إن النقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالمغرب، وهي تستحضر الخطاب الملكي ليوم 09 أبريل 2011 التاريخي، انطلاقا من مضامين خلاصاته السياسية وما فتحه من آمال وآفاق واعدة لإصلاحات دستورية عميقة ومتقدمة، ومن دروس التجربة السياسية والدستورية المغربية، وما راكمته خلال مسار خمسة عقود من الزمن انطلاقا من الدستور الأول لسنة 1962. وفي سياق ظرفية التحولات التي يعرفها محيطنا الدولي والقومي والجهوي، وتبعا لدينامكية الإصلاح والتغيير التي تعشها بلادنا. وهي إذ تعي وتدرك أهمية الظرف التاريخي الحالي وما يحمله من فرص سانحة وملائمة للإصلاح السياسي والدستوري الذي يتطلع إليه الشعب المغربي وقواه الحية بقيادة صاحب الجلالة . فإنها كمنظمة نقابية فاعلة، نابعة من صلب المجتمع ومتحسسة لنبض الشارع المغربي وتفاعلاته وديناميته المطلبية وآماله في تغيير ظروفه الاقتصادية والاجتماعية، تجد نفسها محكومة بوازع المواطنة وبروح المسؤولية والواجب النضالي ،بصفتها الاجتماعية كمؤسسة ممثلة ومؤطرة لفئة عريضة من المواطنين الأكثر نشاطا، والذين يقومون بأحد الأدوار الرئيسية الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع المغربي وعبر أرجاء أراضي الوطن ، في الحواضر وفي البوادي وأقصى قرى الجبال والصحاري، يسرها باسم التجار والمهنيين الصغار والمتوسطين، أن ترفع إلى اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور، نص مذكرة تهم بعض الخلاصات المتضمنة لموقفها وتصورها الأولي عن الإصلاح الدستوري، مؤكدة في نفس الآن على تجنيدها وانخراطها التام في الورش المتواصل لنضال القوى الحية ببلادنا من أجل تثبيت مسار بناء الديمقراطي وإرساء قواعد أمتن لدولة الحق والقانون والمؤسسات، الضامنة للحقوق والحريات والكرامة والعدالة الاجتماعية لأوسع الطبقات الشعبية. ففي هذا السياق فإن هدف ومبتغى النقابة الوطنية في مسعاها بالمشاركة والمساهمة في النقاش حول صياغة مشروع إصلاحي للدستور ،في إطار تشاوري وتوافقي ،بين مكونات مؤسسات الجسم السياسي والنقابي والمجتمع المدني ببلادنا، هو الوصول إلى نص دستوري يؤسس لدولة ديمقراطية متقدمة ومنفتحة على المستقبل، يتضمن قواعد وأسس النظام السياسي العصري والحداثي بمقومات الحد الأدنى الأساسي لضمان فصل حقيقي وواضح للسلط ببلادنا من خلال الحرص على المقتضيات التالية: ضمان توازن السلطات بين المؤسسة الملكية وبين رئيس الحكومة ثم بين اختصاصات المجلس الوزاري ومجلس الحكومة. تحقيق فصل حقيقي لسلط بين السلطة التنفيذية ( الحكومة) والسلطة التشريعية ( البرلمان بغرفتيه)، وبين السلطة القضائية والسلطتين التنفيذية والتشريعية. تفعيل توازن سياسي واضح بين الفرقاء السياسيين بين مكونات الأغلبية الحاكمة وبين الأقلية المعارضة، داخل المؤسسة التشريعية، بشكل يضمن للمعارضة حقوقها في إبداء رأيها بحرية والدفاع عنه في إطار التنافس السياسي الحضاري بين الأغلبية والأقلية. وتتشكل عناصر مقترح النقابة الوطنية في مضمون المحاور الرئيسية التالية: على المستوى المبادئ الأساسية العامة أولا: التأكيد على التشبث بالثوابت الأساسية للدولة المغربية المتوافق والمتراضي عليها من طرف المكونات السياسية والمجتمعية المغربية، ملكا وشعبا في إطار ميثاق وطني وتاريخي وإطار دستوري مرجعي ثابت تحصينا للمكتسبات الروحية والحضارية والسياسية الدستورية التي حققتها ودأبت عليها بلادنا وهي: 1 النظام الملكي الديمقراطي والشعبي، يقوم فيه الملك برآسة الدولة كممثل أسمى للأمة بصفته أمير المؤمنين حامي الملة والدين، ورمز وحدة البلاد والوطن، وهو الحكم الضامن للاستقرار والساهر على احترام الدستور على الخيار الديمقراطي، في إطار ملكية دستورية ديمقراطية و اجتماعية تضمن احترام السيادة الشعبية. 