مباحثات مغربية بحرينية لتعزيز التعاون في مجالات التنمية الاجتماعية    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا إرهاب في الفصحى ولا في الدين الإسلامي


-1-
«الإرهاب» في القاموس العربي، لا يعني إطلاقا ما يعنيه في القواميس الغربية، سواء من حيث اللغة والمفهوم، أو من حيث النظرية والممارسة. فالمفردة العربية لكلمة «إرهاب» والأصول التي اشتقت منها، لا تتضمن تلك الحمولات الفكرية والسياسية والعملية نفسها التي تتضمنها هذه المفردة في قواميس اللغات الأخرى.
في اللغة العربية، الإرهاب مصدر أرهب ومعناها لغة « أخاف وأفزع «، جاء في لسان العرب «لابن منظور» في مادة «رهب» وأرهبه ورهبه واسترهبه، أي أخافه وأفزعه، إذ أن إرهابا في الوجدان العربي، هو تخويف الآخر، ورهب فلان فلانا، أي أخافه وأفزعه لا قتله ومثل به. والترهيب بالعربية ليس امرا مستنكرا بل مطلوبا ومستحبا في بعض الأحيان، اذ يقول المثل : « لأن ترهب خير من أن ترحم» اذ ذاك ترهب بفضل القوة وترحم بسبب ضعف فيك.» والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف» وهذا معلوم بين المسلمين، أما الراهب فهو الذي يخاف الله وينقطع له. وكذلك هي «الراهبة» و «الرهبانية» حالة روحية تنم عن التقوى والخوف من الوقوع في الخطيئة (1).
ففي اللغة العربية، تشتق كلمة «إرهاب» من فعل « أرهب» ويقال أرهب فلانا أي خوفه أو فزعه، وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف « أرهب» فيعني خاف. أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو «رهب / يرهب / رهبة ورهبا»، فيقال رهب الشيء رهبا ورهبة، أي أخافه، أما الفعل المزيد وهو ترهب فيعني انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه « الراهب / الرهبة / الرهبانية « (2).
هكذا نجد المفردة العربية لمصطلح «إرهاب» لا تتضمن الحمولات الفكرية والعلمية والسياسية نفسها التي تتضمنها المفردة في اللغات الغربية. والدالة بالخصوص على العدوان، ولكن بعد احتكاك العرب بالأمم والشعوب الغربية، أدخل « المنجد العربي الجديد» بعض التعديلات على مفاهيم هذه الكلمة، بعدما استعار المعنى من اللغات الغربية، وحمل المفردة العربية الجديدة، شحنة معنوية لم تكن تحملها بالأصل، فأصبح «الإرهابي» من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته، وأصبح « الحكم الإرهابي» نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف، تعمد إليه حكومات أو جماعات أو منظمات...وأصبح الإرهاب حقيقة وجودية.
وأكيد أن العرب الذين عرفوا على مدار تاريخهم الطويل العريض، مثلهم مثل الأجناس الأخرى، جرائم ومجازر عنيفة، وحالات تمرد دموية لا عد لها ولا حصر، لم يستخدموا مفردة « إرهاب» للتعبير عن ممارسات الإجرام السياسي أو الديني أو الاجتماعي التي اتسمت بالعنف والعدوانية. وهو ما يعني أن الكلمة العربية « للإرهاب» لا تنطوي على مفاهيم نشر الذعر أو القتل أو سفك الدماء في سبيل هدف من الأهداف سواء، كانت سياسية أو دينية أو اقتصادية أو اجتماعية.
جاء في المنجد : الإرهاب من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته، وهو ما يعني تحميل مفردة الإرهاب شحنة معنوية لم تكن تحملها بالأصل.
وإذا ما توقفنا اليوم متأملين هذه المفردة في معانيها ومفاهيمها الجديدة في القاموس الأدبي / السياسي العربي، فإننا سنلتقط لها أكثر من مفهوم وأكثر من معنى، وهو ما يفسر لنا سر الاختلالات والتباينات حول موضوع الإرهاب في الثقافة العربية المعاصرة، فهي تعني عملية مضادة للآخر، وتعني كبح جماح الآخر ومعاقبته مهما كان الثمن بوسائل غير مشروعة، وهي تعني عملية أو عمليات لا تخضع لقيم الحرب ولا لقيم السلام، وهي تعني القتل والتدمير والتصفية العشوائية، وهي لا تفرق في ذلك بين المدنيين والعسكريين، ولا بين الشيوخ والأطفال والنساء، ولا بين الأهالي والأجانب، ولا بين الأقوياء والضعفاء، ولا تميز بين المؤسسات والأديان والمجتمعات.
