الجزائر و"الريف المغربي" .. عمل استفزازي إضافي أم تكتيك دفاعي؟    حقوقيون مغاربيون يحملون الجزائر مسؤولية الانتهاكات في مخيمات تندوف        لفتيت يستعرض التدابير الاستباقية لمواجهة الآثار السلبية لموجات البرد    الاتحاد الأوروبي يمنح المغرب 190 مليون أورو لإعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز    تعزيز وتقوية التعاون الأمني يجمع الحموشي بالمديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في سابقة له.. طواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية يعبر صحراء الربع الخالي    الوالي التازي يترأس لجنة تتبع إنجاز مشروع مدينة محمد السادس "طنجة تيك"    السكوري يلتقي الفرق البرلمانية بخصوص تعديلات مشروع قانون الإضراب    الإنترنت.. معدل انتشار قياسي بلغ 112,7 في المائة عند متم شتنبر    المدعو ولد الشنوية يعجز عن إيجاد محامي يترافع عنه.. تفاصيل مثيرة عن أولى جلسات المحاكمة    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    لاعبتان من الجيش في تشكيل العصبة    تكريم منظمة مغربية في مؤتمر دولي    ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    "البيجيدي": الشرعي تجاوز الخطوط الحمراء بمقاله المتماهي مع الصهاينة وينبغي متابعته قانونيا    غرق مركب سياحي في مصر يحمل 45 شخصاً مع استمرار البحث عن المفقودين    حموشي يستقبل المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية بالرباط    المغرب يفقد 12 مركزاً في مؤشر السياحة.. هل يحتاج إلى خارطة طريق جديدة؟    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخزن و الضريبة و الاستعمار : ضريبة الترتيب 1880 - 1915
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 14 - 03 - 2011

تعززت الاسطوغرافيا المغربية بإصدار الأستاذ و الباحث الطيب بياض، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب عين الشق الدار البيضاء ، لكتابه الجديد « المخزن و الضريبة و الاستعمار، ضريبة الترتيب 1880- 1915 عن منشورات إفريقيا الشرق 2011 ، وتقديم الأستاذ المصطفى بوعزيز من كلية الآداب و العلوم الإنسانية عين الشق .
تعززت الاسطوغرافيا المغربية بإصدار الأستاذ و الباحث الطيب بياض، أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب عين الشق الدار البيضاء ، لكتابه الجديد « المخزن و الضريبة و الاستعمار، ضريبة الترتيب 1880- 1915 عن منشورات إفريقيا الشرق 2011 ، وتقديم الأستاذ المصطفى بوعزيز من كلية الآداب و العلوم الإنسانية عين الشق .
يأتي تناول ذ- الطيب بياض لموضوع المخزن والضريبة والاستعمار، ضريبة الترتيب 1880-1915 في إطار التحول الذي عرفته المدرسة التاريخية المغربية سواء من خلال مواضيعها أو مقارباتها ، أو إشكالياتها حيث برزت في فضاء المعرفة التاريخية المغربية محاولات هامة و جادة لطرق مجالات التاريخ الاجتماعي ، و الديموغرافية التاريخية ، و التاريخ الاقتصادي ، و الأنثربولوجيا التاريخية ، و تاريخ العقليات ، و تاريخ الزمن الحاضر أو الراهن ... و من هذا المنطلق تكمن أهمية وضع هذا الكتاب و الموضوع الذي تناوله ذ- بياض في إطار التحولات التي عرفها حقل البحث التاريخي بالمغرب . فالباحث الطيب بياض حاول دراسة ضريبة الترتيب، و هو الموضوع المركزي للكتاب، من خلال ثلاث محطات أساسية ، فالمحطة الأولى هي تحويل « الترتيب « من مجرد مصطلح وصفي إلى موضوع تاريخي ، و المحطة الثانية هي تحويل الموضوع العام إلى إشكالية دقيقة ، و المحطة الثالثة هي تدقيق الإشكالية و تمحيص محاورها المختلفة عبر توظيف ذكي للمادة المصدرية المتوفرة و الوافرة .
