عن منشورات «أمنية للإبداع والتواصل»، وبدعم خاصة من جمعية الآباء لثانوية إدريس الحارثي بالبيضاء ومديرتها السيدة فاطمة أماكور، صدر مؤلف «سيد العشيرة» للشاعر المبدع محمد بوجبيري، بغلاف باذخ الجمال هو عبارة عن لوحة للتشكيلي عبد الكريم غطاس. يأتي «سيد العشيرة» بعد سلسلة من الأعمال الشعرية الجميلة التي جُمع بعضها بين دفتي دواوين، وبعضها مازال منثورا بالملاحق الثقافية للجرائد الوطنية والصفحاث الأدبية لمجموعة من المجلات. بوجبيري يُعرف في الساحة الثقافية كأحد أبرز شعراء الثمانينيات، صموتا، يشتغل في الظل، لايلهث وراء الأضواء الزائفة، صادقا ووفيا. ومثلما برع في عيون الشعر منذ «عاريا أحضنك أيها الطين»(1988)، الذي قدم له الراحل عبد الله راجع، و«لن أوبخ أخطائي» (2006)، الصادر ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب، فإن له حظ وافر أيضا من جمان النثر. جعل بوجبيري نصوصه السردية في هذا المنجز، الذي يضم أربع عشرة تيمة، تيمات شكلت-على حد تعبير الشاعر والفنان عزيز أزغاي- لحظة وفاء من الكاتب «لجغرافية وُلد فيها وترعرع وتلقن فيها الحروف الأولى التي قادته إلى عالم الإبداع، جغرافية أصبح عدد من المتتبعين والمبدعين، بفضله، يضعون اليد عليها. إنها: حلوان، أو منطقة جهة تادلا -أزيلال بشكل عام . وإذ يجرب السي محمد قلمه في الحكي، فلِيَرد الاعتبار لأناس شهدوا وعضدوا خطواته الأولى على درب المحبة والتواضع والصدق والجمال». إن هذا المصنف إذن، ترضية ل«عشيرته»، من أناس بسطاء يقول عنهم بنفسه «إنهم عاشوا في الهامش، وماتوا في الهامش، في المغرب العميق، عاشوا مكتفين بما تجود به الأرض والسماء...». وقد حاول بوجبيري في حكيه أن يلامس بعضا من حقيقتهم وأطيافهم العابرة، كما أن هذا المصنف، بالموازاة مع ذلك، ترضية للنفس، فالكاتب ينظر إلى منجزه الإبداعي هذا على أنه بمثابة رد للدين أو عربون وفاء بالعهد استجابة لنداء داخلي. وأنت تبحر عبر هذه النصوص السردية، تحار بدورك، مثل مؤلفها، في تجنيسها، فلا هي تدخل في إطار ما يعرف بالپورتريه ولا القصة القصيرة ولا السرد المائل إلى الرواية.. لاهي في الأدب فحسب، ولا هي في التاريخ ولا هي في الأنثروپولوجيا ولا في علم الاجتماع فقط... لا هذا بمفرده ولا ذاك بمعناه التجنيسي الضيق. بل هي تركيب يمتح من جميع هذه الأجناس ويجاور بينها. أين صنفتها تُصنف، وفي أي وعاء وضعتها تأخذ لونه... شاملة... معبرة وموحية.،، ولذا صنفها بوجبيري في خانة النص السردي. اختار سي محمد عناوين بسيطة لنصوصه السردية، تتوثق علاقتها ببسطاء بعينهم وبمعيشهم اليومي، وهي تثوي دلالات ومعاني متنوعة. فعنوان المصنف : «سيد العشيرة» تركيب من كلمة مذكرة تتبعها كلمة مؤنثة، ثم يستهل أول نصوصه بعنوان «الدار الكبيرة»، كلمة مؤنثة كمدلول اجتماعي وتاريخي وجغرافي، فكلمات مذكرة،ليختم بكلمة مؤنثة للدلالة على الخصوبة والتناسل والانصهاروالكثرة والتنوع في الحيوات والمصائر داخل ما يصطلح عليه بالعشيرة الواحدة التي كانت مستقرة في الدار الكبيرة أو مرت عبرها ذات لحظة من زمان انقضى. وتيمة (الدار الكبيرة)، بما تعنيه من إفادات على المستوى الاجتماعي والتاريخي والجغرافي، في مستهل الكتاب، وتيمة (هدّة) التي اختُتِم بها، والتي هي في الثقافة الشعبية، علاوة على كونها اسما، يمكن أن تفيد (السقطة)، تيمتان تدلان على الاستعلاء والاستيفال. ويعكس هذا آيضا ما يتردد طيلة الكتاب من : حياة مقابل الموت، (محبة- وئام - مرح جميل-تفاؤل) مقابل (يبكي- الصمت- الحزين- الذهول- مقابر- ليل-عويل- ألم فظيع- ذكريات)... لقد فرض هذا التنوع أن يلجأ الكاتب إلى أكثر من معجم، علّ العبارة تسعفُ والفكرة تتحققُ . هكذا عالج بوجبيري مضمون نصوصه السردية على المستوى الجغرافي والتاريخي، الاجتماعي والديني، الصوفي والجودي، بانسيابية وهدوء وتعمق... الكتاب صدر بمناسبة تكريم صاحب «عاريا، أحضنك أيها الطين» من طرف ثانوية إدريس الحارثي بالبيضاء التي اشتغل بها طويلا. وهي مبادرة تستحق التنويه والاحترام. بقي أن نتساءل، مع مجموعة من أصدقاء شاعرنا المبدع: لماذا، سي محمد، لم تضمن سيد عشيرتك أحد نصوصك الجميلة والشامخة، نص كتبته ونشرته وأهديتنا متعة التلذذ به مبكرا، وهو «توده»؟ مجرد سؤال عن سر وراءه حكمة ربما يا أيها الحكيم في الحياة كما في الإبداع! «الاتحاد الثقافي»