مع سقوط نظام القدافي في العاصمة طرابلس، بدأت تسقط الحجب عن مدى تورط النظام الجزائري في الملف الليبي، وأيضا عن مدى تورط جبهة البوليساريو في الإرتزاق وإبادة الشعب الليبي دعما للقدافي وجماعته مقابل أجر مالي يومي مغر لكل مرتزق. وقوة هذا الإكتشاف الدامغ آتية من أنه صادر عن وثائق سرية تسربت إلى الصحافة الإنجليزية، هي في ملكية حلف الشمال الأطلسي. بل إن المعطى الأهم والأوضح هو تأكد اعتقال ثوار ليبيا برئاسة المجلس الوطني الإنتقالي لعدد كبير من عناصر البوليزاريو بعد سقوط مقر قيادة القدافي بباب العزيزية بالعاصمة طرابلس، وأنه تم نقلهم إلى سجن بنغازي المؤمن. فكان رد فعل السلطة الحاكمة بالجزائر، هو إعلانها رسميا تأجيل الإعتراف بالمجلس الوطني الإنتقالي، الذي ليس سوى ترجمة للموقف السلبي لصناع القرار في قصر المرادية بالعاصمة الجزائر من تطورات الثورة الليبية. لقد أكدت صحيفة «الدايلي تلغراف» البريطانية، حسب موقع «مراكش» على الأنترنيت، أن عناصر من البوليزاريو عادت إلى تندوف الجمعة الماضية قادمة من ليبيا وأنها دخلت برعاية لوجيستية من الجيش الجزائري. وأن عدد تلك العناصر يتجاوز المئة، الذين كان نظام القدافي يدفع لهم أجرة يومية مقابل قتل الليبيين، تصل إلى 500 دولار للفرد الواحد. وأن تفاصيل هذه الواقعة وردت في تقرير سري للحلف الأطلسي. الحقيقة، أن تصاعد التوتر بين السلطات الجزائرية والثوار الليبيين، بقيادة المجلس الوطني الإنتقالي، قد انطلق منذ شهر مارس الماضي، حين أعلن رسميا وزير الهجرة الليبي السابق، في حكومة القدافي، علي الريشي، بعد التحاقه بالثوار، أن الجزائر تدعم النظام الليبي من خلال تسهيل تنقل عناصر من المرتزقة من البوليساريو إلى التراب الليبي، وهو نفس الموقف الذي أعاد تأكيده منذ يومين، بعد تأكد خبر اعتقال الثوار لعدد كبير من عناصر البوليساريو بمدينتي الزاوية وطرابلس، خلال الأيام التي حسمت الموقف العسكري ضد قوات القذافي. بل إنه صرح من نيويورك، لإذاعة ميدي آن بطنجة، في نشرات أخبارها ليوم الخميس الماضي، أن ليبيا الجديدة تفتح الباب لجيرانها إذا ما اعتذروا عن ما تسببوا فيه من أدى للشعب الليبي أثناء ثورته. معتبرا أن الإنتصار للمستقبل يقتضي التحلي برؤية سياسية توافقية تعلي من قيمة تحقيق حلم المغرب العربي الكبير فعليا، من خلال مطالبته بفتح الحدود بين المغرب والجزائر، وأن يكون البناء المغاربي تعاونيا فعلا، توحيديا وليس تجزيئيا. مثلما أن من أسباب تصاعد التوتر بين السلطة الحاكمة في الجزائر، وثوار ليبيا، هو دخول عناصر من الثوار الليبيين إلى سفارة الجزائربطرابلس (وهي السفارة الوحيدة التي عملوا على مهاجمتها دون أية سفارة أخرى ولقد احتجت الحكومة الجزائرية لدى الأممالمتحدة حول ذلك) وأخدهم عددا من الوثائق التي سلمت إلى المجلس الوطني الإنتقالي الليبي، تسربت معلومات تفيد أنها حاسمة في أمر تحديد أشكال دعم السلطات