بتاريخ 20 غشت 1953، أبعدت فرنسا سلطان المغرب. وبعد المرور من كورسيكا، تم نفي محمد الخامس إلى مدغشقر شهر يناير 1954. وظل في أنتسيرابي إلى حدود أكتوبر 1955. وفي ذلك التاريخ، سمحت له السلطات الفرنسية، التي كانت مجبرة على التفاوض معه من أجل تسوية الأزمة المغربي، بدخول فرنسا. وبعد بضعة أسابيع على ذلك، كانت عودته إلى المغرب لتدشن مسارا جديدا نحو استقلال البلد. وفي هذا المقال الذي أنجزه الباحث فريدريك غاران، الأستاذ الباحث بجامعة «لاريينيون»، نجد متابعة لتفاصيل رحلة النفي إلى مدغشقر، وقبلها إلى كورسيكا، ونبشا في ذاكرة فترة بارزة من تاريخ مغرب ما قبل الاستقلال. قبلت فرنسا التزام محمد الخامس السياسي في حده الأدنى، لكنها رفضت نقل «السلطان السابق» إلى فرنسا. ولعل التنازل الوحيد الذي قدمته الحكومة الفرنسية هو إبقاؤه في مدغشقر بدل نقله إلى منفى أبعد، حيث ذكرت قصاصة لوكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ 24 أبريل 1954: «وفي هذا الخصوص، نلاحظ في الأوساط الدبلوماسية أن الإقامة النهائية للسلطان السابق هي مدغشقر، وليس ثمة أي مجال لإرساله إلى تاهيتي ولا إلى أية جزيرة أخرى في المحيط الهادي.» كان الدكتور ديبوا روكبير قد حل بمدغشقر في الرابع من أبريل بعد أن تم استدعاؤه للإشراف على توليد للا باهية. وفي نفس اليوم، كان مدعوا إلى مائدة السلطان، إلى جانب مولاي الحسن، لومارل والكولونيل تويا، مما شكل دعما ومؤازرة لسيدي محمد، رغم أنه لم يحضر بشكل مباشر في المفاوضات. يمكن اعتبار النتيجة التي تم التوصل إليها فشلا لحكومة لانييل. لم تتم تسوية وضعية «السلطان السابق». ولقد أصبح ما يشار إليه ب «مسألة العرش» في صلب الأزمة المغربية، حيث جعلها الوطنيون أولوية قبل الدخول في أية نقاشات. وعكس ما كان يسعى إليه جوان، كيوم وبيدو، فإن محمد الخامس أضحى مسألة لا يمكن تجاوزها. وهذا الأمر هو ما دفع فرنس إلى تعويض الجنرال كيوم بفرانسيس لاكوست، الذي دفعته حاشية جوان لدى بيدو. وبدون أن يتلقى تعليمات رسمية من هذا الأخير، اقتصرت مهمته على «عدم القيام بأية خطوة تترتب عنها التزامات مستقبلية» في ظل حكومة مينديز فرانس. وكان محمد الخامس قد التزم بعدم القيام بأي «نشاط سياسي». ولقد كانت هذه العبارة فضفاضة، فرغم أنه لم يكن يمارس أي نشاط سياسي في مدغشقر، إلا أنه لم يكن في أي وقت من الأوقات بعيدا عن الحياة السياسية، وهو النشاط الذي ظل يقوده «بكل سهولة داخل الكواليس»، حسب ما ورد في كتاب «فرنسا وإفريقيا» لمؤلفه جاك فاليت. وكان بإمكان الدكتور ديبوا روكبير والمحامي إيزار زيارته في أي وقت، مما مكنه من المحافظة على العلاقة مع الأوساط الباريسية، وهو الأمر الذي انتقذه البعض، حيث قال جاك فاليت: «لماذا لم يتم الانتباه إلى أن ثمة مجموعة من الرجال والصحف الذين يتكلفون بالدفاع عن شخص محمد بن يوسف ومصالحه...» مما لاشك فيه أن الأمر سيكون فيه نوع من المبالغة لو تحدثنا عن وجود لوبي يدافع عن محمد الخامس، ومع ذلك فإن هذه الشبكة التي تم المحاميان إيزار و ويل والدكتور ديبوا مهمة للغاية. ولقد سبق أن كشفنا العلاقات التي تربط بين المحامي ويل وبيدو ومينديز فرانس. فقد كان المحامي إيزار، عن طريق «لجمة فرنسا ? المغرب» على علاقة وطيدة بفرانسوا مورياك. أما الدكتور ديبوا روكبير، فقد كان هو الآخر يتردد على الصالونات الباريسية وكانت تربطه علاقة صداقة بلوميغر دوبرويل، المقاول ومدير الإعلام في المغرب. وكانا أيضا على علاقة مع بيير كلوسترمان، البرلماني والمقاول في المغرب، الذي أشار منذ غشت 1954 إلى أن «غرفة التجارة بالدار البيضاء وأرباب العمل الفرنسيين بها جاؤوا لتغيير رأيهم بشأن صحة عملية 20 غشت 1953.»وبعبارة أخرى، فإن بعض الفرنسيين المشتغلين في مجال الأعمال في المغرب يعتبرون أن الوضعية التي ترتبت عن إبعاد الملك أثرت سلبا على أنشطتهم.