شدد الدكتور عبد الفتاح الحجمري على موقع التخييل الروائي ضمن الخطاب الثقافي اليوم، بالنظر الى قيمة الأسئلة التي يطرحها الروائي، وما أصبحت تفرضه دقة وخصوصية الوضع العربي الراهن من انهيار للقيم وتطاحنات عرقية ودينية، من تحديات على الكتاب. واعتبر الحجمري خلال لقاء «ساعة مع ربعي المدهون» الذي احتضنته قاعة ادمون عمران المليح ضمن فعاليات الدورة 23 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، نظم يوم السبت 18 فبراير، أن الحدود التي تستدعيها علاقة الادب بالواقع يجب أن تتأسس على قيمة تشكيك هذا الادب في واقع متسم بانحسار الثقافة وبروز خطاب التعصب والانغلاق. الحجمري الذي اعتبر في تقديمه للروائي الفلسطيني ربعي المدهون، الحائز على بوكر 2016 عن روايته «مصائر: كونشيرتو الهولوكست والنكبة»، أن المدهون منذ تجربته القصصية الأولى «أبله خان يونس» اختار الكتابة بعيدا عن المواقف الايديولوجية المسبقة والتركيز على الانساني في الكتابة، تلك الكتابة التي اعتبرها المدهون حاجة دون أن يحدد دوافعها، مضيفا أنه في البحث عن جدواها، لكل كاتب إجابة أقرب من المهرب الى الحقيقة. وتتخذ كتابات الروائي ربعي المدهون القضية الفلسطينية بتقاطعاتها السياسية والإنسانية والجغرفية محورا مركزيا، هو الذي اختار أن يكتب من داخل مشروع ، حرّكتْه وضعية الحيرة والشتات التي عانى منها بعد لجوئه الى لندن، وهي حيرة اعتبرها كنت وراء إنتاج نصوص شكلت تجربته الروائية «طعم الفراق»، «سيدة من تل أبيب» ثم «مصائر: كونشيرتو الهولوكست والنكبة»، مشددا على أن الكتابة هي الهدف ضمن هذا المشروع، وأن مهمتها تكمن في المواجهة: مواجهة مع الذات والمحيط والواقع لإخراج كل مكنوناته وأسئلته للبحث عن إجابات، وهي معركة ثقافية بالأساس، وهو ما يغفله العديد من النقاد والروائيين، معتبرا أن على الرواية أن تقدم الحكاية الحقيقية مقابل الحكاية المزيفة التي تمررها الرواية الاسرائيلية. المعركة الثقافية كما يراها المدهون لا تفصل الذاتي عن السياسي لأن القضية الفلسطينية مازالت لم تُصَفَّ بعد ، منبها الى أن الرواية لا تقدم خطابا سياسيا لكن السياسة تنبع من داخل نصوصها. وفي ما يخص الإسقاطات الذاتية على الرواية، اعتبر المدهون ان النص الروائي بالنسبة إليه هو نص ثالث بين الذاتي والمتخيل . وفي سؤال ل» الاتحاد الاشتراكي» حول تعدد بؤر التوتر والصراعات العربية اليوم وتحول الاهتمام عن القضية الفلسطينية ومدى استيعاب الأدب الفلسطيني لهذا التحول من خلال البحث عن أشكال روائية تجريبية ، أكد المدهون أنه يصنف عمله الروائي «كونشيرتو الهولوكوست والنكبة «ضمن التجريبية التي تظهر لأول وهلة من خلال التوالف الهارموني في بنية السرد التي قام ببنائها على ايقاع كونسيرتو موسيقي ، بالإضافة الى التنوع اللغوي ( عربية، روسية، انجليزية، عبرية، دارجة فلسطينية)، معتبرا أن هذا التنوع يزيد حين يحسن استخدامه من ثراء العمل الروائي، ومصداقية الشخصيات ولا يشكل له أدنى احراج مادام يستخدم بهدف خلق المناخات الطبيعية للأحداث، مشيرا الى أن التجريب لعبة خطيرة لكنها في نفس الوقت تنفتح على ممكنات أخرى، مذكرا بأن الرواية الفلسطينية مرت بثلاث مراحل: مرحلة الستينات والسبعينات وهي مرحلة أدب المقاومة بتقليدانيته وحرفيته، واستمرت الى مرحلة خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت،وأغلب نصوصها كان محكوما بالشعارات الأيديولوجية بحكم انتماء جل الأدباء الفلسطينيين الى الفصائل مما كان ينعكس على نصوصهم، وهو أمر كان مقبولا حينها لكنه كان سليبا من الناحية الفنيةّ، ثم مرحلة التراجع والانحسار بعد الثمانينات الى التسعينات ثم مرحلة ما بعد التسعينات التي حاولت فيها الرواية الفلسطينية الخروج من جبة الايديولوجيا، فقدمت أسماء ونصوصا جيدة حصدت العديد من الجوائز ( جائزة الشيخ زايد – البوكر- كتارا- الشارقة)، ما اعتبره المدهون حركية صحية للرواية بعد المأزق السياسي الفلسطيني وإفلاس المنظمات ، كل هذا جعل الرواية تحوّل نظرها الى الذات، وخوصا الروائيين المغتربين الذين كانوا أكثر تجريبية لأنهم يكتبون خارج أي ضغط، دون أن ينسى الحديث عن حملات التخوين والاتهامات بالعمالة لهؤلاء من طرف بعض كتاب الداخل الفلسطيني، قائلا: «أنا واحد ممن اتهموا بالخيانة والعمالة»، معلنا رفضه محاكمة العمل الأدبي بمعايير سياسية.