نقطة نظام.. المغرب إلى أين؟    سياسات ترامب الحمائية هل ستؤدي إلى حرب تجارية جديدة؟    الولايات المتحدة.. مجلس الشيوخ يؤكد تعيين بام بوندي في منصب وزيرة العدل    بلغ عددهم 67.. فرق الإنقاذ تعثر على جثث جميع ضحايا تحطم طائرة واشنطن    أجواء باردة في توقعات طقس الأربعاء    جامعة عبد المالك السعدي تعزز البحث العلمي في مجال القنب الهندي باتفاقية جديدة مع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالنبتة    الحكومة حريصة على توفير المواد الاستهلاكية بوفرة خلال شهر رمضان المبارك    لجنة القطاعات الاجتماعية تصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    بعد مصادقة لجنة القطاعات الاجتماعية.. مجلس النواب يصوت يوم الأربعاء على مشروع قانون الإضراب    لقجع: 125 مليار هي الحصيلة الإجمالية لعملية التسوية الطوعية للوضعية الجبائية    ترامب: "أمريكا ستسيطر على غزة"    وصلة إشهارية تضع "وفاكاش" في مرمى انتقادات التجار والمهنيين    لقجع يكشف ارتفاع مداخيل الضريبة    بحضور وهبي وبنسعيد.. "وصايا عكرود" تخوض في تعديلات مدونة الأسرة    تفاصيل اجتماع لجنة اليقظة وتتبع الأسواق والأسعار استعدادا لرمضان الأبرك    خلال جلسة مساءلة أخنوش في المستشارين... حزب الاستقلال يؤكد على وفائه لحلفائه في الحكومة    إصابة تبعد نجم الوداد عن الملاعب أسبوعين    لسعد الشابي يصل إلى الدار البيضاء لتوقيع عقده مع الرجاء    جماعة الدريوش تعقد دورة فبراير العادية وتصادق على عدة اتفاقيات    الحسيمة.. السجن لشخص نصب على مرشحين للهجرة في 18 مليون    10 قتلى في هجوم على مدرسة بالسويد    توقيف شخص بمرتيل للاشتباه في تورطه في التهديد وحيازة السلاح الأبيض    أخنوش .. الحكومة تحاول تخفيف العبء الجبائي على أصحاب الأجور والمتقاعدين    الحالة الجوية ليوم الأربعاء: طقس بارد وتساقطات مطرية وثلجية    مدينة مدينة المضيق تنظم السباق الدولي 10 كلم في نسخته الخامسة تحت شعار " الرياضة رافعة للتنمية البشرية" .    الدورة 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تسلط الضوء على الماء واستدامة الفلاحة... فرنسا ضيف شرف    اتفاقية الكهرباء بين المغرب وموريتانيا    الملك محمد السادس مهنئا أحمد الشرع بمناسبة رئاسته لسوريا: ندعم كل الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار في سوريا    تهجير الفلسطينيين من أرضهم.. خط أحمر لا يقبل التفاوض أو المساومة    المغرب يصادق على اتفاقية الاعتراف المتبادل برخص السياقة مع إسبانيا وإيطاليا    اعتقال البطل المغربي بدر هاري في أمستردام    أخبار الساحة    جائزة الحسن الثاني وكأس للا مريم ما فتئتا تستقطبان أبرز لاعبي الغولف العالميين (مسؤول)    هذا المساء في برنامج "مدارات" : جلسة فكرية وأدبية مع الدكتور أحمد بوحسن    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    جلالة الملك يهنئ الشرع بتوليه رئاسة سوريا    الإصابة تحرم ريال مدريد من خدمات مدافعه النمساوي ألابا    بعد غياب لسنوات.. "الشرقي والغربي" يعيد حنان الابراهيمي إلى التلفزيون    محامي بلجيكي: إصلاح مدونة الأسرة متوازن يثبت قدرة المغرب على التحديث دون التنازل عن قيمه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف عصابة اعتدت على مواطنين بالسلاح الأبيض في أولاد تايمة    أسعار النفط تتراجع بعد موافقة ترامب على تعليق الرسوم الجمركية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    متى ‬ستسحب ‬سوريا ‬الجديدة ‬اعترافها ‬بالجمهورية ‬الوهمية ‬؟    آيت بودلال يلتحق بفريق "أميان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    عقاقير تخفيض الوزن .. منافع مرغوبة ومخاطر مرصودة    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الدستور ..السلطة و البناء الديمقراطي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 06 - 07 - 2011

صوت المغاربة يوم الجمعة فاتح يوليوز بقبول مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء بصفة كاسحة تجسدت في نسبة المشاركة في الاستحقاق الاستفتائي التي فاقت 70 بالمائة، و نسبة المصوتين ب»نعم» التي فاقت 98 بالمائة.
يجب القول بداية أن التعديل الدستوري الحالي نضج على نار هادئة منذ 1996 ، سنة التصويت على الدستور السابق الذي شكل مدخلا أساسيا لبناء التناوب التوافقي بين الملك الراحل الحسن الثاني و قوى المعارضة السابقة المتمثلة في أحزاب الكتلة الديموقراطية. بين هوامش دستور 96 و طموحات الدمقرطة، جاء مشروع الدستور الجديد استجابة و تتويجا لنضالات القوى الوطنية و الديمقراطية و كجواب كذلك عن الحراك الشبابي الذي رفع نفس مطالب الدمقرطة و الإصلاح منذ فبراير الماضي.
