يعرف سكان المغرب منذ مطلع القرن 20 نموا ديمغرافيا سريعا الذي يرجع إلى ارتفاع نسبة الولادات وانخفاض نسبة الوفيات، مع تسجيل أن سكان المدن يتزايدون على حساب عدد سكان البوادي، لكن مع بداية القرن الواحد والعشرين بدأ المغرب يعرف انخفاضا في نسبة الولادات ونسبة الوفيات، وتقف وراء هذه الظاهرة أسباب متداخلة، كتقدم مستوى عيش السكان، تمدرس الفتيات، تراجع سن الزواج وسياسة تنظيم النسل بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، وينعكس ارتفاع نسبة الولادات وانخفاض نسبة الوفيات على البنية العمرية لسكان المغرب، حيث أدت سرعة تزايد السكان إلى وجود بنية سكانية فتية تتمثل في ارتفاع نسبة الأطفال والشباب وتقلص نسبة الشيوخ سواء بالنسبة للذكور أو الإناث. هذه المعطيات تؤكد بالملموس أن مغرب اليوم تهيمن عليه فئة الشباب، وهي الفئة النشيطة التي يبتغيها عمليا ويطلبها ميدانيا مختلف الدول التي لها رؤية وإستراتيجية واضحتين، سواء تعلق الأمر بالتخطيط للمستقبل المتوسط أو البعيد، وذلك لما تتوفر عليه هذه الفئة من مؤهلات وقدرات، لكن يحدث تم يكون قدر الشباب لصدفة الجغرافيا ولأسباب لا دخل له بها وجد في مكان لا يعترف بقيمته، فيتم اهضار قدراته الظرفية والزمنية، لأنه إذا لا يتم استثمار قدرات وإمكانات الشباب ظرفيا وتأسيسا للمستقبل فانه ديمغرافيا سيتحول إلى فئة الشيوخ التي عمليا بلغة الاقتصاد الاجتماعي تصبح فئة غير منتجة، وهي بالتالي فئة مستهلكة ويقع عاتق التكلف بمتاعبها على الدولة. إن التخطيط السليم والرؤى الواضحة وبقليل من الاجتهاد، تجعل من المجتمع مجتمعا متطورا بفئاته ومكوناته، فتطور وتقدم أي مجتمع ينبني انطلاقا من تطور وتقدم مختلف فئاته، والمغرب تغلب عليه فئة الشباب فذاك يعني آن هدف المغرب وتقدمه لن يتأتى إلا بتقدم ووضع فئة الشباب نصب أساس كل البرامج والمخططات قبل فوات الأوان، لأنه حسب كل التوقعات والدراسات الديمغرافية التي تشير إلى أن المجتمع المغربي يتجه نحو الشيخوخة بشكل قوي، وعليه من هذه الناحية فان الشباب يشكل قاعدة نشيطة ومادة خام وجب استعمالها واستثمارها حسب الأولويات والمتطلبات، هذا من جهة ، من جهة أخرى وبالرجوع إلى تقرير 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب، وآفاق 2025 والذي يشكل قاعدة معرفية مدعمة بالدلائل والحجج لتغذية النقاش العمومي مع استخلاص العبر والدروس من التجربة الماضية لبلادنا، كما يقترح بعض مسالك التفكير لاستشراف العقدين المقبلين. هذا النقاش العمومي الذي هو إعادة امتلاك لمصيرنا المشترك، مصير يجب بناؤه بمشاركة الجميع انطلاقا من تقييم موضوعي لما تراكم من سياسات، وتجارب في العقود السابقة بهدف إحداث قطيعة مع الممارسات السابقة التي أعاقت التنمية في بلادنا، ثم بناء خيارات منسجمة تعمق وتسرع أوراش الإصلاح التي أطلقها المغرب، وللنقاش العمومي نتائج جد إيجابية في مجال تدبير الحياة العامة، فهو الكفيل بتوضيح الأولويات وفرز مقترحات عملية كفيلة بضمان نجاعة السياسات العمومية وتحسين أداء الفاعلين العموميين، ثم انه أحد أعمدة الممارسة الديمقراطية، وهي وحدها كفيلة بأن توجه بلادنا نحو السير الثابت على طريق النجاح. لقد طرح تقرير الحمسينية تساؤلا عميقا وهو: هل سيفتح المجتمع ما يكفي من فضاءات التعبير للتنمية والابتكار؟ وهل لهذا المجتمع ما يكفي من الثقة في شبابه لكي يستطيعوا أخد أوراش تنمية البلاد على عاتقهم ؟، كما اعترف التقرير بالعجز الكبير الذي يسجله المغرب في التعامل مع قضايا شبابه انطلاقا من غياب معرفة دقيقة بهذه الفئة وصولا إلى القصور في عملية إدماج الشباب، كما أن الشباب لم يمثل بالشكل المطلوب كمكون من مكونات مسيرتنا نحو الحداثة، مع أن فئة الشباب مافتئت تشكل غالبية السكان المغاربة، فإن اندماجها الاجتماعي والاقتصادي ظل محدودا خلال الخمسين سنة الفارطة بسبب قصور تأطيرها في مجال التربية والتعليم وضعف انخراطها في الحقل السياسي والثقافي والرياضي. كما أوصى التقرير، وهذا هو الأهم ، بأنه على المغرب أن يكون في انسجام مع شبيبته، وأن تتسم سياسة إدماج الشباب بالشمولية وتعدد الأبعاد: سياسيا ،اقتصاديا واجتماعيا. إن هذه الحقائق التي خلص إليها تقرير الخمسينية توضح وبجلاء أن هناك مياه كثيرة تجري تحت جسر مجتمعنا لا نلقي لها بالا، ولأننا بلاد تسير بلا بوصلة ولا تخطيط ولا لوحة قيادة، فإن بعض الحقائق عندما تطفو فوق السطح تصدمنا، لأننا رفضنا إعمال العقل والمنطق للصالح العام، فحتى ما يخص قضايا الصالح العام تجدنا ننظر إليه بنظرة ذاتية ظرفية، وهي عموما ثقافة وتربية لا يمكن أن نجدها إلا في منطقتنا ولانتمائنا إلى دول العالم الثالث، إن مناسبة الحديث هنا بمنطق الدعوة إلى الانفتاح حقيقة وعملا على فئة الشباب المغربي وعلاقته بتدبير الشأن العام، هي مناسبة تفرض شرعيتها في مغرب اليوم، مغرب التحولات والإصلاحات، فحتى منطق الإصلاح ينبغي أن يعمل وفق أدبياته الصحيحة ومنهجياته الشمولية المنتظمة، فحين نناقش موضوع الشباب في المغرب، تقفز إلى الذهن مجموعة من الصور والتعبيرات السلبية والقاتمة حول هذه الفئة الاجتماعية مثل:» الشباب لا يهتمون بالسياسة» و» الشباب سلبيون سياسيا» و»غياب انخراط الشباب في الحياة المدنية»، الخ. كما تقوم بعض وسائل الإعلام والخطابات السياسية بترديد هذه المقولات السابقة دون الاستناد إلى دراسات ميدانية لفهم طبيعة العلاقة الموجودة بين الشباب المغربي و المجال السياسي، بحيث تكون تلك الصور النمطية غير متناسبة مع واقع الحال في كثير من الأحيان. هيمنة هذه الصور النمطية هو للأسف نتيجة لتواضع عدد الأبحاث والدراسات حول السلوك والثقافة السياسيين عند المغاربة، وحتى الدراسات حول الشباب بشكل عام تظل المجال الأفقر في العلوم الاجتماعية. وإن كنا نلاحظ في السنوات الأخيرة حركية في مجال البحث العلمي من طرف هيئات عمومية ومنظمات خاصة وباحثين جامعيين تأخذ بعين الاعتبار الشباب كشريحة أو فئة مستهدفة بالدراسة، ولكن هذه المشاريع البحثية تظل مجهولة من طرف العموم ، حيث أن نتائجها وخلاصتها تنشر في مجلات ومؤلفات علمية متخصصة صعبة الولوج لعموم شرائح القراء، أو بكل بساطة تترك هذه الأبحاث عرضة للإهمال بين رفوف المكتبات والخزانات الجامعية أو داخل أدراج المؤسسات العمومية . ولعل الحراك المجتمعي المغربي الذي أبان عن انخراط الشباب في ممارسة حقهم في الاحتجاج والنقد والتظاهر يبين ما للشباب المغربي خاصة من وعي عميق بقضاياه وانتظاراته وتساؤلاته، ولعل المتتبع للنضال التاريخي الذي خاضته القوى الوطني، ويبين كذلك دور الشباب في توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال وكيفية التنسيق لطرد المستعمر والتفاوض مع القوى الامبريالية، وما بعد