2 الوحدة الوطنية والترابية والمجالية المتعددة الثقافات والحضارات 3 الإسلام كديانة سمحاء، دين الدولة المغربية الضامن لحرية المعتقد ولممارسة الشعائر الدينية في ظل سيادة إمارة المؤمنين. 4 الخيار الديمقراطي البرلماني الضامن للحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية. ثانيا: التكريس الدستوري لمضامين المرتكزات السبعة الأساسية التي أكد عليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي والسامي ليوم 09 أبريل 2011 وترجمتها إلى نصوص دستورية كمنطلقات توجيهية وتحفيزية لبلورة إصلاح دستوري حقيقي جديد. ثالثا: دسترة نظام جهوي موسع وديمقراطي يعتمد على اللامركزية المتقدمة المحترمة لتوا بث الأمة المغربية ومقدساتها وللوحدة الوطنية المتضامنة ترابا وشعبا وثقافة،و المنطلقة من مجالس منتخبة بشكل مباشر قي صيغة برلمانات جهوية بصلاحيات حقيقية في تدبير الشؤون المحلية، مع الإقرار بجهوية متقدمة ومنفتحة تأخذ بنظام حكم ذاتي متضامن للأقاليم الصحراوية المغربية تحت السيادة الوطنية. رابعا: إقرار دستور ديمقراطي تكون فيه السيادة للشعب ويعتمد أساسا فصل السلط وربط السلط التنفيذية بالمسؤولية والمساءلة والمحاسبة من طرف الملك من جهة ومن السلطة التشريعية من جهة ثانية بدأ برئيس الحكومة وأعضاء الحكومة والموظفين المسامين في الوزارات وكذا مدراء المؤسسات العمومية وشبه العمومية، وكذا رجال السلطة صيما الولاة والعمال الذين يعتبرون من مكونات السلطة التنفيذية ويمثلون الدولة في الإطار التنفيذي للسياسات العمومية المسؤولة عنها الحكومة المنتخبة والذين عليهم الخضوع لها وتنفيذ برامجها. خامسا : التنصيص على الطابع التعددي للهوية المغربية ذات المكونات متعددة الثقافات ومتنوعة الروافد والتعبيرات الأمازيغية والعربية والتأكيد على دسترة هذه التعبيرات في إطار احترام الوحدة الوطنية القوية والغنية بتنوعها كلغات وطنية رسمية مع الالتزام بتوفير كل الشروط التأهيلية والتنظيمية اللازمة للغة الأمزيغية الواحدة الموحدة صونا وحماية لها. على مستوى الخيارات والتوجهات 1 تعزيز فضاء الممارسة الديمقراطية وتوسيع مجال الحريات الإقرار بسمو الدستور على جميع القوانين والتشريعات وكذا بمبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية والأممية على القوا نيين الوطنية باستثناء التي تمس أو تتعارض مع العقيدة الإسلامية السمحاء. التأكيد على أن الشعب المغربي له السيادة وهو مصدر كل السلط عن طريق آليات المنهج السياسي الديمقراطي، المبنية على نتائج الاقتراع العام والانتخابات الشفافة والنزيهة وذات مصداقية غير مطعون فيها. _ اعتماد غرقة ثانية مجسدة لثمتيلية الجماعات المحلية،كقاعدة للديمقراطية السياسية و للغرف المهنية كقاعدة للديمقراطية الاقتصادية. 2 إجبارية التصويت والانتخاب الإقرار بدسترة مقتضيات قانونية والتشريعية ضابطة ومحفزة للمشاركة السياسية في الانتخابات وذلك بتعزيزها بإجبارية التصويت والانتخاب، تعبيرا عن المواطنة الحقة وترجمة لممارسة حق من حقوق دستورية ولمسؤولية القيام بواجب وطني مقدس، مساهم ومشارك في إبداء الرأي الحر في مجال اختيار السياسات العمومية وكذا الممثلين السياسيين المسؤولين على تسيير وتدبير الشأن العام الوطني والجهوي والمحلي، ثم بالتالي المساهمة في مناهضة الإفساد الانتخابي والحد من آثاره. تعزيز