سنة بعد فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي, يبدو من المؤكد أكثر فأكثر أن الشعب التونسي هو الذي دفعه للفرار، لكن هذا اليوم الخالد (14 يناير 2011) لم يكشف عن جميع أسراره. ومع توالي الشهادات بدأت تظهر أجزاء الحقيقية وأيضا شكوك بوجود مؤامرة واشاعات والاخبار المغلوطة والتناقضات أو فقط أحداث تؤكد أن تظافر عدة ظروف لعبت أيضا دورها. واستنادا إلى شهادات أزيد من 20 مسؤولا وعلى ضوء تحقيق لدى العديد من الفاعلين المباشرين، نقدم في هذا المقال أقوى اللحظات في هذا اليوم الذي تحولت خلاله تونس, وشكل بداية الربيع العربي...). كل شيء بدأ بمصادفة ماكرة بعد 17 دجنبر 2010، في الوقت الذي أضرم الشاب محمد البوعزيزي البائع المتجول النار في جسده في بلدة سيدي بوزيد القروية وسط البلاد، مشعلا بذلك فتيل الاحتجاج. كان بن علي وزوجته ليلى طرابلسي وأبناؤهما يستعدون لامتطاء الطائرة الرئاسية لقضاء عطلة نهاية السنة في ماليزيا، كان بن علي قد وعد ابنه محمد البالغ من العمر 6 سنوات اصطحابه هناك، ولكن في آخر لحظة تأجل السفر لبضعة أيام ليس بسبب الفعل المفجع الذي أقدم عليه البوعزيزي, ولكن لأن ليلى لم تتشاف بعد من عملية جراحية تجميلية أجريت لها في مصحة معدة خصيصا داخل القصر الرئاسي في سيدي ظريف ببوسعيد. وماليزيا بعيدة جدا من أجل العودة في حالة الاستعجال, واستقر الرأي على دبي المفضلة لآل الطرابلسي على بعد 5 ساعات من الطيران كوجهة لرحلة الطائرة الرئاسية من نوع إيرباص A340 التي اشتراها بن علي على نفقة الدولة بمبلغ 300 مليون دولار، وتمت الرحلة يوم 23 دجنبر, كانت الحالة الأمنية في البلاد تزداد تدهورا، وتم تقليص الزيارة الرئاسية لمدة 24 ساعة، بعد العودة يوم 28 دجنبر، كان بن علي غاضبا لأنه تم إفساد عطلة ابنه، وألقى يومها أول الخطابين القويين اللذين سيزيدان فورة الثورة التي كانت تعتمل في وسط وجنوب البلاد قبل أن تتسع فيما بعد إلى الشمال لتعصف به في النهاية يوم 14 يناير. 9 - 10 يناير: في أول اجتماع تنسيقي لكبار مسؤولي قوات الأمن الداخلي (الشرطة والحرس المدني) والجيش, كان الجنرال على السرياتي, رئيس الأمن الرئاسي منذ 11 سنة، يضطلع بدور محوري يخوله له قربه من رئيس الدولة, ومن اليوم الموالي اتخذ الجنرال رشيد عمار قائد أركان القوات البرية عدة اجراءات لتفادي خلط الأدوار بين عمليات الأمن الموكولة لوزارة الداخلية وحماية مؤسسات الدولة والبنايات العمومية الموكولة للجيش, وارتكازا على القواعد التقليدية للجيش الجمهوري وجه الجنرال رشيد عمار يوم 10 يناير »برقية إدارية« لوحدات الجيش يخبرهم فيها بعدم استعمال السلاح الناري إلا بأمر مباشر من القيادة, أرسلت نسخة من هذه البرقية لبن علي، وهكذا أصبح عمار في الواجهة وصرح فيما بعد قائلا» »لم أتلق الأمر بإطلاق النار حتى أقول« لا». 