تصنيف فيفا .. المغرب يحافظ على المركز 11 عالميا    اللّغة في بعدها الجماليّ والدّلاليّ في رواية "أعشقني" للدّكتورة سناء الشّعلان    ختام السنة برياض السلطان تروبادور غيواني بادخ    الركراكي: "لست قلقاً من غياب حكيمي..والبدائل جاهزة لسدّ الفراغ"    تقرير: الاقتصاد المغربي يدخل مسار تعاف متدرج مع توقع تسارع النمو إلى 5.5% بحلول 2027    يومية "آس" الرياضية الإسبانية: براهيم دياز.. قائد جديد لجيل واعد    انتقادات حقوقية لتراجع تصنيف المغرب في تنظيم الأدوية واللقاحات    مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    حموشي يصرف منحة لموظفي الأمن    نشرة إنذارية من مستوى يقظة "برتقالي"    تحقيق ل"رويترز": في سوريا الجديدة.. سجون الأسد تفتح من جديد بمعتقلين جدد وتعذيب وابتزاز    أزيلال .. القوات المسلحة الملكية تطلق خدمات المستشفى العسكري الميداني بجماعة آيت محمد    ريدوان يطلق أولى أغاني ألبوم كأس أمم إفريقيا "ACHKID"    موجة البرد القارس: أزيد من 14 ألف أسرة بجهة فاس مكناس تستفيد من مساعدات مؤسسة محمد الخامس للتضامن    أمام صمت الوزارة وعدم تفاعلها مع بيانات التنسيق النقابي.. الشغيلة الصحية تصعد    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا مع توقع استمرار خفض الفائدة الأمريكية    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    الصحافة الدولية تشيد بالتنظيم المغربي وتضع رهان التتويج ب"الكان" في الواجهة        بنكيران: "البيجيدي" استعاد عافيته ويتصدر المشهد.. ولم يبق إلا تثبيت النصر        العزيز: مشروع قانون التعليم العالي سيحول الجامعة إلى "بنية إدارية محكومة بمنطق السوق"    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الدار البيضاء على إيقاع الاحتفالات    المغرب يضع "الكان" في الصدارة عالميًا    نهائيات كأس إفريقيا للأمم تعيد خلط أوراق العرض السينمائي بالمغرب    رغم انخفاضها عالميا.. المحروقات بالمغرب تواصل الارتفاع والمستهلك يدفع الثمن    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    ارتفاع أسعار النفط    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    إعلام إسرائيلي أمريكي: نتنياهو يسعى لتفويض من ترامب لمهاجمة إيران    الدار البيضاء.. مرصد يحذر من مخاطر "مغاسل الميكا" على صحة المواطنين    جريمة قتل مروعة تهز منطقة بني يخلف نواحي المحمدية    اغتيال جنرال روسي في انفجار قنبلة        انقلاب حافلة يودي بأرواح 16 شخصا في جزيرة إندونيسية    سعر الذهب يسجّل مستوى قياسيا جديدا    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات اسفي إلى 40 واطلاق برنامج ملكي لاعادة التاهيل    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    تفاصيل جديدة بشأن "مجزرة بونداي"    الركراكي: المباراة عرفت توترا كبيرا خاصة في الشوط الأول بسبب تضييع ضربة الجزاء وخروج سايس مصابا لكننا حققنا المهم    الجديدة تستضيف الدورة الأولى للمؤتمر الدولي حول الفيزياء الكمية والابتكار الطاقي    انتصار البداية يعزز ثقة "أسود الأطلس" في بقية مسار كأس إفريقيا للأمم    الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية    تصعيد خطير بعد دعوات لطرد الإماراتيين من الجزائر    أدب ومحاكمة ورحيل    "محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة من خلال الصحافة المصرية" موضوع اطروحة دكتوراه بكلية عين الشق    مسلحون مجهولون يفتحون النار على المارة في جنوب إفريقيا    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسفة و التغيير: الحاضر علة التغير