فالترتيب هو الموضوع الرئيسي لهذا الكتاب ، و التاريخ المركب بين دفتيه هو المسار المنعرج لهذه الضريبة الفلاحية ، الضرورية و الممتنعة ، المقررة و المؤجلة ، الحيوية و الخانقة . يمكن القول بكلمة ، أن تاريخ الترتيب يفضي عبر زاوية نظر دقيقة إلى الإحاطة بأحد أهم عوائق الانتقال إلى الحداثة و التحديث في القرن التاسع عشر المغربي ، إذ يضع اليد على كومة التعقيدات التي حالت دون نجاح الإصلاحات التي نادت بها القوى الغربية و التي قبلها المولى الحسن . و لعل أهمية الكتاب تكمن في العمل على فك الخيوط المتداخلة في هذه الكومة عبر تسليط الضوء على مالية النظام المخزني المغربي .
لقد ارتبط اسم السلطان مولاي الحسن بالحركات المخزنية ، تلك الحملات العسكرية التي كان ينظمها السلاطين لإخضاع القبائل غير الوديعة ، أي القبائل المتهمة بالسيبة ، حسب المنطوق الرسمي وقتئذ . و نظرا لكثرتها و لقيادة السلطان لها ، لم يتردد بعض الاخباريين في القول : « أن عرش السلطان المولى الحسن كان على صهوة جواده « . إن حركية المولى الحسن هي إحدى أهم الخيوط الظاهرة من كومة التعقيد المشار إليها أعلاه ، و هي بالتالي بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة ، و عمل المؤرخ الطيب بياض بمثابة خارطة طريق لسبر أغوار هذه الغابة الكثيفة ، و توطين الترتيب في تضاريسها .
لم تكن ولاية السلطان المولى الحسن لا بالعادية ، و لا بالهادئة و لا بالمشرقة ، بل كانت بحق محاولة جادة للعبور إلى التحديث ، باءت بالفشل لأنها لم تسم في تصورها و فعلها إلى الحداثة ، و هذا عطبها الرئيسي ، كما أن تربص الحركة الاستعمارية بالمغرب لم يسهل الانتقال من الرغبة في التحديث إلى فتح سيرورة التحولات العميقة نحو نوع من الحداثة المغربية النابعة من التراب المغربي و المزدهرة فيه .
تشير أدبيات هذه المرحلة إلى حالة المخاض ? الإجهاض التي عاشها المغرب خلال عهد المولى الحسن باستعمال مصطلح الإصلاح أو الإصلاحات سواء كان مصدرها المخزن المغربي أو القوى الأوربية المتربصة به . و بطبيعة الحال كل طرف كان يضمن الإصلاحات بحمولات قد تساعده على تحقيق أهدافه الإستراتيجية ، أي ضمان استقلال المغرب و سيادة المخزن العلوي عليه ، بالنسبة للمولى الحسن ، و إضعاف المغرب و إخضاعه ، لتيسير استعماره ، بالنسبة للقوى الغربية المتنافسة و المتسابقة على ذلك .
لم يرث السلطان المولى الحسن لا مغربا مزدهرا أو قويا ، و لا وطنا موحدا و متضامنا و منسجما مع نظامه السياسي . لقد وصل المولى الحسن إلى الحكم في ظرفية تمتاز بضعف سيادة السلطان جراء انهزام المغرب في معركة إيسلي سنة 1844 أمام فرنسا ، و حرب تطوان أمام إسبانيا سنة 1860، إضافة إلى تفكيك البنيات الإقتصادية تحت وطء سياسة التبادل الحر التي فرضتها بريطانيا العظمى عبر اتفاقية 1856 ، و ارتجاج البنية الإجتماعية ، و بالتالي منظومة القيم الثقافية ، جراء تفشي ظاهرة الحماية القنصلية . هكذا لم تكن مهمة السلطان المولى الحسن لا سهلة و لا مريحة ، و كان عليه أن يرفع تحدي القوى الأوربية التي كانت تضغط عليه ، مشرعنة تدخلاتها و تهديداتها بحاجة المغرب إلى إصلاحات لعصرنة بنياته .
