تعتبر كل من الأنفلونزا والزكام من التهابات جهاز التنفّس الأكثر شيوعا، وغالبا لا يميز الناس بينهما، رغم أن هناك بعض الفروق الأساسية بين عوارضهما، علما بأن كليهما ناتج عن فيروسات، ويصيبان الأفراد في فصل الشتاء. والأنفلونزا قد تكون خطيرة ويجب عدم الاستخفاف بها، خصوصا في مرحلة عمرية معينة، لذا تنبغي الوقاية منها من خلال اللقاحات الفعالة والآمنة. ويعد مرض الأنفلونزا، من الأمراض الخطيرة، ومسؤول عن زيادة حالات الوفيات، وتحديدا في فصل الشتاء لدى بعض الشرائح العمرية الأكثر عرضة له، ويمكن بسهولة تلافيه، من خلال لقاح زهيد الثمن، أثبت فعاليته، والذي يسببه فيروس الأنفلونزا، ويمتد من يومين إلى خمسة أيام، يرافقها سعال جاف والتهاب الأنف، وتشمل أعراضه، القشعريرة والألم العضلي والتعب والوعكة الصحية والسعال والتهاب الحلق والصداع والحرارة المرتفعة، حيث يشكل العنصران الأخيران الفارق الأبرز بين الأنفلونزا والزكام. يتم تركيب لقاح الأنفلونزا ، وفق توصيات منظمة الصحة العالمية، ليحتوي على 3 أنواع من الفيروسات، وهو يحتوي على فيروسات ميتة، فلا يمكنه بأي شكل من الأشكال ، أن يتسبب بالمرض. وقد أثبتت اللقاحات المنتجة منذ ما يقارب ال 60 عاما ، أنها فعالة للغاية، وتحتملها الشرائح العمرية المختلفة، مما زاد من ثقة المجموعات الطبية في استعمالها للوقاية من الأنفلونزا لدى الأطفال والحوامل والمسنين ومن يعانون من أمراض باطنية، ولا يسبب هذا اللقاح المرض، وإنما قد يترك بعض الآثار الجانبية الطفيفة التي تدوم عادة يوما أو يومين، كالاحمرار والورم. وتعتبر فترة قبل بدء موسم الأنفلونزا، حسب استجواب أجرته جريدة «الاتحاد الاشتراكي» مع الدكتور خالد أيت الطالب، مدير المستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس، الفترة المثالية للحصول على هذا اللقاح، ويصادف موعدها عموما شهر أكتوبر، ويمتد إلى غاية أواخر فبراير نظرا إلى أن ذروة الإصابة بالأنفلونزا تعرف خلال هذا الشهر، كما أظهرت أحدث البحوث الوبائية، فيجب أن يستمر التلقيح طوال الشتاء والربيع في مارس، إذ يمكن للوباء أن يصبح مستجدا خلال هذا الموسم، ويكتسب الجسم بسرعة المناعة من اللقاح، وذلك في غضون 10 إلى 15 يوما بعد التلقيح، وتصل هذه المناعة إلى مستويات أعلى في فترة وجيزة، ثم تبدأ بالانخفاض في غضون 6 إلى 9 أشهر. كما ينصح الدكتور خالد أيت الطالب أن يخضع الناس للتلقيح كل سنة، لأن المناعة التي يمنحها اللقاح لا تحمي لأكثر من هذه الفترة، علما بأن الفيروسات تتحول وتختلف كل سنة، ويهم التلقيح بعض الفئات التي يتراوح عمرها من بين 6 أشهر وحتى 18 سنة، والبالغة من العمر 50 عاما وما فوق، فضلا عن أي شخص قد يعاني من مضاعفات من جراء الأنفلونزا، كالنساء اللواتي من المحتمل حملهن في موسم الأنفلونزا، الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة كالسكري والقلب والكلي أو الكبد والرئة والربو وفقر الدم أو الاضطرابات الأخرى في الدم، ومن يعانون من نقص في المناعة « فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة »، السرطان و«اللوكيميا»، بالإضافة إلى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 6 أشهر إلى 18 عاما ويخضعون للعلاج ب «الأسبرين» على المدى الطويل والمقيمين في مراكز الرعاية الصحية، وأي شخص يعيش أو يعتني بالأشخاص المذكورين سلفا، ويوصى بالتلقيح ضد الأنفلونزا للحجاج الراغبين في السفر في بداية موسم الأنفلونزا أو قبل أسبوعين على الأقل من سفرهم، وكذا لأي شخص، مهما كان عمره، يرغب في تخفيض احتمالية إصابته بالأنفلونزا أو نقلها للغير. وإلى جانب الحالات المذكورة آنفا، يُنصح بإعطاء لقاح الأنفلونزا للأشخاص الذين يمكن أن يتعرضوا للطيور أو مزارع الطيور، بالإضافة إلى جميع العاملين في المجال الصحي المسؤولين عن علاج وتمريض حالات مشتبهة أو مؤكدة لأنفلونزا الطيور لدى الإنسان، وكذا جميع العاملين في المستشفيات التي تستقبل حالات طارئة في المناطق التي ثبت فيها حدوث أنفلونزا الطيور لدى البشر. وتحدد توصيات طبيعة فيروس الأنفلونزا، التي تندرج في تركيبة اللقاحات ضد الأنفلونزا، مرتين في السنة، سيما في فبراير في النصف الشمالي وفي شتنبر في النصف الجنوبي، من قبل منظمة الصحة العالمية، تبعا لمعطيات المراكز المساعدة التابعة لمنظمة الصحة العالمية الموزعة في العالم، بحيث تحتوي على مضادات الجينات لصنفين من فيروس الأنفلونزا أ (H3N2 و H1N1) وفيروس الأنفلونزا «ب»، ويركب المنتجون سنويا لقاحا جديدا ضد الأنفلونزا، وفقا لهذه التوقعات. وتشير بعض الدراسات، إلى أن هذا اللقاح يخفّض معدل الوفيات المرتبطة بالأنفلونزا في صفوف المسنين بنسبة 80 %، كما أنه فعال في تخفيض نسبة الإصابة بالأنفلونزا في صفوف الراشدين، مما ينتج منافع اقتصادية هامة، وكذلك، يعتبر فعالا في صفوف الأطفال، إذ يخفّض التهاب الأذن الوسطى بنسبة 50 %، والتهابات مجاري التنفّس بنسبة 25 %،كما يحد تلقيح الأطفال من نقل الفيروس إلى أفراد العائلة. وانطلاقا من القاعدة المعروفة «الوقاية أحسن من العلاج» يحث الأطباء الجميع على تجنب ، وقت العدوى ،الأماكن المزدحمة والمكتظة، مع الحرص على غسل اليدين بشكل منتظم، وينصحون الأشخاص المصابين بتغطية الفم والأنف بواسطة منديل ورقي عند السعال أو العطس. كما يعتبر هذا المرض الأكثر انتشارا في الدول النامية، بحيث يصاب شخص بالانسداد الرئوي المزمن من بين 32 شخصا، مقارنة مع الدول المتقدمة التي يقل فيها انتشار المرض بنسبة شخص مصاب على 98 شخصا، كما أن هناك عددا لا يستهان به من المرضى المصابين الذين لم يستفيدوا من التشخيص والعلاج. ورغم اعتباره مرض الرجال بنسبة 9 على 1 ، فإن أعداد النساء المصابات به تزداد ارتفاعا مع مرور الزمن . ويعتبر التدخين مسؤولا عن 85 في المائة من حالات مرض الانسداد الرئوي المزمن، خاصة التدخين بشراهة ولمدة تزيد على 20 سنة، بالإضافة إلى التدخين السلبي، وتلوث الهواء، والتعرض للغازات وذلك في أماكن العمل ك «الكادميوم» و»السيليكا»، خاصة عند عمال المناجم، وعمال البناء، والصناعات المعدنية، والذهب، والفحم، وصناعة