إذا ما افترضنا بأن الحاضر وحده يوجد، فهل معنى ذلك أنه بمثابة جوهر كانط الدائم الذي لا تزيد كميته ولا تنقص في الوجود؟ وهل معنى ذلك أن الحاضر هو الزمان ذاته وليس مجرد بعد لهذا الزمان؟ وإذا ما اعتبرناه جوهرا ثابتا دائما على طريقة كانط، فكيف يمكننا أن نفسر التغير الذي يستلزم طبيعة العلاقات الناشئة في الزمان باعتبارها ممكنات مشروطة بهذا الحاضر؟ وهل معنى ذلك أن الحاضر بما هو حاضر هو علة التغير؟
ربما أسعفنا تحليل كانط بهذا الخصوص في حل مسألة الحاضر باعتباره أسا للزمان وليس مجرد بعد له فقط، ودرءا لأي التباس، فكانط لا يشير إلا إلى الدائم الذي يضمن وحده الزمان ودوامه أي أنه لا يسمي الحاضر، وإنما يسمي الجوهر أي واقعي الظاهرات الذي يظل دائما هو أسا لكل تحول، وهذا الجوهر هو ما يطابق الزمان الذي يدوم ولا يتحول و الذي لا يمكن أن نتصور فيه التتالي (التعاقب) و المعية (التزامن) إلا باعتبارها تعينات للظاهرات في الزمان. 1 وباعتمادنا لهذا المنظور فيمكننا انطلاقا من تحليل كانط أن نؤول هذا الجوهر بالحاضر، ومن ثمة فإن الحاضر هو الأجدر بأن يغدو مطابقا للزمان.
أي لهذا الدائم الذي فيه وحده تكون العلاقات الزمنية ممكنة (لأن المعية و التتالي هما العلاقتان الوحيدتان في الزمان)، ومعناه حسب كانط أن الدائم « هو أس التصور الأمبيري Empirique للزمان نفسه، وهو وحده ما يجعل كل تعين زماني ممكنا، ويعبر الدوام بعامة عن الزمان بوصفه اللازمة الثابتة لكل وجود الظاهرات، ولكل تحول ولكل معية. ذلك لأن التحول لا يتعلق بالزمان في ذاته، بل فقط بالظاهرات في الزمان. (وكذلك فالمعية ليست حالا للزمان نفسه لأنه ليس في الزمان البتة أجزاء متزامنة، بل كلها متتالية).
و إذا كنا نريد أن ننسب إلى الزمان نفسه تتاليا، فإنه يجب أن نتصور أيضا زمانا آخر يكون فيه هذا التتالي ممكنا. وفي الدائم وحده إنما يحظى الوجود في مختلف أجزاء التسلسل الزماني بكم نسميه المدة. ذلك أن الوجود في مجرد التتالي لا يفعل سوى أن يندثر ويظهر على الدوام دون أن يكون له أدنى كم».2
من خلال برهان كانط نستنتج العناصر التالية:
1. فالدائم هو أس للتصور الأمبيري للزمان نفسه، بدون الدائم يتعذر تعين الزمان كما تتعذر كل تجربة.
2. الدائم هو الثابت الجوهري الملازم لوجود الظاهرات وللتغير و المعية.
3. الدائم هو شرط كل علاقة زمنية ممكنة.
4. الدائم في كل الظاهرات هو الموضوع نفسه أي الجوهر ذاته.
5. التغير هو نمط وجود الدائم أو الجوهر.
وهذه التصورات هي بمثابة برهان للتدليل على مبدأ دوام الجوهر الذي يصوغه كانط في العبارة التالية:
« الجوهر يدوم مع كل تغيرات الظاهرة، وكميته في الطبيعة لا تزيد ولا تنقص».3
من الممكن أن نمضي بعيدا إلى حد اعتبار دوام الجوهر تغيرا في الآن ذاته، فالدائم يدوم لأنه يتغير مادام أن نمط وجوده إنما يكمن في قدرته على توليد التغير، فبدون التغير ليس هناك دوام، و بالتالي ليس هناك من دائم وليس ثمة جوهر. إذن فما يدوم يتغير، وما يتغير يدوم، وهي المفارقة التي ينبهنا إليها كانط في العبارة التالية:
« وحده الدائم (الجوهر) متغير، و المتنوع le variable لا يحتمل التغير، وإنما يحتمل فقط التحول transformation ، مادام أن بعض التعيينات تنتهي وبعضها الآخر يبدأ».4
في هذه المفارقة يمكن فهم إشكالية الدائم / الجوهر باعتبارها هي ذاتها إشكالية التغير الذي يعبر عن نمط وجود الحاضر، أو نمط الكينونة التي لا ينكشف وجودها إلا من خلال الصيرورة.
هناك وجهان لهذه المفارقة:
الوجه الأول: وحده الدائم متغير. فالدائم ليس ساكنا ولا ثابتا استاتيكيا، وإنما هو وجود تتحدد هويته بالتغير الملازم له دوما.
الوجه الثاني: المتنوع لا يحتمل التغير بل التحول باعتباره حالة من حالات الدائم.
التغير نمط وجود الجوهر الدائم بينما التحول حالة من حالاته، في التغير يتلو نمط وجود نمط وجود آخر للموضوع ذاته، و بالتالي فكل ما يتغير يدوم، أما التحول فهو ليس تغيرا لنمط الوجود وإنما لحالة تنوع الوجود، وهذا التحول يتعلق بالتحديدات التي يمكن أن تبدأ وتنتهي، و الدائم هو شرط إمكان تصور الانتقال من حالة إلى أخرى من اللاكون إلى الكون. فهذه الحالات يمكن معرفتها أمبيريا بوصفها تحديدات متحولة لما يدوم.
إذن فالدوام هو شرط ضروري يسمح للظاهرات بأن تغدو قابلة للتحديد بوصفها أشياء أو موضوعات في تجربة ممكنة. و الدائم / هو أساس كل هذه التحديدات التي تحدد وتعين الظواهر.
إذن فالجوهر هو أساس كل التحديدات الزمنية التي ليست مع ذلك متزامنة بل هي متوالية، لأنه ليس هناك زمنان يوجدان معا في ذات الوقت، وإنما هناك فقط زمن واحد.
لعل السؤال الذي يبدوا لنا هنا مشروعا هو كالتالي:
إذا لم يكن من الممكن أن يوجد زمنان متزامنان معا، فما هو هذا الزمن الواحد؟
إذا قررنا مع كانط أن في الزمان لا توجد أجزاء متزامنة بل هناك تتال أحدها يتلو الآخر، وكل انتقال من حالة إلى أخرى في التوالي إنما يحصل في زمن قائم بين لحظتين الأولى تعين الحالة التي يصدر عنها الشيء و الثانية الحالة التي يحصل عليها، فإن ماهية الزمن التي تولد التوالي وتسمح بالانتقال من حالة إلى أخرى يمكننا أن نسميها بالحاضر الذي ينتمي إليه التغير، فمادام التزامن متعذرا فماهية الزمن ليست سوى الحاضر وحده، فهو الدائم المتغير. فلا الماضي ولا المستقبل يحددان جوهر الزمان، وإنما هما مجرد تعيينات له، وهما يعبران عن متنوع ظاهرة الزمان، أما الحاضر وحده فهو جوهر الزمان الذي يدوم، وحده الذي يوجد.
ولا يعني مضي الحاضر وانصرامه، زوال الحاضر ذاته، وإنما يعني تعديته لحالة من حالات وجوده، فعندما نقول الحاضر يمضي، فإن معنى هذه العبارة ليس سوى: الحاضر يدوم: ينصرم الحاضر، ويأتي المستقبل، و الحاضر مع ذلك يدوم وليس دوامه إلا شرطا للتغير، ومادام الحاضر يدوم فهو علة التغير. وسيسعفنا لاحقا تحليل هوسرل لمفهوم الحاضر وعلاقته بالتغير.
