عرف مغرب الاستقلال فترات متباينة وتقلبات متتالية لم يكن يعرفها ويشعر بها إلا المغاربة أنفسهم أو المتتبعون عن قرب للشأن المغربي من أشقاء عرب وأصدقاء غربيين، حقب يمكن تصنيفها كالتالي: I - قراءة الماضي: منارة المستقبل 1955-1959 : انفجار التناقضات المسكوت عنها، بعد نشوة الاحتفال باستقلال البلاد وعودة الملك محمد الخامس. 1960-1969 : الانحراف ومواجهة المغرب الرسمي للمغرب الشعبي و هو الجزء الأول من سنوات الرصاص. 1970-1975 : محاولات تجميع القوى الوطنية في مواجهة واستمرار سياسة الهروب إلى الأمام وإضاعة الفرص على التأسيس البنيوي للمغرب في الوقت الذي اخذت فيه بعض الدول انطلاقتها الحاسمة. وكذا،استمرار القمع ضد القوى التقدمية في هذه الحقبة رغم تخاذل المستفيدين من النظام وغدر الضباط المقربين، دون نسيان الأخطاء الموقعة من طرف اليسار بمختلف مكوناته . 1975-1983 : محاولة ثانية (بعد الأولى 1963-1962) لإقرار دولة المؤسسات: نضال صحيح لتمرير أفكار واضحة مستنبطة من الفكر الاشتراكي العالمي ومنزلة على الواقع المغربي بخصوصياته واختلافاته, وضع معالمها عباقرة المغرب الحديث مثل بن بركة وبنجلون والجابري ، ثم أوضحها في أول إخراج رسمي المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في يناير 1975 . ضربة موجعة أخرى لحزب القوات الشعبية, بتنفيذ الحكم بالإعدام على الشهيد عمر بنجلون, بعد عشر سنوات من صدوره إثر مهزلة المؤامرة ,التي نفذت الحلقة الأولى منها في أكتوبر 1965 على الشهيد المهدي بن بركة. بعد ذلك خلال انتخابات 1976 المحلية، 1977 البرلمانية، التزوير ينسف الإرادة الشعبية ويفوت على المغرب فرصة منفردة في العالم العربي؛ "الكراسي لا تهمنا" هي المقولة التاريخية للزعيم عبد الرحيم بوعبيد سنة 1984، مبرزا توجهات النضال الاتحادي. 1984-1993 : بعد الأحرار جاء الاتحاد الدستوري , هما وريثان "لفديك"1963 جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، وسلفين متتالين للأصالة والمعاصرة (2008)؛ لكل استحقاقات في المغرب، مولود جديد باسم جديد من رحم واحد والاسم المشترك هو المعرف بالحزب الإداري. هذه المرحلة هي الثالثة في سلسلة سنوات الرصاص؛ اقتصاديا هذه مرحلة الفرص الضائعة بامتياز، أما اجتماعيا فكانت سباقة لما عرف مؤخرا بالحكرة. 1994-1998 : محاولات الاستدراك في ظروف اقتصادية واجتماعية متدنية أوصلت البلاد إلى وشك حدوث السكتة القلبية؛ و العبارة جاءت على لسان الملك الحسن الثاني رحمه الله. 1998-2002: التجربة الضرورية والحتمية الموسومة بشجاعة وواقعية الملك الحسن الثاني, ووقفة المواطنة والمسؤولية من طرف اليسار ممثلا في الاتحاد الاشتراكي خاصة مع تواجد رجل المرحلة، المجاهد عبد الرحمان اليوسفي. تخلل في بداية هذه المرحلة، دخول المغرب في العهد الجديد باعتلاء محمد السادس العرش ونهجه أسلوبا جديدا في ممارسة السلطة. 