اهتدى المولى الحسن إلى أن الطريق السالكة هي بناء دولة عصرية قائمة على جيش محترف لحماية الوطن ، و إدارة جديدة قادرة على استيعاب مستجدات العصر و استنهاض همم المغاربة و محاورة القوى الغربية بندية ، و ميزانية عصرية، قارة في مواردها ووافرة في حجمها حتى تتوفق في تمويل مشاريع الإصلاح ، و على رأسها بناء جيش محترف عصري في تنظيمه و تكوينه و آلياته ، فهو ضامن السيادة و الاستقطاب . و هكذا ستصبح إشكالية مالية الدولة المزمع تأسيسها ، إحدى المهام المركزية لمشروع إصلاحات المولى الحسن .
يضعنا كتاب ذ- الطيب بياض في قلب هذه الظرفية ، و يتوفق في سل خيط الترتيب من كومة التعقيد ، فما الترتيب ؟ الترتيب ضريبة عامة على الدخل ، عمل المولى الحسن على سنها لتصبح واجبة على كل من يمارس نشاطا إنتاجيا في المغرب ، مغربيا كان أو أجنبيا خصوصا في المجال القروي ، أي أغلبية التراب المغربي .
فالترتيب بهذه المواصفات ضريبة وضعية ، أقرها المولى الحسن سنة 1881 ووقع عليها إلى جانب المغرب ممثلوا القوى الغربية يوم 30 مارس من نفس الشهر . و يشمل هذا القانون الضريبي 27 بندا و ملحقا تكميليا.
يمكن القول أن الطبيعة الوضعية لهذه الضريبة تجسد في حد ذاتها إحدى أهم التعقيدات المرتبطة بالظرفية . فلقد واجه المولى الحسن ، حتى قبل وصوله إلى فاس لتلقي بيعة أهلها سنة 1873 ، انتفاضة لدباغي المدينة و لجزء مهم من ساكنتها احتجاجا على عدم إلغاء المكوس ، الضريبة المفروضة على البضائع المعروضة في الأسواق ... وقد كان طلب الإلغاء مؤسسا على أن حاملي بطاقة الحماية القنصلية من التجار المغاربة كانوا لا يؤدونها مما كان يخلق حيفا تجاه التجار الآخرين . و قد كان وقتها المخزن المغربي عاجزا عن فرض المكوس على الأجانب و على المحميين ، كما أنه كان مجبرا على جباية هذه الضريبة لتناقص وفر المراسي و حاجة السلطان للمال لتثبيت نفوذه و سلطته . فجاءت ضريبة الترتيب ، لتحل من جهة ، مشكلة تنصل الأجانب و محمييهم من الأداء . لأن الضريبة وضعية و خالية من أي حمولة دينية شرعية ، و من جهة ثانية سيشكل تعميم الضريبة الجواب الملائم على الإحساس بالحيف عند الذين كانوا ملزمين وحدهم بالمساهمة في ميزانية المخزن ، إلا أن هذا الانتقال الجزئي ، على مستوى القانون ، من الشرعي- الديني إلى الوضعي- التنظيمي سيصطدم بحاجزين كبيرين ، الأول العقلية المحافظة للمغاربة و يهيكلها الديني بشكل رئيسي ، و التي تتقوى و تتجدد بفعل التوجهات الهوياتية التي انتعشت أمام التدخلات الإستعمارية و إضعافها المستمر لسيادة المخزن ، الثاني مناورات القوى الغربية ، التي لم تكن تخطط للإصلاح إلا في ظل الهيمنة الغربية و السيطرة الإستعمارية . هكذا توفقت هذه القوى في إدراج بندين مهمين