لا يمكن إلا أن نقف إلى جانب مصطفى الرميد في حربه ضد الفساد في العدل، ولا يمكن، بأية حجة كانت أو تاكتيك سياسي كان، أن نواجه وزير العدل في هذه الحرب، بمبررات شكلية، بالرغم من إيماننا بأن الشكل هو الذي يضمن حقوق الناس، سواء في القانون أو في القضاء .. هل يوجد ارتشاء ورشوة في القضاء؟ يوجد كما في كل القطاعات، وفي كل المناطق، وفي كل المستويات، وفي كل الميادين، وبين كل الناس. غير أن الارتشاء في القضاء يخلف مظلومين، باسم العدالة وباسم الملجأ الأخير لدى الناس. السيد الوزير، لا أحد يملك وطنية أو نزاهة فكرية يمكن أن يرى في حربك على الفساد داخل العدالة أمرا حسابيا بمنطق السياسة. السيد الوزير، الجميع ينتظر، بالفعل، كيف ستستند إلى السيادة الشعبية وإلى الفوز الديموقراطي لحزبك، كقوة مادية في محاربة كل أشكال الفساد.. لكن هل يمكن أن يصادر الوزير حق أي متقاض، ولو كان قاضيا في الدفاع والمحاكمة العادلة؟ طبعا لا.. لا يملك هذا الحق بمقتضى المساواة أمام القانون. إن الذي يتابع قضية قاضي طنجة، يحتار اليوم فعلا! فهذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها طنجة، مسرحا لقضايا محاربة الرشوة، فالقضايا التي تفجرت مع إيزو، ومع النيني والديب وغيرهم.. مازالت عالقة في الأذهان، ولعل أفظع ما فيها هو أننا أمام فساد استطاع الوصول إلى المربع الصغير لملك البلاد، في شخص مدير الأمن الملكي السيد إيزو . لم يخترقنا الإرهاب بالقدر نفسه الذي اخترقنا فيها الفساد، حيث وصل إلى القمة ناقص واحد! ثانيا، لقد استقبل السيد الوزير السيد المشتكي، وقضى ما وجب أن يقضيه، وسرعان ما تناقلت الجرائد أن السيد الوزير تابع وأشرف شخصيا على اعتقال القاضي.. ولا شك أن في القضية غير قليل من الماركوتينغ السياسي، في الفترة التي كان فيها السيد الرميد يبدي عجزا حقيقيا في التواصل مع المعتقلين، وفي وضع الملف، سواء الذين رافع عنهم أثناء المحاماة أو الذين لم يرافع عنهم.. لقد «زرب» السيد الوزير الأستاذ الحقوقي وأحد مؤسسي منتدى الكرامة، في الحديث عن «الحكومة التي ستطلب العفو»، قبل أن يتم تصحيح الخطأ من بعد، ويطلب من العائلات التي يوجد أفرادها وراء القضبان بسبب قضايا أمنية وسياسية، أن يتقدموا مثل ما هو جار به العمل. لا يبدو أن التفاوض بهذا الشأن لم يكن واردا، كما أن الحزب الحاكم اليوم لم يرد أن يتحمل المسؤولية السياسية للملف. وبقي في الشكل المطالب بمطالبة المعنيين! ثالثا، لقد تحدث دفاع المتهم عن أشياء لا بد للوزير من أن يجيب عنها، من قبيل وجود طلبات البحث وإلقاء القبض على المشتكي التونسي، من لدن الجهات المختصة، وفيما إذا كانت تلك الأشياء، فعليا، موجودة، فإنها ستكون ضد الوزير لا محالة، كما أن محاكمة القاضي قبل إحالته على العدالة لا يمكن إلا أن تثير الحيرة وتساؤلات الرأي العام. لنتذكر ما حدث في الحسيمة، عندما وقعنا جميعا في المطب الذي لم نره وحاكمنا السادة المسؤولين بناء على الضجة الإعلامية التي رافقت ذلك. لقد برأت المحكمة الجميع تقريبا، من أشياء بدا لنا أنها مرتبطة بأمور محسومة، بل أكثر من ذلك ربط الإعلام بينها وبين شخص الملك نفسه..! إن الدفاع يذهب إلى أبعد من ذلك، ينفي حالة التلبس أصلا. وله في ذلك مدخل لا يمكن إنكاره.. يفيد بأن الاعتقال تم في السيارة، وأن الظرف الذي كان به المبلغ وجد تحت الكرسي وليس بين يدي القاضي.. هناك الكثير من العتمة حول الملف، ونقصد بذلك أن الوزير كان على علم بكل ذلك، ومع ذلك تعمد الإساءة إلى القاضي، حاشا لله. ولا يمكن، في المقابل للدفاع أن يضع أي حطب يجده أمامه في فران القاضي، وتسخين الطرح من أجل التنقيط السلبي للوزير. هناك وضع صعب اليوم في قضائنا، والقضاة منهم فعلا الأولياء الصالحون الذين يعيشون بالكفاف والعفاف والغنى عن الناس. وهناك الكثر يغتنون في سرعة ضوئية، حتى قبل أن يطول بهم المقام في المكاتب. إن الأخطاء مهما كانت، لا يمكنها أن تدفعنا إلى التشكيك ومحاولة إغلاق الملف. فلا يمكن أن نسلم بأن الأخطاء التي وقع فيها الوزير ستكون المنظار الذي ننظر به إلى وجود فساد في قطاع العدل، كما هي قطاعات كثيرة في البلاد. فالرشوة وجدناها حتى عند انتخاب أعضاء المجلس الوطني للمقاومة وجيش التحرير. أيها السادة، هذا ما يثلج صدر الحالمين بعودة الفرنسيس وبذهاب زمن الحماية!!!