السياسة كياسة ورزانة ،عقل وتعقل ،تدبير وتدبر. السياسة التزام بالواقع ،وبعد نظر .إنها التحليل الملموس للواقع الملموس .من هنا فهي علم وفن في نفس الوقت،علم لأنها ترتكز على ضوابط وقوانين في تحليل الظواهر،والكشف عن أسبابها وأبعادها ومراميها ، وفن لأنها ترتبط بتذوق في الفهم والقول أيضا ، تذوق يقترن برهافة الإحساس ورقة المشاعر خاصة في مخاطبة الآخر والتعامل معه موافقا كان أو مخالفا ، لذلك فالسياسة ليست ترهات وهرطقة ، ليست إطلاق العنان للسان بدون فرملة ، ليست ضرب أخماس في أسداس ، وبالتالي ليست غطرسة وغرور . أما رجل السياسة، فيستقي مواصفاته من هذا التحديد للفعل السياسي هو أيضا ،وإن حاد عنه تقاذفته أمواج الضياع والعبث ،وأصبح أبعد عن عالم السياسة وأقرب من عالم التهريج ، لذلك فحري به أن ينصت للغير ويبتعد عن الغرور،ويأخذ العبرة من السابقين . في عالم السياسة يتعامل السياسي مع أناس،مع بشر، لهم حاجيات ومطالب،لهم إحساسات ومشاعر ، يميزون،ويصنفون،ويتذكرون أيضا ولا يمكن أن ينسوا. وإن تم تضليلهم مرة فحتما سيستيقظون ويصححون،لذلك فكل من تغطرس في عالم السياسة ، لا بد أن يأتي يوم فيه يتقهقر .إن التاريخ صيرورة يزيح من طريقه الزوائد والنواقص،ويؤكد نفيا لكل شك « ألا شيء ثابت « فحذاري ثم حذاري لمن يتبختر قائلا «أنا وحدي وبعدي الطوفان « ،لأن من يؤمن بهذا سيكون أول من سيجرفه الطوفان . في عالم السياسة، يتم التخاطب بواسطة الرموز والعلامات،التي هي مجرد إشارات تشير إلى الموضوع وليست هي الموضوع، حيث يسبح المتكلم في عالم الكنايات والتشبيهات، والاستعارات ،وهذا مستوى من متطور في الفهم مرتبط بقوة الإدراك وعمق التفكير وبعد النظر، ولذلك فالسياسة كياسة ورزانة ،ولذلك في عالم السياسة أيضا يقل الكلام وتختصر العبارة،ويكون الصمت أحيانا أبلغ من النطق . تبعا لكل ذلك، فعالم السياسة عالم صعب ومعقد، لا يمكن أن يلجه المتطفلون النزقاء ،إنه عالم يتطلب الحنكة والتجربة وقوة الإرادة،وطريقها ليس طريقا ملكيا معبدا مفروشا بالورود والرياحين بل طريقا تغطيه الأشواك والعراقيل،لكن الإرادة القوية والطيبة تستطيع اقتلاع هذه الأشواك وتدليل هذه العراقيل .أما الإرادة السيئة فتصطدم بها بشكل يؤدي بها إلى الانحلال. هذه رسالة إلى المنخدعين في عالم السياسة علهم يستيقظون من غفلة التضليل وغياهب الوهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا .