كان الامتحان الحقيقي لقياس قدرات الحارس مصطفى الشاذلي هو مباراة الديربي أمام الوداد البيضاوي في مرحلة الذهاب. كان مطالبا بالقضاء على ما تبقى من شك، وتقديم أوراق اعتماده كاملة كحارس رسمي للرجاء، بعدما كان على وشك الرحيل إلى فريق آخر. كان الوداد في مرحلة إعادة البناء، وراهن على شبانه من أمثال حميد تيرمينا، سعد فتاح، خالد خاما، محمد بنشريفة، رضوان العلالي... «كان الكل يتوقع أن يمطر الرجاء شباك غريمه، إلا أن السيطرة كانت لعناصر الوداد، وأتيحت لها العديد من فرص التسجيل، إلا أني دافعت بشراسة عن المرمى وأحبطت كل المحاولات، فزال التخوف حول مستقبل حراسة المرمى داخل الفريق، إلا أن الأمر لم يصل إلى درجة الاطمئنان التام، لأني كنت أسمع حينها أن الفريق يبحث عن حارس مرمى، وكانت تروج أخبار عن وجود مفاوضات مع بعض الحراس، إلا أني حافظت على تركيزي، وواصلت عملي حتى انتزعت الثقة كاملة. كان فريق الرجاء البيضاوي يخوض غمار منافسات كأس عصبة أبطال إفريقيا، وكانت أول مباراة لي ضد اتحاد العاصمة الجزائري بمركب محمد الخامس في صيف 1997، وانهزمنا بهدفين دون مقابل، وبدأ الكل يتنبأ بالإقصاء. قدم المدرب العماري استقالته، وأسندت المهمة مؤقتا للمدير التقني آنذاك امحمد فاخر، الذي قادنا في مبارتين بالبطولة الوطنية ضد النادي المكناسي وأولمبيك خريبكة، وتابعهما المدرب الجديد وحيد هاليلودزيتش من المدرجات. بعدهما مباشرة كانت المباراة ضد بريميرو دي أغوسطو الأنغولي بمركب محمد الخامس. انتصرنا بأربعة أهداف دون مقابل على هذا الفريق الذي كان يحقق نتائج جيدة في دوري أبطال إفريقيا، فانتعشت حظوظنا بعد تعادل اتحاد العاصمة مع أورلاندو بيراتس الجنوب إفريقي، وتأجل الحسم في أمر المتأهل عن هذه المجموعة إلى الجولة الأخيرة». أصبح الرهان الأكبر هو الفوز بجنوب إفريقيا وانتظار نتيجة مباراة الجزائر العاصمة. كانت المبارتان تجريان في نفس التوقيت. وبجنوب إفريقيا قدم الشاذلي أداء بطوليا، وانتزع اعتراف الجميع بأحقيته في حراسة مرمى النسور. «فقدت فيها سنين، ووقفت سدا منيعا في وجه كل محاولات الفريق الجنوب إفريقي، الذي لم يكن معنيا بأمر التأهل، إلا أنه كان خصما عنيدا، وشن العديد من المحاولات على مرماي، غير أننا كنا نقوم بمحاولات مضادة خطيرة، معتمدين على سرعة مستودع ورضى ونزير. تحملت ثقل المباراة ودافعت بشراسة عن المرمى، وكانت هجمات الفريق الجنوب إفريقي خطيرة، لأن لاعبيه أظهروا عزيمة كبيرة على تحقيق الفوز. خلال محاولتي السيطرة على إحدى الكرات، اصطدمت بأحد لاعبي أورلاندو براتس، وفقدت سنين، وسقطت مغشيا علي. عندما استعدت وعيي رفض الحكم المصري جمال الغندور مواصلتي المباراة وطالب بتغييري، لأن الدم كان يسيل من فمي بغزارة بفعل قوة الاصطدام، لدرجة أن اللاعب الذي اصطدم بي لم يكمل المباراة، وتم تعويضه. أصر المدرب وحيد على بقائي بعد الأداء الجيد الذي قدمته، وفضل عدم المغامرة بإدخال الدغاي قبل ربع ساعة من نهاية المباراة. لم أتقبل بقاء الدغاي في كرسي الاحتياط، وكنت أتمنى لو يبقى حارسا رسميا، فهو أكبر مني سنا وأكثر تجربة. طالب مني اللاعبون، وخاصة السلامي والبكاري وخاليف وفهمي، أن أكمل المباراة. شعرت بأن قيمتي ازدادت داخل فريق الرجاء، وأصبحت عنصرا مهما ضمن المجموعة. طلب مني الحكم الغندور، الذي تفهم الوضع، أن أغلق فمي حتى يكف الدم عن السيلان، إن أردت مواصلة اللعب. كانت المفاجأة غير سارة في الدقيقة 86، حيث سجل علي هدف التعادل، لكن الله أراد إنصافي وسجلنا هدف التفوق بواسطة اللاعب نزير، وأصبح تركيزنا منصبا على مباراة الجزائر. بقينا فوق أرضية الميدان ننتظر انتهاء مباراة الجزائر، وكانت الهدية سارة، بعدما أجبر بريميرو دي أغوسطو الأنغولي اتحاد العاصمة على التعادل، وكان التأهل من نصيب الرجاء البيضاوي. عمت الفرحة كل المجموعة وانخرطنا في الاحتفال. قام المسؤولون الرجاويون بنقلي إلى مصحة أسنان بجنوب إفريقيا، حيث تم تثبيت طقم أسنان. كانت الإصابة قوية، وأصبحت أجد صعوبة كبيرة في تناول المأكولات، وكانت السوائل هي غذائي الوحيد. عقب المباراة وعند نزولي إلى مطعم الفندق لتناول وجبة العشاء، وقف كل الطاقم التقني والإداري واللاعبون وعم التصفيق المطعم. كان أحساسا فريدا في تلك اللحظة، نسيت الألم وشعرت بفرحة كبيرة. وعند الوصول إلى مطار محمد الخامس، وجدنا أعدادا كبيرة من الجماهير في انتظارنا، حملوني على الأكتاف، وكنت نجم اللحظة بكل ما في الكلمة من معنى. كان من بين المنتظرين والدي، الذي علم بالحادث الذي وقع لي، لكن فرحته كبيرة عندما شاهد كيف تم الاحتفاء بي من طرف الجمهور. تحول الشاذلي من حارس احتياطي إلى نجم الرجاء الأول، الذي كان يضم حينها لاعبين كبارا من قيمة النجاري، خاليف، رضى، نزير... وكتب اسمه في الدفتر الذهبي لفريق دخل أبواب العالمية.