"تغريدة" الفنانة نجاة اعتابو، التي بثتها القناة الأولى السبت الماضي، كانت فعلا تغريدة ناجحة بكل المقاييس، سواء من حيث طبيعة ضيوف الفنانة اعتابو أو من حيث طبيعة الأسئلة والمحاور التي أثارتها الزميلة زينب صابر التي تنشط هذا البرنامج. إذ لم تستعمل صاحبة "شوفو غيرو "لغة الخشب التي في رصيدها العديد من الأغاني الناجحة، حيث تمردت على الأعراف البالية لتنطلق أواسط الثمانينيات من القرن الماضي إلى عالم غريب على ساكنة محافظة، لتعانق النجاح من بابه الواسع من خلال إثارة مواضيع جريئة وذات حمولة اجتماعية ترقى إلى مواقف سياسية متقدمة، والنماذج كثيرة لعل أبرزها الأغنية التي كانت بمثابة موقف سياسي واضح يتعلق بالمدونة. والتي انحازت فيها إلى المرأة المغربية، في الوقت التي تجندت فيه كتائب النكوص ضدها. فعلا كانت "تغريدة" نجاة اعتابو في الصميم، وفرضت نفسها في البلاطو طيلة مدة البرنامج سواء من حيث تنوع الأغاني التي أدتها للجمهور أو من حيث النقاط المثارة هنا حول الأغنية المغربية والهوية الفنية والإصرار على عدم الاغتراب الفني، أي استخدام إيقاعات غريبة وغير مغربية من أجل الكسب المادي، فرغم الإغراءات المادية التي يتيحها هذا المنعرج إن قبلت السياقة فيه، فإنها حافظت على طابعها الخاص التي ميز مسيرتها الفنية الغنية بالنجاحات، وعلى مدرستها الفنية التي بنت أركانها وأعمدتها "طوبة طوبة "أغنية أغنية ". نجاة اعتابو لم تختر لغة الخشب في هذه "التغريدة" كما هو حال العديد من الفنانين الذين تناوبوا على هذا البلاطو، بل وضعت يدها في الجرح مباشرة، وهي تتحدث عن المواهب العديدة التي طمرها الإقصاء والتهميش، الذي ربما يكون ممنهجا، لذلك أصرت على أن تستضيف الفنانة سعاد حسن، هذه الفنانة الظاهرة التي لها إحساس فني متدفق، رغم انتمائها للمجال منذ سنوات إلا أن آلة التهميش تصر كعادتها على سحق كل موهوب وإبعاد الأضواء على مثل هذه المواهب، قبل أن يكتشفها الجمهور المغربي الواسع عن طريق الصدفة من خلال مقطع صغير لا يكاد يتجاوز الدقيقة الواحدة، وكان كافيا ليتمدد هذا الصوت المنفرد في إحساسه ويدخل قلوب المغاربة، وتتناسل معه الأسئلة وعلامات الاستفهام حول هذا "النفي " الممنهج للمواهب. فعلت خيرا إن صح التعبير، وان كانت الفنانة سعاد حسن لا تنتظر عطفا أو شفقة لأنها فعلا تؤمن بقدراتها الصوتية ومتعففة في ذات الآن، إلا أن إصرار نجاة اعتابو على تأثيث البلاطو بمثل هذا الاسم حمل أكثر من دلالة، وفيه نوع من الوفاء للأصوات الجميلة ورد الاعتبار للفنانة سعاد حسن . وكذلك الأمر مع موهبة حقيقية وفنان حقيقي قادم من مسقط الرأس والهوى لنجاة، وهو الفنان محمد بوسماع، الذي لم يسلط الإعلام الضوء عليه، وأكيد أن موهبته تفوق العديد ممن يتربعون اليوم على عرش الأغنية المغربية في هذا النمط الذي يؤديه. "تغريدة" السبت الماضي كانت مناسبة لنجاة اعتابو لكي تعيد صياغة سؤال مكانة الفنان المغربي داخل المهرجانات التي يستدعى لها أيضا الفنانون العرب والأجانب، إذ كشفت صاحبة التغريدة مدى الدونية التي يتعامل بها المسؤولون مع الفنان المغربي خاصة على المستوى المادي، إذ شكل هذا العتاب الواضح والصريح صرخة باسم كل الفنانين لكي يتم وضع حد لمثل هذا التعامل الذي فيه إهانة جلية للفنان المغربي على حساب الآخر. وبعيدا عن لغة الخشب، فضحت سياسة مسؤولي الإعلام الرسمي الذين يفرضون على الفنان أداء أغاني بعينها، وهي الأغاني المثيرة ليست" للجدل وللأحاسيس"، بل المثيرة للأرداف، من باب تهييج الجمهور، على حساب قناعات الفنان واستبعاد الأغاني الأخرى ذات الكلمة الهادفة. الحلقة أيضا كانت مناسبة ليتعرف الجمهور على العين والمنبع التي تغرف منه نجاة اعتابو، والأمر طبعا يتعلق بالفنان المقتدر مولاي عبد العزيز الطاهري، أحد مؤسسي فرقتي ناس الغيوان وجيل جيلالة، والذي يتعامل معها. وستخرج لهما أغنية إلى حيز الوجود في المستقبل القريب حول "الريجيم ". مولاي عبد العزيز الطاهري، الذي أدى مع نجاة أغنية سحابة، لخص الموضوع بخصوص الأغنية المغريية الحالية بقوله إن الزمن كفيل بالإجابة عن الموضوع، ولن يكون هناك أي مجال لمقولة "باك صاحبي أو عظم خوك البخاري ". وخروجا عن القاعدة التي سارت عليها نجاة اعتابو طيلة مسيرتها الفنية، أصرت على أن تغني إحدى أغنياتها الناجحة بصوت مشترك مع الفنانة سعاد حسن، وهو ما لم يحصل في حياتها كما تقول، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على الإصرار على تكريم هذه الفنانة التي تستحق "تغريدة" منفردة، وتستحق انتباه المبدعين الحقيقيين والمسؤولين حتى يمكن تحريض هذا الصوت على العطاء أكثر وإعطاء إضافة جديدة وحقيقية للأغنية المغربية، التي هي في حاجة إلى مثل هذه الأصوات خاصة في مثل هذه الظروف التي يهيمن فيه الغث على حساب السمين.