مرت مسيرات يومي السبت والأحد في أجواء عادية، ولم تسجل أية حوادث أو اصطدامات بين الأمن والمتظاهرين. وبدا أن الطرفين احترما اللعبة، بحيث لم تسع مكونات الحركة الفبرايرية إلى توسيع رقعة التظاهر واللجوء إلى الأحياء الشعبية، في الوقت ذاته الذي تركت قوات الأمن مسافة مرئية بينها وبين المتظاهرين. هؤلاء أنفسهم لم يرتفعوا فوق سقف الحراك المغربي الراهن. لماذا تمت الأشياء بهذه السلاسة؟ لسبب بسيط هو أن الجميع وقف عند العتبة التي يجب الوقوف عندها، بدون محاولة، لا للتقزيم ولا محاولة للترويع.. ومنطق شد الحبل لابد أن يؤدي، من أية جهة كان، إلى عواقب وخيمة وإلى تأزيم أكبر، وربما إلى انفلات يصعب تداركه في وقته. علينا جميعا أن نقر أن الحق في التظاهر مكفول دوليا، وأن الحق في السلامة مكفول قانونيا، والحق في الطمأنينة مكفول أخلاقيا وشرعيا.. والبلاد التي تسهر على هذا المعنى النبيل للوجود الجماعي، هي التي تستطيع الحياة في عالم التحول. ماذا وقع لما احترم الجميع حدود الاختلاف؟ لم يقع ما يمس صورة المغرب بسوء، ولا ما يعطي مبررا للضمير الأوروبي أو العالمي، ومسوغا للدروس والتنبيه إليها. السلطة، كل أنواع السلطة، بكل رمزياتها ومادياتها وترساناتها، لابد من أن تتصرف وكأن مغرب ما بعد الدستور منجز حقا، وقائم بالقوة وبالفعل. وربما أن الاستثناء المغربي ينبع من هنا، أي جعل المستقبل حاضرا ممكنا، عوض جعل المستقبل حاضرا بديلا! مقتضيات اللجوء إلى الحل السياسي لكل أنواع المطالب هي التي ميزت التجربة المغربية منذ منتصف التسعينيات، في الوقت الذي كانت فيه هذه الإمكانية شبه منعدمة في البلدان الأخرى، الشيء الذي طرح الحل العنيف لمطالب الديموقرطية. واليوم، والمغرب يريد لنفسه فصلا آخر من الاستثناء ضمن المنظومة العربية الإسلامية، لابد من أن تدرك كل مكوناته بأن الاستثناء لن يصبح حقيقة عليا وواقعا ماديا إلا إذا نحن لم نعد فعلا استثناء... داخل المجموعة الدولية، ومن منطلق المعايير الدولية للحرية والكرامة والتدبير السليم للاختلافات. أعتقد بأن المطروح علينا من الآن فصاعدا، هو أن ندرس بالفعل سلمية التظاهرات، بحجمها الممكن والمحتمل، لأنه منذ يوم أمس تبين بالفعل أن الحراك ضمن دائرة «الاحترام المتبادل» ممكن مغربيا، وضرورة للتوجه إلى المستقبل. ولن يكون من مصلحتنا أن يموت مغربي آخر، أو نجد أنفسنا أمام السؤال الصعب، لماذا حدث هذا أصلا؟ يجب أن يكون في تقديرنا أن فتى آخر مثل كمال، قد يصير من صناع الحدث إذا ما أمعنا في استعمال القوة، أو أمعنا في المراهنة على بعض الناس الذين يريدون أن يستغلوا الوقت الحالي من أجل أن يثبتوا للسلطة أنهم أبناؤها البررة. ولا أفهم بالضبط كيف أن منتخبا فاسدا ومفسدا، ومعروفا بكل ويلاته.. يمكن أن يدعي أنه سيخرج إلى الشارع للدفاع عن المؤسسات. والحق أن الدفاع الوحيد الممكن هو أن يرحل من المشهد السياسي جملة وتفصيلا. أمثال هؤلاء لا يشرفنا أن يدافعوا عن الحراك السلمي أو يدافعوا عن المؤسسات. إنهم يدافعون عن بقائهم في السياسة من خلال إقناع أصحاب القرار، أنهم ضروريون في المواجهة مع العدميين أو المتطرفين. هذه الكذبة انتهت في العالم كله، ولا يمكن أن تعيش عندنا طويلا. المؤسسات تدافع عن نفسها بتطوير نفسها، بمحاربة هؤلاء الفاسدين بالذات. لقد ربحنا الرهان حقا. واستيقظنا نهار أمس بدون رضوض ولا كدمات ولا احتمال بنزيف الدم، ولو كان قطرة.