الملك يعين ابنة الحسيمة فاطمة السعدي بلجنة حماية المعطيات    التعاون المغربي الموريتاني يُطلق تهديدات ميليشيات البوليساريو لنواكشوط    ترامب يطلق أكبر عملية طرد جماعي للمهاجرين غير النظاميين    توقيع عقد مع شركة ألمانية لدراسة مشروع النفق القاري بين طنجة وطريفة    كرسي الآداب والفنون الإفريقية يحتفي بسرديات "إفا" في أكاديمية المملكة    الذكاء الاصطناعي.. (ميتا) تعتزم استثمار 65 مليار دولار خلال 2025    على خلفية مساعي ترامب لزيادة حجم الإنتاج...تراجع أسعار النفط    الدرك الملكي يحجز طن من الحشيش نواحي اقليم الحسيمة    "حماس" تنشر أسماء المجندات الإسرائيليات المقرر الإفراج عنهن السبت    دوامة    معرض فني جماعي «متحدون في تنوعنا» بالدار البيضاء    الفنانة المغربية زهراء درير تستعد لإطلاق أغنية « جاني خبر »    رواية "المغاربة".. نفسانيات مُركبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    ترامب يرفع السرية عن ملفات اغتيالات كينيدي ولوثر كينغ    مجلس الشيوخ التشيلي يدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء    مهدي بنسعيد يشيد بحصيلة الحكومة ويدعو لتعزيز التواصل لإبراز المنجزات    محاكمة بعيوي في قضية "إسكوبار" تكشف جوانب مثيرة من الصراع الأسري لرئيس جهة الشرق السابق    الصيد البحري : تسليم 415 محركا لقوارب تقليدية لتحسين الإنتاجية والسلامة البحرية    العطلة المدرسية تبدأ مع طقس مستقر    وزارة الشباب تكشف عن "برنامج التخييم 2025" وتستهدف 197 ألف مستفيد    السلطات البلجيكية تحبط محاولة استهداف مسجد في مولنبيك خلال صلاة الجمعة    اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس: خطوة أولى نحو السلام أم محطة مؤقتة في طريق الصراع؟    الكعبي يتجاوز مواطنه العرابي … ويدخل التاريخ كأفضل هداف اولمبياكوس في المباريات الاوروبية    الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تجدد تراخيص الإذاعات الخاصة    تركيا..طفلان يتناولان حبوب منع الحمل بالخطأ وهذا ما حدث!    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة والمعهد المتخصص في الفندقة والسياحة بالحوزية يحتفيان بالسنة الأمازيغية    إضراب عام يشل حركة جماعات الناظور ليوم كامل احتجاجا على تغييب الحوار    تراجع التلقيح ضد "بوحمرون" إلى 60%.. وزارة الصحة في مرمى الانتقادات    "الطرق السيارة" تنبه السائقين مع بدء العطلة المدرسية    عمدة المدينة: جماعة طنجة لن تدخر أي جهد لجعل المدينة في مستوى التظاهرات الدولية وتطلعات المواطنين    اعتقال وحش آدمي تسبب في وفاة ابنة زوجته ذات الثلاث سنوات    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    تعيين الفرنسي رودي غارسيا مدربا جديدا لمنتخب بلجيكا    الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى: مشروع قانون الإضراب غير عادل    بورصة البيضاء تفتتح التداول بارتفاع    الجزائر نحو عزلة داخلية بعدما عزلها العالم    الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة…انتشار حاد لفيروس الحصبة وفقدان أرواح الأطفال    تنفيذا لتعهدات ترامب .. أمريكا ترحل مئات المهاجرين    السكوري: مناقشة مشروع قانون الإضراب تتم في جو عال من المسؤولية    تداولات الإفتتاح ببورصة البيضاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    لقجع ينفي ما روجه الإعلام الإسباني بخصوص سعي "فيفا" تقليص ملاعب المغرب خلال مونديال 2030    العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية تعقد اجتماع مكتبها المديري    مايك وان" يُطلق أغنية "ولاء"بإيقاع حساني    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    تضارب في الأرقام حول التسوية الطوعية الضريبية    ما هو سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة معا في الدنمارك؟    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    عبد الصادق: مواجهة طنجة للنسيان    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الاشتراكي يدعو قوى التقدم جنوب المتوسط إلى الدفاع عن قيمها وخلق قطب أورومتوسطي ديموقراطي

طالب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قوى التقدم في البلدان جنوب المتوسط، أن تستفيق و أن تعمل من أجل الدفاع عن قيمها، على الصعيد السياسي بإقامة قواعد الدمقراطية الحقيقية للأنظمة السياسية، و على الصعيد المجتمعي و الثقافي بالدفاع عن مكتسبات الحداثة و الانفتاح, و على الصعيد الاقتصادي بمكافحة ممارسات الفساد و الريع و بإقامة نموذج عمل فعال لاقتصاد متنوع و أكثر فعالية.