التصويت ب«نعم» كان إذن من أجل تعزيز جبهة الأمل المؤمنة بهذا البلد و مستقبله. جبهة مؤمنة حقيقة بقدرتنا الجماعية على خلق التراكم تلو التراكم الذي يزكي المغرب استثناء حقيقيا في الشريط الممتد من الماء إلى الماء المسمى وطنا عربيا. لقد أبان المغرب و المغاربة طوال الأشهر الماضية، أنهم قادرون في أدق المراحل التاريخية وطنيا و إقليميا، على ابتداع أفضل الحلول و أحسن التوافقات المجتمعية التي تنتج الاختيارات الوطنية الكفيلة بتملك المواطنين لمواطنتهم.
التصويت بالإيجاب على مشروع الدستور يستوجب التوقف قليلا عند ما رافق مناقشة الوثيقة المعروضة على الاستفتاء من ملاحظات تهم بنية الدولة، و توزيع الاختصاصات و توازنها. في هذا الإطار، يجب التأكيد على أن النص الدستوري بكونه يعطي توجهات عامة و ليست تفصيلية لتنظيم الدولة و توزيع السلط ، يبقى في جميع الأحوال و حتى في الدول الديمقراطية العريقة، نصا مطاطيا. مما يعني بصيغة أخرى، أن المجالات و الفرص التي يمنحها الدستور تتمدد و تتقلص حسب الظروف و طبيعة و عزيمة الرجال و النساء الموكولة إليهم مهمة تطبيقه.
بل أكثر من ذلك، يمكن للممارسة المتقدمة للنص الدستوري أن تكرس أعرافا و تقاليد ديمقراطية تفرض نفسها فيما بعد من أجل الدسترة، و لنا في «المنهجية الديمقراطية» عبرة كبيرة. فغداة الانتخابات التشريعية طالب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بإعمال ما سمي آنذاك ب»المنهجية الديمقراطية»، و التي تعني حسب بلاغ المكتب السياسي الصادر حينئذ، تعيين الوزير الأول من الحزب الحاصل على المرتبة الأولى في الانتخابات،و هو مطلب وجد طريقه نحو الدسترة. العيب ليس في النص مهما كانت عيوبه أو نواقصه، لأن النص في كل الأحوال يظل جامدا، و هو في آخر المطاف تجسيد لتفاعل موازين القوى في لحظة من لحظات الزمن السياسي. أما الممارسة، فهي بطبيعتها متغيرة و متحولة و بالتالي غير جامدة. المحدد الأساسي إذن لمدى حسن تطبيق النص ، هو رغبة شركاء البناء الديمقراطي و مدى التزامهم الحقيقي بهذا البناء.
و هنا مكمن الاختلاف العميق و سوء الفهم الكبير مع بعض الفاعلين السياسيين، كالنهج الديموقراطي و العدل و الاحسان. هؤلاء ليست لهم الرغبة في رؤية الأشياء كما هي، بنظرة واقعية بعيدا عن الأحلام الطوباوية المنبعثة من دخان الثورة البلشفية أو الإمارة الإسلامية . لديهم فقط الإصرار ثم الإصرار، و الرغبة الأكيدة في البقاء خارج المؤسسات و سياق الأحداث و التاريخ.
و بقدر ما يشكل الدستور الجديد مدخلا أساسيا لبناء الملكية البرلمانية، بقدر ما يجب أن يشكل كذلك مدخلا لإعادة الاعتبار للعمل السياسي في أنبل تجلياته كصراع و تنافس للبرامج و التوجهات السياسية. فالسياسة تبقى تجارة أمل، و الأمل بضاعة قابلة للإتلاف في حال ضياع مصداقية التاجر.الأمل قيمة روحية و نفسية، تغرف من الحلم بغد أفضل، و بالتالي وجب تحصين الأمل ضدا على رغبة تجار الظلامية و العدم. تجار يفضلون العمل بالقطاع غير المهيكل و خارج الأسواق،لأنهم يروجون لبضاعة فاسدة و غير صالحة للاستهلاك في المجتمعات السوية. لذلك تنتعش تجارتهم حين تختلط الأوراق و تغلق الأسواق في غفلة من تجار الأمل.
البناء الديمقراطي لا يمكن أن يستقيم كذلك دون انخراط فعلي و قوي للمواطن في هذا المسار الطويل و الشاق. في هذا الإطار، و إن كان من حكمة يمكن الخروج بها من الحراك المجتمعي الذي عاشه المغرب منذ فبراير الماضي، فهي أن سرعة الإصلاح السياسي و البناء الديمقراطي تتزايد كلما تزايد التفاف المواطنين حول مطالب القوى السياسية الجادة ، و تتقلص كلما استقال المواطنون من الفعل السياسي و ارتكنوا للانتظارية ، و هو الوضع الذي عشناه خلال السنوات الأخيرة. الجالس في عربة الوطن (المواطن) لا يوجه الخيول (النخبة)، بل تخلى عن دوره في توجيهها و استقال و ترك المجال مفتوحا لسماسرة السياسة و الانتخابات. في الأخير يكتفي بدور المتفرج و يصف الكل بالمتهالك، المتهالك حقا ليست الخيول، بل الوعي الجماعي هو الذي تهالك و أصبح يزكي الفاسدين.
ختاما، وجب القول إن الدستور كأسمى قانون، لا يعدو أن يكون في الواقع سوى جواز سفر للتأسيس لممارسة سياسية سليمة تستلزم الانخراط التام للجميع، و لكن و بالخصوص، الإيمان العميق بالديمقراطية كقيمة إنسانية رفيعة.
( * ) أستاذ بجامعة الحسن الثاني، المحمدية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.