12 يناير: قال بن علي مخاطبا السرياتي» »تلقيت معلومات صادرة عن مصالح بريطانية خاصة تفيد بوجود جاسوس داخل الرئاسة دون تحديد هويته أو وظيفته«« دافع السرياتي بالقول أن التحقيق الذي باشره على الفور داخل الأمن الرئاسي لم يفض إلى أي نتيجة. ربما كان الأمر يتعلق باشاعة كما ستظهر اشاعات أخرى في دوائر السلطة خلال الأيام الموالية. 13 يناير: وصلت الثورة إلى ضواحي العاصمة، تحدث السرياتي مع بن علي عن الوضعية الأمنية: »أخبرته أن الوضعية صعبة وأن قوات الأمن لم تعد قادرة على التحكم فيها,« حوالي الساعة السابعة مساء أخبر بن علي السرياني بأن بلحسن الطرابلسي (شقيق ليلي) أشار إلى محاولة هجوم على منزله بضواحي سوكرة من طرف أشخاص مجهولين, أرسل السرياتي دورية إلى عين المكان ولم تجد أحدا. بن علي أمر» »بتعزيز حماية اقامات أفراد عائلة الطرابلسي«« في التاسعة ليلا اتصل السرياتي هاتفيا بالجنرال رشيد عمار» »ضعوا وحدات عسكرية في مواضع حول القصر الرئاسي بالتنسيق مع الأمن الرئاسي»«. 14 يناير صباحا: في ذلك اليوم، راهن بن علي بكل شيء. في الليلة السابقة كان قد ألقى ثالث خطاب له منذ اندلاع الأحداث, قدم خلاله وعودا جديدة من أجل البقاء في السلطة حتى 2014، كان الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من المحامين قد دعوا إلى مظاهرة في العاصمة. صباح ذلك اليوم في مكتب بن علي قدم السرياتي تقريره عن الأحداث خلال 24 ساعة الماضية ,بلغ عدد القتلى بالرصاص 28 شخصا، من بينهم 8 في العاصمة وضواحيها (تم إحصاء 6 قتلى في كرام على بعد 3 كلم من القصر الرئاسي في قرطاج) أخبرته أيضا بوجود وثيقة نشرت على الانترنيت تشير إلى أن عددا من مستعملي الانترنيت يعودون لتجمعات واعتصامات في شارع بورقيبة (أهم شوارع العاصمة) للمطالبة بإسقاط النظام، أرسلت بنسخة من هذه الوثيقة عبر الفاكس إلى المدير العام للأمين الوطني وإلى رئيس أركان القوات البرية وخلاصتي: يوم الجمعة هذا سيكون صعبا«. أمر بن علي بعدم الافصاح عن عدد القتلى. فيما بعد طلب رئيس الدولة من السرياتي الالتحاق به مجددا بمكتبه بقصر قرطاج من أجل اتخاذ الاجراءات الاحترازية لضمان أمن القصر الرئاسي: يقول السرياتي:» قدمت له خطة استعجالية لضمان ترحيله هو وعائلته من قصر سيدي ظريف (حيث يقيم الرئيس وزوجته) أو من قصر قرطاج في حالة تعرضهما لهجوم طرحت ثلاث فرضيات: الترحيل عبر البحر أو بواسطة طائرة هليكوبتر في اتجاه قصر حمامات (60 كلم جنوب العاصمة) أو بواسطة الطائرة الرئاسية نحو منطقة آمنة، كانت حسب تقديري هي مطار انفيضة (على بعد 150 كلم إلى الجنوب من العاصمة) لكن لم يخطر ببالي أن ذلك قد يكون خارج البلاد، كان يبدو لي أن بن علي يستعد لهذه الفرضية«. حوالي العاشرة: قال بن علي للسرياتي: »تلقيت أخبارا من بعض أفراد عائلة الطرابلسي بأن أفرادا من مصالح الأمن بالزي المدني كانوا يوجهون بعض المتظاهرين نحو اقاماتهم, تأكد من الأمر، قال السرياتي للجنرال عمار:»كثف من الدوريات العسكرية في المناطق السكنية التي تقطنها عائلة الطرابلسي وعائلة بن علي«, أجاب عمار »الجيش يحمي مؤسسات الدولة لا غير«. قبيل منتصف النهار: أخبر أحمد فريحة وزير الداخلية السرياتي: »عدد المتظاهرين أمام وزارة الداخلية يتزايد بعضهم يحاول تسلق النوافذ، ما العمل؟ طلب السرياتي من الجنرال رشيد عمار تحريك ثلاث مدرعات كانت متمركزة بعيدا إلى مواقع أقرب في ساحة افريقيا غير بعيد عن وزارة الداخلية ومقر التجمع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم). 12و40 دقيقة: السرياتي مخاطبا الجنرال عمار: »أخبرني بن علي أنه تلقى معلومة من مصدر خارجي تفيد بأن راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة المنفي) سيعود إلى البلاد وأنه في هذا الصدد قلق من أن المطار لا يوجد ضمن النقط المحمية (من طرف الجيش)«. حوالي الساعة 13 - 13 ونصف: خاطبت حليمة ابنة بن علي وليلى علي السرياتي قائلة: »عمي علي آل الطرابلسي اجتاحونا (في قصر سيدي ظريف) منهم من لم أره في حياتي, هل بإمكانه أن تجد لهم طائرة تقلهم إلى الخارج؟« سأل السرياتي كم عددهم ردت حليمة عددهم 27 فردا. أجابها: »سأنظر في الأمر ولكن من الأفضل أخذ رأي والدك«. حوالي 13و30 دقيقة والثانية زوالا: جهزوا أسلحتكم, كان ذلك الأمر الصادر لقوات الشرطة المتمركزة في مواجهة المظاهرة الجارية أمام شرفات وزارة الداخلية وفي شارع بورقيبة منذ الصباح، اتصل أحمد فريعة بالسرياتي قائلا بالفرنسية ?-c?est foutu ;ca d?g?n?re ? أخبر السرياتي على الفور بهذا التطور, نقل السرياتي أمرا من بن علي إلى فريعة »امنعوا المتظاهرين من دخول مبنى وزارة الداخلية، لابد من الصمود« (بالفرنسية). الساعة 14 و 50 دقيقة: بعد أن علم بوجود حوالي 30 من أفراد عائلة طرابلسي بالمطار، قرر العقيد سمير ترهوني قائد وحدة مكافحة الإرهاب التوجه إلى هناك صحبة 12 من رجاله لمنعهم من الهرب. بعدما علم بالأمر من طرف السرياتي ومن رجل أمن بالمطار، صاح بن علي بالفرنسية: »الأمر خطير جداً!«. الساعة الثالثة الثالثة والنصف بعد الزوال: اتخذ بن علي مع الجيش الاجراءات الضرورية لإعلان قانون الطوارىء، وأعلنت حالة الطوارىء ابتداء من الساعة الخامسة بعد الزوال. خاطب بن علي السرياتي بالفرنسية قائلا: »لم يعد الأمر بيدنا، إنه بيد الجيش«. في نفس الوقت، أمر بن علي الجنرال رشيد عمار بالتوجه إلى وزارة الداخلية وقيادة عمليات حفظ الأمن انطلاقا منها. وكلف الجنرال أحمد شبير ; المدير العام للأمن العسكري بتعويض الجنرال عمار في قاعة عمليات القوات البرية وتنسيق عمليات وحدات الجيش المشاركة في حفظ النظام. خاطب بن علي مجدداً السرياتي قائلا: »بالنظر إلى الوضعية، قررت أيضاً إرسال أفراد أسرتي الى العمرة بمكة. أعطيت التعليمات لرئيس البروتوكول محسن رحيم لإعداد السفر. اتخذ من جانبك الاجراءات التي من اختصاصك... سترافقان أنتما معاً العائلة في هذا السفر«. الساعة الرابعة والربع بعد الزوال: »في الوقت الذي وصل موكب ليلى الطرابلسي والعائلة إلى قصر قرطاج قادماً من قصر سيدي ظريف، استعداداً للتوجه الى المطار، أخذت محفظتي وتوجهت نحو مكتب الرئيس. أخبرت هاتفياً من طرف غرفة عمليات الأمن الرئاسي أن طائرة مروحية تقترب من أجواء القصر الرئاسي، وأن فرقاطتين من الحرس الوطني أبحرتا في اتجاه ميناء القصر الرئاسي. قيل لي إن حوالي 5000 شخص قادمين من كرام يتوجهون نحو الرئاسة....