أن تقوم بزيارة 30 مسجدا بفرنسا في ثلاثين يوما خلال شهر رمضان، هي بحق مغامرة روحية خاض غمارها مؤخرا الشاب الفرنسي من أصل مغربي بدر الدين بنطيب، صاحب النسخة الفرنسية ل «رمضان رود تريب». فقد نجح مهندس المعلوميات الشاب البالغ من العمر30 سنة والذي يقطن بأورليون (120 كيلومتر جنوب غرب باريس) من وراء مقود سيارته في كسب رهان عبور حوالي 5 آلاف كيلومتر من أجل الإفطار كل يوم في مسجد معين والتعريف بطقوس الشهر الفضيل داخل أماكن العبادة هاته. ولا يألو بدر الدين جهدا في وصف الهندسة المعمارية للمساجد والأجواء الروحية داخل كل فضاء ديني زاره، سواء من خلال السرد أو المقابلات أو الصور أو أشرطة الفيديو، كما عرف كيف يتقاسم مغامرته بكل حماس مع مستخدمي الأنترنيت الذين أقبلوا بكثافة على متابعتها بشكل مباشر على موقعه الألكتروني, وأيضا على مواقع الشبكات الاجتماعية. ويرعى هذه الرحلة مطعم يقدم وجبات حلال بستانس (ضاحية بشمال باريس) الذي يتكفل بتمويل أسفار وإقامة المسافر الشاب. ويوضح هذا المهندس الذي تنحدر عائلته من مدينة سيدي قاسم، أن انبهاره بالمساجد بدأ منذ سنوات خلت من خلال إحداث بوابة «تروف تاموسكي.إف إر» المخصصة لإحصاء أماكن العبادة بفرنسا والذي تفرغ لها بشكل كامل خلال السنة الماضية. ويقول في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء «شرعت في خلق قاعدة معطيات للمساجد، غير أنني حينما رغبت في التعرف أكثر على هذه الأماكن المخصصة للعبادة، أدركت أن المعلومات الوحيدة المتوفرة على الأنترنيت كانت معلومات موثقة بمواقع الجبهة الوطنية (حزب اليمين المتطرف) أو داخل فضاءات معادية للإسلام». وأمام الافتقار الواضح في معلومات موثوق بها، شرع في عملية تصنيف مختلف المساجد المتواجدة والمشاريع الجارية، مبرزا «شرعت في صياغة مقال، ثم ثان، وأخيرا قررت تصنيف كل المساجد». ويقدم الموقع الذي تم تصميمه كمحرك للبحث، العناوين الكاملة لأماكن العبادة الصغرى والكبرى، مع تقديم مواقيت الصلاة المحلية والموقع الجغرافي عبر «غوغل ماب» والمسافة الكيلوميترية حسب توقيت مكة. كما يوفر معلومات أخرى من قبيل المساحة وتواجد أو انعدام صومعة وقاعات الوضوء والوعظ باللغة الفرنسية(..), ومع مرور الوقت استقطب «تروف تاموسكي.إف إر» المزيد من الزوار. ويكشف بدر الدين بن الطيب أنه «ذات يوم علمت أن أمريكيين مسلمين نظما رحلة في ثلاثين يوما إلى30 مسجدا بنيويورك والسنة التي تلتها زارا 30 مسجدا في 30 ولاية خلال 30 شهرا. وبالنظر إلى أن هذا المفهوم يتماشى مع منطق «تروف تاموسكي.