2003-2010 : تراجع عن الخط المرسوم في المرحلة السابقة وخروق للمنهجية الديمقراطية؛ استثمارات مهمة في البنيات التحتية في إطار وجيل جديد من المشاريع، فرضت نفسها بكلفة مرتفعة و ذلك بسبب التأخر الحاصل في انجازها (20 إلى 30 سنة) ; بالموازاة, تفاقم المشاكل الاجتماعية رغم الانجاز غير المسبوق في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. للإشارة, التأثير النسبي للأزمة المالية العالمية قد يرجع لتنوع اقتصادنا رغم هشاشته ولكن بالخصوص لصبر المواطن المغربي والتعاضد الأسري لشعبنا على امتداد التراب الوطني . II - مستجدات هذه السنة: هذه بعض المعطيات الأساسية, وجب التذكير بها في مستهل هذا المقال ,مساهمة مني في النقاش المطروح والذي يفرض على كل مناضل غيور,المشاركة فيه لسببين :أولها تكريس الممارسة الديمقراطية و الثاني هو بلورة الرأي الغالب في الظرف الراهن عبر التحليل الملموس للواقع الملموس . 2011 -الجزء الأول : الربيع العربي , 20 فبراير ثم 9 مارس : حراك طال انتظاره بسبب تردي السياسات العربية في مختلف المجالات؛ لنتأمل فيما كتبه العديد من المفكرين العرب على سبيل المثال لا الحصر: محمد عابد الجابري في مختلف كتاباته ومحمود درويش في صرخاته الشعرية. أما في المغرب، 20 فبراير هي حركة مختلطة وجد نفسه فيها العدل والإحسان والنهج الديمقراطي وكذا شبيبة الاتحاد الاشتراكي (جزءا منها) مع موقف المتردد أو المتفرج من طرف الأحزاب السياسية الأخرى و ظهور المنتقدين ومن حاولوا الاحتواء؛ ضربت الانتفاضة بقمع على المنوال المصري بإقحام البلطجية والمناوشين في سياق التصعيد والمزايدات. في الواقع ,جاء 20 فبراير ليعبر على أزمة الدولة في مختلف المجالات (الأسعار, التعليم, الشغل, الرشوة و الفساد الإداري,...) وكذا تعثر أو فشل الأحزاب السياسية. 9 مارس: خطاب ملكي فيه أمل وتفاءل. 2011 : الجزء الثاني : الدستور الجديد ( التحضير، الحملة، الاستفتاء) ثم الانتخابات التشريعية 25 نونبر 2011 . مما لا شك فيه هو وجود الإرادة الملكية لوضع أسس جديدة لمغرب ديمقراطي، حداثي، متطور وعادل، لكن المزايدات أخلت بعمل الهيئة المكلفة بإعداد هذا الدستور بشكل مستفز، أدى في النهاية إلى توافقات شكلية دون جدوى في العمق. ولكن ما يؤسف له، هو الحملة التي أقيمت من أجل التصويت على الدستور: بعبارة ملخصة، زادت في الرداءة وتبليد المواطنين وحصر الفكر المعارض بشكل مفضوح, ما كان داعي أو مبرر لذلك أصلا. خلال الفترة المنصرمة, امتازت دول الجنوب, وفي خصوبة رائعة, بتفريخ الأحزاب السياسية، بعدما تم الدفع بما عرف بالمجتمع المدني على حساب الأحزاب التقليدية, وترويج العديد من صحف الرصيف في ظل بزوغ الأقلام العاملة تحت الطلب. قامت الحملة الانتخابية للبرلمان خلال نونبر 2011 في جو عام من البرودة، لأن العمل من أجل التحضير لمعركة البرلمان بدأ قبل شهور أو أكثر، من طرف الجميع، حتى من قبل الجهات التي كانت توحي بالصورة الديمقراطية في وضع الترشيحات واختيار وكلاء اللوائح. مرت العملية في يوم الاقتراع أحسن من سابقاتها؛ كان هناك استعمال