في قانون الترتيب سيكون لهما الوقع السيئ على هذا الانتقال المنشور . البند الثاني، و يقر أن الأجانب و المحميين لن يطالبوا بأداء الترتيب إلا بعد انضباط المغاربة لتأديته . و البند السابع ، الذي ينص على أن قانون الترتيب لا يخضع لأي تعديل إلا بعد اتفاق كل ممثلي الأجناس ، أي القوى الغربية ، على ذلك . فجاء الاهتمام بالوقوف عند شكل الترتيب من خلال الانتباه إلى أن المخزن الذي ألف لغة أبوية فضفاضة و أسلوبا مزاجيا في التدبير ، انتهى إلى التوقيع على وثيقة قانونية غاية في الدقة و التعقيد ، تلزمه تعبئة جهاز تقني و إداري محنك يسهر على تطبيقها ، و التوفر على سلطة قوية تخضع جميع المغاربة لشرائعها لإعطاء العبرة لممثلي الدول الأجنبية في إجبار رعايا دولهم و المحتمين بهم على أداء الواجب . و لما لم يكن للمخزن من القوة و الخبرة ما يكفي لتحقيق ذلك ، فقد اكتفت الدول الاجنبية ، لنسف المشروع من أساسه ، برفع التحدي في وجه السلطان بأنها ستنضبط لإجراء تعميم الضرائب الفلاحية حال توصل المخزن إلى تطبيقه على مختلف رعاياه ، و هي تدرك أن بين الرغبة و الإنجاز أو بين الحلم و الواقع توجد كومة من ظهائر التوقير و الاحترام و الإعفاء ، و مساحات شاسعة من عزائب الشرفاء التي لن تطالها بحال من الأحوال إجراءات تعميم الضرائب ، ناهيك عن قبائل الجبال و الثغور و حتى في حالة تحقيق التعميم فإن المداخيل المترتبة على الزكاة و الأعشار ما كانت لترقى إلى مستوى تسوية مشكلة المخزن المالية التي استفحلت مع ازدياد حاجياته إلى تغطية المصاريف المتنوعة التي اقتضتها مستجدات العصر.
لم يستطع المولى الحسن خلال ثلاث سنوات من سن الترتيب تطبيقه لاحتجاج فئات مغربية بعدم عدله و بعدم شرعيته الدينية ، و لامتناع القوى الغربية عن فرض جبايته على الأجانب و على المحميين لأن معظم المغاربة لا يلتزمون بذلك . و أمام هذا التعقيد فضل السلطان المولى الحسن كسر طوقة هذه الحلقة المفرغة بإخضاع المغاربة و إكراههم على الانضباط لجباية الترتيب ، فدخل في مسلسل حركاته المعروفة ... و بالرغم من بعض النجاحات الظرفية ، فإن الحصيلة على المدى المتوسط هو المزيد من التفكيك الاجتماعي و الفقر ، و التيه الجماعي للمغاربة .
حاول المولى عبد العزيز فرض ضريبة الترتيب من من جديد سنة 1901 إلا أن القوى المستفيدة من الوضع القائم عملت على عرقلته والتصدي له ، كما لم يحظ بموافقة فرنسا التي حالت دون تطبيقه بغية جر المغرب إلى مستنقع الاقتراض، الذي ساهم إلى جانب عوامل أخرى في هدم سيادة البلاد . فعرفت فرنسا بعد ذلك كيف توظف هذا القانون الجبائي ، الذي وضع بأياد مغربية لضمان أهم مورد جبائي خلال فترة الحماية بعد إصدارها لظهير 10 مارس 1915 المنظم لضريبة الترتيب.
