باشر البرلمان التركي الاثنين مناقشة مشروع التعديل الدستوري الرامي إلى تعزيز صلاحيات الرئيس رجب طيب اردوغان، الذي ينتقد معارضوه نزعته السلطوية. وينص مشروع التعديل الدستوري على نقل السلطة التنفيذية من رئيس الحكومة إلى رئيس الدولة، كما قد يتيح لأردوغان المنتخب رئيسا عام 2014 البقاء في السلطة حتى 2029 بعد ثلاث ولايات على رأس الحكومة (2003-2014). وفي حال إقرار النظام الرئاسي، فستكون هذه سابقة في الجمهورية التركية التي تعتمد حاليا دستورا يعود إلى ما بعد الانقلاب العسكري في 1980. وقال رئيس الوزراء بينالي يلدريم "لن يكون هناك رئيس وزراء. نعم، لا رئيس وزراء. نحن لسنا مغرمين بالسلطة". وأضاف أن "وجود قبطانين في السفينة يقودها للغرق. يجب أن يكون هناك قبطان واحد". وستجري مناقشة النص الذي أقرته لجنة برلمانية قبيل نهاية 2016، على مرحلتين في الجمعية العامة للبرلمان في آلية تستغرق 13 إلى 15 يوما، وفق ما أوردت وكالة الاناضول للأنباء المقربة من الحكومة. وتثير مسألة تعزيز صلاحيات اردوغان مخاوف معارضيه الذين يتهمونه بسلوك منحى استبدادي وخاصة منذ محاولة الانقلاب الأخيرة في 15 يوليوز الماضي وحملة التطهير المكثفة التي تلتها.. ونظمت تظاهرة لمعارضين للنص أمام البرلمان قبل افتتاح الجلسة. وتدخلت قوات الآمن لتفريقها ما أدى إلى إصابة عدد من نواب حزب الشعوب الديموقراطي المعارض بجروح. لكن القيادة التركية تقول إن مثل هذا النظام ضروري لضمان الاستقرار على رأس الدولة وسيجعل النظام في تركيا شبيها بالانظمة في دول مثل الولاياتالمتحدة وفرنسا. وفي حال إقرار التعديل، لن يضطر الرئيس إلى قطع روابطه بحزبه السياسي عند انتخابه، وستشمل صلاحياته تعيين الوزراء وإقالتهم، وسيكون له نائب رئيس أو أكثر، كما سيكون بوسعه إصدار مراسيم. الوضع الاقتصادي في عهده في ضوء الانخفاض الشديد في قيمة البيزو الأسبوع الماضي لجأ البنك المركزي المكسيكي إلى احتياطياته الكبيرة لبيع أكثر من مليار دولار في أسواق آسيا وأوروبا والولاياتالمتحدة. غير أن تركيا التي تواجه هبوطا مماثلا في قيمة عملتها لا تملك رفاهية الاغتراف من احتياطياتها لتثبيت الليرة. فمع هبوط الليرة إلى مستوى قياسي جديد لتصبح أسوأ العملات أداء في الأسواق الناشئة الكبرى أمام الدولار الأمريكي يرى المحللون أن رفع أسعار الفائدة هو الخيار الوحيد أمام البنك المركزي. لكن الحكومة تعارض بشدة اتخاذ أي خطوة من شأنها الإضرار بالنمو الاقتصادي. ظاهريا تبدو الاحتياطيات التركية من العملة الصعبة في مستوى صحي إذ تظهر بيانات البنك المركزي أن إجمالي الاحتياطيات بلغ نحو 106 مليارات دولار في نهاية 2016. غير أن الذهب يمثل 14 مليارا من هذا المبلغ كما أن البيانات التفصيلية للرقم الإجمالي تكشف عن صورة أقل وردية من ذلك لاسيما عند مقارنة الأرقام بحجم المبلغ الذي يتعين على تركيا سداده من ديونها الخارجية في الأشهر المقبلة. وتقدر حسابات أجراها بنك يو.بي.إس وبنوك أخرى في لندنواسطنبول بناء على بيانات البنك المركزي أن المستوى الحقيقي للاحتياطيات القابلة للاستخدام أقرب إلى 35 مليار دولار. وقال مانيك نارين خبير الاستراتيجية ببنك يو.بي.