لا يمكنك أن تكون قارئا محترفا أو هاويا، وتبدأ مجموعة قصصية ك «ماذا تحكي أيها البحر...؟» ولا تنهيها في جلسة واحدة، لكنها في نفس الآن من بين تلك المجموعات القصصية أو الروايات التي ستدعوك لإعادة قراءتها مرة ثانية وثالثة، خصوصا إذا كنت قارئا عاشقا للغوص في ثنايا النصوص الجميلة، والتي فيها إبداع. حينما نطالع مجموعات قصصية للعديد من القصاصين، حتى أولائك الذين تجاوزوا أنفسهم وكتاباتهم في مجاميعهم القصصية الأولى، نجد لهم بها هنات وعثرات، لكن من يقرأ «ماذا تحكي أيها البحر...؟» للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط يخال أنه أمام قاصة دَربة سبق لها أن خاضت شعاب القص وبرعت فيه إذ أننا لن نجد في المجموعة القصصية دهشة البدايات ولا هناتها... ويبدو أن الكاتبة قد فعلت خيرا باختيارها لأسلوب كلاسيكي، لا يتيه في متاهات شكلانية، في سرد أغلب قصصها، الأمر الذي جعلها تتجنب كثيرا من مهاوي ومزالق السرد التجريبي، الذي يسقط فيه بعض من القصاصين ممن يبتغون القفز على المراحل وسلك طرق وَعرة في السرد الأدبي يظنونها سهلة في حين تزيغ أرجلهم فيها، إذ يمرون مباشرة إلى تجريب أساليب غير كلاسيكية بدون أن يكونوا متمكنين في الأصل من أبجديات القص الكلاسيكي، فالكاتبة حتى حينما تَلَمَّسَت التجريب، خاضته في قصص قليلة بمجموعتها وكان تجريبا محسوبا وغير مبالغ فيه، كما نجد في قصة «أبواب المفتوحة» ، أو في قصة «ماذا تحكي أيها البحر...؟» التي تحمل المجموعة عنوانها... تتميز المجموعة القصصية الأولى لفاطمة الزهراء المرابط كونها ذات نفس سردي متمكن فيه من طرف القاصة وكون كاتبتها تمتلك أهم ميزة يجب توفرها في القاص وهي ميزة الحكي، إذ لا يمكن تصور قاصّ مهما امتلك من تقنيات قصصية ليست لديه تلك القدرة على حكي القصص وسرد الحكايات. فإذا استثنينا بضع قصص في المجموعة، فإننا يمكن وضع القصص الأخرى للمجموعة ضمن التوجه الذي ذكرناه والذي استطاعت من خلاله الكاتبة أن تؤكد أنها صوت قصصي قادم بقوة للساحة السردية في المغرب. السفر كتيمة رئيسية في المجموعة تحضر تيمة السفر بقوة في العديد من قصص مجموعة «ماذا تحكي أيها البحر...؟»، إذ نجدها ابتداء من القصة الأولى في المجموعة «أَنت القصيدة» والتي نقرأ بها: «قُبلتها البريئة ذات قطار تُحرق جسده المتعطش للحظة اللقاء»، وفي مقطع آخر من نفس القصة: «حملت حقيبتها الصغيرة وركبت القطار...»، ثم: «وخيبة الأمل تلقي بها في قطار العودة إلى نقطة البداية». قصة ثانية يحضر السفر فيها بداية من عنوانها: «سفر»، وتبدأ ب «اشترى تذكرة السفر وهرول مسرعا نحو القطار، تلمس خطواته نحو مقعد شاغر، وضع حقيبته الصغيرة على أرضية المقصورة ثم جلس...»، وتسترسل الكاتبة في هذه القصة في وصف ضجيج المسافرين وما يجري داخل المقصورة بين الشاب والمرأة العجوز بعد ذلك. وفي قصة «إلتباس» نقرأ : «هي مستعدة دائما، تحمل حقيبتها الصغيرة وتقود سيارتها الحمراء نحو مدينة جنوبية أو شمالية، تتوقف من حين لآخر لتسترد أنفاسها وتدخن سيجارتها المفضلة». أما أحداث قصة «ثرثرة» فتدور كلها داخل مقصورة قطار. وأنت تقرأ هذه القصص يخيلك إليك أنها كُتبت داخل قطارات وأثناء سفريات.. وحتى تلك القصص الأخرى التي لا يحضُر فيها السفر كموضوع أساسي نجد لدى رُواتها وشخوصها ذلك الهاجس الدائم لعدم الاستقرار والنزوع لمغادرة الفضاءات التي يوجدون بها في اتجاه أماكن أخرى أرحب أو تعطيهم ربما إحساسا بأمل في التغيير والبدء بحياة أخرى أفضل. ملاحظة أخرى يمكننا أن نخرج بها من قراءتنا للمجموعة وهي أن هناك بعض القصص في المجموعة عبارة عن تكملة أو استمرار لقصص أخرى من بين هذه القصص قصتي « SMS» و»أيام الباكور»... و التي يمكن اعتبار الأولى استمرارا لأحداث الثانية ونتيجة لما وقع بها... لن أنهي هذه الإنطباعات الأولية حول مجموعة «ماذا تحكي أيها البحر...؟» دون أن أتحدث عن جانب أراه من اختصاصي ولاحظت جانبا منه فيها.. إذ أنني بحكم اشتغالي في النقد السينمائي أسمع كثيرا من المخرجين المغاربة يشتكون من عدم وجود نصوص سردية مغربية صالحة لكي تحول لأفلام سينمائية، لكني وأنا أقرأ المجموعة القصصية الأولى لفاطمة الزهراء المرابط لاحظت أنها تكتب بالصورة وأن أسلوبها في الحكي قريب من أسلوب الحكي السينمائي، ويمكن لأغلب قصصها أن تحول لأفلام بسهولة، إذ لن يجد معها كاتب سيناريو أو مخرج أي تعب كبير ليحولها لفيلم سينمائي.. وهذه دعوة مني للمخرجين المغاربة لكي ينفتحوا على الأدب المغربي لأن به كثيرا من النصوص الصالحة للسينما.