في العشرين من ماي، تم إعفاء الحكومة التي يرأسها عبد الله إبراهيم بدون مبرر مقبول، وكان التفسير الوحيد المقدم لذلك الالإعفاء هو أن هذه الحكومة طال بقاؤها أكثر مما كان قد قدَّره خصومها سلفا. وكان الفريق الحكومي، الملغم من الداخل بوزراء متواطئين مع المعارضة، من قبيل يوسف بلعباس، قد استطاع البقاء بالرغم من العديد من التقلبات والحيثيات والظروف ودام بقاؤه أزيد من 15 شهرا. وهو ما يعد رقما قياسيا بالمقارنة مع الفرق السابقة له منذ 1956 . فقد هاجت البورجوازية المنتسبة إلى الاستقلال وثارت ثائرتها ضد الإجراءات المطبقة على مستوى الصناعة والتجارة الخارجية والعملة والقرض. كما هاجت بورجوازية أخرى، بورجوازية الفلاحين الكبار، على غرار الاتحاد المغربي للفلاحة، الحليفة بدورها للاستقلال أو لتيارات أخرى غيره، ذلك لأن أهدافها كانت تتمثل في امتلاكها، بأي وسيلة من الوسائل ، لأفضل الضيعات التي بحوزة المعمرين الأجانب، فتم تقديم الإصلاح الزراعي، الذي تبناه المخطط الخماسي 1960 -1965 ، بالرغم من اعتداله ودقته، كما لو أنه عمل يحول الفلاحة المغربية إلى نموذج سوفياتي(أوسفيتتها) بما يعني ذلك من كولخوزات وسوفخوزات. وكانت هذه البورجوازية أوتلك، مسخرة ومستخدمة من طرف الشركات الرأسمالية الفرنسية بطريقة واضحة للعيان، فكانت صحافة الاستقلال، صحافة البورجوازية الحضرية أو القروية لا تني، أحيانا بدون تمييز، تردد على طول أعمدتها نفس الحجج ونفس الانتقادات التي تبلورها الصحافة الفرنسية خدمة للمصالح الرأسمالية الاجنبية. وخلاصة القول في ذلك أن البلاد متجهة نحو الكارثة والمغرب يسير نحو إقرار نظام قريب من الشيوعية بهذا القدر أو ذاك، متنكرا بذلك لتقاليده الدينية والثقافية، و حزب الاستقلال، الذي لم يكن قد بلور لنفسه مذهبا بعدُ (إذ كان عليه انتظار 11 يناير 1962 لفعل ذلك) كان هو رأس الحربة في عملية النسف هاته. أما الحركة المسماة بالشعبية، فلم تكن أكثر من خليط من الأعيان، بلا انسجام ولا إيديولوجية، تدعي أنها تتحدث باسم العالم القروي ، حتى المسكين البكاي نفسه، الذي كنت شخصيا أحترم فيه نوعا من النزاهة، انجر إلى الدخول في جمهرة الصارخين. وأخيرا، قامت صحيفة «لي فار»، التي كان مديرها الظاهر هو رضى اكديرة، بتنظيم كل هذا وتنسيقه، ذلك لأنها في الواقع كانت تدار من طرف «مساعدين» تقنيين فرنسيين متخصصين في السجال والتدليس والتشهير. لم يكن ولي العهد، مولاي الحسن بدوره يتردد في استعمال السلطة المرتبطة باسمه وبمكانته للعمل بشكل مباشر ضد الحكومة الشرعية التي نصبها والده نفسه. فقد صرح أزيد من مرة أنه أول معارض، وكان تصرفه تصرفا سياسويا، بدون تحفظ، ولا أعتقد أنني أبالغ إذا ما ذكرت بأنني كنت، ومساعدي، هدفا لكل هذه المعارضات، و العدو اللدود الذي يجب القضاء عليه، وتكفي قراءة صحافة تلك الفترة، ابتداء من 1956 وإلى حدود ماي 1960، للتأكد من ذلك. ويحق علي أن أشير إلى الموقف الموضوعي والرصين لمحمد الخامس طوال هذه الفترة. فغالبا ما كانت الفرصة تسنح لي لكي أطلب تحكيمه، بل كانت هناك مجالس للوزراء يرأسها هو تطرح فيها القضايا الخلافية، وبعد توضيح من هذا الطرف وذاك، يحسم الملك لصالح وجهة النظر التي كنت أدافع عنها، بل ويكون ولي العهد نفسه حاضرا. لا شك أن حصيلة العمل الحكومي، طوال الفترة ما بين 1959 -1956، مازال