إس "حرفيا جانب كبير من هذا المال لا يمكن للبنك المركزي استخدامه... جانب كبير منه احتياطيات للبنوك التجارية مودعة لدى البنك المركزي." وقدر بناء على حساباته أن 42 مليار دولار تتمثل في ودائع احتياطية إلزامية بالعملة الصعبة أودعتها البنوك التركية لدى البنك المركزي مقابل ما تقدمه من قروض بالدولار داخل البلاد. وقدر أيضا أن 16 مليار دولار أخرى تتمثل في "آلية خيارات الاحتياطيات" التي تسمح للبنوك بالاحتفاظ بجزء من احتياطياتها من الليرة بالنقد الأجنبي. * احتياطيات النقد الأجنبي قال نارين "عندما تزداد سخونة الأوضاع عليهم أن يلجأوا للدفاع التقليدي من خلال أسعار الفائدة لأن لديهم بأي مقياس واحدا من أدنى مستويات ملاءة الاحتياطيات في الأسواق الناشئة... سيتسببون في قدر كبير من القلق في الأسواق إذا أفرطوا في السحب من الاحتياطيات." ومن الممكن قياس مدى كفاية الاحتياطيات بعدة وسائل. أحد هذه الوسائل يتمثل في عدد الشهور التي تكفي فيها الاحتياطيات لتغطية الواردات حيث يقدر أن الحد الأدنى الآمن هو ثلاثة شهور. وتبين حسابات بنك أوف أمريكا ميريل لينش أن تركيا يمكنها أن تمول واردات تكفي 5.6 شهر بافتراض أن مستوى الاحتياطيات يقارب 100 مليار دولار. وتستلزم الوسيلة الثانية المبنية على قاعدة تسمى جيدوتي- جرينسبان ألا تقل الاحتياطيات عن مدفوعات الدين الخارجي في السنة المقبلة. والمنطق وراء هذه القاعدة أن تمتلك الدول حماية كافية تتيح لها مقاومة أي توقف مفاجئ في التمويل الخارجي. وقدر بنك أوف أمريكا ميريل لينش أن إجمالي الدين الخارجي التركي يبلغ 421 مليار دولار منها 107.3 مليار دولار يحل أجلها في العام المقبل. ويتساوى هذا المبلغ الأخير تقريبا مع الرقم العام للاحتياطيات لكنه يزيد ثلاث مرات عن مستوى الاحتياطيات القابلة للاستخدام. وبهذا المعيار تصبح ملاءة الاحتياطيات لدى تركيا أقل منها في دول مثل مصر وأوكرانيا. ويشير محللون آخرون إلى أن تركيا دأبت على طرح دولارات في السوق رغم أنها قد لا تتدخل في أسواق النقد. وقال مراد توبراك خبير الاستراتيجية ببنك اتش.إس.بي.سي إن الهبوط المطرد في الاحتياطيات - والذي قدر بمبلغ ستة مليارات دولار في شهري نوفمبر وديسمبر يجب النظر إليه في ضوء تخفيضات في متطلبات الاحتياطيات بالعملة الصعبة لدى البنوك. وقد خفض البنك المركزي مستوى هذه المتطلبات مرة أخرى هذا الأسبوع وقدر أن ذلك سيؤدي لضخ 1.5 مليار دولار في الأسواق. وقال توبراك "لذا فإن البنك المركزي يستخدم احتياطياته لضخ سيولة دولارية في النظام." وأضاف "ليس بوسعنا أن نؤكد أنهم لن يتدخلوا في أسواق الصرف الأجنبي بسبب المستويات الحالية للاحتياطيات لكن من الواضح أن الذخيرة لديهم محدودة." وعلى أي حال فإن آثار التدخل في أسواق العملة عادة ما تكون قصيرة العمر. فعلى الرغم من ضخامة ما طرحته المكسيك مؤخرا للبيع من الدولارات فقد انخفض البيزو إلى مستويات قياسية يوم الجمعة فيما يشير إلى أن من الأفضل لتركيا أن تلجأ إلى زيادة كبيرة في أسعار الفائدة. ومع ذلك فقد دعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ومستشاروه مرارا إلى خفض أسعار الفائدة لتنشيط النمو الاقتصادي بل إن البعض ردد أن زيادة كلفة الاقتراض بمثابة التآمر على الدولة. هدف مؤكد لداعش و تواجه تركيا خطر التعرض لمستوى جديد من التهديد على أراضيها من تنظيم الدولة الإسلامية عقب الهجوم على الملهي الليلي في اسطنبول، فالتنظيم المتطرف يستهدف البلاد التي تقاتل الجهاديين داخل سوريا. ورغم أن المسؤولية ألقيت على تنظيم الدولة الإسلامية في العديد من الهجمات التي شهدتها تركيا خلال العام الماضي، إلا أن