أشارت أوساط قضائية متعددة إلى أن الجمعيات العمومية التي انعقدت مؤخرا داخل مقرات المحاكم المغربية ، تطرقت بإسهاب إلى ظاهرة الاعتقال الاحتياطي التي عرفت ارتفاعا كبيرا خلال هذه السنة وأصبحت تشكل ثقلا كبيرا على الدولة وعلى الساكنة السجنية، حيث تحدثت عن أن أزيد من 4000 معتقل احتياطي ينالون البراءة كل سنة بعد أن يكونوا قد قضوا مدة ليست بالهينة محرومين من الحرية. وأضافت نفس الاوساط ان نسبة الاعتقال الاحتياطي بلغت في المحكمة الزجرية للبيضاء وحدها نسبة 21 في المائة في الوقت الذي لم تتعد في السنوات الماضية 16 في المائة . وفي الوقت الذي اعتبرت بعض الجهات النسبة عادية بحكم أن الملفات التي تقدم امام المحكمة الزجرية يكون فيها الاعتقال هو الغالب، ذهبت أخرى الى أن الاعتقال الاحتياطي يجب ترشيده، وذلك بالبحث عن مكامن الاسباب التي تؤدي اليه وإيجاد النصوص الكفيلة والفاعلة للحد منه، خاصة وان قانون المسطرة الجنائية يمنح قضاة النيابة العامة سلطة الملاءمة بشأن المتابعة في حالة اعتقال أو سراح، وهي السلطة التي لا يمكن تقييدها بمناشير. وبالتالي فإن مسألة القضاء على ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي لا يمكن عزلها عن سياقها الاجتماعي والاقتصادي ولا يمكن لمناشير وزارة العدل التخفيف من الظاهرة دون الرجوع الى السلطة القضائية ، بحكم ان الدستور الذي اوكل اليها مهمة حماية الحقوق والحريات، قد اوجب على السلطتين التشريعية والتنفيذية ولو بطريقة غير مباشرة ، الأخذ برأي السلطة القضائية في كل ما يتعلق بمسألة التجريم والعقاب على اعتبار انها تمس بالحقوق والحريات التي يتعين ان يتمتع بها كل فرد على حدة . وكان وزير العدل والحريات قد اصدر دورية عممها على الوكلاء العامين للملك بمحاكم الاستئناف ووكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية، بتقليص حالات الاعتقال الاحتياطي عبر مراعاة الالتزام التام بضوابط القانون الجنائي، وعدم تطبيقه إلا بتوفر الشروط التي يفرضها القانون. وأرجع وزير العدل سبب إصدار الدورية، إلى تزايد ظاهرة الاكتظاظ في المؤسسات السجنية نتيجة «الارتفاع المهول» لمعدلات الاعتقال الاحتياطي، والتأخير الملاحظ في تصريف قضايا المعتقلين «بالرغم من الدوريات والمناشير» الموجهة إلى وكلاء الملك والوكلاء العامين، حيث بلغ عدد المعتقلين احتياطيا خلال شهر شتنبر الماضي 33975 معتقلا، أي ان الرقم يمثل أكثر من 40 في المائة من الساكنة السجنية . وأثارت الدورية انتباه الوكلاء إلى أنه بالرغم من الطبيعة الاستثنائية للاعتقال الاحتياطي في القانون المغربي، إلا أن 40 في المائة من «الساكنة السجنية» عبارة عن معتقلين احتياطيين. وطلبت وزارة العدل من وكلاء الملك بالمحاكم إيلاء قضايا المعتقلين الاحتياطيين الأولوية، عبر الفصل فيها على وجه السرعة وتفادي تأخيرها عدة مرات، خاصة إذا كانت الأسباب المسطرية خارجة عن إرادة المتهم المعتقل، وكذا «التحلي بالجدية والصرامة اللازمة في تنفيذ الأوامر والقرارات الصادرة عن هيئات الحكم خاصة المرتبطة منها بتجهيز الملفات»، مشددة على ضرورة تعليل قرارات الاعتقال الاحتياطي، وإجرائه تحت مسؤولية ومراقبة الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك شخصيا. وأكدت الوزارة أن مشروع تعديل المسطرة الجنائية يشدد على أن الوضع الاستثنائي للاعتقال الاحتياطي لا يمكن إيقاعه من طرف النيابة العامة خارج حالات التلبس إلا إذا توفر أحد الشرطين، إذا تبين أن تدابير المراقبة غير كافية، أو إذا كان من شأن مثول المشتبه فيه أمام القضاء في حالة سراح التأثير على حسن سير العدالة. وتابعت الدورية أن توفر أحد الشرطين السابقين يتطلب توفر أحد الشروط، «إذا اعترف المشتبه فيه بالأفعال المكونة لجريمة يعاقب عليها بالحبس، أو ظهرت علامات أو أدلة قوية على ارتكابه لهذه الأفعال أو مشاركته فيها، ولا تتوفر فيه ضمانات كافية للحضور»، أو «إذا ظهر أنه خطير على النظام العام أو سلامة الأشخاص أو الأموال»، أو «إذا كان الأمر يتعلق بأفعال خطيرة، أو إذا كان حجم الضرر الذي أحدثته الجريمة جسيما»، أو «إذا كانت الوسيلة المستعملة في ارتكاب الفعل خطيرة». وشددت المذكرة على أنه في جميع الحالات يجب أن يعلل وكيل الملك قرراه، مع إمكانية أن يطعن المتهم أو دفاعه في الأمر بالإيداع في السجن أمام هيئة الحكم التي ستبت في القضية، أو أمام هيئة جماعية للحكم إلى غاية اليوم الموالي لصدور الأمر المذكور، متى كان هذا الأمر صادرا عن وكيل الملك، وأمام الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف إذا كان القرار صادرا لدى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف. من جهة أخرى، يقترح مشروع المسطرة الجنائية على ألا يأمر قاضي التحقيق بالاعتقال الاحتياطي إلا إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري بسبب «الخشية من عرقلة سير إجراءات التحقيق»، أو «وضع حد للجريمة أو منع تكرارها»، أو «الحفاظ على الأدلة أو الحيلولة دون تغيير معالم الجريمة»، أو «القيام بالأبحاث والتحريات التي تستلزم حضور أو مشاركة المشبه فيه». ومن الشروط كذلك التي يقترح مشروع المسطرة الجنائية ليأمر قاضي التحقيق بالاعتقال الاحتياطي، «وضع المشتبه فيه رهن إشارة العدالة والحيلولة دون فراره»، أو «الحيلولة دون ممارسة أي ضغط على الشهود أو الضحايا أو أسرهم أو أقاربهم»، أو «منع المشتبه فيه من التواطؤ مع الأشخاص المساهمين أو المشاركين في الجريمة»، أو من أجل «حماية المشتبه فيه»، أو «وضع حد للاضطراب الذي أحدثه الفعل بسبب خطورته أو ظروف ارتكابه أو الوسيلة التي استعملت في ارتكابه، أو أهمية الضرر الناتج عنه، أو بالنظر لخطورة المشتبه فيه». وأفادت الدورية أيضا، أنه يتم تسجيل عدد كبير من حالات البراءة في حق المودعين في الاعتقال الاحتياطي، وتصل إلى قرابة 4000 حالة كل سنة.