شغلتني هذا الأسبوع كل تلك الرسائل التي وصلتني من مناطق مختلفة من وطني حول بؤر الفساد هنا وهناك، وحول هؤلاء الذين يريدون الالتفاف على ما أحرزناه من مكاسب في بناء ديمقراطيتنا الناشئة، باستغلال الثغرات في القوانين والتشريعات المصاحبة للدستور الجديد. تلك الرسائل تصل إلى حد الاحتجاج على صمتنا أمام ملفات في جهاتنا وأقاليمنا حسب حدة تعبيرها، والبعض منها تكاد كلماتها تقفز إلى حد اتهامنا بالتواطؤ في استمرار الفساد والفاسدين في ممارسة القهر والظلم على مواطنينا. حكم قاس جدا، لكنه كلام يدعو إلى الإنصات الفعلي لنبض شارعنا، وحكم جعلني أرد بكل القيم التي نؤمن بها، أن مشروع حزبنا في محاربة الفساد هو مشروع لا يستثني أحداً وأن الانطلاق من البيت الداخلي هو في حد ذاته كشف ومكاشفة، لأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو حزب وطني، وبيت وطني، وكل اعوجاج أو انزلاق أو تسريب أو ارتماء في هذا البيت خطأً أو مع سبق الإصرار والترصد، هو رهين بمدى يقظتنا أو عدمها، وأن محاسبتنا من مواطنينا الذين هم في العمق مناضلون بابتعادهم أو اقترابهم هو عمل مشروع، وأن البيت الذي نتحمل مسؤولية قيادته في الأجهزة التقريرية والتنفيذية هو بيت كل المغربيات والمغاربة، ومن حقهم أن يدعوا إلى تنظيف بيتهم لأنه دفئهم، وملجأهم، ووجهتهم النضالية والتعبيرية. لكن الذي أثار انتباهي فعلا في عمق هذه الرسائل، هو المشترك بينها، ذلك الحب الكبير الذي تكنه جماهيرنا الشعبية للاتحاد الاشتراكي، كوردتهم التي لا يريدونها أن تكون ذابلة، وكأنهم بهذا الحب الذي كبر في قلوبهم حد القسوة يحملون إناءهم الزجاجي الشفاف ليسقوا تربتها من أجل أن تتفتح وردتهم وتعكس بريق الأمل في عيونهم. قلت لأحدهم وهو يحمل الاتحاد الاشتراكي مسؤولية الصمت عن توزيع حبوب الهلوسة في الكثير من مناطق وطننا من طرف تجار المخدرات، أننا مثله ندعو إلى البحث بكل مسؤولية عن المصادر الحقيقية لهذه السموم، وأننا نناضل من موقعنا فقط ومن الثقوب المتاحة لنا في نافذة هذا الوطن، ضد الكثير من الفساد، كما نناضل من أجل أن لا تضيع المكاسب التي دفع من أجلها مناضلون حياتهم كثمن لإشعال شموع في الأنفاق المظلمة لهذا الوطن. ونحن اليوم رغم كل هذا الرصاص الذي يوجه إلى أجسامنا الصامدة، وأفكارنا التي تحرص على استقرار هذا الوطن، وعيا بكل ما يحاك له داخليا وخارجيا، ووعيا بدقة المرحلة وأهميتها، فإننا نمشي بالكثير من نكران الذات، ثابتين على أفكارنا ومبادئنا ، غير آبهين بالنعرات الانتخابوية وبالتحالفات غير المدروسة، واضعين الوطن في عقولنا وقلوبنا كوردتنا التي لا نريدها أن تذبل. لكن الرسالة التي علقت في ذهني هي تلك الآتية من حدودنا الشرقية مع الجزائر، من شاب اعتاد أن يذهب كل يوم ليتأمل ذلك الحاجز الوهمي الذي وضعته جارتنا أمام مواطني دولتين جارتين ترغب شعوبهما في التواصل دون قيد أو شرط. قال الشاب بإمكان الاتحاديين أن يفتحوا هذه الحدود بتعبئة جماهيرنا الاشتراكية الموجودة هناك بالضغط على النظام الجزائري من أجل أن تطوى صفحة كل هذا الهراء، في زمن حقق فيه حراكنا العربي الكثير بإسقاط الأنظمة الدكتاتورية، التي جثمت على صدور مواطنيها وحقرت عقول مفكريها ومناضليها، وأشعلت فتيل الانفصال حتى بنت جمهوريات للوهم وأسوارا لحدود تحاصر الشعوب وتمارس القهر باسم القرار السيادي مرة، وباسم تقرير المصير مرة أخرى... فتحت رسائل أخرى واردة في حسابي الإلكتروني، أجبت عن الكثير منها وتركت أخرى للتأمل، حللت كلماتها، قرأت كل ذلك العطش في نفوس شبابنا للنضال من أجل استقرار الوطن بمحاربة الفساد والمفسدين، ووضع اليد في اليد بالانخراط الكلي في بناء عهد جديد عنوانه الحرية والعدالة الاجتماعية، بالدفاع المستميت عن المبادئ الكبرى المعنونة بالوطن والمواطنة وكونية الديمقراطية. كررت القراءة من جديد وبعثت لأصدقائي جوابا موحدا «تعالوا لنسقي وردة لتتفتح في وجه الفساد والمفسدين».