الاستقلال من خلال بناء الدولة الوطنية من خلال مشاريع النهضة سياسيا اجتماعيا أو اقتصاديا، وما صاحب ذلك من مواجهات واختلافات بين هؤلاء الشباب والدولة، وهي مؤشرات ودلائل تبين بالملموس مدى ترسخ الوعي الشبابي ومسؤوليته ومدى انخراطه والتزامه بقضاياه. إن دعوتنا لإعطاء الشباب الاهتمام ما يكفي وما يستحق لا يعني بالبتة الدعوة إلى التضييق على الفئات والمكونات المجتمعية الأخرى، فالنقاش اليوم يجب آن يستحضر الروح الجمعية والمصلحة العامة والأفق الواضح، ولنا في هذه المناسبة، مناسبة الإصلاحات والتغييرات، الفرصة لتوضيح المرامي والمرافعة على الحقوق والقيام بالواجبات. إن الراهن السياسي وما يعرفه من إمكانات متاحة للمجتمع في أفق التغيير والمغرب الممكن، لا يجب ان يكون مبررا لكي تنساق كل فئة وراء أطماعها، وكأن ما سيتم فوق هذه الأرض أنيا وظرفيا سيولد لنا المغرب الجنة، فالنضال نضال مستمر والإصلاح هو مسلسل، والبناء هو طويل وشاق. إن مناسبة هذا الكلام يأتي من خلال ما تشهده الساحة السياسية الآن من هيجان وتضاربات فيما يخص مناقشة قانون مجلس النواب، وكم فاجأني الأمر حينما نرى آن البعض يدافع عن بعض الاستثناءات التي أتت أصلا كاستثناء ولا يجب أن تستمر، وإغفال الأهم، ألا وهوي الشروط والضمانات القوية التي يمكن معها أن تمر الانتخابات في جو نزيه، وديمقراطي، يجيب على كل المطالب المجتمعية، وإن على مستوى الشكل، فما يروج من نقاش حول ما يسمى باللائحة الوطنية، وما أسالته من مداد ومن مبادرات كانت إلى عهد قريب ممحوة على الوجود ومن نقاش مسموم، وما نراه للأسف من ثقافة إقصاء هذا الطرف طرفا أخر، وحجته في ذلك أن له الحق كله، ونسي الجميع أن الحق حق مطلق دستوريا متى توفرت في الشخص الشروط القانونية لمختلف الفئات والأجيال. إن لكل واحد الحق في الدفاع عن مكتسباته، من الناحية المبدئية، يجب أن نتفق أن اللائحة الوطنية هي أصلا في الشروط الديمقراطية والمجتمع الحقيقي لا يجب آن تقبل، ولكن تجاوزا للعقلية الذكورية، وللعقلية الاقصائية تم تشريعها خدمة للفعل النسوي والاعتراف بقدراته، وهو نفس الشيء الذي يمكن أن يسري على الشباب كذلك، فالطبيعة الديمغرافية التي أسهبنا فيها في البداية والمبادرات القوية للشباب وفعله بالمجتمع، تجعل منه كذلك، أحق بحالة الاستثناء، ومع ذلك يجب الانتباه إلى هذه المعركة الملغومة شباب/نساء، فالمبدأ يقول لكل فئة حق الدفاع عن حقوقها، ومن وجهة نظرنا نرى انه لا بد من الانتباه إلى بعض الشروط التي من الواجب علينا كشباب وكنساء احترامها حتى تكون المطالب ديمقراطية ومشروعة ومن بينها: - مصطلح الشباب يعود على الجنسين. - النضال والترافع يبدأ داخل الهيأة السياسية أولا التي ينتمي لها الطرفين. - الابتعاد عن مبدأ إلغاء وتجريح الأخر، أي أن مطالبة النساء أو الشباب بالمكتسبات لا يعد سببا موجبا لإقصاء طرف على حساب الأخر. - الانتباه من العلاقة الصدامية، أي أن المطالب هي مع الدولة والمجتمع وليس في اتجاه تبادلي ما بين النساء والشباب. - التشبث بحق التمثيل كجيل لا يعني إقصاء أو الإساءة إلى الأجيال السابقة، أو الصراع مع النخبة والقيادة السياسية التي تجاوزت سن الشباب. - تجديد النخب يعني الشباب كقوة اقتراحيه وقوة نشيطة، كما يمكن أن يتعدى الشباب - التمييز الايجابي يكون مرحليا واستثنائيا، وليس دائما وإلا اعتبر ريعا سياسيا