وفي كلمة بمناسبة اجتماع لجنة الأممية الاشتراكية للسياسة الاقتصادية، الشغل و الموارد الوطنية, المنعقد بالرباط يومي 9 و 10 يناير 2012 ، اعتبر الاتحاد الاشتراكي أن وضع مقاربة تعاون مجددة جنوب-جنوب تفرض إذن إطلاق المشاريع الإقليمية، خاصة منها مشاريع المغرب العربي. و هي تفترض أيضا إنجاز عمل تضامني كبير, خاصة على مستوى التحويلات المالية بين الدول ذات الفائض و الدول التي تعاني من العجز في العالم العربي ، مشددا أن على بلدان جنوب المتوسط و البلدان الأوربية أن تستثمر فرصة الخروج من الأزمة كي تخلق قطبا أورو-متوسطيا نشيطا و جذابا حول قيم دمقراطية كونية و حول معايير الفعالية و التضامن.
وفي ما يلي نص الكلمة
كلمة وفد الاتحاد الاشتراكي في اجتماع لجنة السياسة الاقتصادية، الشغل و الموارد الوطنية, المنعقد بالرباط يومي 9 و 10 يناير 2012
قراءة اقتصادية في التحولات والتطورات الحاصلة بالمتوسط سنة 2011
ترجمة: جبران خليل
شكلت سنة 2011 سنة حرجة للمنطقة المتوسطية، التي هز جنوبها الربيع العربي, فيما اهتز شمالها بأزمة الديون التي تكاد تتحول إلى أزمة هوية أوربية.
علاوة على أن أي قراءة اقتصادية لسنة 2011 بالمنطقة المتوسطية، ينبغي أن تأخذ بالاعتبار لزاما العوامل السياسية، و هي عوامل كانت حاسمة في مسلسل الانتفاضة و التطور الذي عرفته المنطقة و كذا في النتائج التي وصلت إليها.
أولا : 2011 سنة التحولات
الكبرى جنوب المتوسط
مرت الدول الواقعة جنوب المتوسط، طيلة سنة 2011، بزخم من الانتفاضات، كي لا نقول ثورات.و قد هم هذا الفعل السياسي الكبير و بدرجات مختلفة ، كافة دول الضفة الجنوبية للمتوسط التي كان عليها أن تعثر على إجابات للأسئلة التي أثارها هذا الزخم.
و قد جاء هذا الزخم كتعبير عن الامتعاض من هذه الأنظمة الاستبدادية (الحزب الوحيد و هيمنة الجيش) و من أشكال الحكامة المستندة على الزبونية و الفساد.و مطالبة عميقة بالمزيد من الكرامة و التغيير، أي بالدمقراطية.
هذا المسلسل المزدوج الرافض و المطالب تطور من خلال بعد مزدوج أيضا، إقليمي و جيلي:
-البعد الإقليمي:
شمل هذا المسلسل معظم الدول العربية الواقعة جنوب المتوسط بالرغم من اختلاف درجتها و وتيرتها (و هو ما ذكر بما عاشه العالم العربي في بداية الخمسينات، و هي الأحداث التي غيرت مسار تاريخه: مجيء الناصرية في يوليوز 1952 و إقامتها لنظام سياسي جديد يستند على هيمنة الحزب الوحيد و الجيش، الحركات الشعبية و الاستقلالية المطالبة بنهاية الاستعمار التي أعقبت اغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد في دسمبر 1952، نفي محمد الخامس من المغرب في غشت 1953، إطلاق حرب التحرير الجزائرية في نوفمبر 1954)
هذه التحولات و التطورات التي طبعت سنة 2011 تنتمي إذن لمنطق إقليمي، استوعبه العالم كله بهذا الشكل و هو ما يفسر تعبير «الربيع العربي» الذي أطلق عليه.