الاعتداء الدامي على ملهى رينا الليلي بعد 75 دقيقة من بدء العام 2017 اعتبر هدفا مميزا للتنظيم الذي أعلن مسؤوليته بكل وضوح. رأى سنان الغين رئيس مجلس ادارة مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية والباحث الزائر في معهد كارنيغي اوروبا أن "تنظيم الدولة الإسلامية قرر بوضوح استهداف تركيا". وأضاف لوكالة فرانس برس "لقد تم قطع جميع المراحل وبدأت المعركة". ضرب الهجوم على ملهى رينا الذي قتل فيه 39 شخصا، رمزا في المجتمع العلماني الذي يدين غالبية سكانه بالإسلام، إذ أنه المكان الذي ترتاده النخبة في اسطنبول للاحتفال والرقص والشرب. ووقع الهجوم في منطقة اورتاكوي التي تسكنها مختلف الطوائف وتضم حتى يومنا كنائس مسيحية وكنسا يهودية يرتادها المصلون. كما جاء الهجوم ليلة رأس السنة الجديدة التي يقول المتشددون الإسلاميون في تركيا انه يجب على المسلمين عدم الاحتفال بها. وقال اوزغور اولوهيسارجكلي مدير مكتب "صندوق مارشال الأمريكي" الألماني في انقرة إن الهجوم استهدف "دق إسفين جديد بين الأتراك المحافظين والعلمانيين". إلا أن اللافت في الهجوم أن تنظيم الدولة الإسلامية أعلن مسؤوليته عنه في بيان رسمي، في أول مرة يتباهى بشكل واضح لا جدل فيه بشن هجوم كبير في تركيا، رغم توجيه أصابع الاتهام إليه في هجمات أخرى. وكان التنظيم قد أعلن عمليات اغتيال منفردة لنشطاء سوريين مناهضين له في جنوب البلاد، كما تبنى تفجيرا في جنوب شرق البلاد في نوفمبر، إلا أن شكوكا حامت حول ذلك. وقال تشارلي وينتر من المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في كلية كنغز كوليج في لندن "يبدو انه تم توجيه الهجوم مركزيا بحيث انه ليس هجوما قام به احد المناصرين" للتنظيم. وأضاف إن تركيا باتت خلال الأشهر الماضية "هدفا مؤكدا" للتنظيم "ربما أكثر من أي بلد آخر"، وخصوصا أن تهديدات عديدة لها وردت في مجلته "دابق". جاء الاعتداء في الوقت الذي تنغمس فيه تركيا في حملة عسكرية مستمرة منذ أربعة أشهر داخل سوريا تهدف إلى القضاء على الجهاديين والمقاتلين الاكراد وإخراجهم من المنطقة الحدودية. وفي السنوات الأولى من الحرب السورية، واجهت انقرة اتهامات من حلفائها الغربيين بأنها تتغاضى عن تنظيم الدولة الإسلامية وربما حتى تساعد في تناميه بوصفه حليفا مفيدا لها في حربها ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. إلا أن انقرة نفت هذه الاتهامات بشدة وقالت إنها صنفت التنظيم منظمة إرهابية منذ 2013. وقلبت العملية العسكرية طريقة تعامل تركيا مع التنظيم وجعلت من الرئيس رجب طيب اردوغان العدو اللدود للجهاديين. وقال اولغين "تغير الوضع عندما قررت انقرة شن حملة عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية". وبخلاف البداية السريعة للعملية العسكرية التركية في سوريا، توقف التقدم عند مدينة الباب التي يسيطر عليها التنظيم المتطرف، وتكبد الجيش التركي خسائر جسيمة. ونشر تنظيم الدولة الإسلامية الشهر الماضي تسجيل فيديو يظهر احراق جنديين حتى الموت كان قد أسرهما في سوريا. وقالت انقرة إن التنظيم يحتجز ثلاثة جنود في سوريا، لكنها نفت وجود أي دليل يثبت صحة الفيديو. وألقيت على الجهاديين مسؤولية مجموعة من الهجمات في تركيا منذ 2015 بينها التفجير الانتحاري الثلاثي والهجوم المسلح على مطار اتاتورك في يونيو والذي أدى إلى مقتل 47 شخصا. وإضافة إلى الجهاديين فان تركيا تقاتل