تم تنظيم اللقاء، الذي أطره كل من الحبيب الطالب ومحمد المريني، يوم 9 مارس 2011 ابتداء من الساعة السادسة والنصف مساء بغرفة التجارة والصناعة الخدمات بالقنيطرة. إنه التاريخ الذي ألقى فيه جلالة الملك خطابا تاريخيا بشأن الإصلاحات الدستورية والسياسية على الساعة الثامنة مساء. المهم في هذا الخبر، كون الحبيب الطالب بعد إنهاء مداخلته البالغة الأهمية غادر قاعة العرض ليعود بعد ذلك وبيده ورقة ليقول للحضور، مقاطعا المريني، لقد رفع جلالة الملك من سقف الإصلاحات الدستورية والسياسية، ليجيب عن تساؤلات الحضور في آخر اللقاء بمحتوى الخطاب حيث قام بجرد المرتكزات السبع للإصلاح الدستوري أولا التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة، وثانيا دسترة التوصيات الوجيهة لهيئة الإنصاف والمصالحة والالتزامات الدولية للمغرب، وثالثا إصلاح القضاء وارتقاءه إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحية المجلس الدستوري، ورابعا توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها (برلمان منبثق من انتخابات حرة ونزيهة وتخويل البرلمان اختصاصات جديدة، حكومة منتخبة تحضى بثقة مجلس النواب، تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، تقوية مكانة الوزير الأول كرئيس لسلطة تنفيدية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة تنفيذ البرنامج الحكومي، دسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته)، وخامسا تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، وسادسا تقوية آلية تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة، وسابعا دسترة هيئات الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان وحماية الحريات، ناهيك على اعتماد جهوية موسعة تنبثق من الإدارة الشعبية وتمهد للإصلاح. في بداية اللقاء، الذي تكلف بتسيير أطواره الكاتب الإقليمي، تم إخبار الحضور أن هذا النشاط يدخل في سياق فتح النقاش بشأن تفصيل مضامين بيان المجلس الوطني الأخير، وأعطيت بعد ذلك لمحة موجزة على تاريخ المناضلين الحبيب الطالب و محمد المريني، تاريخ مليء بالأحداث المرتبطة بواقع الصراع السياسي بالمغرب بعد الاستقلال. لقد حكما المناضلان بالإعدام غيابيا لمرتين سنتي 1971 و 1974، واستمروا في النضال ومقاومة المخزن إلى حين صدور العفو الملكي سنة 1981 ليتمكنوا من الدخول إلى بلادهم ومتابعة مسيرتهم النضالية. وتمحورت المداخلة الأولى التي ألقاها الحبيب الطالب حول ثلاثة نقط حيث عنون النقطة الأولى ب» إعطاء لمحة سريعة على ما يقع في العالم العربي، والثانية ب «الإصلاح الدستوري أولا»، والثالثة ب»الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وضرورة تشكيل جبهة لقيادة الإصلاح بالمغرب». بخصوص النقطة الأولى، أكد الطالب أن الوضع الحالي الإقليمي مكنه من استخلاص استنتاجات أساسية منها أولا وجود تشابه وترابط بين الشعوب العربية والمغاربية، تشابه يؤكد أن الشعوب العربية لا زالت تشكل ما يسمى بالأمة العربية (أمة واحدة ومصير واحد) بالرغم من الخصوصيات القطرية. إن ما يعيشه الوضع الإقليمي العربي أعاد إلى الوجود ما سمي فيما سبق ب»القومية العربية» بعدما تم إضعافها بسبب تطور الحياة السياسية بالمنطقة وما أصابها من تسويف (معاهدة كامديفد مع إسرائيل، سقوط حائط برلين وحل الاتحاد السوفياتي، تفشي لغة الخشب وشعارات الانعزال في البلدان العربية، الفشل في الدفاع على القضية الفلسطينية، استباحة الأراضي العربية، تنامي النزاعات الإثنية والعرقية، مضاعفة حدة التفككات الداخلية، استقواء أنماط الحكم التسلطي، إهدار الثروات الاقتصادية، حدوث نكوص ثقافي وديني وقيمي في المنطقة،...). وبعد هذا الوضع المزري المتميز بالانعزال القطري، عرفت الأقطار العربية اليوم انتفاضات وثورات شعبية ودينامية قوية، وبرزت من جديد مؤشرات إعادة بناء الأمة