للمال كما أشارت الى ذلك بالدلائل، هيئات مستقلة تتبعت الانتخابات المغربية- لم يكن هناك تزوير مفضوح ولكن تم دعم بعض المرشحين دون غيرهم من طرف بعض أعوان السلطة(...) ! النتائج الرسمية لها مصداقيتها على أية حال: نسبة المشاركة : 45,4 % (أكثر من 2007: 37%) مع عدد من الأوراق الملغاة، منها ما هو تصويت خاطئ وملغى، ومنها ما هو تعبير عن رفض ما هو مقترح على المواطن، وهو ما يعرف بالتصويت الأبيض, لكن ما زالت بلادنا لم تصل إلى هذا المستوى , و الخير أمام . على أي يمكن اعتبار النتائج المعلن عنها, ذات مصداقية على العموم و قد أفرزت الأرقام التالية: 1- حزب العدالة والتنمية، حصل على 107 مقاعد 2- حزب الاستقلال، حصل على 60 مقعدا 3- التجمع الوطني للأحرار حصل على 52 مقعدا 4- حزب الأصالة والمعاصرة ب 47 مقعدا 5- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: 39 مقعدا 6- الحركة الشعبية: 32 مقعدا 7- الاتحاد الدستوري: 23 مقعدا 8- التقدم والاشتراكية: 18 مقعدا III - كيف نقرأ هذه النتائج وما المعمول ؟ صوت المغاربة بأغلبية لا تناقش على حزب العدالة والتنمية. هل هي أغلبية نسبية أم مطلقة؟ عدد107 من أصل 295 يتكون منها البرلمان المغربي، هو ما يعادل نسبة 27%. بمنطق الأرقام كما هي، تكون الأغلبية نسبية تحتاج إلى تحالفات من أجل تكوين أغلبية برلمانية مطلقة. حسب تقديري , وضع المغاربة ثقتهم في حزب العدالة والتنمية لعدة أسباب نذكر منها: 1- العمل الذي قام به هذا الحزب باعتماده سياسة القرب من المواطنين على غرار ما كانت تعمل به الحركة الوطنية وحزب القوات الشعبية. 2- بهذا العمل، استطاع التموقع تدريجيا في الانتخابات المحلية 2003 ثم 2009، في العديد من الجماعات المحلية، ما مكنهم من تصريف سياسة القرب بنجاعة أكبر، وبسط نفوذهم خاصة داخل الأحياء الشعبية. 3- أداء الخدمات البلدية على مختلف المستويات والحرص عل التواصل المستمر مع المواطنين ببساطة وتواضع، فرض احترام مختلف الشرائح الاجتماعية. 4- البكارة السياسية » virginité politique « لحزب العدالة والتنمية بوصفه لم يتحمل منذ نشأته أية مسؤولية حكومية، شخصت فيه من طرف الناخب، موضوع التناوب الفعلي على ممارسة السلطة. 5- تخلي الاتحاد الاشتراكي عن احتكاكه بالقواعد الشعبية وانعزال مسؤوليه داخل البنايات الحكومية والإدارية منذ 13 سنة، وبذلك فقدان ثقة المواطنين، إذ دخل الاتحاديون الى الحكومة سنة 1998 كسياسيين باسم حزبهم، وتصرفوا كتقنيين أكفاء في غالبيتهم و نزهاء, لكن بمعزل عن حزبهم وعن قواعده وأطره، حتى المتواجدين منهم في نفس القطاع الذي كانوا مسؤولين عنه، ولنصرح بما كان أسوأ: لم يكن كل الاتحاديين على نفس الصفة (،،،) 6- هنا توضيح لا يصب فيما أنجح حزب العدالة والتنمية، بل يوضح شيئا أساسيا بالنسبة للقطبية في مستقبل بلادنا: المسألة الإيديولوجية والمبادئ والمرتكزات الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والسياسية لم تدخل في المعادلة ولم يكن لها دور في تصويت المواطن واختياره لهذا ورفض ذلك. أغلبية المغاربة( تقريبا مطلقة) مسلمون منذ أزيد من14قرنا، مع تواجد ديانات أخرى، تعايشوا دوما في تسامح واحترام. IV - ما المعمول ؟ عين جلالة الملك مباشرة بعد مصادقة الغرفة الدستورية على نتائج الانتخابات، وطبقا لمقتضيات الدستور، السيد عبد الإله بنكيران, الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وزيرا أول ورئيسا للحكومة، و كلفه بتشكيل الحكومة الجديدة. صرح منذ البداية الوزير بنكيران أن ميوله الطبيعي الذي يحظى بالأولوية هو الكتلة الديمقراطية ؛ بدأ مشاوراته على هذا النحو، بلقاء حزب الاستقلال ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فحزب التقدم والاشتراكية، آمن الكثيرون بهذا التحالف الرباعي، المحدود بالنسبة لما سلف من حكومات بعد حكومة 1998 للتناوب التوافقي التي قادها المجاهد الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي. الحكومة الرباعية (PJD+ PI+ USFP+ PPS) كانت ستحظى ب 56,7 % من أصوات البرلمان الجديد. قرر الاتحاد الاشتراكي في اجتماع مجلسه الوطني يوم الأحد 4 دجنبر، الركون إلى المعارضة, مستسلما لقرار الناخبين حسب مسؤوليه و قادته، مع ضرورة استخراج الدروس بقراءة النتائج ومن تم إعادة بناء الحزب الذي فقد كثيرا أثناء تحمله المسؤولية الوزارية، وأدى ثمنا غاليا في الاستحقاقات المتوالية. عوض بنكيران الاتحاد بالحركة،هو ما يعطيه نسبة أقل في البرلمان 54 ,94% يمكن تقويتها بتوسيع المشاركة إلى أحزاب صغيرة تساند الحكومة. هل ينجح الوزير الأول المعين من طرف جلالة الملك بتشكيل حكومة تحظى بأغلبية مريحة داخل البرلمان؟ السؤال مازال مطروحا ولا يجب استبعاد أزمة حكومية أو أزمات متتالية عاجلا أم آجلا . قرار الاتحاد الاشتراكي خروجه للمعارضة (أو رجوعه إليها) بإجماع الحاضرين وامتناع ثلاثة من أعضاء المجلس الوطني، فاجأ العديد من المناضلين والمتتبعين. المفاجأة جاءت من خلال المعاملات السالفة بين حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي منذ 2009 والتقارب بينهما وكذلك عبر ما شاهدناه من مشاورات مكثفة مع الكتلة الديمقراطية في الشهور الأخيرة. أما المفاجأة لدى المناضلين فكانت من طعم آخر، إذ بالنسبة للبعض من المناضلين ،كان هذا الموقف يفرض نفسه بإلحاح في 2002 ثم 2007، ولم يكن مسلما به أطوماتيكيا في نونبر 2011. سبق لي أن بينت في مداخلة أمام المجلس الوطني للحزب إثر الانتخابات البرلمانية ل 2007، أن المسألة المطروحة تتجاوز المشاركة من عدمها، وأذكر بما قلته آنذاك: "1- المشاركة في الحكومة بنفس المنطق والمنهجية والسلوك السابق (1998-2007) قد تكون كارثية ,أو بعبارة أخرى: إذا شاركنا في الحكومة و في نفس الوقت يتم تفعيل الأداة الحزبية في المشاركة والإبداع و النقد، ثم التواصل مع المواطنين وإشراكهم في الشأن العام بشكل مستمر , متجنبين الرجوع إليهم حصريا بمناسبة الحملة الانتخابية ، فإن الاستفادة من المشاركة سوف تكون قوية بالنسبة للبلاد وكذلك للحزب حيث تمارس هكذا على أرض الواقع، المبادئ الأساسية التي نؤمن بها. أما إذا اكتفينا بالاستمرار قي سياسة "أنا وزير قطاع كذا، أنا الخبير في الميدان وسط جماهير المناضلين المؤيدة، ولن أحتاج لأحد !!