في نظر العديد من الباحثين، إن « الإرهاب» مفردة حديثة في اللغة العربية لا وجود لها في أدبياتها الكلاسيكية القديمة، ولم تكن تعرف بالمعاني الحديثة التي بلورتها أحداث الإرهاب في العالم خلال هذا القرن والذي قبله، وبذلك فهي في الثقافة العربية لا تتضمن الحمولات الفكرية والسياسية والقانونية نفسها التي تتضمنها في الثقافات الغربية.
– بالنسبة للشاعر العربي ادونيس : الإرهاب هو « نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه وبواسطته الرهبة الناجمة عن العنف إلى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة «.
– وبالنسبة للباحث محمد العالول : الإرهاب هو : العنف الذي يمارس بدوافع لها علاقة بقضايا شريرة تهدف إلى الابتزاز أو كسب غير مشروع.
– وبالنسبة للباحث السوري علي حافظ : الإرهاب هو عملية مضادة للآخر لكبح جماح الآخر.
وبالنسبة للباحث المغربي إدريس الكريني : الإرهاب هو استعمال منظم للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية، يثير الرعب والخرف، ويخلف خسائر جسيمة في الفئات والمنشآت والآليات المستهدفة، بغية تحقيق أهداف سياسية أو شخصية بالشكل الذي يتنافى وقواعد القانون الداخلي والدولي.
– وبالنسبة للدكتور احمد كمال ابو المجد (استاذ القانون الدستوري بمصر) : الإرهاب يشمل كل صور العدوان على الحياة والممتلكات والمنشآت بقصد إثارة الذعر والرعب الذي تتجاوز شخص المعتدي عليه، والعنف هو العنصر الاساسي المكون لجريمة الإرهاب.
– وبالنسبة للواء (المصري) طلعت مسلم (خبير استراتيجي) : الإرهاب، هو نوع من العنف المفاجئ الذي يخالف طبيعة الجريمة العادية.
– وبالنسبة للواء وجيه عفيفي (مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والعربية) الإرهاب هو الاعتداء على الآمنين في غير وقت حرب، وعن طريق المفاجأة والاختفاء. وهو عمليات غير منظمة وغير مستمرة ضد المدنيين وممتلكاتهم، تهدف لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عقائدية بقصد فرض إرادة بالقوة وبطرق غير شرعية.
– وبالنسبة لاحمد عبد الحليم (باحث، خبير استراتيجي) ): الإرهاب هو العنف المعتمد ضد المواطنين، أو ضد أراضي الغير . وهو الاختطاف والقتل والتخريب.
– وبالنسبة للباحث العربي الدكتور عبد الستار قاسم (محاضر بجامعة النجاح / نابلس ) : الإرهاب هو ممارسة متعددة للقوة، قائمة على تخويف أناس فرادى أو جماعات بصورة مباشرة أو غير مباشرة معنويا أو ماديا بهدف ردعهم عن القيام بعمل أو تطويعهم للقيام بعمل.
- وبالنسبة للباحث المغربي يحيا محمد : الإرهاب هو عمل عنيف، مرعب، غير مشروع، يقترفه فرد أو جماعة أو دولة لتحقيق أهداف وغايات سياسية أو اقتصادية ذات بعد دولي.
-2-
أما بالنسبة للدين الإسلامي الحنيف، فيصنف « فعل» الإرهاب في نوعين : عدواني وانتقامي.
بالنسبة للصنف الأول (العدواني) هو كل جرم وقطع للسبيل وفساد في الأرض، أما بالنسبة للصنف الثاني (الانتقامي) فهو ما يتصل بالمقاومة، من أجل الحق، لا ينتمي إلى الجريمة التي حرمها الله، فهو «فعل» من أجل الحق ورد الظلم. وهو نفسه « الفعل العنيف» الذي قام بدور هام في طرد الاستعمار من البلاد الإسلامية، أو الذي استعملته المقاومة الفلسطينية والعراقية من أجل التحرير وقيام الدولة.
حسب قراءة الفقهاء والمفسرين، أن مفهوم الإرهاب في الإسلام لا يتخذ الصورة ولا المضمون الذي يحمله في الفكر الغربي إذ تم ذكره في القرآن الكريم بصورة مغايرة تماما عما ينطوي عليه معنى هذا المصطلح في الثقافة الغربية، أو في الثقافة العربية الحديثة المتأثرة بالغرب. والتي تدور جميعها حول العنف والتدمير والقتل والترويع، وهي الأفعال التي يرفضها الإسلام شرعا، فالإرهاب في معناه الفقهي يعني الرهبة، والإستعداد بما يرهب العدو ويخيفه فيجعله لا يقدم على عمل حرب أو عنف أو قتال.(3)
إن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح الإرهاب بصيغته المتداولة في الثقافات الحديثة، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبة والتعبد، حيث وردت مشتقات المادة (رهب) في مواضيع مختلفة من الذكر الحكيم.