التشبث بمبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا والالتزام بالدفاع عنها وبتعزيز أسس دولة الحق والقانون والمؤسسات وعدم الإفلات من العقاب. الالتزام بدسترة التوصيات الأساسية الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة والتأكيد على الالتزامات الدولية للمغرب ولاسيما في مجال توسيع فضاء الحريات الفردية والجماعية وحرية الرأي والتعبير. دسترة الحكامة الأمنية، الضامنة للحقوق الفردية والجماعية والحق في العيش والحياة الآمنة والسلامة الجسدية والنفسية، ولا يجوز تقييد هذه الحقوق والحريات إلا بمقتضى القانون. التأكيد على نزاهة القضاء واستقلاليته وحياده كشرط لازم للعدالة وترسيخ ثقافة المسؤولية في إصدار الأحكام والتقاضي وتثبيت الحكامة الأمنية الجيدة، وسيما في مجالات التنمية والتدبير الإداري والأمني والقضائي. على مستوى المقتضيات الدستورية والقانونية الخاصة بالمجال المالي والاقتصادي والاجتماعي يحدد في هذا الباب بعض المبادئ المتعلقة بدسترة وتقنيين مجال التدبير المالي والاقتصادي للمالية العمومية والحكامة الجيدة في هذا المضمار والتي تلزم السلطات العمومية ضمان توفرها والسهر على إقامتها ورعايتها منها: أولا تدبير شأن المال العمومي. 1 على السلطات العمومية السهر على توزيع عادل لمدا خيل الدولة بين الأفراد والقطاعات والمجالات الترابية الجهات والجماعات المحلية وتوظيفها في التدبير العمومي،و خاصة مجالات الخدمة العمومية والمصلحة العامة كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها . 2 حق الملكية الخاصة مكفولا دستوريا، كما أن حق المبادرة الحرة وحق الاستثمار مضمونان للأفراد والمؤسسات الخاصة وعلى السلطات العمومية تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص في إطار منظومة قواعد وتقاليد المنافسة والتنافس الحر، وحيث أن عليها القيام بدور التحكيم وتفعيل إجراءات المراقبة والضبط والتنظيم، فإنها مطالبة وجوبا بمنع ومحاربة ظواهر الاحتكار التجاري والاقتصادي والمالي والمضاربات. 3 دسترة آليات محاربة اقتصاد الريع وبؤر الاقتصاد الموازي غير المهيكل والحد من مجالات الامتياز غير القانوني، و الإثراء غير المشروع، بما يجعل السلطات العمومية مدعوة للسهر للحفاظ على الملك العمومي وتنميته وأن لا يسمح باستغلاله أو تفويته إلا بقانون، كما لا يمكن لها، أن تمنح حق امتياز استثماري أو استثناء اقتصادي أو ترخيص استغلالي إلا بقانون. 4 الإقرار بأن تقدم الحكومة كسلطة تنفيذية أمام البرلمان، سنويا بالموازاة مع تقديم القانون المالي جردا مدققا على ملفات التفويت الكبرى للملك العمومي وحقوق الامتياز أو الترخيصات والاستثناءات الممنوحة في بحر السنة السابقة مع تحديد شروط منح الامتياز وضبط مفصل للائحة المستفيدين ونفس الشئ بالنسبة للصفقات العمومية الكبيرة ،ضمانة لشفافية تدبير الموارد والمال العمومي. 5 يقدم المجلس الأعلى للحسابات وجوبا تقريره في الآجال المحددة لمجلس النواب وفق جدولة زمنية وتنظيمية وإدارية يضبطها قانون تنظيمي خاص. 6 حماية المال العام يحتم تخويل البرلمان صلاحيات واسعة في مجال المراقبة والمساءلة والمحاسبة، تجسيدا للممارسة الديمقراطية الحقة. 7 دسترة حق المواطن المغربي في الولوج إلى المصادر المعلومة عن طريق هيئاته السياسية أو النقابية أو منظمات المجتمع المدني ذات الصفة المنفعة العامة، لممارسة حقه الدستوري في الرقابة على المال العام. 