-البعد الجيلي:
جاءت المظاهرات الكبرى في مراكز المدن، و التي انطلقت من تونس و مصر، من الشباب، حيث تم تنظيمها بفضل استخدام هؤلاء الشباب لوسائل الاتصال الأكثر تطورا،و هي مظاهرات سلمية شكلت البروز السياسي لجيل جديد يرفض الوضع القائم و الجمود السياسي و يطالب بتغييرات عميقة في الأنظمة السائدة و طريقة عملها. لكن، في غياب قيادة و رؤية واضحة فإن هذه الحركات، ذات الجوهر الحداثي، تم استقطابها من طرف تيارات متطرفة يسارية،عدمية أو إسلامية-محافظة. و مع ذلك، فإن تنظيم انتخابات تعددية وشفافة , للمرة الأولى في معظم الحالات , قد فتح الطريق أمام فوز تيارات إسلامية معتدلة في تونس و مصر و المغرب أيضا.
و قد شكل وصول الإسلام السياسي إلى تدبير الشأن العام بواسطة الديمقراطية ظاهرة كبيرة في مجموع المنطقة، إذ دعمت الأحزاب الإسلامية، التي كانت موضع متابعات و قمع من الأنظمة القائمة في السابق (خاصة في تونس و مصر) موقعها و مكانتها داخل المجتمع.
كما شكلت مأسسة الإسلام السياسي عبر الانتخابات، تجاوزا لمرحلة مابعد الاستعمار و مابعد الحزب الوحيد. و فتحت دورة جديدة من تطور الأنظمة السياسية بالعالم العربي. و حينها نتساءل عما إذا كان الإسلام السياسي قادرا، من وجهة النظر هاته، على المساهمة في تطوير الدمقراطية التعددية بمنطقة جنوب المتوسط.
الآن و بعد عرض هذه المعطيات،أي قراءة اقتصادية يمكننا إعطاؤها للتغييرات التي مست المنطقة سنة 2011.
نقطة انطلاق مجموع هذه التطورات ، هي الوضع الدمغرافي غير المسبوق في تاريخ البشرية: 35 بالمائة من سكان جميع البلدان العربية جنوب المتوسط يتراوح سنهم بين 15 و 35 سنة. و يتعلق الأمر بشبيبة تلقت تكوينا سيئا في معظمه، بواسطة أنظمة تربوية فاشلة، شبيبة محاصرة ،بدون آفاق مستقبلية و بمطالب مشروعة، خاصة في مجالات التشغيل و تحسين الشروط الاجتماعية. و لأن طريقة اشتغال الاقتصادات الوطنية لا تقدم لها أي أفق، فإن هذه الشبيبة انتفضت و وضعت الأنظمة أمام مسؤولياتها. و قد كانت شعاراتها بسيطة: مكافحة الفساد و سوء توزيع الثروات و المداخيل، القضاء على الأنظمة الاستبدادية و المزيد من الكرامة والحرية.
وعلى هذا المستوى، من المهم إثارة طبيعة عمل الاقتصاديات جنوب المتوسط، المميزة بالريع النفطي الذي ازداد وزنه مع ارتفاع أسعار المحروقات. فبطريقة مباشرة أو غير مباشرة, تم إقحام منطق الريع في المجموعات الاقتصادية-الاجتماعية لكافة البلدان العربية. و ساهم هذا المنطق في تدعيم مركزة القرارات السياسية و سهل الممارسات الاستبدادية و الفاسدة. كما أتاح، حقا، معدلات نمو مرتفعة و مراكمة فوائض مالية في البلدان المنتجة للمحروقات. بيد أنه ساهم أيضا في توسيع الفوارق في توزيع الثروات و المداخيل، و لم يساعد في تقليص البطالة، خاصة في صفوف الشباب ضحايا الأنظمة التربوية و التكوينية غير الملائمة.