فهذه هي الكارثة وسوف تخرج منها الحزب أضعف واصغر وتضرب مصداقيته، ليس من دليل أقوى من نتائج 2003 ، و2007 ثم 2009، و 2011. 2- الخروج إلى المعارضة كان قد يكون الحل السليم في سنة 2002 و يكون هو موقف الحزب الصلب الذي يحترم مبادئه بعدما أظهر حسن نيته وكفاءة أطره ومناضليه، وكان قد يكون منسجما مع التصريح الرسمي للمكتب السياسي (والذي لم يكن ضروريا إلا إذا ما احترم وطبق في الواقع ) ألا وهو أن المنهجية الديمقراطية لم تحترم في تعيين الوزير الأول. في سنة 2007، كان الخروج الى المعارضة ربما هو الغالب في المجلس الوطني للحزب، لكن القرار كان هو العكس وقامت معارضة شرسة في الشهور الموالية ضد الوزراء الاتحاديين ,خاصة منهم أعضاء المكتب السياسي خلقت شرخا وسط هذا الأخير أدى باستقالة الكاتب الأول. إذن استمر نفس الشعور بضرورة الخروج الى المعارضة لدى المناضلين المخلصين، إلى يومنا هذا، وهو الموقف المبدئي الخالص وربما دوغماتي إذا لم يأخذ بعين الإعتبار خصوصيات الظرفية والأطراف المعنية الأخرى، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للجميع(...)". ها نحن رجعنا وبشكل حتمي وطبيعي إلى ما بعد 25 نونبر 2011. بعد فرحة البعض (PJD) طبعا ولكن معه العديد من المغاربة منهم من عرفته اتحاديا "مخززا" وانكسار آخرين (PAM) وخيبة أمل المتطلعين (RNI) وغياب المتطفلين (ستة وستين رهطا) والاستسلام النسبي للمشاركين دوما منذ 1955 أوبعده بسنتين (PI وMP ) عين جلالة الملك، انسجاما مع روح ومنطوق الدستور الجديد، رئيس الحزب الفائز والمتصدر للانتخابات 25 نونبر 2011 . كرئيس للحكومة. أكد السيد عبد الإلاه بنكيران منذ البداية ميوله للكتلة الديمقراطية كحليف يرغب في العمل مع الأحزاب المكونة له (PI, USFP,PPS ) للقيام بإصلاحات لم يكتب لها أن أنجزت، ومعترفا لهذه المكونات بتجربتها وكفاءة أطرها. كان استقبال رؤساء حزب القوات الشعبية للوزير الأول المعين، استقبالا رائعا: حفاوة ومودة طبيعية رسمت على محيا عبد الواحد و فتح الله . في مقال نشرته صحيفة » libération « ليوم الجمعة 9 دجنبر، تقول كاتبة المقال في أسفل الصفحة الخامسة "طيلة هذه الأيام الحاسمة، عمل واشتغل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشكل ديمقراطي (أو على طريقة ديمقراطية) لا يمكن الجزم في سياق هذا المقال الصحفي هل هذه الجملة تصريح بريء من أحد القادة في حزب المعارضة القديم الجديد, أم هو تعليق صريح للصحفية المقتدرة؟ على أي قد يفهم منه، دون أن يشترط في القارئ كفاءة عالية من التمكن اللغوي أو الممارسة السياسية، أن هذا الاشتغال أو هذه الممارسة الديمقراطية ظلت غير معتادة في حزب الوردة, وكأن صفة معينة غابت عن هذه الجملة بشكل شفوي غير مقصود أو بدون وعي وهي : "...