لم يستطع هشام التأقلم في الفصل الدراسي حين ظل طيلة الخمس سنوات التي قضاها بالتعليم الابتدائى مثار تساؤل العديد من الأساتذة، الذين تابع دراسته لديهم، حتى أن استدعاء أولياء أمره كان يتم باستمرار من أجل تنبيهه الى خطورة الأفعال التي كان يقوم بها داخل الفصل فقد ألف منذ التحاقه بالمدرسة، سرقة الأدوات المدرسية التي يمتلكها الصغار، سواء خلسة عنهم أو عن طريق استعمال القوة لحظة مغادرتهم المدرسة، ورغم ذكاء هشام فإنه لم يستطع استثماره في الدراسة، في حين كان يستثمره في اقتراف أعمال شيطانية يثير بها غضب معلميه وخوف زملائه. وذات يوم قررت الإدارة فصل هشام عن الدراسة بشكل نهائى لما اقترفه في حق أحد زملائه بعد أن اعتدى عليه بواسطة «بيكار» أحدث له عدة جروح. غادر هشام المدرسة وبدأ حياة التسكع في أحد أفقر أحياء آسفي القريب من الميناء، حيث، في إحدى زوايا هذا الحي، تناول أول سيجارة، ومن هناك كون أول علاقة مع رفاق السوء الذين قادوه الى اقتراف سرقة بعض الفواكه من العربات المتوقفة بزوايا الأحياء، وداخل الميناء تذوق أول قنينة جعة وفيها رشف أول سيجارة محشوة بالشيرا، فكانت بداية البدايات داخل عالم لاحدود له، ومنذ أن بدأ يتحسس أطرافه، انطلق في البحث له عن موقع داخل الميناء، حيث اشتغل بدايته في مساعدة بائعي السمك المقلي، بالعمل في تنقية السمك داخل الميناء وخارجه. إلا أن ما كان يدره عليه هذا العمل من دراهم معدودة لم يكن يكفيه حتى لشراء السجائر، وأمام ذلك قرر الانخراط في إحدى المهن السهلة الي تدر عليه أموالا طائلة دون أدنى تعب أو استعمال جسدي. عمد إلى تكوين علاقات خاصة مع تجار المخدرات الذين كان يقتني منهم قطع الشيرا، وبعد أن كسب ثقة بعضهم بدأ يتسلم منهم كميات بسيطة قصد ترويجها بالحي الذي يقطنه، وبعد أن كون رأسماله الخاص استقل عنهم وانطلق لوحده في عالم ترويج المخدرات حيث كان يعمد الى تبديد كل ما تدره عليه في الليالي الحمراء وعلب الليل رفقة العاهرات، وهو ما آثار انتباه المخبرين الذين أبلغوا عنه فتم اعتقاله وادانته من أجل ذلك، إلا أن هشام لم يتراجع عن هذا الطريق، فمباشرة بعد اطلاق سراحه عاد الى ممارسة تجارته المفضلة، وعاد الى حياة السهر والعلب الليلية، كما اختار هذه المرة أن يكون علاقة غير شرعية مع إحدى فتيات الليل التي لفظتها هي الأخرى الأحياء السفلى لتعيش حياة التسكع والخمور والليالي التي تتقاذفها من حضن لآخر. استمرت في ذلك عدة سنوات قبل أن تسقط هي الأخرى في غرام هشام، حيث أصبحت كظله لا تفارقه إلا لماما تساعده نهارا وتمارس شغبها معه ليلا، حتى أنه كان يثير فضول بعض أمثاله الذين سلكوا نفس مسلكياته وذات مساء صيفي، كان هشام قد غادر علبة الليل التي اعتاد أن يسهر بها رفقة خليلته، وقبل أن يمتطي سيارة الأجرة قصد انتقاله الى حيه، عرج على أحد باعة الخمور بالسوق السوداء و اقتنى بعض القنينات ومن هناك الى الحي، وبعد أن «تجرع» القنينات، حاول الانتقال الى المكان الذي اعتاد أن يمارس فيه الجنس مع جميلة، وفي الطريق اعترض سبيله حسن الذي كان هو الآخر في حالة سكر طافح والذي كانت جميلة تثير فيه الغريزة النائمة، وقرر أن يستفرد بها رغم وجود هشام برفقتها، إلا أن هذا الأخير اعتبر أن ذلك مسا به واستعراضا للقوة غير المتكافئة، ورغم المحاولات التي أجراها معه من أجل أن تمر أطوار الليلة بسلام، فقد كان حسن متشبثا بممارسة الجنس مع جميلة، رغم اعتراض هذه الأخيرة هي الأخرى على مرافقته. وفي غفلة منه، وجه حسن لكمة الى هشام كادت أن تفقده توازنه وهو ما اعتبره استفزازا له، حيث امسكت جميلة به واخرج هشام السكين ووجه له عدة طعنات قبل أن يغادر المكان تاركا إياه وسط بركة من الدماء. وقد صادف ذلك مرور بعض المواطنين الذين اخبروا الشرطة بالحادث، حيث قدمت دورية إلى مكان الحادث، ونقل الضحية إلى المستشفى الذي ظل في غيبوبة الى أن غادر الحياة رغم المحاولات التي تمت من أجل انقاذه. وما هي إلا ساعات حتى استطاعت الشرطة إيقاف هشام الذي كان رفقة خليلته جميلة، حيث اعترف أنه وجه عدة طعنات الى حسن بعد أن حاول ممارسة الجنس على خليلته، وهو ما أكدته هذه الأخيرة. فتمت إحالتهما على المدعي العام الذي أحالهما على التحقيق، حيث أقر هشام بالمنسوب إليه فيما نفت جميلة أن تكون قد ساهمت في المشاجرة وأكدت محاولة الاعتداء عليها من طرف الهالك. فتمت إحالتهما على هيئة الحكم، حيث اعترف هشام بالاتجار في المخدرات وممارسة الفساد، وأن حادث الاعتداء على حسن جاء بعد أن حاول الاعتداء على خليلته ومحاولته طعنه بواسطة سكين الذي أخذه منه وطعنه به طعنة واحدة على مستوى الصدر. وبعد أن أبرز الدفاع أوجه دفاعه،وبعد المداولة أصدرت غرفة الجنايات قرارها القاضي بإدانة هشام من أجل المنسوب إليه وحكمت عليه بعشرين (20) سنة سجنا نافذا وغرامة نافذة قدرها (1000 ده) مع تعويض مدني اجمالي قدره 50.000 ده.