لقد منع منطق الريع ازدهار ثقافة العمل و الابتكار و تنويع المنظومة الإنتاجية. و هكذا تم توجيه معظم الاستثمارات، بعيدا عن إنعاش التصنيع، نحو تجهيزات البنية التحتية و المضاربات العقارية. كما سهلت طريقة عمل الريع السيطرة السياسية لأقلية عائلية أو قبلية (مصر،تونس،ليبيا و سوريا) هيمنت بكل حرية على تدبير الاقتصاد لفائدتها.
و شكل ارتفاع أسعار المنتوجات الطاقية خلال السنوات الأخيرة الماضية سببا في مراكمة فوائض في الميزانية و في ميزان الأداءات بهذه الدول المنتجة، من السعودية حتى الجزائر. كما سمح هذا الارتفاع للحكومات باستعمال الريع النفطي للاستجابة للمطالب الاجتماعية و تهدئة الانتظارات. و في المقابل، تسببت في اختلالات في المالية العمومية و الحسابات الخارجية للبلدان غير المنتجة للنفط ، مثل المغرب و الأردن و سوريا جزئيا و تونس و مصر. هذه البلدان وجدت نفسها، من جهة أخرى، متأثرة بانخفاض وتيرة النمو بأوربا، المستورد الأول لصادراتها التقليدية، الغذائية و المنتوجات اليدوية و المصدر الأول للعملة الصعبة المرتبطة بأعمال المهاجرين و بالنشاط السياحي. كما كانت هذه الدول ،إضافة لكل هذا، ضحية نقص الدينامية في الشراكة الأورومتوسطية مما حال دونها و الاندماج في دورة نمو اقتصادي جيد و مستمر. و قد دعمت أزمة 2008-2009 وامتداداتها التوجهات التي تم التعبير عنها بتقليص الطلب الأوربي على الاقتصاديات الجنوب-متوسطية.
ولهذا فإن إضرام محمد بوعزيزي النار في جسده، و هو ما اعتبر نقطة انطلاق للربيع العربي، ينبغي وضعه في السياق التالي: فهو عمل يائس من واحد من ضحايا النظام السياسي المنخور ونتيجة لاختلالات الاقتصاد الوطني و الدولي،المتسم بآثار ارتفاع أسعار المواد الأولية و المواد الطاقية من جهة و بوتيرة النمو الأوربية من جهة ثانية.
فبإدارتها الظهر إلى المتوسط، دعمت أوربا هشاشتها الخاصة في مواجهة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية .
ثانيا: أوربا و أزمة المديونية.
أظهرت أزمة 2008-2009 الأسباب العميقة لاختلالات الاقتصاد العالمي خاصة في البلدان الأكثر نموا. فأصل هذه الاختلالات، هو مسلسل انسحاب الدولة (في بداية الثمانينات) و صعود التيار النيوليبرالي، الذي ازدادت قوته بغياب الاتحاد السوفياتي (1989) و إقرار نموذج اقتصاد السوق و العالم الأحادي القطب.
و قد قادت التمويلية المفرطة لوظيفة الاقتصاد، الدول في البلدان النامية إلى تفويض دورها كمحرك للاقتصاد، إلى الأنظمة المالية. و هو ما انعكس في التوزيع المفرط للقروض و إلى مضاعفة المنتوجات المالية خارج أي تقنين أو معيار. و بذلك فقد أصابت الأزمة المالية الاقتصاد الواقعي بالعدوى و انتشرت انطلاقا من الولايات المتحدة، القطب المركزي للاقتصاد العالمي كي تصيب مجموع الاقتصادات النامية ،خاصة في أوربا.
اهتمت الدول و البنوك المركزية بالدرجة الأولى بالحفاظ على أنظمتها البنكية (الاقتصاد المالي) قبل التدخل لمساندة المقاولات المملوكة للقطاعات المتضررة أكثر (الاقتصاد الواقعي).و للوصول لهذا الهدف، قامت الدول بالاستدانة.وهكذا تحولت أزمة المديونية الخاصة، في الغالب، إلى أزمة مديونية عمومية.