يطرح كانط السؤال التالي:
كيف يمكن إذن لشيء ما أن يتغير، كيف يمكن لحالة في وقت ما أن تتلو حالة مضادة في وقت آخر؟
أو بعبارة أدق كيف يمكن للتغير أن يحدث، أي ما هي الشروط التي تجعل كل تغير ممكنا؟ 5
جواب هذه التساؤلات يعبر عنه مبدأ التوالي الزمني وفقا لقانون السببية، وصيغته كالتالي:
« كل التغيرات تحصل وفقا لقانون اقتران السبب و المسبب»6
ليست التجربة بما هي معرفة أمبيرية للظاهرات ممكنة إلا بشرط إدراج توالي الظاهرات ومن ثمة كل تغير تحت قانون السببية. وعندما تفيد التجربة بأن شيئا ما يحدث فإننا نفترض دائما أن هناك شيئا يتقدمه، فيليه ما يحدث بموجب قاعدة. إذ بدون ذلك لن أقول عن الشيء إنه يتوالى. وعليه فإن شيئا يحصل هو إدراك ينتمي إلى تجربة ممكنة، ويكون متحققا عندما أنظر إلى الظاهرة بوصفها متعينة من حيث موقعها في الزمان، ومن ثمة بوصفها موضوعا يمكن العثور عليه بموجب قاعدة في تسلسل الإدراكات، لكن القاعدة التي تصلح لتعيين شيء من حيث التوالي الزمني هي: إننا نعثر في المتقدم على الشرط الذي يجعل الحادثة تتلو دائما بالضرورة. أي أن ما يحصل فيكون تاليا يجب بالضرورة أن يتلو وفقا لقاعدة عامة، ما هو متضمن في الحالة المتقدمة. إذن فالتوالي الزمني هو المعيار الأمبيري الوحيد للمسبب بالنسبة إلى سببية السبب المتقدمة، وتؤدى هذه السببية إلى مفهوم الفعل، وهذا إلى مفهوم القوة، ومن ثمة إلى مفهوم الجوهر، فحيث يكون الفعل، ومن ثم الفاعلية و القوة يكون الجوهر، وفيه وحده يجب أن نبحث عن منبع الظاهرات، ولا صعوبة إذن في أن نستنتج من الفعل دوام الفاعل بوصفه علامة الجوهر الماهوية. فالفعل يعني سلفا علاقة حامل السببية بالمسبب. لكن بما أن كل مسبب يقوم في ما يحصل، و بالتالي في متحول يسمه الزمان بسمة التوالي، فإن الحامل الأخير له هو الدائم بوصفه أس كل متحول، أي هو الجوهر، فالفعل يعد أساسا لكل تحول في الظاهرات وفق مبدأ السببية، وهو لا يمكن أن يقوم في حامل يتحول بدوره، لأنه سيلزمنا عندئذ فعل آخر وحامل آخر يعين هذا التحول.7
وبالتالي لا يجب الخلط مابين الحامل الأول لسببية للتغير أي لما ينشأ ويفنى، وما بين التغير ذاته أي النشوء و الفناء. فالنشوء و الفناء لا يتعلقان بالجوهر فهو لا ينشأ ولا يفنى، وإنما يتعلقان بحالته، فهما يعبران عن التحول لا عن الصدور من العدم. فلا شيء يتولد من العدم.
ولا شيء يعود إلى العدم، فالدوام هو مبدأ الوجود المستمر لحامل الظاهرات الذي يفترض وجود جوهر في كل زمن. أما في حال انتقال الجوهر من حالة سالفة أ- إلى حالة أخرى تالية ب-، فإن وقت الحالة التالية-ب- يفترق عن وقت الحالة الأولى أ- ويتلوه. كما أن الحالة التالية-ب- بوصفها واقعة في الظاهرة تفترق عن الحالة الأولى أ- حيث لم تحصل هذه الواقعة.
