الحديث مع الفنان حميد بوشناق، حديث يكشف لنا معدن هذا الفنان سليل عائلة بوشناق الفنية. فهذا الرجل، أعطى الكثير بمعية عائلته للساحة الفنية المغربية على امتداد أربعة عقود تقريبا يعود اليوم إلى الساحة الفنية من خلال اغنية «افريقيا ماما افريكا »، التي تعامل فيها مع فنان عالمي ومزج فيها مابين فن الراي وفن الريكي، يحز في نفسه أن يسمع هذه الأغنية التي تترجم العلاقة الوطيدة بين المغرب وأمه افريقيا في الإذاعات الإفريقية لكن لا أثر لها في المغرب، رغم أن الحدث يفرض ذلك، بعد عودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي حميد بوشناق، مثله مثل العديد من المبدعين، الذين لهم رأي مخالف في الأغنية المغربية الحالية التي يعتبر أنها هجينة ولا تعكس جمالية وعمق دارجتنا المغربية ولا ايقاعاتنا. ويعتبر أن هذه الأغنية مجرد موجة كما يكشف في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة الاتحاد الاشتراكي عن أن شراء عدد المشاهدات في اليوتوب، هي صناعة مغربية بامتياز، وهي حتما تضر بالأغنية المغربية. وهذا لا يوجد سوى في المغرب.. p لماذا هذا الغياب؟ n لقد عدت إلى المغرب أرض الوطن منذ أربع سنوات ونصف تقريبا، صحبة أسرتي. وهذا تطلب فعلا وقتا للتفكير، زيادة على وفاة أخي، التي كان لها وقع على نفسيتي. بالنسبة لحميد بوشناق أو الإخوة بوشناق تعودنا ان نصدر دائما الجديد، الذي نتركه في الساحة للجمهور من أجل التذوق وهي فرصة لتقييم العمل، الغياب بالنسبة لي، هو من أجل مراجعة النفس، خاصة وأن عطاءاتنا استمرت على مدى 38 سنة وما فوق تقريبا وهي مناسبة كما قلت لتقييم الأعمال من أجل تقديم دائما الأحسن p بعد العودة، كيف وجدت الحقل الفني المغربي؟ n حين كنت في فرنسا، كنت دائم الزيارة إلي المغرب لكن عندما استقررت، تغير الأمر. وبالنسبة للحقل الفني، فهناك أشياء جميلة،وأخرى .. على العموم، الحقل الفني المغربي يبحث عن ذاته p ماهو تقييمك للأغنية المغربية الحالية؟ n أرى الأغنية المغربية الحالية، لا تشبه في شيء أغنية الرواد. وهي هجينة اليوم، نصفها خليجي، ونصفها مغربي ويجب ان تكون مغربية مئة بالمئة، ولا بأس آنذاك، ان تكون عالمية، والحقيقة اننا ندعي إيصالنا اللهجة المغربية إلى الخليج. هذا مجرد ادعاء. يتعين أن يصل اللحن المغربي والموسيقى المغربية والكلمات المغربية إلى ما نطمح إليه بالشكل اللائق، فلا يجوز أبدا إيصال الثقافة المغربية فنيا، بثقافة اخرى.الخلاصة أن الأغنية المغربية الحالية لا ترتدي اللباس المغربي، في حين أن بلادنا غنية بالفلكلور والايقاعات والألحان والقيم الثقافية والموسيقية واللحنية p الأغنية المغربية غزت البيوت العربية، تُرى ماهي في نظرك الأسباب التي جعلتها تتبوأ هذه المكانة، وهل يعني هذا ان الشباب الحالي أبدع من جيل الرواد، الذي لم يتفوق في تسويق الأغنية المغربية؟ n لاشك أن الأغنية المغربية غزت البيوت العربية بحكم التسويق. في عهد الرواد، لم تكن هذه الثورة الحاصلة في مواقع التواصل الاجتماعي، والتسويق في الخليج بينما اليوم قنوات خليجية مهمة هي التي تهيمن على الساحة الفنية. وبهذه الطريقة، ولجت الأغنية المغربية إل البيوت العربية،. هذه باقتضاب،هي الاسباب التي جعلت الأغنية المغربية تغزو البيوت العربية بالنسبةالي، وهذا لا يعني البتة أن عبد الوهاب الدكالي، سميرة سعيد، نعيمة سميح، عبد الهادي بلخياط، عزيزة جلال وغيرهم غير معروفين عربيا بل استطاعوا تسويق الأغنية المغربية بمجهوداتهم الخاصة ،إذ لم تكن وقتها هذه القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي بهذا الزخم والتطور. p هناك من يرى أن ما يسمى بالربيع العربي وتراجع السوق المصرية فنيا منح الفرصة للأغنية المغربية لتكون ما عليه اليوم، هل أنتم مع هذا الطرح؟ n لا . وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا المعطى حقيقيا،أي إذا كان ما يسمى بالربيع العربي أضر كثيرا بالأغنية المصرية على حساب الأغنية المغربية ،فإنه في حال ما اإذا عادت الأمور إلى سابق عهدها في مصر، فالأغنية المغربية لن يكون لها أثر بهذا المنطق p رأي آخر يرى أن الأغنية المصرية والخليجية واللبنانية ، استنفدت جميعها ما لديها، وبالتالي أصبح الجمهور العربي في حاجة إلى الجديد، ومن ثمة كان البديل هو الأغنية المغربية؟ n وأيضا، لا أتفق مع هذا الرأي.أظن لو كان لدينا قناة تلفزيونية في مثل قوة بعض القنوات الأخرى الخليجية المهتمة بالفن، لما كان لدينا مشكل التسويق، ولن نفكر بتاتا فيما هذه القراءات، فأي بلد يفتخر بثقافته سواء مصر أوالخليج، ويسوقون فنهم بهوياتهم. لو كان لدينا البديل لتسويق الأغنية المغربية بالمعايير المطلوبة، لكان المشكل محلولا. لاحظ معي ان الأغنية المغربية أصبحت ممزوجة بكلمات خليجية في بعض الحالات أكثر من الدارجة المغربية p البعض الآخر يرى أن المهرجان الدولي «موازين» جعل كبار الفنانين العرب مضطرين إلى أداء الأغنية المغربية للمشاركة في هذه التظاهرة العالمية، ومن ثمة، فإن انتشار الأغنية المغربية وتسويقها مسألة عادية ولا ترتبط بأي إضافة شكلتها لهجتنا؟ n لأن الأغنية المغربية بتلك المواصفات التي تحدثنا عنها، ثم تسويقها. أكيد لن يكون هناك أي مشكل لدى هؤلاء الفنانين العرب لأدائها، وبالتالي المشاركة في مهرجان دولي مثل «موازين» وبخصوص تسويق الأغنية المغربية، كان الأمر سيكون طبيعيا، لو كان لدينا في المغرب ماهو متاح في الخليج من أجل تسويق عمل مغربي محض p إقبال النجوم العرب على أداء الأغنية المغربية، طبعاشكل إضافة إليها لكن الملاحظ عوض الانفتاح على شعراء حقيقيين، جرى العكس، حيث استعمال كلمات سوقية لا تعكس عمق وجمالية اللهجة المغربية ما رأيك؟ n إقبال النجوم العرب على أداء الأغنية المغربية لاريب يشكل إضافة لكن للأسف في ظل غياب كتاب كلمات حقيقيين مغاربة، من شأنهم أن يسوقوا الدارجة المغربية كما هي بجماليتها المعهودة فيها، كما فعل الرواد في حين نجد الآن توظيف كلام سوقي في الأغنية المغربية أنا مع إيصال الأغنية المغربية بجماليتها وعمقها وهذا هو المطلوب ، وليس كما هو حاصل الآن، حيث اصبح الأمر عاديا للأسف. p الآن أصبح المحدد هو عدد المشاهدات في اليوتوب بالنسبة لنجاح الفنان في المغرب، وهو ما جعل بعض الأسماء المغربية تتبوأ الصدارة عربيا على مستوى المشاهدات له،هل هذا يعني أنهم الأفضل عربيا؟ n هذا الواقع ليس إلا في المغرب، وعلى الفنان إذا أراد أن يشتغل في هذا الحقل، ألا يسير في هذا المنحى. للأسف حتى الإعلام المغربي خضع إلى هذا للمنطق. ولو كان الأمر يتعلق بفنان حديث العهد بالمجال الفني، والدليل على ذلك، رغم 38 سنة من العطاء، وإطلاق أغنيتي « إفريقيا ماما افريكا»، بتزامن مع جولة جلالة الملك في افريقيا وعودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الافريقي، لا أثرلأغنيتي في الإذاعات. وهذا يحز في النفس رغم أن العمل كان نابعا من القلب، وأردت اقتسامه مع المغاربة. ويلامس القلوب، ويبعث الثقة في النفوس. ورغم أن أغنيتي مرآة تعكس ما جاء به صاحب الجلالة إلا أن التجاهل هو سيد الموقف، ولم يعط الإعلام الحق الكافي لأغنيتي «ماما إفريكا». ودائما بالنسبة إلى عهد المشاهدات في «اليوتوب»، أكرر أن هذا المنطق ليس إلا في المغرب للأسف. وليس من يتبوأ الصدارة في اليوتوب أنه الأفضل عربيا. وهذا ليس فيه شك أبدا. والكل يعرف أن المشاهدات يتم شراؤها. وهنا جهات تؤدي من الخليج . p كمتلقي قبل أن تكون فنانا، هل ترى من المنطق أن تتجاوز بعض الأغاني المغربية سقف 400 مليون مشاهدة في اليوتوب، أي أكثر من سكان العالم العربي؟ n هذا الأمر ليس إلا في الخارج، حيث كل شيء مقنن ولا مجال للتلاعب، بخلاف واقعنا حيث يشترى عدد المشاهدات، وهذا ما يثير الضحك والأسف. p ألا ترى معي أن شراء المشاهدات في اليوتوب، واعتبار ذلك محددا لنجاح أي أغنية، يضرب في الصميم الإبداع ويسد الطريق أمام المواهب الشابة؟ n بالنسبة للشباب غير القادر على شراء عدد المشاهدات، أنصح أن يكون لديهم تراكمات قصد ولوج عالم الفن، فضلا عن الموهبة ثمة الذكاء. والموسيقى، كانت قبل «اليوتوب»، الذي كان وراء هذه البلبلة الذي يتم توظيفه حتى في السب والشتم. p جل الأغاني المغربية تتشابه حاليا لحنا وكلمات وتوزيعا وتوظيف إيقاعات خليجية، تُرى ما هو الضرر بالنسبة إليك، وهل يمكن فعلا أن نسمي هذه الأغاني مغربية؟ n هذه الأغاني هجينة. ليس عيبا أن يكون الأمر في حالة أو حالتين، لكن أن يكون ذاك معمما، فهذا مسيء ، وبالتالي لا يمكن تسميتها أغنية مغربية. p هل يمكن أن نصف الأغنية المغربية بالمدرسة أم هي موجة عابرة؟ n بالنسبة للحديث عن مدرسة، يمكن أن نسميها كذلك، بفضل الرواد سواء المطربين والمطربات والفرق الغنائية، الذين هم من بنوا هذه المدرسة. والخزانة المغربية تدل على ذلك، والشرق كان يعرف جيدا أغنيتنا. وحاليا يجب أن تتطور وفق ما تحدثنا عنه سابقا لتكون كذلك، أغنية يرضى عنها الجمهور المغربي أولا.والأغنية الحالية كما هي الآن، هي موجة عابرة جدا، ولا أحد قادر على أن يصبر على الملل إن جاز التعبير. وأنا شخصيا يصعب علي أن أنخرط في هذه الموجة.وهناك شباب مبدع آخر ربما له نفس الرؤية. p لنتحدث عن جديد الفنان حميد بوشناق، لماذا افريقيا ماما أفريكا الآن؟ n جديدي كما يعلم الجمهور، هو أغنية .. « افريقيا ماما أفريكا»، كانت مهيأة منذ خمس سنوات، لكن كنت أفضل ألا أؤديها وحدي، بل فضلت أن تكون مغناة بشكل مشترك مع رمز من الرموز الفنية العالمية، خاصة في «الريكي»، والمزج أيضا مع فن «الراي«، خاصة وأنه يمكن المزج بين هذين الفنين، إلى أن التقيت بالفنان «تريفيليس» الذي هو من الدومنيك، وهو رمز لهذا الفن، وله غيرة على القارة السمراء، وقام بالعديد من الأعمال وتبنى قضايا افريقيا،. وهذه الأغنية، فيها رسالة للشعوب الإفريقية وللمغرب أيضا. وقد تزامن بالصدفة مع عودة بلادنا إلى الاتحاد الافريقي، رغم أنها كانت موجودة منذ 5 سنوات، لذلك كما قلت يحز في نفسي ألا أسمع وأرى هذه الأغنية في إعلامنا السمعي البصري. p كيف جاءت فكرة هذا العمل الفني؟ n هذا اختيار كان لدي. والفكرة كانت منذ خمس سنوات. وحدث أن التقيت بالفنان العالمي «فريليدكس» بمدينة الصويرة، وعرضت عليه الفكرة، ورحب بها بشكل لافت. وقد كتب المقاطع الخاصة به، وبعثها إلي. وبعد ذلك زارني بالاستوديو الخاص بي بمدينة مراكش، حيث سجلنا صوته، لكن للأسف توفي من بعد. p تعاملت في جديدك مع اسم عالمي، هل يعني هذا أن حميد بوشناق لا يحب التعامل مع المبدعين المغاربة؟ n أبدا.لم أقصد هذا. كل ما في الأمر أن هذا كان اختيارا .. فالراي، مثّله حميد بوشناق و«الريكي» كما مثّله رمز من رموز هذا الصنف الإبداعي الذي هو الفنان «تريفيلكس». p ما هي الإضافة التي يشكلها هذا التعامل في المسار الفني بالنسبة إليك؟ n هذا العمل يشكل عندي إضافة كبيرة في مساري الفني، لأنني تعاملت مع رمز كبير، ويذاع العمل كثيرا في الإذاعات الإفريقية. والإضافة الكبيرة في هذا «السينغل» هو حضور جلالة الملك في إفريقيا، والخطاب الذي كان واضحا، مما عنى لي الشيء الكثير. p أنت تدمج الموسيقى العربية والإسبانية والفرنسية والراي وغيره، لماذا هذا التنوع، وهل للعائلة تأثير في ذلك؟ n هذا التنوع، هو نتيجة تراكمات،. فالغرناطي مثلا يمثله والدي بالنسبة لأسرة بوشناق، وهو من أحبب إلينا هذا الفن، والأندلسي والملحون، وكذلك الوالدة كانت مغرمة بالفلكلور، واستقبال عيساوة وغيرهم في منزلنا. وحينذاك كنت أسمع العديد من الأنواع الموسيقية المختلفة بمعية إخوتي. هذا الخليط كله كان له تأثير في المسار، فالعائلة كانت لها تأثير كبير في هذا الاندماج. p الفقيد محمد بوشناق ومجموعة الإخوان بوشناق، ماذا أضافوا إليك؟ n رحيل شقيقي محمد تَرك فراغا كبيرا لا يمكن تصوره. ولو لم يكن هناك الإخوة بوشناق، ما كان ليكون حميد بوشناق. فإخوتي يجمعني بهم حب كبير لا يوصف. وهو ما جعلني أراكم تجربتي الفنية بفضلهم ومواصلة الأغنية البوشناقية. p أنت صاحب استوديو في مراكش، لماذا الإصرار على أن يكون لديك استوديو دائما .وهل ستتعامل مع المواهب الحقيقية أم أن الاستوديو هو للعمل بغض النظر عن طبيعة الأصوات؟ n حين كنا في وجدة، كان لدينا استوديو، وحين كان أيضا أخي محمد رحمه الله، كان هناك استوديو، وبالتالي الأمر ليس جديدا، وكان لدي في فرنسا «استويوهان»، واعتبره مختبرا. وكفنان أحرص على أن يكون لدي استوديو، وهو مقري الذي أسجل فيه أعمالي، رغم أنه سبق لي تسجيل أعمالي في استوديوهات أخرى في فرنسا، انجلترا، هولندا، بلجيكا، وتوفر الفنان على استوديو، يجعله يشتغل من أجل إنتاج عمل يكون راضيا عنه والجمهور أيضا. يمكن لي أن أتعامل مع مبدعين، كما سبق وأن فعلت مع الفنانة الشابة مارية التي تتوفر على صوت جميل، إذ كنت في فرنسا، وقدمت لها عملا فنيا حقق نجاحا باهرا..