أصبح الملتقى الدولي الفلاحي لمكناس موعدا مهما للتعريف بإمكانات و مؤهلات وتحولات هذا القطاع الحيوي للاقتصاد الوطني وتأثيره على مجموع المغاربة. لأنه و عكس المظاهر، فإن العالم الفلاحي لا يزال غير معروف في تقسيماته الاجتماعية وأنماط استغلاله وتفاوت ثرواته ومداخيله. فالفلاحة، و خاصة بالمغرب، عالم خاص. فكم من المرات سمعنا من وزير أو من مسؤول فلاحي تعبير «العالم الفلاحي» أو «العالم القروي» كما لو أن الأمر يتعلق ب»طبقة» متجانسة أو أنه يتعلق بتصور اجتماعي خلقه المجتمع الصناعي و التجاري: أجراء وغير أجراء. فالأجراء الفلاحيون وهم مكون صغير من مكونات العمال النشيطين، يرتبون في أدنى سلم الأجور. حقا لقد تحسنت وضعيتهم هم أيضا بعض الشيء مع التحديد الجديد للحد الأدنى للأجر الفلاحي، وهم يستفيدون في معظم الأحيان من مزايا عينية مثل الأداء الجزئي بالمنتوجات الغذائية والسكن في الضيعات...و من الحق أيضا الأخذ بعين الاعتبار أنهم يعيشون في مناطق حيث الأسعار أقل ارتفاعا منها في المدن، وبالتالي فإن القدرة الشرائية للدرهم تكون أعلى، ومع ذلك فإن شروط عيشهم ليست أقل قسوة من أصحاب «الحد الأدنى» في المدن الصناعية. و لا تتمكن الإحصائيات من الإحاطة الكاملة بأوضاعهم الاجتماعية الأكثر قسوة من الواقع اليومي لمداخيلهم الحقيقية. وتظهر الخصوصية الفلاحية أكثر في العالم الواسع لغير الأجراء. فليس من المستغرب أن نلاحظ بأنه خلال عشرين عاما - من 1990 إلى 2010- ظلت حصة مساهمة الفلاحة في المنتوج الداخلي الخام مستقرة نسبيا بين 15 و20 بالمائة. و أخيرا، وهذا هو الأكثر أهمية بالنسبة لنا، فإن الساكنة الفلاحية النشيطة لم تنخفض كثيرا: ثلاثة إلى أربعة ملايين قروي يعملون بالقطاع الفلاحي، أي أن مجموع من يعيش من الفلاحة لم يفقد مهمشيه، هؤلاء الذين يكسبون أقل. فالساكنة الفلاحية غير متجانسة، رغم أن متوسط الدخل الفلاحي - كما تقدمه الإحصائيات- قد ارتفع. خلال هذين العقدين، لا نعرف بدقة كيف تطورت النتائج الخام للاستثمار الفلاحي. هل تطورت مثل الأجر الصافي للأجير أو أنها أقرب إلى مداخيل المقاولين غير الفلاحيين؟ هل شابه الفلاحون ،على الأقل في مداخيلهم، نظراءهم في القطاعين الصناعي و التجاري؟ لا يمكن أن نجزم بأنهم حققوا مستوى عيش الساكنة الصناعية و التجارية. أولا لأن الفلاحين المتوسطين و الصغار يرزحون تحت الديون مما يقلص من مداخيلهم الحقيقية. من المحقق أن هذه التكاليف الخصوصية تجد تعويضها في المزايا الضريبية التي يستفيد منها كبار الفلاحين أكثر من صغارهم، بيد أن هذه الخصوصية الفلاحية ليست أبدية. والملاحظ أيضا أن مجموعة من المواد و الأدوات المستهلكة و المدمجة في السلسلة الإنتاجية الفلاحية (الاستهلاك الوسيط) قد ارتفعت أهميتها، مما يعني أن المنتوج الفلاحي الكامل يتضمن أكثر فأكثر مواد ومنتوجات تقدمها الصناعة والاقتصاد العام. تيار التبادل هذا الرابط بين الفلاحة العصرية وباقي الاقتصاد المنتج سيجعل من القطاع الفلاحي متضامنا مع الصناعة بشكل تدريجي. وهكذا سيصبح من الضروري لا شك، وتبعا لهذا التطور، إدماج الأنظمة الضريبية والاجتماعية للفلاحة في الأنظمة العامة للاقتصاد. ونلاحظ من جهة أخرى خلال السنوات القليلة الماضية، نموا خفيفا في الإنتاجية الفلاحية. ولكن هذا النمو ظل أقل في مجمله من النمو المسجل في الاقتصاد الوطني. و تجدر الإشارة إلى أن هذا النمو النسبي ليس سوى متوسط مختلف درجات النمو في القطاع. فما هو المشترك مثلا بين الاستثمارات الكبرى في الحبوب أو الحوامض، على الطريقة الرأسمالية المتقدمة القادرة على الربح المضاعف بفضل الدعم الحكومي للأسعار، و بين الاستثمار العائلي الصغير الذي يجهد من أجل ربط أركان الفصول الأربعة بصعوبة شديدة؟ فإذا قارنا مدخول العائلتين الأولى و الثانية، فإننا نجد الفرق يتراوح بين واحد إلى ثلاثين أو أربعين. و بين العامل الفلاحي صاحب الحد الأدنى و بين الفلاح الكبير، يصبح الفرق بين واحد إلى خمسين أو ستين مرة على الأقل. هذا العالم الفلاحي إجمالا، هو الأكثر تفاوتا بين أفراده من العوالم الأخرى للاقتصاد الوطني ، لهذا السبب فإن تدعيم آليات و برامج وتدابير تنمية الفلاحة التضامنية يعد أولوية من أجل تقليص الفوارق بين الفلاحين. ولقد التزم برنامج المغرب الأخضر، من خلال برامجه ومشاريعه، بتقليص هذه الفوارق، لكن الرهان كله هو ما إذا كان سيحقق هذا الهدف طالما أن معادلات الفلاحة التضامنية شديدة التعقيد. ينشر بتزامن في «لافي إيكونوميك»