والسؤال إذن كما يطرحه كانط هو: كيف ينتقل شيء من حالة أ- إلى حالة أخرى ب-8
هناك زمن دائما بين لحظتين، وهناك ثمة فرق ذو كم بين هاتين اللحظتين. و كل انتقال من حالة إلى أخرى يحدث في زمن قائم بين لحظتين تعين الأولى الحالة التي يصدر عنها الشيء، وتعين الثانية الحالة التي يحصل عليها. وتشكل اللحظتان حدود زمن التغير ومن ثمة الحالة المتوسطة بين حالتين وتنتميان بما هما كذلك إلى التغير ككل. و الحال أن لكل تغير سببا يدل على سببيته طيلة زمن حصول التغير، فيكون التغير ممكنا من خلال الفعل المتصل للسببية الذي يسمى آنا من حيث هو فعل مماثل، ولا تشكل الآنات التغير بل تولده كمسبب لها.وهذا هو قانون اتصال كل تغير ومبدأه هو: لا الزمان ولا حتى الظاهرة في الزمان تتألف من أجزاء هي أصغر الأجزاء الممكنة، ومع ذلك عندما تتغير حالة الشيء فإنه لا يصل إلى الحالة الثانية إلا مرورا بكل تلك الأجزاء كما لو كانت عناصر له... فالحالة الجديدة تبدأ من الأولى حيث لم تكن الواقعة، وتتزايد مرورا بكل ما لهذه الواقعة من درجات لا متناهية. كل الفروق بينها هي أصغر مما بين (صفر) و (أ).9
وفق هذا القانون فالتغير اتصال يدوم يمكننا تأويله بصيرورة devenir مشروطة بالسيرورة processus، فالصيرورة بما هي تغيرات وتحولات تحد من مطابقة الأشياء لحالاتها الأصلية، تنتظم في سيرورة لا متناهية منتجة للتوالي. وهذا القانون يعبر عن الحاضر ذاته بما هو اختلاف دائم. فالحاضر لا يدوم إلا على نمط المختلف المتوالي.
فالحاضر إذن هو الجوهر الدائم المنتج و المولد للتغيرات التي تسمح بالاختلاف الذي يعين الحاضر ذاته بوصفه بذاته هو الزمان.
لا يتأسس الزمان إلا في الدائم، ولا يغدو الدائم زمانا متزامنا إلا إذا كان حاضرا، ونمط هذا التزامن هو التغير. و بالتالي فإن الحاضر هو علة التغير. يؤكد كانط أن التغيرات ليست ممكنة إلا في الزمان بوصفه زمانا متحققا لا كموضوع بل كنمط تصور لذاتي بوصفها موضوعا، أي أنه صورة متحققة للحدس الباطن. فواقعية الزمان ذاتية بالنسبة إلى التجربة الباطنية، أ ي أن الذات تمتلك حقا تصور الزمان وتصور تعيناتها فيه.
في تأويلنا الخاص تحقق الزمان عبر الذات هو الحاضر، ما يتحدث عنه كانط ليس الزمان المطلق الموضوعية، ولكنه زمان مشروط بالتجربة الباطنية فواقعيته ليست سوى ذاتية تسمح بتعينات الذات في الزمان، وليس الزمان شيئا في ذاته إن لم يغد حاضرا، أي مقترنا بصورة الحدس الباطن الذي يقتضي الوعي بالتوالي الزمني. الزمان إذن لا يوجد بذاته، بل يوجد في الذات فحسب، فالزمان إذن يوجد بصيغة الحاضر، فالحاضر يغدو مركب الزمان- الذات، و الحاضر هو الدائم الذي يتحقق باعتباره مبدأ لكل إنتاج و إعادة الإنتاج، لكل تغيير، و لكل تحول لحالات الظواهر. ليس الزمان نفسه هو الذي يتغير بل شيء ما في الزمان، و مفهوم التغير ليس ممكنا إلا بتصور الزمان وفيه، و إمكان التغير مشروط بتصور الزمن المتحقق أو الزمن المثبت ذو البعد الواحد، أعني بعد الحاضر. و كانط ما يفتأ يؤكد على أن الزمان ليس له سوى بعد واحد: أما الأزمنة المختلفة فليست متزامنة معا بل متوالية، و لا تناهي الزمان لا يعني أكثر من أن كل كمية متعينة من الزمان ليست ممكنة إلا باقتصارات في الزمان الواحد الذي يشكل أساسا لها، كما يؤكد على أن مفهوم التغير ليس ممكنا إلا بتصور الزمان وفيه.
