في هذه الأعمال التشكيلية يطلق الفنان العلوي محمد الطيب العنان لحريته، سارحا في مراتع الطفولة والذاكرة، ومرفوفا في سماوات الخيال، كصانع ماهر لأشكال غير مسبوقة، وأخرى معلومة، إلا أنها مسبوكة ومصكوكة بيد « معلم رقايقي» ينهض كافة حواسه على سعة يقظتها، كي تقبض على التفاصيل الدقيقة، وتمسك بالنقاط الرقيقة، نقطة نقطة وخطا خطا، في تقاسيم تكاد تقول الموسيقى تدرجا، خفوتا وصعودا، وتناغما. إنه فنان مبدع لا يخلص إلا لنفسه، ولا يؤمن إلا بحريته، لا يكترث للمدارس الفنية وإن قارب بعضها، ولا يلتفت إلى الصيحات الفنية الجديدة، لأنه لا ينطلق إلا من ذاته، ولا يعود إلا إليها. دواخله مراجعه، والديكور كفن للتأثيث هواه ومهنته، لذلك فهو يتعامل مع فراغ فضاء اللوحة بما تقتضيه عينه المحترفة من توزيع وإضاءة وتظليل، ذاهبا وآيبا بين أعماقها وسطوحها، ولا هيا بالأشكال تكثيفا و تخفيفا. لقد كان الفنان العلوي محمد الطيب و افر الحظ، إذ تربى في وسط فني، وصاحب الفن السابع كمصمم ومنفذ للديكور، إذ أنجز في هذا المجال ما يزيد عن 120 عملا موزعا ما بين السينما والتلفزيون، وما بين الأعمال الوطنية والدولية، مع ما ينجم عن امتهان و مصاحبة هذا الفن، من تربية على الثقافة البصرية، التي مكنته من امتلاك عين تستطيع أن تؤثث خواء الصحارى ذاته، بما راكمته من خبرة ومران ومراس. إنه في أعماله التشكيلية هاته، يزاوج بين لهو الطفولة، وحرفية المحترف الصارم، مثلما يزاوج بين الشكل الهندسي، وبين السعي إلى تكسيره و التمرد عليه في الآن عينه. إنه مهووس بالموسيقى موضوعا ضمن أعماله، وإيقاعا وتناغما داخل فضاء لوحاته، ومسكون بالدائرة، وهي أكمل الأشكال الهندسية، وهي المطلق أيضا، لكنه غالبا ما يجردها من مطلقها حينما يكسر شكلها، أو يحولها إلى قطعة غيار من آلة ميكانيكية جامدة. ومثلما يمتح من طفولته ومن الحنين إليها، كذلك يمتح من الحنين إلى الأبيض والأسود، لذلك فإنه لا يخفي ولعه بهذين اللونين، وتمسكه بهما، منذ أن أقام أول معرض له بباريس سنة 1989 وإلى حدود هذا الزمن المضارع، لأنه بكل بساطة، وكما يعترف هو ذاته، يجد نفسه أكثر في الأسود والأبيض. ولذلك غالبا ما تأتي أعماله بهذين اللونين أنضج وأفضل وأكمل وأجمل.