«. يحكي المهدي بن كايد (خطيب حليمة بن علي): »كان السرياتي يتحدث في الهاتف عندما بدأ يصيح: »اخرجوا! اخرجوا« فتح بن علي باب مكتبه، خرج منه صحبة زوجته ليلى وتساءل: »ماذا يجري؟ ماذا يجري؟« رد السرياتي قائلا: »اخرجوا، اخرجوا وأنتم معهم« بن علي »لماذا، ماذا يجري؟ قلت لك بأنني لن أرحل معهم«، رد السرياتي: »اخرجوا الآن، وسنناقش فيما بعد، رافقهم كما هي العادة إلى المطار وسنناقش فيما بعد«. تساءل بن علي: »علي (السرياتي) ما الذي يجري؟» رد السرياتي: »سيدي الرئيس، هناك فرقاطة تطلق قدائف في اتجاه القصر« بن علي: »لنحاول على الأقل المرور عبر قصر سيدي بوسعيد (سيدي ظريف) وبعد ذلك سنرافقهم«. السرياتي: »لنخرج الآن!«. خرجنا على عجل، يحكي بن كايد، وتوجهنا نحو الموكب. قال السرياتي »اتبعوني، اتبعوني« ثم اتجه نحو المطار. في الطريق اصطدمت سيارته (أودي) بسيارة (بولو)، لكنه لم يتوقف، كان يقود بسرعة فائقة الى درجة أن بن علي طلب من ليلى التي كانت تقود سيارة لينكولن (وكان على متنها بن كايد) عدم الإفراط في السرعة. توقف الموكب أمام البوابة الحديدية لثكنة العوينة، وبدأ السرياتي يطلق بوق السيارة، ثم نزل يطرق الباب بيديه إلى أن فتح الباب، وتمكن الموكب من الدخول«. كان السرياتي يقف أمام سلم الطائرة» »سترحل معهم سيدي الرئيس«، رد بن علي: »لا! لا، لن أرحل، سأبقى هنا«« توجه بن علي نحو ليلى ومجموعة آل الطرابلسي التي كانت في المكان، خاطبوه قائلين: »نحن نحبك، لا تتركنا«. حليمة التي لم تكن تحب آل الطرابلسي، خاطبت رجل أمن قائلة: »اعطني سلاحك، حتى أقتلهم جميعًا«. أشارت ليلى لابن عمها سيف الطرابلسي بالصعود للطائرة، صاحت حليمة: »أطلقوا أبي! وإلا سأقتلكم واحداً واحدا!«. السرياتي الذي كان سيركب أيضاً: »سيدتي. سيدي الرئيس، اركبا، لنوقف هذا الأمر..« بن علي »ما العمل؟ هل سنترك البلاد لمصيرها؟ ستبقى حتى عودتي، سأرافقهم وسأعود«. وحسب رواية رحيم: »رد السرياتي: لا تعد إلا عندما أتصل بك سيدي الرئيس». الساعة الرابعة و 43 دقيقة: قال رضى كريرة وزير الدفاع مخاطبا الجنرال عمار بخصوص »تمرد« رجال سمير ترهوني الذين يحتجزون عائلة طرابلسي وعائلة بن علي بالقاعة الشرفية بمطار تونس: »اخبرني رئيس الدولة أن هناك مندسين متطرفين يعملون لصالح الإرهابيين، ويطلب الرئيس القضاء عليهم وأن نطلق عليهم الرصاص الحي إذا دعت الضرورة«، رد عمار على كريرة: »لحظة، لحظة، انتظر حتى أشغل مكبر صوت هاتفي حتى يسمعك كذلك أحمد قريعة الموجود بجانبي«، ألح كريرة مجدداً من أجل تحرير آل الطرابلسي المحتجزين في القاعة الشرفية بالمطار من طرف عناصر أمن وحدة مكافحة الإرهاب وقال لعمار »اقضوا عليهم! اقتلوهم، اضربوا!