يقول تعالى : « وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها «(الحديد-25) فالرهبانية سلوك تعبدي انتهجه أتباع عيسى عليه السلام، ابتغاء مرضاة الله وطاعته، وذلك بالانقطاع عن ملذات الحياة الدنيا والتفرغ لعبادة الله، على الرغم من عدم وفائهم بما يستلزمه من رعاية وحدود، وقد سمى الحق سبحانه أتباع هذا المنهج « الرهبانيين» يعتري حالهم الهداية والانحراف كسائر الخلق.
يقول تعالى في منحى الهداية، « ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستنكرون « (المائدة- 84).
وفي الموطن الثاني تنبيها للمؤمنين : « يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله « (التوبة آية 35).
وتبلغ الرهبة أعلى ذروتها عند الخوف والخشية من عذاب الله : وقال لله تعالى « لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو اله واحد فإياي فارهبون» (النحل-51) أي انتهوا من إشراك طواغيت أخرى مع الله في الاعتقاد والعبادة.
بذلك أصبح الإرهاب في نظر أحد الفقهاء الباحثين(4) سلوكا دفاعيا، لا علاقة له بمعنى الإفساد والخراب والقتل، بل يهدف رد العدوان وإقبار الفتن حتى يعبد الله على حق، يقول تعالى توبيخا ليهود خيبر، وفضحا لنفوسهم الجبانة والمزعزعة « لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله» (الشر-12).
ج- أما المجتمع الفقهي الإسلامي وفي بيان أصدره إثر اجتماع مجموعة من العلماء في رابع يناير من سنة 2002 اعتبر الإرهاب هو ذلك « العدوان» الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه، وأنه يشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد. ويهدف بث الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، ويعتبر إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، والقتل بغير حق وقطع الطريق إرهابا، وأكد العلماء أن الجهاد لا يمكن أن يرتبط بالإرهاب وشددوا على أن الجهاد في الإسلام شرع للدفاع عن الوطن ضد الاحتلال ونهب الثروات، وضد الاستعمار الاستيطاني الذي يخرج الناس من ديارهم...(5).
-3-
وعلى مستوى السياسات الدولية، تمدنا القراءات السياسية التي تمت لأحداث 11 شتنبر 2001 وما بعدها بمفهومين متباعدين للإرهاب، بينها تباين واضح وصارم، الأول تتبناه الدول الغربية، الولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص والدول التي تسير في ركابها، وهو يتفق ومصالحها الداخلية والخارجية، ويعتبر مدخلا أساسيا لأحكام السيطرة على باقي دول العالم.
يقول هذا المفهوم : « الإرهاب فعل منسوب إلى كل شخص يقتل شخصا آخر في ظروف مخالفة للقانون، أو بسبب ضررا جسديا بالغا أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخصا قام أو حاول القيام بفعل كهذا». والإرهاب هو كل عنف تمارسه أي جهة ضد مصالحها داخل أمريكا وخارجها.
أما المفهوم الثاني، وتتبناه دول الجنوب وشعوبها (دول العالم الثالث) فيرى الإرهاب هو كل سياسة عنصرية استعمارية احتلالية ومهيمنة تقف في وجه الشعوب والأمم المناضلة من اجل التحرير والاستقلال وتقرير المصير، أو تحول دون الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته. ويرى أن إرهاب الأفراد والجماعات ما هو إلا نتيجة حتمية للإرهاب الرسمي الذي يعتبر أبشع أنواع الإرهاب، لأنه غالبا ما يمارس على أرض الواقع بواسطة الأجهزة القمعية ووفق طرق وإمكانات تكون سببا في إسقاط عدد كبير من الضحايا الأبرياء.
ويرى العديد من الباحثين الأكاديميين، أن هذا الصنف من الإرهاب غالبا، ما يلتقي في أشكاله ومضامينه مع الإرهاب الدولي، أي يعد شكلا من أشكال العنف والاضطراب السياسي في المجتمعات المعاصرة، وهو يشكل في الزمن الراهن ظاهرة ذات أبعاد خطيرة، تتزايد عملياتها الإرهابية مع تزايد حصة الصراع بين الشمال والجنوب، أو بين الحضارات والإيديولوجيات والمذاهب المتصارعة على الأرض. وقد صنفته القواميس السياسية هو الآخر في مفاهيم غامضة، هو : كل عنف، مرعب، مدبر، وغير مشروع، يقترفه فرد أو جماعة أو دولة، لتحقيق أهداف وغايات سياسية أو اقتصادية ذات بعد دولي، وهو تلك الأعمال العنيفة المدبرة لأسباب سياسية أو إيديولوجية أو دينية أو إثنية.
