة الملتقى العربي للزجل في طبعته الثانية، بمشاركة الشاعر الجزائري توفيق ومان، وستكون الجزائر ضيفة شرف هذه الطبعة، عكس ما تداولته وسائل الإعلام حسب ما صرح به بعض القائمين على التظاهرة. (...) ونفى القائمون على التظاهرة في تصريح ل «وقت الجزائر» أن تكون مصر هي ضيفة شرف التظاهرة، وأن ما تم تداوله عبر وسائل الإعلام، تسريب لمعلومات مغلوطة لا أكثر». لحسن الحظ أن هذا مجرد كلام جرائد... وأن ضيوف الملتقى لم يعيروه اهتماما... ربما بفضل بركة سيدي عبد الرحمان المجذوب الذي سبقهم إلى الحاضرة التي كانت تُبعث منها الرسائل المخزنية متضمنة، بعد تاريخ الصياغة، عبارة تحدد موقع الإرسال: «من مدينة أزمور إلى قرية فاس»!