« رد عمار »سنتعامل مع هذا الأمر«، نعرف كيف سنتعامل. ولكن الأمر يتعلق برجال مسلحين والمطار مليء بالناس ويخشى أن يسقط العديد من الضحايا«. وخلال شهادته أمام العدالة، قال كريرة: »لم أتلق مثل هذه التعليمات من رئيس الدولة ولم أبلغ بمثل هذه التعليمات [...] لا أتذكر أنني قلت ذلك«. الساعة 16 و 45 دقيقة: قال الطيب لاجيمي رئيس أركان القوات الجوية لوزير الدفاع كريرة: »السرياتي أجبرني للتو أنهم قادمون لاستعمال الطائرة الرئاسية، ويطلب منا تسهيل دخول القاعدة« رد كريرة: »ليدخل!«. أخبر الجنرال شبير كذلك بالأمر. الساعة 16 و 53 د 16 و 55 د گكريرة مخاطباً لاجيمي: »طائرة مروحية لقوات مكافحة الإرهاب ستضرب الرئيس بن علي، أصدر له الأمر فوراً بالابتعاد. الرئاسة تلقت تعليمات بإطلاق النار عليكم، أبعدوا المروحية فورا«. لاجيمي: »لا توجد مروحية لمكافحة الإرهاب في الجو، ولكننا سنأمر بهبوط جميع الطائرات المحلقة في الجو« في الواقع، حطت 4 طائرات مروحية تابعة للجيش في قاعدة العوينة ما بين الساعة 16 والساعة 16 و 55 دقيقة، حاملة من بيزرت (60 كلم الى الشمال من العاصمة) رجالا من الوحدة الخاصة للقوات البرية لتقديم الدعم بأمر مستعجل من رضى كريرة، الوحيد المخول السماح الترخيص بالرحلات العسكرية، والذي أخبر السرياتي بمهمتها في الساعة 15 و 48 دقيقة من طرف لاجيمي في الساعة 16 و 55 دقيقة، وعندما كانت إحدى المروحيات القادمة من بيزرت تحط على أرضية المطار، كان موكب الرئيس يدخل قاعدة العوينة من المدخل المطل على طريق المرسى. كان الموكب يضم 12 أو 13 سيارة إحداها كانت تقودها ليلي طرابلسي وإلى جانبها بن علي وابنه محمد وابنته حليمة وخطيبها مهدي بن كايد. توقف الموكب لمدة ثلاث دقائق أمام القاعة الشرفية للقاعدة. وحده السرياتي نزل، وانقض حوالي 30 من رجال الحرس الرئاسي من سياراتهم من أجل تشكيل حاجز وأيديهم على أسلحتهم الأتوماتيكية. وعندما رأى مروحية القوات الخاصة للجيش على مقربة من الموكب، أشار السرياتي، وكان يتحدث في الهاتف للموكب بمواصلة السير لدخول مخزن الطائرة الرئاسية التي لم تكن جاهزة بعد للطيران. في تلك الأثناء، قال لاجيمي لرضى كريرة: »الموكب هنا وبن علي كذلك«. في الواقع، ومنذ بداية الظهيرة، كانت قيادة الأمن العسكري والجنرال لاجيمي في مكتبه بالوزارة وباتصال مع كريرة، على علم هاتفياً بأدق تفاصيل ما كان يجري في القاعدة، بما فيها وصول طاقم قيادة الطائرة الرئاسية في الساعة 16 و 30 دقيقة. وبينما كانت الاستعدادات للرحلة جارية، اتصل السرياتي بالجنرال عمار ليعرف آخر تطورات »التمرد« في المطار. رد عمار» »بالفعل هو تمرد للشرطة وللحرس الوطني»« السرياتي « »أمنوا برج المراقبة«« اتصل العقيد إلياس زلاّغ أحد مساعدي السرياتي، هاتفياً بيونس ترهوني قائد وحدة مكافحة الإرهاب »المتمرد« الذي كان سابقاً زميله في الحرس الرئاسي لمعرفة ما يجري بالمطار. وأخبر بن علي بما قال له ترهوني: »إلياس... إذا كنت رجلا، التحق بنا إننا نمسك بآل الطرابلسي. قائد وحدة مكافحة