لقد دأب المغرب على إرساء علاقات متينة مع بلدان أفريقيا، عبر قرون من التبادل والتعاون، إذ لم تكن أفريقيا خيارا للمغاربة من بين خيارات أخرى، بل قدرا عاشوه بمحبة وعطاء على مر التاريخ، قديما وخلال مرحلة الكفاح من أجل الاستقلال واليوم، وكانت الثقافة دوما رحما خلاقا، في قلب صلة المغرب بباقي البلدان الأفريقية. وضمن هذا الأفق الرحب، فإن اتحاد كتاب المغرب، وجريا على عادته في إيلاء اهتمام بالغ للهوية المغربية بتنوع مكوناتها وتعدد روافدها، وتقديمه لمقترحات عملية لإيلائها ما تستحق من عناية، وفي إطار الزخم الوطني الجديد لتوجه بلادنا نحو أفريقيا، سياسيا واقتصاديا وروحيا واجتماعيا، فإن منظمتنا تدعو كل الفاعلين الوطنين لإعطاء التفاعل الثقافي مع الشعوب الأفريقية موقع الصدارة في تقوية صلاتنا بها. فالثقافة هي المؤتمنة على الجذور، وهي الكفيلة بتأمين معرفة عميقة بالإنسان الإفريقي، وهي وحدها بإمكانها تثمين ما يجمع، وما يدعم شروط العيش المشترك، وما يبقى ويصمد في وجه التحولات والتقلبات. وإذا كان اتحاد كتاب المغرب، قد راهن في السابق على الانخراط في هذا الأفق الثقافي الأفريقي، وحقق تراكما لافتا فيه، سواء في إطار عضويته في «اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا»، ومساهماته في مجلته «لوتس»، أو عبر أشكال تفاعله وعلاقاته مع «اتحاد كتاب السينغال»، فقد آن الأوان اليوم لتواصل منظمتنا تجديد هذا الانخراط وتقويته وتطويره، في ضوء استراتيجية الاندماج الحكيمة والواعدة والرهانات الثقافية الجديدة، تلك التي من شأنها أن تصالح المغرب ثقافيا مع عمقه الأفريقي، وأن تفتح آفاقا رحبة ومتجددة للتواصل والتلاقح الثقافيين، تعميقا لسياسة الانفتاح التي دأبت عليها منظمتنا، إقليميا وعربيا ودوليا ... من هنا، أهمية هذا التوجه جنوبا اليوم، بالنسبة لاتحادنا، والذي من شأنه أن يجعل منظمتنا في صلب نهضة ثقافية متجددة، تهب رياحها من أفريقيا، في تعدد مكوناتها الثقافية والإبداعية واللغوية والإثنية، ما سيساهم، بشكل مؤثر في تقوية العلاقات والروابط الإنسانية والثقافية بين مثقفينا ومبدعينا ونظرائهم في القارة الأفريقية، يقينا منا بغنى الورش الثقافي والإبداعي في قارتنا، ما يستلزم منا رؤية مندمجة ومتكاملة، لاستكشاف العمل الثقافي في قارتنا، وخصوصا في العالم الأنجلوفوني، هذا الذي يتطلب منا جميعا جهدا مضاعفا لتفعيل تواصلنا معه وتعميقه وتطويره، بما يلزم من إجراءات عملية وفكرية جماعية. ووعيا منا في اتحاد كتاب المغرب، بأهمية العامل الثقافي في تخصيب العلاقات بين الشعوب الأفريقية وتطويرها وتقويتها، بما يلزم من اهتمام وحوار وتفاعل واحترام للاختلاف. ما يساهم في تأهيل علاقاتنا الثقافية وتثمينها مع أفريقيا، لكسب التحديات المطروحة، فإن الأمر يستدعي إيلاء أهمية خاصة لتطوير التعاون الثقافي مع شعوب القارة ونخبها، وهو طموح لن يتأتى، بطبيعة الحال، إلا عبر توفير الإمكانيات اللازمة لتحقيق مثل هذه المشاريع والبرامج والاستجابة لتطلعات شعوب قارتنا، من أجل تحقيق صعود ثقافي مشترك...