لكن، و بفضل الدينامية الاقتصادية للاقتصادات الصاعدة (الصين و الهند والبرازيل) تمكن الاقتصاد العالمي من تفادي بطء معمم، حيث أصبح الطلب القادم من هذه الاقتصادات هو المحرك الوحيد للاقتصاد العالمي.
هكذا أتاحت الأزمة انتشارا جديدا للحكامة العالمية: فبحلولها محل مجموعة الثماني (جي 8)، أتاحت مجموعة العشرين (جي 20) للدول الصاعدة، و خاصة للصين،أن تصبح فاعلة لا محيد عنها في العلاقات الاقتصادية العالمية . فبفوائضها، أصبحت تساهم في سد العجز و الاستجابة لحاجيات التمويل لدى دول الشمال النامية ، و ذلك من خلال التوظيفات المالية في الخزينة الأمريكية ثم الأوربية فيما بعد.
و أمام استمرار معدل نمو رخو،ترددت السياسات الاقتصادية للدول بين إغراء الحزم بغية تطويق العجز، و مطالب النمو من أجل إطلاق آلة الإنتاج من جديد.
و قد اتخذ هذا النقاش طابعا سياسيا، بل أيديولوجيا، في الولايات المتحدة بين الرئيس أوباما الذي يسعى إلى تقليص عجز الميزانية بفرض ضرائب على الأكثر غنى و إطلاق الاقتصاد بتخصيص بعض النفقات العمومية من جهة، و الكونغريس،الذي يسيطر عليه المحافظون المرتبطون بالايديولوجية الليبرالية، بل الرجعية ، و الذي يفضل خيار تقليص النفقات العمومية من أجل تقليص العجز من جهة ثانية.
وقد وضعت امتدادات آثار الأزمة الاقتصادية مجموع أوربا في وضع حرج جدا.فعموما, كانت اقتصاديات أوربا راكدة (مع استثناءات قليلة من ضمنها ألمانيا). و ارتفع معدل البطالة في كل مكان، متجاوزا 10 بالمائة في المتوسط ،مع تفاقم العجز العمومي.
أما الوضع في بلدان جنوب أوربا، مثل البرتغال و إسبانيا و إيطاليا و خصوصا اليونان، فقد كان أكثر هشاشة. و هذا التفاقم يزعزع مجموع أوربا و يضع علامة استفهام حول مستقبل الأورو.
و قد شكل الغياب العملياتي بين القائدين الفرنسي و الألماني، و تردد المستشارة «أنجيلا ميركل» و رفضها الانضمام إلى مقاربة ثنائية لتدبير ديون الدول الأوربية، عوامل لم تسمح بإيجاد الحل للاختلالات المالية لليونان. بل ساهمت في توسيع دائرة عدم الاستقرار و امتدادها نحو إيطاليا في الوقت الذي كانت فيه إسبانيا و البرتغال تجمعان مؤشرات الانهيار التي تمس الاقتصاد الواقعي (معدل نمو شبه سلبي و معدل بطالة يتجاوز 20 بالمائة) و الاقتصاد المالي (عجز ميزانية يصل إلى 8 بالمائة).
و رغم تدخل صندوق النقد الدولي و البنك المركزي الأوربي و صناديق دعم أوربية من أجل مساعدة كل هذه الدول فإنها لم تتمكن من إعادة الثقة للأسواق و لا إعادة وضع الأورو في أفق الاستقرار و الجاذبية.
في نهاية المطاف، فإن السوق قد انتصر و جاء بأحزاب يمينية لقيادة الحكومة، بشكل كلي أو جزئي، في هذه الدول الأربع جنوب المتوسط. و خلق بالتالي الشروط السياسية لتطبيق سياسات تقشفية. و يبدو أن آفاق معاهدة أوربية جديدة تؤكد «القاعدة الذهبية» في تدبير ميزانيات الدول تشكل أولوية هذا الخيار.
و في بداية سنة 2012 هاته، فإن على بلدان المتوسط أن تجد الحلول لإخراج اقتصادياتها من الحلقات المفرغة التي توجد داخلها: نمو بطيء، بطالة، استدانة و عجز في الشمال، هيمنة اقتصاد الريع، بطالة و سوء توزيع للمداخيل و الثروات في الجنوب.
