احتضنت الخزانة الجهوية بآسفي لقاء ثقافيا جمع الأستاذة الجامعية نفيسة الذهبي مع نخبة من المهتمين، وهي لحظة اختارتها جمعية ذاكرة آسفي وشبكة القراءة لمساءلة العالمة حول مضمون إصدارها الأخير الذي اختارت له عنوان « أبو محمد صالح الماجري ..الشيخ و التجربة «. الأستاذ محمد عناق توقف عند مضمون الكتاب الذي يتحدث عن رجل صوفي سني جنيدي انتصر للتصوف المعتدل الذي ارتضاه المغاربة، وجعلوه من أهم ثوابتهم الروحية منذ اعتنقوا الإسلام إلى الآن ...واعتبر الباحث أن موضوع الكتاب يكتسي شرعية وجوده من راهنيته المعرفية بالنظر إلى الاهتمام الرسمي والشعبي بالتربية الصوفية، بحثا وتأليفا وتذوقا وممارسة .. واعتبر الأستاذ عناق أن مؤلفة الكتاب بثقافتها المنهجية تمكنت من ممارسة فعل الكشف والتحليل والمقارنة والاستنتاج ، مشيرا الى أن الكاتبة اعتمدت المنهج التاريخي مع توظيف تقنيات التحليل المعاصر للظواهر والقضايا التي تراعي خصوصيات التجربة الصوفية في قراءتها للنصوص والوثائق وتأويلها .. كما استندت الباحثة – يضيف المتحدث – الى الوثائق التي هي أهم المصادر في دراسة التاريخ، مشيرا إلى أن الباحثة عززت بحثها العلمي بفهرس جامع من المصادر والمراجع المعتمدة وملاحق عبارة عن ظهائر سلطانية نادرة، وصور تاريخية لموقع الضريح. من جانبها توقفت الأستاذة دامي عمر رئيسة فرع شبكة القراءة بآسفي عند مسار الشيخ موضوع البحث الذي ولد سنة 1250م ، و تابع دراسته بالمغرب وبعدها مصر التي قضى بها عشرين سنة حيث جمع في تكوينه بين الفقه والتصوف ، وجمع تبعا لهذا المسار بين التأليف والشروح واستنساخ مجموعة من كتب الأحاديث والتصوف وتعميم ما جمعه على مريديه وطلابه .. مشيرة إلى أن الشيخ ظل يربط بين التنظير والممارسة مستدلة بقوله : « لا تنظروا إلى صيام الرجل ولا إلى صلاته ، ولكن انظروا من إذا حدث صدق ، و إذا اؤتمن أدى وإذا شفي ورع « . و توقفت الأستاذة دامي عند الشيخ والطريقة، حيث جمع بين العبادة والدعوة والاقتداء بسلوك النبي والتحلي بصفاته من اعتدال وزهد وتوكل ...وذكرت المتحدثة بالقوة التنظيمية للشيخ أبي آمحمد صالح الماجري ، الذي كان ينظم ركب الحجيج من منطلق إيمانه بضرورة إتمام هذا الركن جوابا على الفتاوى التي صدرت في المغرب و الأندلس بضرورة إسقاط هذا الركن، نظرا لقلاقل الطريق نحو الشرق وكذا حاجة الأندلس للمجاهدين ...وأشارت الأستاذة دامي في معرض تحليلها لمضامين الكتاب الى أن وظائف الزاوية تميزت بالمزج بين المؤثرات المشرقية والمؤثرات الأندلسية ، وشكلت مركز استقطاب قوي بالاعتماد على البساطة والتسامح ونشر الثقافة الإسلامية مع اعتماد منهج التدرج في التعليم . على المستوى الدروس الفكرية والسياسية ، اعتبرت الأستاذة دامي أن الرباط كان بديلا للقبيلة إذ كان يقوم على الروابط الدينية والصوفية لا الروابط القبلية ، إلى جانب ما ميز الشيخ من انفتاح مبهر سواء داخل المغرب أو خارجه، وتأسيس الزوايا على أساس الأخوة القائمة على بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة .. ضيفة اللقاء الأستاذة نفيسة الذهبي وفي تعقيبها على تساؤلات الحضور، أشارت إلى أن الشيخ أبي امحمد صالح استمد مرجعيته من النصوص الإسلامية ومن أصول الثقافة الصوفية بروافدها الأندلسية والمغاربية ..وتوقفت عند المظاهر التنظيمية والشكلية لطريقته في طبيعة السلوك الذي اعتمده، والمحددات التي طبعت أهداف رباطه ومن بينها كيفية استغلاله لرموز صوفية بسيطة لإقامة علاقات بشرية واسعة وتكوين إحدى أهم الطوائف في دكالة خلال العصر الوسيط ..كما أشارت الباحثة إلى حس الشيخ الوظيفي الذي تجاوز مجرد الدعوة الوعظية التربوية أو السهر على ترتيب الوظائف، ليصل إلى ترسيخ فكرة الجمع بين الارتقاء بالذوق والخلق وبين بناء قواعد حركة صوفية وظيفية قائمة على المشاركة في خدمة المجتمع ..وبعد ن توقفت على الملامح المميزة لسلوك الشيخ وتجربته ، أكدت الباحثة أن الشيخ ظل بعيدا عن العلاقات المخزنية ..وأنه كان متسلحا بإرادة التحدي عبر تأسيسه للركب الصالحي كأول نواة لنشأة الركب المغربي مما أعطى لطائفته صدى طيبا بين آسفي والحجاز. وفي ختام كلمتها اعتبرت الأستاذة نفيسة الذهبي أن قراءة كتاب «أبي امحمد صالح الماجري : الشيخ والتجربة» يعكس طبيعة الولاية في المغرب، وكيف تكونت الذهنية الصوفية عند المغاربة ، فالنموذج الصالحي – تضيف- يمثل حلقة من حلقات الصمود التي ستتحول من تجربة صمود زهدي إلى تجارب لخدمة الناس عبر المؤسسات الصوفية التي رسخت حضورها في تاريخنا بألوان تجاربها وزمنها .