8 دسترة إجراءات الامتياز الضريبي، وكذا الإعفاءات للأفراد والمؤسسات والقطاعات لأن المغاربة سواسية في المواطنة وفي الحقوق في العمل والشغل وسبل كسب العيش المشروع والقانوني كما عليهم واجبات أداء مستحقات الضرائب والالتزامات الجبائية القانونية كمواطنين ملزمين بدفع الضرائب وكمساهمين في الميزانية العامة للدولة ومشاركين في تراكم رأسمال رصيد الدخل العمومي. 9 ضرورة وضع آليات المراقبة والتفتيش للحد من ظاهرة الجمع بين عدة وظائف، بين وظيفة الاشتغال في القطاع العمومي وممارسة المهن الحرة التجارية أو الصناعية أو الخدماتية والمزج بين الاستفادة من ريع المال العام ومكسب الاشتغال في القطاع الخصوصي. ثانيا: تدبير الشأن الاجتماعي: ضمان التنصيص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. 1 حق الشغل مضمون دستوريا للمواطنين، على السلطات العمومية واجب توفير شروط وسبل العمل والشغل الذي يحفظ الكرامة. وعليها توفير أسباب كسب العيش الكريم في القطاعات الإنتاجية والمهنية، كما عليها مسؤولية إيجاد الحلول ليستفيد جميع المواطنين من نظام تعاضدي وتكافلي للتغطية الصحية والحماية الاجتماعية، يضمن لهم و لذويهم، الحد الأدنى من الحاجيات الضرورية الأساسية للرعاية والتأمين الصحي في حالة العوز والتقاعد. 2 للمواطنين الحق في الوقاية والرعاية الصحية والولوج إلى التطبيب والعلاج الأمن الصحي، كما لغيرهم من المواطنين، المعاقين وذوي الحاجيات الخاصة حق التمتع بنفس الحقوق التي تحظى بها الفئات الشعبية السوية، وعلى السلطات العمومية السهر على ضمان هذه الحقوق الأساسية. 3 ضمان دسترة الحق في التعليم وتعميمه وتطوير مناهجه ليلائم ويساير متطلبات سوق الشغل، والعمل على ربط برامج التكوين المهني وإنتاج الكفاءات بحاجات المقاولة الصناعية أو التجارية أو الخدماتية. 4 دسترة الحوار الاجتماعي ومأسسته وتنظيمه، وإعادة تركيبته بتوسيع الكتلة المشاركة من الفرقاء الاجتماعيين المعتادة وانفتاحه على فئات مهنية أخرى، تشمل ممثلين للنسيج التجاري والمهني والصناع التقليدين انسجاما مع مهامه وأدواره، تعميما وإشاعة لثقافة الحوار والتشاور والإشراك والتوافق بين كل الفرقاء الاجتماعيين والسلطات العمومية. 5 مراجعة نظام الاتفاقات الجماعية وتأهيل مقومات هذه الاتفاقات المتقادمة والمحتاجة إلى التطوير وإلى التحيين و إلى المأسسة بالاتفاق والتوافق المثمر في ما بين المؤسسات والمركزيات النقابية العمالية والمهنية وأرباب العمل بتأطير وتوجيه من السلطات العمومية. ثالثا: المؤسسات الاجتماعية الدستورية 1 الإقرار بتوسيع اختصاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي حتى يشمل الحق البيئي وتوسيع تركيبته ،مع العمل في أفق إحداث مجالس اقتصادية واجتماعية على مستوى الجهات . 2 دسترة آليات الحكامة الجيدة لمحاربة الاحتكار والإفساد في المنتوج الصناعي وأنماط الممارسة التجارية المنافية للشروط والأعراف التجارية المتعارف عليها والمناوئة لقوانين المنافسة وقواعدها، وذلك بتقوية سلطات المجلس الوطني للمنافسة وكذا الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، ومنحهما استقلالية أكثر تهدف إلى إرساء أعراف ومبادئ وقيم الشفافية والتنافسية وتمكينهما من الصلاحيات التقريرية في مراقبة عمليات صرف المال العمومي وكذا الإشراف على تتبع مساطر منح الامتياز والترخيصات الاستثنائية وإجراء البحث و التقصي في ملفات الصفقات العمومية. 3 تعزيز أدوار المفتشيات العامة كأدوات للرقابة وتقييم الشأن العام و تقوية مهام ووظائف المجلس الأعلى للحسابات و المجالس الجهوية حتى تتمكن من القدرة على ممارسة صلاحياتها ومناهضة الفساد والإفساد الإداري والمالي.