فالحكومات في كل مكان أصبحت اليوم بيد القوى المحافظة: في الشمال بواسطة اليمين الذي وضعته الظرفية الاقتصادية و المالية في القيادة ، و في الجنوب مع دخول الإسلاميين إلى دائرة تدبير الشأن العام.
لذلك فإن على قوى التقدم في البلدان جنوب المتوسط، أن تستفيق و أن تعمل من أجل الدفاع عن قيمها ،على الصعيد السياسي بإقامة قواعد الدمقراطية الحقيقية للأنظمة السياسية، وعلى الصعيد المجتمعي و الثقافي بالدفاع عن مكتسبات الحداثة و الانفتاح, وعلى الصعيد الاقتصادي بمكافحة ممارسات الفساد و الريع وبإقامة نموذج عمل فعال لاقتصاد متنوع وأكثر فعالية، و على الصعيد الإقليمي بالمساهمة في وضع حد للتوترات الإقليمية، التي تفضلها الأنظمة الاستبدادية القديمة وإنعاش تعاون جنوب-جنوب، ضروري لتحسين جاذبية الاقتصاديات الوطنية.
إن وضع مقاربة تعاون مجددة جنوب-جنوب تفرض إذن إطلاق المشاريع الإقليمية، خاصة منها مشاريع المغرب العربي. وهي تفترض أيضا إنجاز عمل تضامني كبير خاصة على مستوى التحويلات المالية بين الدول ذات الفائض والدول التي تعاني من العجز في العالم العربي: و تشكل مقترحات الدول الخليجية ،بالمساهمة في تهدئة الانتظارات الاجتماعية بالمنطقة، نقطة انطلاق لهذا العمل التضامني. و هي مقترحات تنضم للالتزامات التي توصلت إليها اجتماعات مجموعة الثماني في «دوفيل» في ماي 2011 من أجل مرافقة الانتقال الدمقراطي الذي قد يولد من حراك الربيع العربي.
وفي أوربا،فإن على القوى الديمقراطية والاشتراكية أن تعمل من أجل بعث روح التعاون والتضامن الأوربي، بهدف تيسير التجديد في أوربا أكثر انسجاما، أكثر قوة، قادرة على إدماج وسائل السياسة الاقتصادية،خاصة المالية والنقدية، من أجل وضعها جميعا في خدمة نمو متضامن.
إن سنة 2012 ستكون سنة حرجة لأوربا. فعليها أن تجيب عن متطلبات اختلالات النمو، و أن تكون حكما بين انتظارات الدمقراطية و انتظارات السوق.
وأوربا بحاجة إلى استعادة وتيرة نموها المحترمة لكي تنقذ موقعها في عالم متعدد الأقطاب.
و من أجل حياتها نفسها و من أجل الالتحاق بدينامية جديدة، فإن أوربا بحاجة إلى الانفتاح على المتوسط الذي أدارت له ظهرها منذ ميلاده.
و معا، فإن على بلدان جنوب المتوسط و البلدان الأوربية أن تستثمر فرصة الخروج من الأزمة كي تخلق قطبا أورو-متوسطيا نشيطا و جذابا حول قيم دمقراطية كونية و حول معايير الفعالية و التضامن.
معا، عليها العمل من أجل خلق شروط سلام عادل ودائم بالشرق الأوسط كي تتم مكافحة كل التطرفات و إقرار القاعدة للانتقالات الدمقراطية، والاستقرار الضروري للمجموع الأورو-متوسطي.
إعلان الرباط الاستراتيجيات السوسيو - اقتصادية في الدول العربية تنبني على قيم اشتراكية ديمقراطية
1 المعرفة والوعي بالقيم الأساسية للدولة التي توفر الرفاه الاجتماعي هي أولى الخطوات في اتجاه المفاهيم السياسية والاستراتيجية ذات الأثر الإيجابي على التنمية في الدول العربية. ويتمثل أهم تحد في التعريف بشكل واضح بالعلاقة التبادلية بين اعتماد حماية اجتماعية فاعلة، الاندماج الاجتماعي، تكافؤ الفرص والعدل في فرض الضرائب.
