كان القطاع السياحي ، ومازال، يلعب دورا طلائعيا في بلورة النسيج الاقتصادي وتطعيمه وإعطائه قيمة مضافة لما يدر على خزينة الدولة من العملة الصعبة ، وامتصاص البطالة ، خاصة أن عدد الوافدين على المغرب من السياح أصبح يتعدى 5 و6 ملايين سنويا. ويعد القطاع السياحي كجسم متكامل تتكون أعضاؤه من مجموعة من المتدخلين كالفندقيين وأرباب وكالات الاسفار والنقل السياحي والمطعميين والمرشدين السياحيين وغيرهم ، بحيث إن كل طرف من زاويته يتمم عمل الآخر، مما يجعل من قاطرة القطاع السياحي حركة متسلسلة قاعدتها السياح وقوامها المتدخلون في القطاع. المرشد السياحي كباقي مكونات قطاع السياحة، لا يقل دورا عن شركائه في الحركة السياحية، نظرا لجسامة المسؤولية التي يتحملها باعتباره حلقة وصل بين الزوار ومقومي القطاع برمته، الى حد أنه يعتبر كسفير لبلده، خاصة أنه هو أول من يستقبل السائح وآخر من يودعه. إن قطاع الإرشاد السياحي بالمغرب مر بفترات متعددة منذ أكثر من نصف قرن، كانت كلها تحديات كبيرة لإثبات الذات وتلميع الصورة، لكون هذه الفترة لم تخل من أوقات عصيبة عادت سلبا على مردودية القطاع برمته. إن تزايد أعداد المرشدين السياحيين، والمرافقين السياحيين، ومرشدي الجبال بالمغرب في الآونة الاخيرة، لخير دليل على ارتفاع هرم القطاع السياحي في بلدنا، ماداموا هم بدورهم يساهمون وبصفة مباشرة في ارتفاع هرم القطاع السياحي في بلدنا، وفي ارتفاع مداخيل الدولة من العملة الصعبة، عن طريق المعلومات التي يقدمونها للزوار حول ما يزخر به المغرب من معطيات ثقافية واقتصادية وتراثية وإنسانية وطبيعية. فاختيار السائح لمطعم، أو قيامه برحلة ما، أو شراؤه سلعة تقليدية، تأجيره سيارة ما، أو حتى استثماره في المغرب ، غالبا ما يكون وراءه إما مرافق أو مرشد سياحي أو مرشد جبل. فالشروحات التي يقدمها المرشد السياحي للسياح لا تقتصر فقط على سرد التاريخ والجغرافيا السياحية، بل تشمل جميع الميادين، مما يزيد من اشتياق السائح الى المساهمة بدوره في إغناء النسيج السياحي المغربي، لما يلمسه في مرشده من حبه لوطنه، وتفانيه في إعطاء صورة إيجابية عنه، وعن أهله وحضارته وازدهاره، وحتى عن تنوع مطبخه، إلا أنه وبالرغم من المجهود الجبار الذي يقوم به المرشد السياحي، مازالت هناك عدة مشاكل تعيقه في التفرغ لإتقان عمله، وتجعله بين مطرقة التفكير في مستقبله ومستقبل أبنائه وسندان غياب حقوقه الاجتماعية والاقتصادية ، علاوة على المواد الزجرية التي يزخر بها قانون 30/96 المنظم لمهنة الإرشاد السياحي بالمغرب الصادر في 25 يناير 1997 . فمنذ إصدار هذا القانون لم يتوقف المرافقون السياحيون والمرشدون ومرشدو الجبال عن طلب إعادة النظر في بعض مواده، كالمادة 9 التي تحدد صلاحية الرخصة في ثلاث سنوات، والمادة 7 التي تحدد السن الاقصى لمزاولة المهنة في 60 سنة، وذلك في غياب أي تقاعد أو تغطية صحية، وتفعيل المادة 15 من استشارة الجامعة الوطنية للمرافقين السياحيين والمرشدين السياحيين ومرشدي الجبال في تحديد الأتعاب، علما بأن أتعاب الإرشاد السياحي لم يطرأ عليها أي تغيير منذ 1999، وحذف العقوبة الزجرية من المادة 19 التي تعاقب بالحبس من 6 أشهر الى سنتين، وبغرامة من عشرة آلاف درهم الى عشرين ألف درهم في بعض المخالفات. وعلاوة على ذلك فإن الإرشاد السياحي لا يتمتع بأي تغطية صحية ولا تقاعد خاص بالمرشدين الأحرار الذين فضلوا العمل كمرشدين أحرار بعيدا عن جبروت وتعنت بعض وكلاء الاسفار، وهزالة الاجرة التي يتلقونها والتي لا تصل الى حدود 3000 درهم شهريا كحد أقصى بالرغم من تجاوز 15 سنة من العمل داخل نفس الوكالة، وتجاوز 18 ساعة من العمل يوميا في بعض الاحيان! وبالرغم من وجود جمعيات جهوية وجامعة وطنية بما في ذلك جمعية مرشدي الجبال، والتي تقوم بدور تكميلي للمرشدين السياحيين حسب المواد 23/22/21 من قانون 30/96 ، فمازالت هذه الجمعيات والجامعة لم تصل الى الدور المنوط بها، نظرا للطرق غير القانونية التي انتخبت بها بعض مكاتبها التي لا تمثل إلا نفسها ، مما ساعد على عدم تبليغ لسان حال الإرشاد بصورة واقعية الى المسؤولين عن القطاع وخاصة وزارة السياحة، ولذلك أصبح ضروريا إعادة انتخاب كل مكاتب الجمعيات بتوفر النصاب القانوني وملاحظة السلطات المحلية ومندوبيات الوزارة في يوم واحد، مع توحيد القانون الاساسي لتهييء الظروف لخلق هيئة الارشاد السياحي كهيئة معترف بها، والتي بدورها تنضم الى المجموعات الجهوية، وإلى الهيئة الوطنية للسياحة كعنصر فعال في بلورة المنتوج. إن تهميش دور الإرشاد السياحي في النشاط السياحي وعدم استشارته، وهضم حقوقه لا يمكنه إلا أن يخل بإحدى ركائز السياحة بالمغرب ، وبالتالي يؤدي الى هزالة مردودية قطاع السياحة داخل النسيج الاقتصادي.