المتمردين الاكراد الذين أعلنوا مسؤوليتهم عن تفجير مزدوج في اسطنبول عقب مباراة في كرة القدم في 10 ديسمبر أدى إلى مقتل 44 شخصا. وعلق اولوهيسارجكلي "لا عصا سحرية أو علاجا سريعا لمشكلة الإرهاب في تركيا". وأضاف إن "تهديد داعش في تركيا ليس فقط نتيجة الحرب السورية، بل كذلك انعكاس للتطرف والاستقطاب داخل تركيا". وينص التعديل على رفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 وتخفيض سن التأهل للترشح من 25 عاما إلى 18 عاما. وينبغي أن يحصل التعديل الدستوري على موافقة 330 نائبا على الأقل من أصل 550 من أجل طرحه في استفتاء شعبي. ويملك حزب العدالة والتنمية (إسلامي) الحاكم، وحزب الحركة القومية (يمين متطرف) الذي يدعم التعديل، معا 355 نائبا في البرلمان. ويتعين بعد ذلك تنظيم الاستفتاء بعد 60 يوما من تصويت البرلمان أي في نهاية مارس أو بداية ابريل 2017. لكن الإصلاح الدستوري يواجه رفضا شديدا من حزب الشعوب الديموقراطي، اكبر الأحزاب المؤيدة للأكراد، وحزب الشعب الجمهوري الكمالي التوجه، وهما حزبان معارضان يتهمان أردوغان باغتنام حال الطوارئ المفروضة في البلد لتغيير النظام السياسي فيه. وقال دنيز بايكال النائب من حزب الشعب الجمهوري أمام البرلمان "هل سيكون من الممكن فرض رقابة على (رئيس) يتمتع بمثل هذه الصلاحيات؟" وأضاف "لن يكون هناك مذكرات بحجب الثقة أو تصويت على الثقة أو تحقيق نيابي".وتابع بايكال إن مثل هذا التعديل في الدستور "اكبر خطأ" ولن يؤدي سوى إلى تعزيز الانقسامات في المجتمع التركي. أما زعيم حزب الشعوب الديموقراطي صلاح الدين دميرتاش الذي أودع السجن مع نحو 12 نائبا من حزبه فأوصل عريضة إلى البرلمان تعارض المشروع شدد فيها على أن غياب نواب حزبه الذين تحتجزهم السلطات يجعل النقاش البرلماني غير سليم، حسبما أوردت وكالة دوغان. من جهته، اعتبر النائب من حزب العدالة والتنمية مصطفى اليتاس أمام صحافيين قبل جلسة البرلمان ان نحو "20 نائبا من حزب الشعب الجمهوري سيصوتون لصالح مشروع الإصلاح". وفي مقالة نشرت الاثنين أكد مراد يتكين رئيس تحرير صحيفة "حرييت دايلي نيوز" أن هذا المشروع يرمي إلى التسبب بانقسامات في صفوف الغالبية بعد أن عبر عدد من نواب حزب العدالة والتنمية عن "استيائهم وعدم ارتياحهم". وأضاف "ليس سرا أيضا أن يكون نواب حزب العدالة والتنمية من أصل كردي غاضبين من التحالف مع حزب الحركة القومية". وينص المشروع على تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة في نوفمبر 2019، على أن يتم انتخاب الرئيس لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد لمرة. وفي حال بدأ الأخذ بقاعدة بقاء الرئيس ولايتين اعتبارا من 2019، فقد يستمر اردوغان في السلطة حتى 2029. ويعقد البرلمان جلسته في وقت تشهد انقرة وضعا سياسيا مضطربا ولاسيما بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة، ما تسبب بتراجع الليرة التركية التي فقدت 18% من قيمتها مقابل الدولار خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. وأوضح محللون في مكتب "رونيسانس كابيتال" في مذكرة أن كل القرارات المتخذة حتى الآن في انقرة اتخذت من زاوية هذا الانتقال إلى نظام رئاسي يسعى اردوغان لإقراره. وهم يرون أن فوز اردوغان في تحقيق هدفه سيسمح بإرساء المزيد من الاستقرار، مشيرين إلى أن ذلك "قد يحدث فرقا بين حصيلة ممتازة أو ضعيفة للأصول التركية في 2017".