مطروحا إنجازها، والانكباب عليها، لمصلحة و لفائدة التاريخ المعاصر لبلادنا، بيد أن معالم الاستقلال الاقتصادي للمغرب كان قد تم وضعها في ماي 1960، أو كان يتعين استكمالها وتطويرها على ضوء العبر المستخلصة من التجربة. الأمير الحسن : أنا مناضل مثلك، واشتراكي في العمق تلقيت يومي 17 أو 18 ماي مكالمة هاتفية من لدن الأمير مولاي الحسن، دعاني فيها إلى عشاء ثنائي، رأسا لرأس، وكان قد مضى ردح من الزمن لم ألتق به. وصلت إذن في الموعد، بفيلاه بالسويسي، بدا منشرحا للغاية، لبقا وودودا. دام اللقاء أزيد من ثلاث ساعات، وسوف لن أقدم منه هنا سوى النقط الاساسية : قال الأمير: - لقد قرر جلالة الملك وضع حد لمهام الحكومة الحالية، وهناك فريق آخر قيد التشكيل. لقد وصلنا مرحلة المشاورات النهائية ، وقد أمرني جلالة الملك بإخبارك رسميا. * أشكر سموك على دعوتك هاته، وعلى الإخبار الذي قدمته لي، لكن أستسمحك في التعبير عن مفاجأتي: ذلك أن جلالة الملك، باعتباره رئيس الدولة، هو الذي يعود إليه أمر هذا الإخبار، بصفة رسمية وحسب الأعراف، للفريق الحكومي كله. - لنقل إنه إجراء شبه رسمي، لكنه في ظرف أيام قليلة س«يُرَسم» (يصبح رسميا) كما تقتضيه الأعراف. لكن المهم في هذا المسعى، الذي أمر به جلالة الملك، هو أن أعرض عليك تولي مهام وزارة الخارجية داخل الفريق الجديد، ولابد من أن أوضح لك بأن جلالة الملك يلح على هذا الأمر بشكل خاص. * قبل الإجابة عن العرض الذي تشرفت به، اسمح لي سموك إبداء ملاحظة أولية، مادام الأمر يتعلق بحوار شبه رسمي، خلال تنصيب الفريق الحالي، يوم 24 دجنبر 1958 قيل وقتها، في الخطاب الرسمي للتنصيب بأن الحكومة الجديدة ستتولى مهامها إلى ما بعد الانتخابات الجماعية، وأن تشكيلة جديدة ستتشكل على ضوء نتائج هذه الانتخابات الجماعية، بمعنى حكومة أكثر تمثيلية لمختلف توجهات الرأي العام. والحال، أنه بالرغم من تباطؤ وزارة الداخلية، وبعد مشاورة الأحزاب السياسية حول نمط الاقتراع، في يونيو 1959 قرر ظهير صادق عليه جلالة الملك، تنظيم الانتخابات الجماعية بالاقتراع الأحادي. ويحمل هذا النص القانوني تاريخ شتنبر 1959 . وفي دجنبر، سجل الناخبون أنفسهم في اللوائح الانتخابية، ولم يبق سوى تحديد تاريخ الانتخابات، فلماذا إعفاء الحكومة قبل الانتخابات؟ - لقد قرر الملك ذلك. غير أن ما تبين من اللقاء هو أن معارضة الأحزاب السياسية الأخرى بلغت من القوة حدا جعل الحفاظ على الحكومة قائمة، خلال الانتخابات، يبدو كما لو أنه يدعم حظوظها. فتقرر ،إذن،«دعم حظوظ» فريق آخر. والحال، أن اعتماد الاقتراع الاحادي بدل الاقتراع باللائحة الذي دعا اليه كل من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، يهدف، في العمق، الى اقرار سلطة ما اصطلح على تسميته ب«النخب المحلية»، وذلك بالابقاء على البنيات والهياكل القروية التقليدية التي كانت تستند إليها سياسة الحماية. كما أن من شأن النتائج الانتخابية، عبرتقوية حظوظ العالم القروي، أن تبرز اتجاهات محافظة، إن لم تكن رجعية بحتة. سألته: من هو رئيس المجلس (الحكومي)؟ - ولي العهد، أنا شخصيا. «الكشف » عن هذا الأمر فاجأني مفاجأة عميقة، وحتى إن سبق لي أن سمعت به، فأنا لم أصدقه. قلت له: لكن، يا سمو الأمير ، يصعب علي التصديق بهكذا أمر. فأنا لاأرى وليا للعهد، ومستشارا لجلالة الملك يضع نفسه على رأس الحكومة، اللهم في ظروف استثنائية حقا. ذلك لأن «الحكم» كما يقال هو «الاختيار» وعليه، سيكون عليك أن تختار، بإلزام مسؤوليتك السياسية بين هذا التوجه وذاك، على مستويات : الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وفي مجال السياسة الخارجية، فالرجل السياسي العادي ينخرط بكل مسؤوليته السياسية عندما يقدم على اختيار معين، فإذا نجح في عمله، لن يكون قد قام سوى بما أملاه عليه ضميره وتحليله للوضعية، وإذا أخفق، لن يكون أمامه سوى أن يستقيل أو ينحى من طرف الحكم الاعلى، جلالة الملك. هذا هو النظام وهي ذي قواعد اللعبة حتى في ديمقراطية غير كاملة كما هي ديموقراطيتنا ». ثم واصلت الحديث بالقول : - ‹مبدئيا ، فإن أميرا وليا للعهد يمثل استمرارية نظام الملكية حيث لا يمكن أن يتعهد بمسؤوليته السياسية، حيث لا تمكن مجازاتك أو محاسبتك، فماذا ستفعل المعارضة في هذه الحالة؟فإن هي عبرت عن عدم موافقتها على أي إجراء كان، ستكون أولا وقبل كل شيء تعارض ولي العهد، لأن هذه الصفة ستظل، بالرغم من كل شيء هي المهيمنة والغالبة. لست بصدد شكلانية قانونية، بل احاول أن أتصور اوضاعا ووضعيات ملموسة.لا، بكل صراحة لا أتفهم الاسباب التي تدفعك الى تولي رئاسة الحكومة » . أجابني: لقد قدرت الأمور من جانبها السلبي والايجابي معا، وقد تنبأت بالاعتراضات التي ستقوم بها . لكن القرار اتخذ، واذا كان جلالة الملك وأنا فكرنا في مشاركتك فذلك حتى يكون الفريق الجديد ممثلا لكل الاتجاهات. لا تظن على وجه الخصوص أنني أعارض كل الاجراءات التي اتخذتها، ففي العمق أنا أيضا اشتراكي». - يمكنك أن تكون اشتراكيا كإنسان أو كمواطن، لكن لا يمكنك أن تكون اشتراكيا كولي للعهد. أما في ما يخص مشاركتي الشخصية، فإن أمرها هين للغاية، وعلى كل كيف يمكنني أن أجمع بين تصوراتي الشخصية وتصورات مناقضة يعبر عنها الآخرون. أنا كمناضل في خدمة قضية أومن بها، فأنا لست سياسيا يبحث عن مناصب ». - طيب، سأقدم تقريرا لجلالة الملك عن هذا اللقاء، وعلى كل سيتم استدعاؤك للمشاورة كما تقتضي الاعراف ذلك». كان اللقاء قد انتهى عمليا، كنا نتمشى في الحديقة، وعندما استأذنته في توديعه، خاطبني بقوله: « أنت لا تفهمني ، يا عبد الرحيم، لكن، باعتبارك صديقا سأقول لك (ما في الأمر): أنت لا ترى فيَّ سوى ولي العهد فقط، والحال أنني مناضل مثلك، وإنسان مثلك، يحدوني الطموح في لعب دور في حياة بلادي. أنت تعرف أن أبي مازال شابا، وأنا سوف لن أنتظر حتى أضع طاقم أسنان لكي أخلفه، هو ذا عمق تفكيري » . ثم أضاف مبتسما : «لربما ستركب القطار وهو يسير ، في يوم من الايام، فمن يدري؟». هل كانت تلك هي الارهاصات الأولى لتحول سيطرأ في الوضع، والعودة إلى تصور يؤمن بالملكية المطلقة، تستند تبريراتها إلى انقسام الاحزاب السياسية وإرادة العالم القروي، وهي الارادة المعبر عنها من طرف الاعيان الجدد، أبناء وأقارب القواد والباشوات، الخدام السابقين لادارة الحماية؟ سيبين توالي الأحداث أن التوجه كان هو ذاك فعلا. الوزراء الأولون 1998/1961 الحسن الثاني بعد حكومة عبد الله ابراهيم، و هي رابع حكومة لمغرب الاستقلال، تولى ولي العهد مولاي الحسن رئاسة الحكومتين السادسة في رابع مارس 1961 والحكومة السابعة في 2 يوليوز 1961 بعد رحيل محمد الخامس، تولى ولي العهد آنذاك مولاي الحسن الحكم و تربع على العرش ملكا للمغرب باسم الحسن الثاني. وفي دجنبر 1962 تمت المصادقة على أول دستور بالمغرب، و تولى الملك الحسن الثاني منصب رئيس الحكومة. وعاد مرة أخرى في7 يونيه 1965 لتولي هذا المنصب حتى 7 يوليوز 1967، وهي الفترة التي أعقبت مظاهرات الدارالبيضاء الطلابية في مارس 1965 و التي شهدت مواجهات شرسة بين المعارضة و النظام. أحمد باحنيني في 13 فبراير 1963 عين الملك الحسن الثاني أحمد باحنيني وزيرا أول حتى 8 يونيو 1965 حين تولى الملك الحسن الثاني رئاسة الحكومة من جديد . محمد بنهيمة بعد الحكومة التي قادها الملك، عين الحسن الثاني الحكومة الحادية عشر برئاسة الوزير الأول محمد بنهيمة الذي ظل على رأسها إلى غاية تعيين أحمد العراقي في 6 أكتوبر 1969. احمد العراقي تولى احمد العراقي هذا المنصب للفترة بين سادس أكتوبر 1969 و سادس غشت 1971 ، و هي الفترة التي شهد المغرب خلالها محاولتين عسكريتين لقلب نظام الحكم (المحاولة الانقلابية للصخيرات ومحاولة اغتيال الملك في طائرته الملكية). محمد كريم العمراني شغل هذا السياسي و رجل الأعمال منصب الوزير الأول لثلاث مرات، أولاها من 6 غشت 1971 إلى ثاني نونبر 1972 ، ثم المرة الثانية من 30 نونبر 1983 حتى 30 شتنبر 1986. أما الثالثة و الأخيرة فهي التي تولى خلالها منصب الوزير الأول من 11 غشت 1992 حتى 25 ماي 1995 . أحمد عصمان تولى هذا السياسي المنحدر من مدينة وجدة الوزارة الأولى من 2 نونبر 1972 حتى 22 مارس 1979، وتعد هذه أطول فترة يقضيها رئيس وزراء مغربي على رأس حكومة في المغرب. وقد شهدت هذه الفترة الحدث التاريخي المتمثل في استرجاع المغرب لصحرائه سنة 1975 (المسيرة الخضراء) و كذا إجراء انتخابات شاركت فيها أحزاب المعارضة التي كانت تقاطع كل الاستحقاقات السابقة. المعطي بوعبيد أدى المعطي بوعبيد القسم لولوج مهنة المحاماة سنة 1952، و انتخب خلال مسيرته نقيبا لهيأة المحامين بالبيضاء خمس مرات و رئيسا لجمعية المحامين بالمغرب ثلاث مرات. و قد تولى منصب وزير الشغل في حكومة عبد الله ابراهيم سنة 1958 ، ثم وزيرا للعدل قبل أن يعينه الملك الحسن الثاني وزيرا أول سنة 1979. تولى الوزارة الأولى ما بين 22 مارس 1979 و 30 نونبر 1983 . وفي سنة 1983 أسس حزب الاتحاد الدستوري ذي التوجهات الليبرالية، و ظل على رأسه إلى حين وفاته سنة 1996 . عز الدين العراقي تولى هذا الطبيب (حاز شهادة الدكتوراه من جامعة باريس سنة 1957) منصب الوزارة الأولى من سنة 1986 إلى 1992. وقد شغل قبل توليه الوزارة الأولى عدة مناصب حكومية منذ 1977 حين تولى منصب وزير التربية الوطنية و تكوين الأطر ، و ارتبطت فترة توليه هذا المنصب بسياسة التعريب اللاشعبية، ثم أصبح في 12 مارس 1986 نائبا للوزير الأول إلى جانب منصبه كوزير للتربية الوطنية. وبعد ابتعاده عن النشاط الحكومي أصبح عميدا لجامعة الأخوين وبعدها أمينا عاما لمنظمة المؤتمر الإسلامي، قبل أن يلقى ربه في فاتح فبراير 2010 . عبد اللطيف الفيلالي تولى هذا السياسي والدبلوماسي منصب الوزير الأول ما بين 25 ماي 1994 و 4 فبراير 1998، كما عمل وزيرا للخارجية في الفترة ما بين 1985 و 1999 . وقد قاد خلال هذه الفترة ثلاث حكومات متعاقبة، الأولى في 7 يونيه 1994 و الثانية في 27 فبراير 1995 و الثالثة في 13 غشت 1997. توفي عبد اللطيف الفيلالي في فرنسا في 20 مارس 2009.