2 الدول الاشتراكية قائمة على أساس قيم العدالة الاجتماعية، التضامن والتوظيف التام. ولا تتعارض هاته القيم ودينامية النمو الاقتصادي أو التنمية المستدامة. الدول الاشتراكية توجد في اقتصاد السوق الديمقراطي مع ما يشمله ذلك من الملكية الخاصة.
3 ثمة خمسة جسور اجتماعية داخل الدول الاشتراكية، تتعلق بالشعوب ويتعين إدماجها اجتماعيا على امتداد مراحل الحياة: التعليم لجميع الأطفال، التكوين المهني، الاندماج في سوق العمل بعد استكمال التكوين، التعليم على مدى الحياة، الأمن الصحي، إعادة الإدماج في الحياة العملية في حال البطالة، نظام معاشات مؤمن لكافة الأشخاص المتقدمين في السن.
والأهم في كل هذا بالنسبة للدول العربية في الوقت الراهن هو إدماج الشباب في المجتمعات. وسيعتمد هذا الأمر بدرجة كبيرة على تحسين مستوى الدولة الاشتراكية.
تساعد الجسور الاجتماعية على خلق مجتمع مرن ودينامي.
المساواة بين الجنسين، بما في ذلك الأجور، أمر أساسي من أجل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وبالتالي فهي مكون ضروري لبناء دولة اشتراكية. ومن العناصر الأساسية أيضا في هذا الإطار هناك سياسة تسهل على النساء والرجال التنسيق على مستوى العمل، والأبوة والحياة الخاصة من خلال رعاية حكومية جيدة بالأطفال، وإتاحة إمكانية مغادرة العمل بالنسبة للآباء والأمهات. ومن شأن نظام اجتماعي من هذا القبيل ضمان المساواة بين الجنسين، وبالتالي بلوغ مستوى عال في التشغيل.
4 العمل غير النظامي والأمن الاجتماعي غير النظامي يتعارضان واستراتيجية الرفاه الاجتماعي بالنسبة لأغلب الدول العربية. الغالبية العظمى من العلاقات بين المشغل والمستخدَم قائمة على العمل غير النظامي.
للتشغيل غير النظامي أشكال متعددة، لكنها تشترك في أمر واحد: كونها غير معترف بها رسميا، وهو ما يعني أن المستخدَمين لا يستفيدون من الحماية الاجتماعية التي ينص عليها القانون. ويؤثر هذا المشكل بالدرجة الأولى على أضعف مكونات المجتمع , الشباب، النساء والمهاجرين. في بعض الحالات يصعب اعتماد تحولات اجتماعية بسبب كبر حصة التشغيل التي توجد في الاقتصاد غير النظامي. وثمة حلول مختلفة من أجل وضع حد للتشغيل غير النظامي.
هناك عنصر قانوني في ظل وجود قانون الشغل وحقوق الإنسان؛ وتعتبر الإجراءات القانونية حاسمة على المدى البعيد بالنسبة لكل حالة على حدة.
المستوى العام للضرائب أكثر ارتفاعا في الدول الأكثر تقدما وبالتالي وجود نظام اندماج اجتماعي فاعل، في حين أن الأمر أقل بالنسبة للدول الأقل تقدما والتي تفتقد للأمن الاجتماعي. يجب على الدول العربية العمل على اعتماد تقسيم أكثر عدلا للدخل. فرض ضرائب في مستوى مقبول وإقامة نظام جبائي فعال، من أجل تفادي التضخم الضريبي.
من الضروري إقناع المواطنين بأن الأمن الاجتماعي الممول من طرف الدولة سيكون في صالح الجميع. غير أن القوانين الضريبية وجمع الضرائب يطرحون مشكلا حقيقيا يستعصي على الفهم. لكن جمع الضرائب بطريقة أكثر فعالية ضروري. والتوزيع العادل يعني فرض ضرائب أكثر على المداخيل الكبرى، التي لا تتم إعادة استثمارها، وبالتالي المساهمة في التنمية الاقتصادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.