الغزل، والنسيج، والقطن. كما تتعرض للإصابة بالمرض في الدول النامية كذلك النساء اللواتي يستعملن الأفرنة التقليدية، والتدفئة التقليدية، بدون تهوية مناسبة . ويصيب الانسداد الرئوي المزمن بصفة نادرة وبنسبة 2 في المائة، الأشخاص الذين لهم عوز في بروتين «ألفا 1 انتيتريبسين»، ويتساءل الطبيب المعالج عند ظهور أعراض سريرية عند المريض كالسعال الصباحي، ثم ضيق التنفس، خاصة خلال إجراء التمارين الرياضية، حيث يصبح التنفس ومع تطور المرض عبئا حتى أثناء الراحة، الأمر الذي يشكل معاناة للمريض سيما إذا ما ارتبط الأمر بالسعال طيلة اليوم وأن يكون مصحوبا بكميات من البلغم الثخين الشفاف يوميا، وذلك لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر. كما يرافق هذه الأعراض، الصفير الصدري، والإحساس بالإجهاد والضعف. وأمام هذه الأعراض يقوم الطبيب المعالج بفحص المريض مع الاستعانة بالفحص الاشعاتي، والفحص المخبري. وقبل الاسترسال في موضوع هذا الأسبوع، ولتقريب القارئ من فهم كيف تتم عملية التنفس، ندرج في بضعة سطور ميكانيزمات عملية التنفس، بحيث يدخل الهواء نحو القصبة الهوائية ثم عبر القصبات الأصغر المسماة الشعب الهوائية، التي تغطي جدرانها غدد مخاطية تعمل على ترطيب الهواء الداخل، ويمكن لهذه الجدران الاسترخاء والتقلص للسماح بتوسيع أو تضييق الشعب، وبعد عبور الهواء للشعب الهوائية، فإنه يصل إلى وجهته النهائية حيث توجد الحويصلات الهوائية، وهنا ينفذ الأوكسجين إلى مجرى الدم، لتغذية أنسجة الجسم، بينما يلفظ الدم ثاني أكسيد الكربون إلى الخارج، وتجري عملية التنفس بفعل القوة التي تمارسها عضلات الصدر والحجاب، وهو الحاجز الذي يفصل الصدر عن البطن، وعندما يحدث الشهيق تتوسع الشعب الهوائية، وعندما يحدث الزفير فإن الأمر ينعكس، وفي حالة وجود شعب هوائية ضيقة فإن عملية الزفير تأخذ وقتا أطول مقارنة بعملية الشهيق، وفي حالة مرض الانسداد الرئوي المزمن تكون الشعب الهوائية ضيقة وتنجم عن ذلك صعوبة في التنفس، مع ازدياد حجم الغدد المخاطية وازدياد إفرازاتها، مع تضيق الشعب الهوائية ، ويؤدي في النهاية إلى تليف جدر الممرات الهوائية . ويعتمد التشخيص الطبي على معطيات استجوابية، كالتدخين المزمن، نوع المهنة، السكن، التاريخ العائلي للإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن، وكذلك على الأعراض التي يشتكي منها المريض، مثل السعال، وضيق التنفس، والصفير، والإجهاد، والتغيرات في الوزن. وعند الكشف الطبي يكون هناك ميول لزرقة الشفتين والأطراف، الناجم عن تدني مستوى الأكسجين، وقد تكون الأظافر مدورة، وعند الفحص الصدري يلفت انتباه الطبيب المعالج سرعة التنفس، الصفير الصدري، وتوسع قطر الصدر، وله صدى الصوت الفارغ. إضافة إلى الفحص بالأشعة السينية، والأشعة المقطعية، وتحاليل الدم الشرايينية لتحديد تركيز الأكسيجين وثاني أكسيد الكاربون، كما يبحث الطبيب المعالج عن مضاعفات المرض، ويعتمد على فحص وظيفة الرئة بحيث يقيس حجم الزفير الإجباري في ثانية واحدة، الذي يحدد