من المنتظر أن تعرض في مجلس الحكومة القادم، مسودة القانون التنظيمي المنظم للاحزاب السياسية المغربية،وهي الصيغة النهائية التي أرسلت للأحزاب، كجواب من الداخلية على مقترحاتها التي سبق أن تقدمت بها في وقت سابق. وقد كانت مجمل النقاشات والمواقف قد تمحورت، في جزء أساسي، حول قضايا التمويل، والترحال واتحاد الاحزاب. وبخصوص النقطة الاولى، حافظت النسخة النهائية على ما جاءت به النسخة الأولى، حيث نصت المسودة النهائية على تخصيص «حصة سنوية جزافية لجميع الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة التشريعية، والتي غطت نسبة 10 في المائة على الأقل من عدد الدوائر الانتخابية المحلية الخاصة بانتخابات أعضاء مجلس النواب، توزع بالتساوي في ما بينها». وقد دار نقاش مستفيض حول قضية التمويل من أموال دافعي الضرائب، وأوخذ على التمويل، بدون ضوابط صارمة، أنه وسيلة من وسائل التفريخ الحزبي، بدون استحضار «العقل الحزبي» وعقلنته، بالشكل الذي يجعل التمويل أداة للديموقراطية من أجل توفير شروط حقيقية للتقاطب، وتقوية التدافع الديموقراطي وقطع الطريق على البلقنة، وإفراغ التعددية من محتواها. ولم تأخذ الداخلية بمبدأ ربط الاستفادة من التمويل العمومي بالحصول على عتبة محددة ، كما في دول ديموقراطية عريقة. وفي هذا السياق لا بد من استحضار تجارب دولة ألمانيا التي تعتمد العتبة في حل الحزب الذي لم يحصل عليها، وإعادة تأسيسه من جديد. عدم التجاوب مع هذا التوجه ، يترك للأسف الباب مفتوحا لمشتبهات الماضي، كما من شأنه الدفع الى« ارتجال» التعددية التي تضعف ، إن لم تعصف بالبناء الديموقراطي. القضية الثانية التي كانت موضع خلاف ، ذات صلة بالترحال، وإذا كان الدستور قد حسم مسألة الترحالالبعدي،« أي الذي يسقط عضوية صاحبه في المجالس المنتخبة بعد أن يرحل هذا الاخير من حزب الى آخر» ، فقد سجلت القوى الحريصة على ضمان الاستقرار السياسي والمؤسساتي للبنيات الديموقراطية، والحريصة على ضمان حد أدنى من تفعيل الدستور في هذه الفترة الفاصلة، أن الترحال القبلي لم يحظ بنفس التعامل الصارم. فقد سبق أن اقترحت القوى السياسية المذكورة، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي، أن يتم التنصيص على علاقة الديموقراطية بالترشيح، عبر وسيلة ديموقراطية تضمن تكافؤ الفرص، ولهذا جعلت من شروط هذه المنافسة، العضوية في نفس الحزب لمدة سنة على الاقل قبل أي ترشيح محتمل. وكان الوازع الديموقراطي والتخليقي واضحا في هذا الباب، لكن الإدارة الترابية لم تتفاعل مع هذه الاحترازات التي من شأنها تمنيع الأداء والبناء الديموقراطيين في بلادنا. وبخصوص قضية اتحاد الاحزاب، لم يستجب المشروع للتوجه الذي ذهب الى إعطاء اتحاد الاحزاب ، مرتبة الحزب المنصوص عليها دستوريا. وقد جاءت المسودة لتؤكد سمو الدستور بهذا الخصوص، حتى لا يقع خلط بخصوص ما سيترتب عن انتخابات البرلمان القادم. ومن جهة أخرى كان المجلس الحكومي قد صادق على مشروع قانون يتعلق بملاحظة ومتابعة الانتخابات ، مراقبة مستقلة. وقد جاءت النسخة النهائية متقدمة جدا ، حيث تجاوزت السقف الذي توقعه الفاعلون، وتضمنت تعديلات الجمعيات الحقوقية والمدنية، بشكل تجاوز كل التوقعات ، كما أن النسخة جاءت مستوفية للعديد من ضمانات المراقبة المستقلة بما يضع بلادنا في موقع متقدم. ويسجل المتابعون للشأن الوطني أن الروح التي طبعت التعامل مع مقترحات الملاحظة المستقلة، لم تكن هي نفسها عند التعامل مع تحصين المشاركة، من باب القانون المنظم للأحزاب. لقد كان «التأويل الديموقراطي للدستور» ، يقتضي تفعيلا لروح محاربة الترحال والبلقنة،وتمنيع الممارسة السياسية ، بنفس الدرجة ونفس الطبيعة في التعامل مع المقترحات الجريئة والقوية للمجتمع المدني والحقوقي في قضية مراقبة الانتخابات.