قبل ما يزيد على أربعين عاماً، طرح رولان بارط على نفسه سؤالاً شهيراً أبت مجلة Poétique الفرنسية إلاّ أن تدشن به ميلادها في 1970، ألا و هو?: Par où commencer و قد كنت دائماً أعزوه إلى تعدد البدايات الممكنة التي تلوح أمام الكاتب، سواء أكان مبدعاً أم كان ناقداً، و التي تجعله في حيرة من أمره، لا يدري أي بداية يختار لنصه. وإذا كنت أزعم أنني، في قراءاتي النقدية السابقة لبعض النصوص الروائية، قد استطعتُ، بالمراوغة و التحايل، أن أتغلب على صعوبة هذا السؤال، فأنا أعترف اليوم بأنني، حين كنت عاكفاً على قراءة رواية محمد الأشعري: «القوس و الفراشة» (المركز الثقافي العربي، بيروت ، الدارالبيضاء، 2010)، أحسستُ بأنّ من دونها خَرْطَ القتاد كما يقال ! وفي ظني أنّ السبب لا يعود إلى ما يمكن أن يكون تكثيفاً هيرميسيّاً للنص أو تلبيساً له بالفراغات و البياضات الدلالية قد يكونان من اختصاص الشعر (و الأشعري شاعر أصلا ً! ). فالرواية لا تناصب القارئ أية معاندة أو مقاومة. إن السبب يكمن بالأحرى في ثرائها الفكري و في كيفية تدبيرها لهذا الثراء. فلا شك عندي في أنّ المؤلف قد ضمّنها لا عصارة خبرته بالواقع المغربي المعقد فحسب، بل كذلك خلاصة تصوره للكتابة الروائية. بل يتخيل لديّ (وهذه نقطة سأعود إليها بالتفصيل) أنه، حين كان يكتب «القوس و الفراشة» ، كان تحت ضغطٍ أو هاجسٍ خاصّ مقصودُه أنه يكتب الرواية الثانية و الأخيرة بعد «جنوب الروح» (دار الرابطة، الدارالبيضاء، 1996). لذلك احتشدتْ فيها موضوعات وقضايا وأزمنة وأمكنة جعلتها تهَبُ نفسها للقارئ من منافذ متعددة، من غير أن تكون هناك باب واحدة أو رئيسة تفضي إليها. ومن ثم، كان السؤال المشكل: من أين أبدأ ؟ (انظر ص: 3-2 من الاتحاد الثقافي)