تكمن أهمية هذه الدراسة المفصلة و الدقيقة و العميقة لموضوع ضريبة الترتيب ، اعتمادا على عدد من الوثائق و المخطوطات الموزعة بين مختلف الخزانات ، و دور الأرشيف سواء داخل المغرب ، أو بالخارج ، في كونها عالجت السؤال/ الإشكال الذي انتبه إليه الباحث الطيب بياض والمتمثل في العوامل التي حالت دون إنجاح هذا المشروع الطموح ، الذي راهن من خلاله الحسن الأول على استئصال آفة الحماية القنصلية ، و ضمان مداخل جبائية قارة ، و تطلع عبره إبنه عبد العزيز من بعده إلى إقامة نوع من العدل و المساواة بين رعيته ، كما يتجلى من الظهائر التي أصدرها في الموضوع . و لعل ما غاب عن أذهان أغلب الباحثين ، حتلى لا نقول ما تم تفادي الخوض فيه ، هو أن المسألة مرتبطة أشد ما يكون الارتباط بالأرضية التي زرعت فيها هذه التجربة ، و التي لم تكن لترقى إلى مستوى إنجاح ضريبة الترتيب ، مادام أن الثالوث الذي كان مؤثرا آنذاك في مجرى الأحداث بالبلاد ، و المكون من المخزن و القبائل و القوى الأجنبية ، شكل عوائق فعلية أمام نجاح هذه التجربة . فكيف ساهمت مكونات هذا الثالوث كل من موقعها في إفشال تجربة الترتيب ؟
هذا الإشكال العام الذي يبدو أعقد بكثير من نظرية أولئك الذين سارعوا إلى اختزال تجربة وجهت في الظل مستقبل البلاد وفق ما تشتهيه نفس من رتبوا أوراقها ترتيبا ، في مجرد معارضة ذوي الامتيازات و المصالح لها ، قاد الباحث إلى طرح الأسئلة الفرعية الآتية :
1- إلى أي حد كانت بوادي المغرب قبل الاستعمار مؤهلة لتقبل ضريبة الترتيب من خلال قواها المنتجة و علاقات الإنتاج داخلها ، ببنية قبائلها و آليات التفاعل بينها أولا ، و في علاقتها بالمخزن ثانيا ؟
2- و هل كان لهذا النظام المخزني من الهيمنة الميدانية ما يؤهله لتطبيق و تعميم ضريبة الترتيب ؟
3- ثم هل كان للمخزن فعلا ، من خلال طبيعته و تركيبته ، أفقا يتسع لاحتضان نظام جبائي من الطراز العصري ؟
هذا السؤال الأخير قاد ذ- بياض إلى البحث عن رهانات و انتظارات كل من الحسن الأول و ابنه عبد العزيز من خلال ما راماه من ضريبة الترتيب ، خاصة و أن النصوص التنظيمية للقانون المنظم لها قد تحكمت في صياغته قوى أجنبية ، لها من الدهاء السياسي و الحنكة الديبلوماسية ما يؤهلها في مرحلة أولى لجعل التجربة برمتها زوبعة في فنجان قبل أن تحول فشلها ، في مرحلة ثانية ، إلى نصر مبين يخدم مصالحها على المدى البعيد . لذلك يصوغ الباحث السؤال المركزي التالي : كيف رسمت هذه القوى سيناريو نظام الترتيب بين مؤتمر مدريد سنة 1880 و إصدار إدارة الحماية لقانون 30 مارس 1915 المنظم لهذه الضريبة ؟ و ما آثر كل ذلك على المجتمع المغربي ؟
جاءت هذه الدراسة التي تناولت أهم القضايا التي يطرحها موضوع المخزن و الضريبة و الاستعمار ، من خلال ضريبة الترتيب بين 1880 و 1915 ، مشتملة على أربعة أبواب :
* الباب الأول : تناول فيه ذ- بياض موضوع البادية المغربية في علاقتها بالبنية الإقتصادية و الاجتماعية لمغرب ما قبل الاستعمار من منطلق أن لا ضريبة بدون إنتاج و لا إنتاج بدون شروط إنتاج سليمة و محفزة ، فكان لا بد من دراسة الواقع الإنتاجي للبادية المغربية إبان النصف الثاني من القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين من خلال الإطلالة على واقعها ، و أزمة معاشها ، و استحالة التحول بها في غياب «طبقة « مزارعين رائدة ذات توجه تحديثي، تنسج خيوط التواصل مع نظيرتها الحضرية ممثلة في فئة تاجرة قدر لها خلال هذه الفترة أن تظل بدورها كسيرة الجناح بسبب إكراهات متعددة حرمتها من الظهور بمواصفات النموذج البرجوازي العصري ، صاحب المشاريع المجتمعية المتطورة . و انتهى في الفصل الأخير من هذا الباب إلى دراسة التنظيم الإجتماعي بالبادية و حدود إسهام بنيات القبيلة و نظام قيمها في عرقلة التنمية من خلال النزوع نحو المحافظة على التوازنات .
