كشفت تظاهرات بغداد الدموية الأخيرة عمق الخلاف بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الوزراء السابق زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، كقطبين شيعيين رئيسيين يتصارعان من أجل تهيئة الأجواء للانتخابات المحلية هذا العام والانتخابات العامة المقررة أبريل 2018 . وعقدت لجنة برلمانية اجتماعا لتسريع عملية اختيار مفوضية جديدة للانتخابات ، غير أن الصراع على خريطة هذه المفوضية سيكون حاسما في تحديد اتجاه الانتخابات المقبلة ، فيما كشفت مصادر سياسية أن الصدر يسعى إلى عقد تحالف انتخابي واسع يشمل ائتلاف «الوطنية» بزعامة إياد علاوي، والتيار المدني، بالإضافة إلى قوى شيعية مختلفة، بهدف تحقيق تغيير شامل في الانتخابات وتغيير الخريطة الشيعية، وينهي سيطرة ائتلاف المالكي على البرلمان والحكومة. ووفق هذه المصادر، فإن الصدر يحاول استقطاب بعض قيادات حزب «الدعوة»، بمن فيهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلى مثل هذا التحالف. وفي المقابل، يكثف المالكي تحركاته لتشكيل ائتلاف برلماني يسعى إلى نيل غالبية برلمانية مطلقة تؤهله لتشكيل غالبية سياسية تفضي إلى استمرار هيمنة كتلته على البرلمان والحكومة. ووفق الخريطة الأولية للقوى السياسية العراقية، فإن الانتخابات المقبلة قد تشهد للمرة الأولى ائتلافات شيعية متحالفة مع قوى سنية أو كردية تتشكل قبل الانتخابات، إذ يميل رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري وعدد من قيادات العشائر السنية، وبعض قيادات حركة «التغيير– كوران» الكردية، إلى جبهة المالكي، فيما يميل نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي وعدد من قيادات تحالف القوى السنية، إلى جانب جبهة الصدر– العبادي، في حال تحقق فعليا قيام هذه الجبهة، التي قد تحظى أيضا بتأييد رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني. ولم تتحدد وجهة عدد من القوى الشيعية الأخرى، مثل ائتلاف «المواطن» بزعامة عمار الحكيم الذي يترأس «التحالف الوطني» الشيعي، وعدد من تشكيلات «الحشد الشعبي» التي من المتوقع أن تنقسم بين هاتين الجبهتين. ويشتبه الصدر في أن أعضاء اللجنة الانتخابية الحالية موالون للمالكي، أحد أقرب حلفاء إيران في العراق. كما يلقي الصدر باللائمة على المالكي في فشل الجيش العراقي باحتواء تقدم تنظيم «داعش» في 2014 ، إذ كان وقتها رئيسا للوزراء وقائدا أعلى للقوات المسلحة. وفي بيان أصدره حزب «الدعوة» الذي يتزعمه المالكي، اتهم الحزب مقتدى الصدر، من دون أن يذكر إسمه صراحة، «بإشغال الشعب العراقي بفتنة لإعاقة الجهود للتخلص من داعش». لكن عضو اللجنة القانونية النيابية، فائق الشيخ علي، اتهم المالكي بأنه «المستفيد الأول» من بقاء مفوضية الانتخابات على هيئتها الحالية، مهددا بأن «مجلس مفوضية الانتخابات سيتغير في كل الأحوال ، سواء بالدماء أو بالتظاهرات السلمية». وطلب الصدر من أتباعه في بيان أمس، ضبط النفس وعدم الانفعال بعد يوم السبت الدموي، كما دعا «بعض السياسيين الذين يدعون الديمقراطية إلى الكف عن تصريحاتهم الاستفزازية الوقحة». وتابع مخاطبا أتباعه: «آمركم بالتزام الهدوء حتى صدور أوامر منا وأطلب من السياسيين الذين يدعون الديموقراطية ومناصرة الشعوب الكف عن تصريحاتهم الاستفزازية الوقحة حتى إكمال التحقيق وإثبات الطرف الخاطئ». وأضاف «برأيي أن الدم انتصر على السيف، وانتصر المظلوم على الظالم، فاتركوا المهاترات والتصعيد واركنوا إلى الطاعة». وكانت قوات الأمن العراقية قد فرضت إجراءات أمنية مشددة في بغداد إثر تعرض المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد إلى قصف بصواريخ الكاتيوشا السبت الماضي، وسط تظاهرات نظمها أتباع التيار الصدري للمطالبة بتغيير مفوضية الانتخابات. وقال مصدر أمني إن «القوات الأمنية اتخذت إجراءات مشددة في محيط المنطقة الخضراء ودفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة عند بواباتها، ودخلت في حالة تأهب قصوى عند محيط المنطقة الخضراء التي شهدت بواباتها انتشارا أمنيا مكثفا، فضلا عن نصب حواجز ونقاط تفتيش أمنية في معظم الشوارع القريبة من المنطقة». وأضاف أن «القوات الأمنية عملت أيضا على تفتيش مناطق ذات نفوذ تابعة للتيار الصدري. وذكر بيان لخلية الإعلام الحربي أن ستة صواريخ كاتيوشا سقطت داخل المنطقة الخضراء ومحيطِها في بغداد ، موضحا أن هذه الصواريخ انطلقت من منطقتي "البلديات وشارع فلسطين". لكن البيان لم يذكر أي أخبار عن سقوط قتلى أومصابين. وأكدت الخلية الإعلامية العثور على ثلاث منصات خلف مستشفى الكندي شرق العاصمة، اثنتان تم اطلاق صواريخهما والثالثة لم تطلق، بعد وصول القوات الأمنية إلى مكان الانطلاق. وأعلنت قوات «سرايا السلام» التابعة للتيار الصدري براءتها من اطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء، واعتبرت في بيان أنه «في الوقت الذي نعرب عن إدانتنا الشديدة لعملية إطلاق صواريخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء ومحيطها، وفق ما تناقلته وسائل الإعلام، فإننا نؤكد رفضنا المطلق لهذا العمل المشين». وأضافت أنها تعلن "براءتها التامة" ممن قام باقتراف هذا العمل، أيا كان ارتباطه والجهة التي يعمل لها، مشيرة إلى أن هذا العمل يخدم من يريدون إذكاء الفتنة بين أبناء الشعب العراقي ويعرقل مسيرة الإصلاح الذي ينشده هذا الشعب المظلوم في محاربة الفاسدين واستعادة حقوقه المشروعة. وأكدت قوات «سرايا السلام» أن "منهج الإصلاح" الذي اختطه الزعيم العراقي مقتدى الصدر، هو منهج إصلاح سلمي يعتمد على الطرق السلمية والتظاهرات والاعتصامات وكل وسائل الاحتجاج المشروعة الأخرى، ولا يندرج فيها العمل المسلح. واعتبرت أن العمل العسكري مرفوض ومدان في هذه الحالة ولا تؤيده إطلاقا . وشددت على أن "السلاح يجب أن يكون مكرساً فقط لحماية بلدنا ومقدساتنا من المحتل وأذنابه" .