درجة الانسداد الرئوي. وتعتمد المقاربة العلاجية على الوقاية التي تعتبر ركيزة العلاج، وذلك بالتوقف نهائيا عن التعرض لمسببات المرض، بتجنب التدخين، والامتناع عن التعرض للغازات في أماكن العمل، الوقاية من العدوى البكتيرية للجهاز التنفسي، عدم السكن في الأماكن المرتفعة، مع تحسين الغذاء بوفرة الخضروات والفواكه والحبوب، والعمل على السيطرة على الأعراض والتخفيف من حدتها، ومساعدة المريض على اكتساب لياقة بدنية ونفسية، وتحسين قدرته على تحمل الجهد ومتاعب الحياة العادية، والوقاية من المضاعفات، خاصة المضاعفات القلبية الوعائية، والاستعانة بالتمارين الرياضية التدريجية، مع التطعيم باللقاحات خاصة ضد عدوى الأنفلوانزا. أما العلاج الدوائي فهو يعتمد على موسعات الشعب لتسهيل تدفق الهواء فيها عبر محفزات مستقبلات بيتا مثل «الفنتولين»، و «الستيرويدات» المستنشقة التي تقلص من التهاب الشعب الهوائية، إضافة إلى المضادات الحيوية في حالة تعفن الشعب الهوائية، وتنظيف الرئة بإخراج الافرازات المخاطية عبر تناول مديب للبلغم. فضلا عن الاعتماد على العلاج الطبيعي والعلاج التأهيلي للرئة . ..، و يلجأ الطبيب المعالج كذلك إلى وصف العلاج بالأكسجين المنزلي على المدى الطويل عند الأشخاص المصابين بانسداد رئوي مزمن مع نقص في مستويات الأكسجين، وفي بعض الحالات الجراحة. وقبل الختام أحيل القارئ على بحث نشر في مجلة «لانسيت»، والذي يظهر خطر الإصابة بالانسداد الرئوي المزمن مدى الحياة عند شخص على أربعة، وقد أجري هذا البحث على ساكنة «انتاريو» الكندية التي يبلغ عدد ساكنتها 13 مليون نسمة، بواسطة الجمعية الأوروبية للأمراض التنفسية، وقد بين البحث أن 579466 شخصا تم تشخيصهم مصابين بالانسداد الرئوي المزمن خلال المدة الزمنية التي استغرقها البحث، بحيث وجد البحث أن 27.6 في المائة من الأشخاص الذين بلغوا سن الثمانين لهم خطر الإصابة بالانسداد الرئوي المزمن، وهو خطر مرتفع عند الذكور بنسبة 29.7 بالمقارنة مع النساء 25.6 في المائة ، وترتفع نسبة الإصابة مع تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية بنسبة 32.1 في المائة، كما ترتفع نسبة الإصابة عند الساكنة القروية ب 32.4 في المائة مقارنة مع ساكنة المدن 26.7 في المائة. ويشدد الباحثون على أن نسبة خطر التشخيص الطبي العمري المرضي بالانسداد الرئوي المزمن تعادل نسبة أمراض أخرى تسترعي أهمية أكبر وتلفت لها نظر وسائل الإعلام، بحيث أن نسبة خطر التشخيص المرضي العمري بالانسداد الرئوي المزمن، تضاعف نسبة الإصابة بالضعف القلبي الاحتقاني، وثلاث إلى أربع مرات أكثر من الإصابة بالاحتشاء القلبي، وسرطان الثدي، وسرطان البروستتا. كما شدد الباحثون على الثقل الاجتماعي والمالي للمرض الذي يمكن استعماله في التربية والتوعية لمحاربة المرض، مع الحث على تقوية البرامج التي تحارب التدخين. وفي الأخير لا بد من التذكير بأن الوقاية خير من العلاج وأن التشخيص والعلاج المبكر يُبطئ عملية إحداث الأضرار، ويدرأ حدوث المضاعفات، ويحسن نوعية الحياة.