وهذا التصور ذاته هو نفس التصور الذي يأخذ به هوسرل في جوابه عن سؤال ما هو أصل الزمن؟ إذ أن الزمن المثبت حق الإثبات بالنسبة لفيلسوف القصدية الظاهراتية- هو سلسلة لا متناهية ذات بعد واحد، أو أن زمنيين مختلفين من الممتنع إطلاقا أن يوجدا معا. وبأن علاقة أحدهما بالآخر، لا تنعكس أبدا، أو بأن الزمن فيه علاقة متعدية، وبأنه لكل زمن، زمن متقدم عليه، و زمن متأخر عنه، و هلم جرا. فهذا الذي قلناه كاف لمقدمة مجملة.10
بالنسبة لكانط دوام الجوهر هو الشرط الوحيد لوحدة الزمان الأمبيرية، وهو أساس التعيينات الزمنية، ولو اعتبرنا الجوهر غير دائم ينشأ ويفنى لكانت الظواهر متعلقة بنوعين من الزمان يوجدان معا، وهذا خلف. لأنه ثمة زمان واحد فحسب. وكل الأزمنة يجب أن تطرح لا كمتزامنة بل كمتتالية.11
الزمان بالنسبة لكانط و هوسرل يطرح كتسلسل لا كتزامن، هناك بالنسبة لكانط زمان واحد مشروط بدوام الجوهر وهذا الدوام هو ما يمنح الدائم أو الجوهر معنى الحاضر في تأويلنا، فالدائم هو القائم في وحدة الزمان باعتباره هذا الحاضر الذي ما ينفك يمضي حاضرا، وما ينفك يأتي حاضرا، وما ينفك يحضر وهو يمضي، وما ينفك يحضر مستقبلا. فهو الدائم المتغير، و المتغير الدائم، أما الظواهر في مجرى هذا الوجود، فهي تعينات للدائم، التي تخضع للتحول، فتنشأ لا عن عدم و تفنى لا في العدم، تنشأ لتتعين كظواهر ينتجها الحاضر فتغدو بذلك ظواهر معيشة في تجربة الحاضر بما هي تجربة عيش محدودة في الزمان، كتجربة من أجل الموت، و نشأة و موت المعيشة هي تحولات تعبر عن الحاضر بوصفه علة كل تغير لكن هذا الحاضر ذاته الذي ينبثق عنه التغير الدائم آلا يمكن عده هو أس الحياة اليقظة التي تجري دوما في الصورة الأعم لوعي العالم المعيش بما هي تيار متواصل للعيش . أليس تيار العيش المتواصل هو الذي يحمل الحاضر لأن يغدو تجربة عيش في العالم المعيش.
1 : عمانويل كانط : نقد العقل المحض. ترجمة موسى وهبة. مركز الإنماء القومي. طبعة أولى . بيروت (بدون تاريخ). ص 137
2 : المرجع نفسه: ص 137
3 : المرجع نفسه: تمثيلات التجربة. التمثيل الأول ص
4 : Kant : critique de la raison pur . Gallimard / 1980 . P :229
ارتأينا هنا للعودة إلى الترجمة الفرنسية لنقد العقل المحض، توخيا للدقة، لذا ترجمنا هنا le variable بالمتنوع عوض المتحول في الترجمة العربية واعتمدنا صيغة التحول transformation عوض تبدل في الترجمة العربية.
5 : كانط: الترجمة العربية ص 147.
6 : المرجع ذاته ص 140.
7 : المرجع نفسه ص 146
8 : المرجع نفسه ص .147
9 : المرجع السابق ص 148.
10 : ادموند هوسرل: دروس في فينومونولوجيا الوعي الباطني بالزمن لطفي خير الله -منشورات الجمل- بغداد بيروت 2009 ص 16.
11: كانط: نقد العقل المحض - عربية ص 140


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.