حزب الاتحاد الاشتراكي كغير عادته، بشكل ديمقراطي..." أسبوع بعد عيد الاستقلال وشهر بعد ذكرى اختطاف الشهيد المهدي بن بركة، و على بعد أقل من شهر من اغتيال الشهيد عمر بنجلون، هلموا للبكاء على ما صار عليه حزب المغاربة الأحرار(...). علي أي لنعتبر أن القرار بالمعارضة كان ديمقراطيا من طرف برلمان الحزب ومنسجما مع تصريحات الكاتب الأول ونائبه في شأن المشاركة أو عدمها في حكومة "الإسلاميين" ! يجب مع ذلك الإشارة إلى شيء مثير للغاية وهو ما نشرته الصحيفة الناطقة باسم الحزب والحاملة لاسمه ولموروثه المثقل بالتضحيات والنضال والجرأة. بالرجوع الى جريدة الاتحاد الاشتراكي ليوم الخميس 1 دجنبر 2011، نقرأ على أعلى الصفحة الأولى فوق اسم الجريدة "الاتحاد الاشتراكي" تفتح صفحاتها لأراء المناضلين والمثقفين حول مرحلة ما بعد اقتراع 25 نونبر 2011" . استبشرنا خيرا مع بعض المواطنين المحبين لحزب بن بركة وبوعبيد وخيل لنا إن منهجية ديمقراطية بل ذكية، قد تستخدم بعد صفعة النتائج الأخيرة، لكن لا حياة لمن تنادى ! لم تترك الفرصة لفتح لا الصفحات ولا الحوار الضروري من خلالها، ولا هم يحزنون ! بل ما وقع هو تمرير اجتماع المجلس الوطني بسرعة يابانية ودقة ألمانية وحزم سفياتي لإقرار الركون إلى المعارضة وبتبرير أديولوجي من وحي الزمن البعيد من قبل تباين الهوية والانتماء لعائلة سياسية، بواجب الوضوح للإسهام في تخليق الحياة السياسية، الأمر يتعلق بتمرين أساسي على الوضوح لتمكين السياسة من القيام بثورتها الثقافية، لا يكفي أن يتم تغيير الدستور والقوانين بل يجب ان يشمل هذا التغيير أيضا المعايير الأخلاقية للسياسة، حتى يتمكن المغرب، من التقدم إلى الأمام" لا يمكن لأحد أن يختلف مع هذا الكلام الواضح. مع أني أفضل أن يكون التخليق هو الذي يغير القوانين ولا العكس أن يسايرها والموعظة مرة أخرى ممن سبقوا في النضال، إذ في غمار حملة مشحونة بالقمع والتزوير سنة 1984، صرح السي عبد الرحيم بوعبيد رحمة الله عليه في ملعب بيكس مجيبا على شعار المناضلين والعاطفين: "حجرية، حجرية-لتغيير الوضعية" صحح السي عبد الرحيم بانفعال واضح بعدما أخل الطرف الآخر بوعده واتضحت نية التزوير مجددا: "يجب أولا تغيير العقلية". (....) على أي والوضع على ما هو عليه , آمل أن يساهم الخروج إلى المعارضة في إعادة الأمور إلى نصابها و وضع حد للغموض وسط الحقل السياسي و إعادة بناء حزب القوات الشعبية على أسس واضحة من اجل حماية هويتنا الاشتراكية و تكريس مبادئنا الديمقراطية و الإسهام بقوة في تقدم مغربنا الحبيب . وأنا أكتب هذا المقال وضمير مستتر يقول لي: أنت تريد أن يأخذ في حقك قرار الطرد من الحزب وتراني أجيب الضمير هذا إني لا أفوه إلا بالحقيقة أو كما أراها، بنية صادقة وإصرار المؤمن, مساهمة مني في تغيير منكر ولو بلساني، آمنت كذلك منذ الستينات عند ولوجي عالم السياسة كشاب ثوري: أن السياسة الحقيقية الوحيدة، هي سياسة الحق أو الحقيقة. ...