حين عانقتك وقبلتك، تدحرجت معك إلى حياتنا الأخرى، إلى فرحتنا، إلى أشيائنا الصغرى.. إلى بيت يجمعنا معا.. بيت خشبي من طابق واحد، وسط حقل من دوار الشمس.. وأنت بهية ومضيئة ومشرقة، ترتدين فستانا لازورديا شفيفا وعلى رأسك إكليل من الياسمين، وأنت تهيئين لي أكواب الحلم وتنثرينه في قلبي لؤلؤا.. وأنا أراقب أصابعك بافتتان، وأصطفق لقوة جمالك مثل قهقهة برد.. وأنا أضمك إلي بشدة، وأبحث عن مرفأ لي في شمس عينيك. لم تكن مجرد قبلة. لاحظي أنها كانت خفيفة مثل لمسة طائر. لم تكن بالقوة التي أريدها، لم تكن قطعاً بمستوى «وحوشي» إليك. كانت أشبه بقبلة امتنان على هذا الميلاد السعيد الذي عرفته معك. كانت تعميدا رخوا ولذيذا لهذه الأرجوحة التي امتطيناها معا.. أرجوحة معلقة في الريح، مشدودة إلى شجرتين منغرستين في الغيب.. وها نحن نتأرجح، وفي الأسفل قطيع من الأيائل ينظر إلى حكايتنا بمزيج من الشمس والمطر.. هل يمكن للوداع أن يكون قبلة مبللة برضاب الأمومة ومطرا ينهمر باسترخاء لذيذ في الخارج؟ فكرت في ذلك وأنا أستعيد حلمك الباذخ بوالدتك. أحببتها جدا تلك القبلة الآتية من الأبد. تمنيت أن أكونها لأملأ قلبك بالأمان. ها أنا أخطو إليك وكل الطرق التائهة تأتي من الوراء، تعتذر مني وتفيض بما يجمع بيننا من حرارة واندفاع وهذا الحنين المباغت إلى ما كناه. أومن بأنني أعرفك قبل أن تلدني الأرض، وبأني كنت دائما أحمل ابتسامتك طي ضلوعي. فكرت في اشتعالك بالضحك.. وكنت أعانقك وأنت تجلسين أمامي. هل كدت أفعلها؟ ربما. من يدري؟ كنت أنظر في عينيك ناسفا كل الجدران التي تفصلني عنك. شممت في شعرك زهر الأرياف وغرست على شفتيك شتلة كرز مددت يدي لأقطفها. ما أحلاك وأنت تضحكين ! فكرت أيضا في القبلات المسروقة التي أريد أن ألاحق أسرارها. أعرف أن ما من شيء ينزل من سماء غير سمائك.. وأن كل الأشياء التي تصعد من الأرض ستنتهي إليك. أريد أن أنتهي إليك.. أن أنام وأستيقظ فيك.. فهل هذا شيء يثير الخوف؟ وأنت أمامي في كامل غجريتك، كأن أحدنا لا يتوقع من يكون الآخر. أنا أحرص على التهام كل تفاصيلك بنهم، وأنت ترسلين نظرتك بالحرف الواحد لاستكشاف مجاهيل أعماقي. أنا أمنح كلماتي لحما ودما، وأنت تمنحينها أنفاسا وحياة. لا أجد وصفا دقيقا لهذا الذي يتمدد بيننا غير الحب. هذا الذي ليست له أسماء كثيرة، يمضي بي ببطء لألقاك بعمق. الإشارب.. الشعر المعقوص مثل أميرة قلبي.. الأقراط.. الدملج.. الخاتم.. أحمر الشفاه.. الكحل.. وكل ما يتوارى ولا يعوزه الجمال.. نبرة صوتك.. ابتسامتك.. نظرتك.. مرتفعات تحليلك للأشياء.. هدوؤك.. أناقتك.. بوضوح أكبر: أحبك. قبل أن أكمل بوحي.. ها أنا أحدق بارتباك في الأرض وأنت تتوهجين في انفعالاتي. ألا أجعلك تشعرين بالخوف؟.. هل تشعرين بأنك في مصيدة ما؟..