الإرهاب الذي تلقى بعد الظهر تعزيزات أخرى من وحدته وانظمت إليه الكتيبة الوطنية للتدخل السريع التابعة للشرطة، حصل, خلال وصول الموكب الرئاسي إلى المطار، دعم الوحدة الخاصة للحرس الوطني التي تعمل في المحيط الأمني لقصر قرطاج. وفي المجموع كان 170 رجلا ينتمون لثلاث وحدات النخبة التابعة لوزارة الداخلية قد دخلوا في »تمرد« بمطار تونس - قرطاج المدني المحاذي لقاعدة العوينة العسكرية ويتقاسمان نفس المدرجات. الساعة الخامسة و37د/ الخامسة و47د. انتهى تزويد الطائرة الرئاسية بالوقود في الساعة الخامسة و30 دقيقة. خاطب الجنرال لاجيمي وزير الدفاع رضى كريرة: »الرئيس وابنه صعدا إلى الطائرة الرئاسية». كريرة: »هل الطائرة ماتزال هناك؟ لم تقلع بعد؟ بسرعة، لينفذوا بسرعة« (بالفرنسية) سارت طائرة الإيرباص على المدرج. محروسة بسيارات الأمن الرئاسي حتى نقطة الإقلاع على المدرج. أقلعت الطائرة في الساعة الخامسة و47 دقيقة خاطب الجنرال لاجيمي وزير الدفاع رضى كريرة: «أقلعت الطائرة الرئاسية وعلى متنها بن علي»« كريرة : «»تابع الطائرة بالرادار حتى تغادر المجال الجوي التونسي، واخبرني بوجهتها«. مخطط الطيران الذي وضع في الساعة الخامسة و40 دقيقة لدى قاعة العمليات لسلاح الجو يتضمن رحلة بين تونسوجدة وكان على متن الطائرة إلى جانب بن علي وزوجته، ابنه محمد وابنته حليمة وخطيبها المهدي بن كايدة وطاقم الطائرة وموظفو الخدمة. حلقت الطائرة فوق سوسة، مونستير، صفاقس. وفي الساعة 18 و16 دقيقة قامت الطائرة بعدة تحليقات فوق مطار جربة لمدة 8 دقائق، للحصول على ترخيص بالطيران في الأجواء الليبيبة والتي منحها القدافي, تم حلقت فوق مصر وهبطت في جدة. وبينما أقلعت طائرة إيرباص الرئاسية، دخل السرياتي مصحوبا برحيم الى القاعة الشرفية لقاعدة العوينة، وأمام فنجان قهوة بالحليب، أطلق العنان لتكهناته» »هل سيعود؟« لا أعتقد ذلك««أعطى الترخيص لإلياس زلاغ، من الحرس الرئاسي للعودة إلى القصر مع رحيم وجال الأمن واوصى بالتوجه إلى هناك في مجموعات صغيرة. وبعد ربع ساعة على إقلاع الطائرة، اتصل بن علي هاتفيا من الطائرة بالسرياتي للتأكد من أن كل الترتيبات اتخذت مع السلطات السعودية لاستقبالهم بمطار جدة. السرياتي أعطى المكالمة لرحيم الذي أكد له أن جميع الترتيبات اتخذت. طلب بن علي من السرياتي انتظار ابنته غزوة زروق وعائلتها، وصلت هذه الأخيرة إلى القاعدة الشرفية للمطار بعد 10 دقائق. وبأمر من بن علي كان يتوجب على السرياتي أن يجد لهم طائرة تقلهم صحبة باقي آل الطرابلس الى جربة ومن هناك يسافرون الى ليبيا. في حدود الساعة السادسة مساء اتصل السرياتي هاتفيا بالجنرال لاجيمي: »احتاج طائرة C-130« لاجيمي: »لأية مهمة؟« السرياتي» »للتوجه إلى جربة»» اتصل لاجيمي برضى كريرة: »علي السرياتي يوجد في القاعة الشرفية لقادة العوينة ويطلب طائرة C-130، هناك مجموعة من الأشخاص برفقته. يحتاج طائرة للذهاب الى جربة,« لم يمانع كريرة, أعطى موافقته قبل أن يستدرك »ماذا يفعل السرياتي هناك؟ لماذا لم يذهب مع الرئيس؟ بعد خمس دقائق اتصل كريرة بالجنرال لاجيمي» »أطلب من مسؤول، يكون مصحوبا برجل مسلح، أن يعتقل السرياتي ويسحب منه سلاحه وهاتفه المحمول. افعلوا ذلك بعد رحيل الحرس الرئاسي من القاعة الشرفية. لتفادي حمام دم»» وأضاف كريرة» »السرياتي بصدد تنفيذ مؤامرة«« كانت الساعة 18 و30 دقيقة عندما تقدم عقيد وطلب من السرياتي تسليم سلاحه وهاتفه. سأل السرياتي: »لماذا؟ من الذي يجري؟« أجاب الضابط: »تلقيت الأمر باعتقالك,« سلم السرياتي سلاحه وهاتفه المحمول على الفور, »هل أفهم أنني معتقل؟«. أجابه الضابط »»إنها الأوامر» السرياتي» »نفذ مهمتك, إبني»« صرح السرياتي أن الضابط عاد بعد عشرة دقائق وقال له: »الجنرال لاجيمي يسأل إن كنت تريد الرحيل إلى الخارج«« وأنه رد: »لا، لا شيء يجبرني على مغادرة البلاد«. كريرة: »تعليماتي اقتصرت فقط على اعتقال المعني بالأمر وعزله ونزع سلاحه وهواتفه المحمولة«. كان السرياتي تحت الحراسة في القاعة الشرفية بالمطار، ومنها تابع المراسيم التي تسلم خلالها الوزير الأول محمد الغنوشي مهام رئاسة الجمهورية. على خط هاتفه المحمول الثاني الذي احتفظ به، تلقى مكالمة من رحيم يخبره أن وزير الدولة رئيس مكتب الرئاسة (عبد العزيز بن ضيا) أعلن أن العمل سيتسأنف في اليوم الموالي بشكل عادي، السرياتي »أنا في حالة اعتقال»« انقطع الخط، وصل ضابط وطلب منه تسليمه هاتفه الثاني، كانت الساعة السابعة مساء، وسلم السرياني من سلاح الجو الى الأمن العسكري ويوم الأحد 16 يناير حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، تمت إحالة السرياتي على المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة, حيث أخبره القاضي بأنه متهم »بالتآمر ضد أمن الدولة, وأصدر مذكرة اعتقال ضده وسيتم إطلاق سراح 5 رجال مدنيين من الرئاسة بعده بتهمة المشاركة. سيظل السرياتي في السجن متابعا بصحبة عدد من كبار مسؤولي مصالح الأمن في قضية شهداء الثورة. بعد الساعة السادسة مساء تلقي محمد الغنوشي وهو في قصر الحكومة بالقصبة من شخص قدم نفسه باسم سامي سيك سالم» »تحملوا مسؤولياتكم السيد الوزير الأول، لابد لنا أن نتحاشى حمام دم، تسلم الرئاسة، تسلم الرئاسة«« الغنوشي الذي لم يسبق أن سمع بالشخص الذي يكلمه، والذي لم يكن سوى الرجل الثالث في الأمن الرئاسي، أنكر معرفته برحيل بن علي ورد» »في حالة فراغ الرئاسة، فإن رئيس مجلس النواب هو المخول لشغل المنصب مؤقتا»» سيك سالم »»ومن غير؟»« الغنوشي» »رئيس مجلس المستشارين»» سيك سالم «»حسنا« انتهت المكالمة» اعتبر الغنوشي المكالمة غريبة وحاول الاتصال ببن علي. موظف الاتصال بالرئاسة رد بأن الرئيس غير موجود، طلب مكالمة السرياتي, لكن نفس الشخص (سيك سالم) هو الذي رد, »قلت لكم أنهم خرجوا كلهم خرجوا، لقد فروا كلهم، الرئيس غادر البلاد والسرياتي« ذهب معه (هذا ما كان يعتقده، لأنه لم يتمكن من الاتصال به)خرجوا جميعهم وبقيت وحدي في القصر«. طلب سيك سالم مجددا من الغنوشي