ما الذي وقع يوم الأحد بالمغرب؟.. ولماذا قررت الداخلية قمع الوقفات الاحتجاجية السلمية لحركة 20 فبراير؟!.. هل هي بركات الدعوة الخليجية قد طالتنا، نحن الذين كنا نتوهم أن الروح المغربية هي التي ستعدي انغلاقية الخليج؟!.. هل نفذ صبر خصوم التغيير والإصلاح بالمغرب؟!.. !.. هل المغرب في خطر؟ إلخ. إنها بعض من الأسئلة التي يطرحها التحول المغربي أمنيا، مع مسلسل التظاهر السلمي والحضاري، المنظم، الذي يمارس من خلاله المغاربة، أسلوبا عاليا في حسن التدبير، مع الملف المطلبي للإصلاح والتغيير، الذي تؤطره حركة 20 فبراير.. الحركة التي حاولت جهات عدة الركوب عليها، لتقوية عضلاتها السياسية، أو تمرير خطابات متطرفة، أو محاولة وضع قشور موز في طريقها لإظهارها أنها حركة صبيانية غير ناضجة ومتنطعة، أو أنها ذات أجندات خارجية.. وواضح أن كل هذه الألاعيب لم تزد عصب الحركة الشبابية المغربية، هذه، إلا قوة ونضجا وابتكارا لأساليب تدبيرية تنظيمية للاحتجاج، ووعيا في الذهاب رأسا صوب المطلوب اليوم مغربيا من سقف للإصلاح يفرضه الواقع، ويغذيه الأمل في المستقبل المنشود والمستحق لكل المغاربة.. ولأن الأمور بعلاماتها، فإن الحراك المغربي، واضح أنه قد بدأ يفرز صفوفه.. من جهة هناك ص المغاربة الذين يحلمون بغد أفضل للبلد والناس، والذين هم متصالحون مع زمنهم ولحظة التاريخ (خطاب 9 مارس الملكي التاريخي، ومطالب حركة 20 فبراير الواضحة منذ بداياتها، المطالبة بإسقاط الفساد بكافة أشكاله).. ومن جهة أخرى صف المركب المصالحي، المناهض لأي إصلاح في المغرب، ولو بقوة العنف، الذي تدرج في أساليب مواجهته للحراك الشعبي للمغاربة، الذي شمل عشرات المدن المغربية دفعة واحدة. والذي ابتدأ بالتشكيك في وطنية أصحاب مطالب الإصلاح وفي إخلاصهم للعرش، وانتهى بمحاولة الركوب على العملية الإرهابية لمراكش، لتأبيد فكرة خطيرة أن الواقع المغربي لا يتحمل أي انفتاح سياسي أو أي إصلاح دستوري.. ولمن يريد معرفة ملامح هذا المركب المصالحي، فإن أسماءه رفعت بقوة في كل مظاهرات المغرب، منذ اليوم الأول للاحتجاج والتظاهر (يوم 20 فبراير 2011).. اللحظة المغربية، تقتضي الكثير من الشجاعة والصراحة والمسؤولية.. إن ما وقع لحد الآن، ليس سوى حركات تسخينية للحراك المغربي للإصلاح. لأن مطلب الإصلاح، مغربيا، حقيقي وعميق وقوي. وشرائح واسعة من المجتمع المغربي، تتأمل المشهد بروح الذي يسكنه الأمل في نجاح الفعل الإصلاحي المغربي، الذي أعطى إشارته خطاب 9 مارس 2011 الملكي. وكل صمت أمام أي خرق لحقوق الإنسان، هو مشاركة مع من يود الركوب على بعض الفزاعات المبالغ فيها، لوقف حركية الإصلاح أو تلجيمها. ومن هذه الفزاعات، التي ما عاد أحد يصدقها عالميا، هي «الفزاعة الإسلامية». إن روح 20 فبراير، روح مغربية أولا وأخيرا، فيها اليساري وفيها الإسلامي، لكن السقف الذي ينتظم فيه الجميع، هو سقف «الوطنية» وخدمة المصالح العليا للوطن وللمغاربة، ولم ينجح الكثيرون في محاولتهم جر البساط سياسيا، لحد الآن، من يد هؤلاء الشباب المغاربة. أما خيار القمع، فإنه لن يفتح الباب سوى لإعطاء المبرر للكثيرين ممن يودون لعب دور الضحية، وبالتالي تلهية غالبية المغاربة عن مطمح الإصلاح. وهذه سياسة قد تنجح مرحليا وآنيا، وقد تعطي نفسا للخائفين المرتعبين من تطورات الحركية الإصلاحية المغربية، التي يتجاوب فيها الملك مع الشعب، من خلال عناوين ذات رنين رمزي خاص منذ أسابيع، لكنها لن تخدم المستقبل، الذي ستجعله مفتوحا على كل المخاطر، من حيث إنها ستقوى من أسباب الأزمة المجتمعية، التي لن يتحكم أحد في تبعات نتائجها الأمنية والسياسية والاقتصادية في المستقبل المنظور.. هل بلغنا مغربيا، اللحظة المفصلية في الإختيار، بين إعطاء الإصلاح معنى، وبين منعه وتلجيمه وإلغائه؟!.. واضح أن ما وقع يوم الأحد، أول الجواب عن هذا السؤال. وهو جواب مقلق وخطير، لأن حركية التاريخ تتطور إيجابيا في محيطنا العربي والجهوي والإقليمي، حيث تتعزز سلطة الدولة من خلال تعزيز الشرعية الشعبية الديمقراطية للمؤسسات التدبيرية والقضائية والاقتصادية والإعلامية. ومن حرك آلة القمع، التي قد تفضي إلى مآس إنسانية خطيرة نحن في غنى عنها مغربيا (وكثير من الجوار ينتظرها بشغف منا، ليستثمرها ضدنا عالميا في قضايا مصيرية لنا كأمة وكبلد)، إنما يفتح الباب نحو المجهول. بالتالي، ليس مقبولا، أن نكون الاستثناء الذي ينزل نحو القبيح من القرارات الإدارية، الذي يجعلنا في خصومة مع شرائح مجتمعنا الواسعة ومع المستقبل ومع حركة التاريخ الذي يبني قيمه الإنسانية بلغة الضاد. المغرب والمغاربة، بتاريخهم وبقوتهم الجيو- ستراتيجية وبقوة طاقاتهم البشرية وكفاءاتهم على كافة الأصعدة، يستحق أحسن.. يستحق مستقبل أمل، لا مستقبل قلق.. فالسياسة هي التي ستحل كل المشاكل وليس الجواب الأمني.