إف إر» انطلقت في مغامرة «رمضان رود تريب». مساجد فرنسا.. فضاءات روحانية تحفل بالإنسانية والتضامن كان كسر الأحكام الجاهزة حول المساجد التي يتم ترويجها عبر وسائل الإعلام من بين الأهداف المتوخاة من هذه المغامرة، حيث يوضح بدر الدين بن الطيب «رغبت في أن أبرز الجانب الإنساني لهذه الفضاءات المخصصة للعبادة وأدركت أن المسلمين جد متضامنون خلال شهر رمضان. ويقول الشاب المغربي أن هذا التضامن يعني المسلمين وغير المسلمين، معربا عن أسفه لكون وسائل الاعلام لم تتحدث يوما عن ذلك. وتابع في هذا الصدد قائلا بأنه «في ثلث المساجد تقريبا التي زارها كان العديد من غير المسلمين يتقاسمون معه وجبة الفطور، مضيفا أن الجمعيات التي تتولى تدبير هذه الفضاءات الخاصة بالعبادات تضحي بجزء من وقتها وتبذل قصارى جهودها من أجل خدمة أفراد جاليتها وكذا من أجل مساعدة من هم في أمس الحاجة». وأضاف «يجب أن نتوقف عن اتهام المسلمين بفرنسا» في إشارة منه إلى الحملة الأخيرة التي شنها اليمين المتطرف ضد الصلاة في الشارع مبرزا أن «إقامتهم الصلاة في الشارع ليست محض اختيار». وفي رأيه، فإن المسلمين تحذوهم إرادة حقيقية لممارسة شعائرهم الدينية في إطار من الكرامة، غير أنه وأمام إشكالية منع ترخيصات بناء المساجد، فإنهم يكتفون بقاعات صغيرة»، ولهذا فقد قرر في البداية زيارة هذه الفضاءات الصغرى للعبادة, قناعة منه أن الانسان هو من يشكل المساجد وليس البناء داعيا إلى «الخروج من إسلام الأقبية إلى إسلام الأنوار». ولدى دعوته إلى تقديم خلاصاته عن هذه الرحلة الغنية التي بدأت وانتهت في باريس مع توقفات ببروكسيل (مرتين) وبجنيف، رسم بدرالدين صورة متفائلة عن الاسلام بفرنسا انطلاقا من وعي الجيل الجديد من المسلمين العازم على أخذ زمام أمره بيده. وقال في هذا الصدد، إن الجيل القديم من المهاجرين سلم المشعل إلى جيل جديد عازم على إخراج ممارسة الشعائر الدينية من أقبية العمارات إلى أنوار المساجد الجديرة بحمل هذا الإسم. واستطرد قائلا بأن هؤلاء الشباب هم الذين «يعرفون بشكل أفضل كيف يتواصلون وينتظمون ويجمعون الأموال ويخاطبون السياسيين وخصوصا تثمينهم لوضعيتهم كمواطنين فرنسيين لكي يتم الانصات لهم بشكل أفضل». وأشار إلى أنه فضلا عن ذلك، فإن هنالك المزيد من الممارسين للشعائر الدينية والمعتنقين للاسلام وأن التنظيم أخذ يكتسي طابعا مهنيا أكثر، مبرزا أن فرنسا تضم مابين2000 و2500 فضاء للعبادة. وأضاف بأن هنالك حملة واسعة لبناء المساجد. وقال بهذا الصدد أنه أخذ علما بأن ما بين100 و200 مشروع بناء مسجد يوجد قيد البناء من ضمنها حوالي30 مسجدا تم إحصاؤها خلال الاربعة أشهر الأولى من سنة2011 . وبنظره فإن العديد من مشاريع البناء تقف وراءها الجالية المغربية المنخرطة بقوة في مجال الدفاع عن الاسلام بفرنسا كما يدل على ذلك مشروع بناء المسجد الكبير بسانتيتيان، الممول في حدود النصف من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس. وقال بهذا الخصوص «فهذه الجوهرة من الفن المعماري المغربي» سيتم تدشينها بداية2012 . وبخصوص مشاريعه المستقبلية، أوضح بدر الدين بأنه بصدد الإعداد لمبادرة أخرى .غير أنه أضاف بأن مبادرة «اكتشف مسجدك « ستكون في الموعد السنة القادمة, وأنها يمكن أن تكون موضوع جولة في أوربا والعالم».