* الباب الثاني : خصصه ذ- الطيب بياض لدراسة الجهاز الذي كان من المفترض فيه أن يسعى إلى إنجاح تجربة الترتيب من خلال السهر على تطبيقها . يتعلق الأمر، طبعا، بالجهاز المخزني خلال نهاية القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين ، من خلال تعريفه و إبراز شكله و اختصاصه و وظائفه ، و تقديم فكرة عن تجربة كل من تولوا شؤون حكم البلاد خلال هذه الفترة ، و عن علاقتهم بسائر أعضاء المخزن الذين سهروا على خدمتهم إن مركزيا أو محليا .
* الباب الثالث : عالج فيه الباحث التجربة الحسنية في الترتيب التي كانت تروم الترميم أكثر من الإصلاح ، مما دفع ذ- بياض إلى التدقيق في دلالات بعض الاصطلاحات و المفاهيم ، و في مقدمتها الترتيب في معناه ، لإدراك رهانه ، قبل دراسته كبديل عن نظام جبائي قائم ، بالوقوف عند شكله و الطاقم المشرف عليه ، ليخلص إلى عرض نتائجه و آثاره .
* الباب الرابع : في هذا الباب قام ذ- بياض بدراسة الترتيب العزيزي و طموحه الإصلاحي بعد عرض ظروف إحيائه ، و تقديم نصوصه التنظيمية ، و الكشف عن نتائجه الأولية و أصحاب المصلحة في عرقلته ، ليتسنى بعد ذلك إبراز آثار و مضاعفات إخفاقه على مصير مجتمع بكامله ، أعد تدريجيا لتقبل نظام استعماري بقوانينه الجبائية .
و في الأخير قدم الأستاذ بياض خلاصة لبحثه في خاتمة أرادها أن تكثف نتائج قراءة جديدة لمسلمات قديمة حول ما أريد ترتيبه قبل 1912 .
يحاول الأستاذ الطيب بياض ، بدقة موضوعية ، و تمحيص تاريخي ، و بمنهجية علمية أكاديمة ، تتبع أطوار سيرورة التأسيس و الإجهاض ، التي شكلها تاريخ الترتيب في مغرب ما قبل الحماية ، و يظهر استنادا إلى رصيد وثائقي غني و متنوع مأزق المخزن المغربي ، من المولى الحسن إلى المولى عبد العزيز، أمام مسألة التحديث. فإن كان إقرار الترتيب كضريبة فلاحية و تطبيقه في المغرب من لدن الحماية الفرنسية سنة 1915 يعد انتصارا للتوجه الاستعماري الغربي ، فإنه يدل في العمق على فشل الأنتلجنسيات المغربية ، سواء المساهمة في الحكم المخزني أو المعارضة له ، في تصور وإطلاق سيرورة تحديث أصيلة تفضي إلى بروز « حداثة مغربية « تفتح الطريق واسعا للولوج للعصر من بابه الكبير .
طالب باحث في التاريخ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.