تحمل مسؤولياته. استشار الوزير الأول حول المسطرة الدستورية وذكر سيك سالم لاخباره بها. سيك سالم» »سأرسل سيارة ستقلكم الى القصر«« في انتظار ذلك عكف الغنوشي على صياغة الكلمة التي سيلقيها لإعلان أنه سيضطلع بمهام رئيس الدولة مؤقتا طبقا للفصل 56 المتعلق بغياب الرئيس مؤقتا. وقبل أن يغادر مقر الوزارة الأولى، اتصل برضى كريرة الذي أكد له رحيل بن علي. في القصر كان فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب وعبد الله قلال رئيس مجلس المستشارين هناك، اقترح الغنوشي في البداية الإحالة على الفصل 56 المتعلق بالغياب المؤقت للرئيس وقال مخاطبا المبزغ: »أنتم السيد فؤاد ستكون رئيسا للجمهوية غدا« طبقا للفصل 57 المتعلق هذه المرة بالغياب النهائي للرئيس، وهو ما تم بالفعل، وبعد أن سجل كلمته للتلفزة، تلقى الغنوشي مكالمة من بن علي الذي يجهل من اخبره، على هاتف أحد أفراد الأمن» »ماذا فعلت؟ ماهذا؟ كذب ما قلته، أصدر بلاغا لتكذيب ذلك»« الغنوشي» »لقد ذهبت دون أن تخبر بذلك, بينما نحن في ظروف استثنائية«« بن علي» »أرافق العائلة وسأعود يوم 15 يناير»، الغنوشي «»استدعينا الى قصر قرطاج وتلوت هذا البيان« «بن علي »»كذب ذلك»« الغنوشي» »أحيلك على رئيس مجلس المستشارين»، حاول قلال طمأنة بن علي» »عندما ستعودون، سنستقبلك في المطار سيدي الرئيس««. الساعة 19 و30 دقيقة: سلم ترهوني مجموعة آل طرابلسي وآل بن علي للجيش ليس قبل أن تنتقل التلفزة لتصوير عملية التسليم «»الرهائن المحررين«« التحقوا بمجموعة صغيرة أخرى من آل الطرابلسي بقاعدة العوينة. الساعة 19 و37 دقيقة: رضى كريرة مخاطبا عمار «»هل أنت معي؟ تكلم رجلا الرجل«« عمار »معك« كريرة «»قلال يقول بأن هناك مؤامرة ضده، الغنوشي والمبزع، وأنكم وراء هذه المؤامرة. إنهم رهائن في قصر قرطاج«« عمار «»بربك» اتركني وشأني، ماذا فعلت، كلما أحس أحد بصداع في رأسه يتهم رشيد عمار؟«« كريرة:» »قبل دخول قصر قرطاج طلب مني الوزير الأول محمد الغنوشي ما إذا كنت أثق في الجيش، أجبته »الجيش هو أنا«« بقيت على اتصال به عندما وصل الى القصر حتى اطمئن بأن كل شيء يسير على ما يرام. في لحظة من اللحظات، سلم الهاتف لعبد الله قلال، الذي سألني إن كنت أثق في الجيش، لأنه كان لديه إحساس بوجود مؤامرة. بعد هذا اتصلت بالجنرال عمار لمعرفة موقفه، من المحتمل أن يكون قد لخص ما دار بيننا، ولكنني لا أتذكر بالضبط محتوى كلامنا«« عمار:» »تمكنت فيما بعد من الاتصال بقلال لأقول له بأنه ليس رهينة لدى الجيش أو لأي كان وأنه حر في مغادرة القصر الرئاسي في أية لحظة«« الساعة الثامنة و20 دقيقة: تلقى الجنرال عمار على هاتفه النقال مكالمة من بن علي» »الرئيس، معك على الخط، ما هي الوضعية في البلاد؟ هل تسيطر على الوضع؟ هل بإمكاني أن أعود هذا المساء أم لا؟» الجنرال عمار» »لا أستطيع أن أقول شيئا في اللحظة الراهنة، السيد الرئيس الوضع غير واضح«« بن علي» »إذن سأتصل بك غدا، جنرال»« بن علي لم يتصل بعدها. عن جون أفريك