-4-
تقودنا هذه الإضاءة في مفاهيم الإرهاب الصادرة عن مؤسسات محلية أو دولية رسمية، وغير رسمية أو عن أدباء ومفكرين وباحثين ينتمون إلى الشرق أو الغرب، إلى مضامين لا تخضع الإرهاب إلى أية قاعدة عربية أو إسلامية، فهي جميعها إيديولوجية / سياسية / طائفية / استعمارية، تستخدم الخوف والذعر والفزع والقتل والاعتداء لإبراز مفهوم الإرهاب، ولكنها لا تحدد مفهومه النهائي.
وإن تتبعنا لمفاهيم الإرهاب كما طرحتها القواميس أو كما طرحها المفكرون والمثقفون، قد يقربنا من الرؤية الانسانية للمسألة الإرهابية، ولكنها تبعدنا في نفس الآن عن أي مفهوم موحد لآفتها.
على مستوى التأصيل اللغوي لمصطلح الإرهاب، لا يتجاوز هذا الأخير، الأعمال التي تزرع الخوف والرعب في النفوس، بغض النظر على الأهداف المتوخاة، شخصية كانت أو سياسية.
وعلى مستوى الفكر الأدبي والسياسي، يشمل مفهوم الإرهاب معايير أخرى تتصل بالعنف والرعب والخوف والعدوان كيفما كانت الأسباب والأهداف والغايات.
وعلى مستوى الفقه القانوني، يقع التركيز على مفاهيم العنف، ثم على الجوانب المذهبية والإيديولوجية والإستراتيجية.
وعلى مستوى المبادرات الدولية، الإرهاب يتم تعريفه باستمرار كأعمال إجرامية موجهة ضد دولة أو جماعة أو تنظيم، هدفه إثارة الفزع والرعب ضد مصالح أو شخصيات معينة.
وعلى المستوى الديني / الإسلامي، فالإرهاب وان لا نص عليه بالقرآن الكريم، فإنه بالنسبة للفقهاء هو كل جريمة تتصل بقطع السبيل وبكل فساد في الأرض.
على المستوى السياسي «الإرهاب» نزاع سري ومتستر أو مقنع، عادة ما يكون الطرف الإرهابي هو سيد الموقف، يختار هدفه ويوجه ضربته حين لا يكون الخصم قادرا على الرد، في مكان العملية الإرهابية أو في زمانها.
وإجمالا، الإرهاب وحسب كل المفاهيم المتداولة، لا يخضع لأية قاعدة قانونية أو دينية وليس له أي تعريف موحد، بل أنه يستمد قوته ويكتسب فعاليته من كونه غير مقنن ولا يخضع لقواعد ثابتة متفق عليها ومعترف بها. وأنه الاستخدام المنظم للخوف أو للعنف غير المتوقع ضد الحكومات والأفراد أو الجماعات، هدف تحقيق أهداف سياسية أو مالية أو اقتصادية وأنه نشر الذعر والفزع واللجوء إلى القتل والاغتيال والتوقيف التعسفي والاعتداء على الحريات الشخصية لإرغام الأفراد على الخضوع والاستسلام والرضوخ لمطالب الإرهابيين وبذلك يترك المقاومة من أجل الحق والاستقلال خارج مفاهيمه الإجرامي.
في حقيقة الأمر أن التوقف عند المفاهيم التي كشفت عنها أحداث 11 شتنبر للإرهاب، تعطي الانطباع منذ الوهلة الأولى، أن الاتفاق بين الشرق والغرب حول هذا المصطلح، يكاد يكون مستحيلا في الزمن الراهن، حيث تضبط أمريكا وحدها معيار الإرهاب الذي تريده، أو الذي تحاربه، أو تسانده.
*****
انظر مقالا لسوسن الابطح / في الكلمة النجمة / جريدة الشرق الاوسط 16 اكتوبر 2001
يحي عبد المبدي / مفهوم الارهاب بين الاصل والتطبيق / مجلة الفرقان (مغربية) عدد 47 سنة 2002 ص04.
راجع مداخلة محمد سيد طنطاوي (شيخ جامع الازهر-مصر) حول هذا الموضوع / جريدة رسالة الامة (مغربية)22 دجنبر 2001.
عبدلاوي خلافة/ قراءة في مصطلح الارهاب من خلال سياقات قرآنية / جريدة التجديد(مغربية) 21 شتنبر 2001 ص 10
ابو ايمن / العوامل المغدية للارهاب / جريدة المنعطف (مغربية) 6 يونيو 2003 ص 03.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.