الجزائرية للقدافي. مما سرع من أمر تشديد الثوار لمراقبتهم للغرب الليبي على طول الحدود مع الجزائر، خاصة في الشق الشمالي منها، هي التي تمتد أصلا على مساحة 982 كلمترا. كما أن ما يقلق الجزائر العاصمة، أن قائد الثوار الليبيين الذين نفذوا عملية دخول طرابلس وتحريرها، عبد الحكيم بلحاج، هو أحد زعماء الجماعة الليبية المقاتلة، زوجته مغربية، كان قد اعتقل في التايلاند بعد هروبه من أفغانستان وسلمته السلطات الأمريكية للقدافي، وأنها تتهمه بالتالي أن له علاقات مع تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، وواضح أنه قد كان له دور حاسم في تحديد مسارات دخول عناصر البوليساريو إلى الأراضي الليبية. بل وتتهمه ضمنيا أنه من نسق الدخول إلى السفارة الجزائريةبطرابلس. كل هذه المعطيات تؤشر على أن التوتر هو الذي سيطبع عمليا العلاقات بين السلطات الجزائرية والسلطة الجديدة في طرابلس. وواضح أنها تورطت بشكل متراكب في الملف الليبي وفي دعم القدافي وأن ذلك سجل نقطا سلبية ضدها على كافة المستويات داخل ليبيا وخارجها، خاصة في العلاقة مع الحلف الأطلسي. بل إن تصريح الرأس الأول في السلطة الجديدة بليبيا مصطفى عبد الجليل، أمس الأول يضاعف من احتمالات التوتر ذاك، كونه أكد أن ليبيا لن تنسى من أحسن لثورتها وأيضا من أساء إليها في كل المشاريع الإقتصادية القادمة، في إشارة ضمنية إلى الموقف الجزائري. الموقف الجزائري، الذي بدا واضحا أنه جد متدبدب، كونه ظل يتغير على رأس كل ساعة، قبل أن يعلن رسميا تأجيل الإعتراف بالثوار ومجلسهم الوطني الإنتقالي، بدعوى حماية البلاد من خطر القاعدة. وهي ورقة أمنية هامة، لها رنين خاص عند القوى الدولية وعند الحلف الأطلسي، لكنها هذه المرة ملطخة بالدور الجزائري ماديا في دعم القدافي وفي تسريب المرتزقة إليه عبر التراب الجزائري. فقط، لنذكر أن الوزير الأول الجزائري أويحيى، كان قد هاجم المغرب بعنف، معلنا تأجيل إلغاء فتح الحدود بسبب ما اعتبره تحركا للوبي مغربي في أمريكا لاتهام الجزائر بدعم القدافي. واليوم بعد خروج كل هذه الوقائع المادية التي تدين الحكومة الجزائرية، فإن السلطة الجزائرية قد وضعت نفسها في موقف لا تحسد عليه، هي المطوقة أصلا بتحولات إصلاحية في شرقها تمت بعنف وبفاتورة للدم، في تونس وليبيا، وبتحولات إصلاحية دستورية وانتخابية وحكومية في الغرب، تمت بشكل سلمي في المغرب. والأزمة في المغرب العربي اليوم هي أزمة النظام الجزائري الذي يرفض الإصلاح الحقيقي داخليا، ويعمل كل ما في وسعه لمنعه في محيطه المغاربي. وواضح أن ساعة الحقيقة المغاربية قد دقت وأن المؤسسة العسكرية في الجزائر، بمنطقها القديم المتجاوز، هي في خصومة مع الحلم المغاربي وأيضا مع حلم الشرائح الواسعة في الشقيقة الجزائر في التغيير والإصلاح. وبذلك فالتوتر الجهوي والإقليمي للسلطة الجزائرية يتسع، من الغرب إلي الشرق. أي من المغرب إلى ليبيا.