العربية وإعادة النظر في منطق النظام السياسي العربي الرسمي، مؤشرات لا تستبعد فرضية إعادة إنضاج البناء الديمقراطي العربي بمؤسسات إقليمية مدعمة للوحدة والتعاون القطري (برلمان عربي، وبناء نظام عربي جديد باتحادات جهوية متجانسة (اتحاد المغرب العربي كنموذج)، والحسم النهائي في النزاعات بين الأنظمة وعلى رأسها النزاع بشأن القضية الوطنية المغربية،...). وأضاف في هذا الشأن أن النزاع حول الصحراء المغربية ما هو إلا نزاع مرتبط بالدولة الجزائرية وليس الشعب الجزائي الشقيق. وهنا عبر الطالب عن تشابه الثورات في التاريخ وعن أهمية الشباب في قيادتها (الثورة الفرنسية، انتفاضات 1960 بفرنسا، الثورة البولشوفية بروسيا، الثورة الإيرانية، مناهضة الاستعمار وانتفاضات السبعينات بالمغرب،...). وفي هذا الصدد، أكد الحبيب صدق نبوءة المرحوم محمد عابد الجابري (الكتلة التاريخية) وأن ما يعرفه العالم العربي من انتفاضات شاركت فيها كل التوجهات السياسية والمدنية والإيديولوجية ما هو إلا تحالف موضوعي وعفوي من أجل بناء الديمقراطية والمؤسسات. وهنا أثار إشكالية الاستمرار والديمومة في التحالفات لتتجاوز مرحلة الهدم لتنتقل إلى مرحلة البناء (الهدم سهل والبناء صعب). فما عبرت عنه التيارات الإسلامية في مصر من ذكاء سياسي يجب أن يستمر في مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحداثية التي يجب أن تنبني على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وتمكن الطبقات الوسطى والفئات الشابة من استرجاع دورهما السياسي التاريخي في قيادة المجتمع بعدما تم التخلي على هذا الدور بسبب طبيعة النظام السياسي في هذه البلاد. بخصوص النقطة الثانية المعنونة ب»الإصلاح الدستوري أولا»، أكد الحبيب أن المنطقة العربية تعيش اليوم مرحلة تاريخية جديدة شعارها النهوض بالعدالة الاجتماعية، وأن المغرب لا يخرج عن هذا السياق وأنه عاش سياقات مماثلة في تاريخه السياسي، لكن البطء الذي ميز تطور نظامه السياسي والأفول الذي ميز الانتقال الديمقراطي، والمحاولات للعودة إلى تجديد المخزنة التقليدية ومغالطة النفس، وتفشي الفساد ومنطق الريع، وسوء الحكامة وضعف الاقتصاد، أبان اليوم عن حاجة البلاد إلى نهضة جديدة قادرة على اقتلاع العوائق المختلفة المعرقلة للنظام الديمقراطي. إن الاحتكام إلى منهج التوافق وضرورة تحقيق الإجماع بشأن الدستور كأساس للحفاظ على استقرار البلاد، لا يجب أن يفهم منه الاستمرار في تطبيق نفس الدستور. وهنا أشار الحبيب إلى أهمية رفض الضمانة الملكية لاستمرار حكومة الأقلية سنة 1992 وتفضيل النهج المؤسساتي ولو بالمغامرة في البحث عن تحالفات عريضة وواسعة تشمل حتى الأحزاب الإدارية. لقد ربح المغرب بهذا الأسلوب الثقة بين الملكية وأحزاب المعارضة وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي، وضمان نسبة عالية من الاستقرار السياسي، والترسيخ النسبي لثقافة الديمقراطية وتجاوز المخلفات الشعبوية الماضية، لكن في نفس الوقت لم يضمن التوافق الاستقلالية السياسية للأحزاب، ولم ينبثق عن ذلك التعددية المطلوبة وتعزيز الممارسات الدستورية، بل سادت التبعية لما هو مقرر على المستوى الرسمي واستمرار الممارسات التقليدية على حساب الحداثة حتى في الدستور نفسه. وقد تدهور الوضع أكثر بالخروج عن المنهجية الديمقراطية بتعيين جطو وزيرا أولا، وبمحاولات النيل من دور الأحزاب والتي كان آخرها تعيين التكنوقراط في حكومة عباس الفاسي وتفشي ظاهرة الترحال السياسي وتشكيل فرق سياسية من فراغ. وبعد تذكير الحضور بما أصاب السياسة من ركود والذي توج بضعف المشاركة الانتخابية وبإبعاد المواطنين عن السياسة، يرى الطالب أن الحل يتجلى في إقامة دستور جديد يأخذ بأهم مقومات النظام الملكي البرلماني بسلطات حكومية وبرلمانية واضحة وبمسؤولية كاملة على الحياة السياسية العامة للدولة وعلى كل مؤسساتها، مسؤولية تقابلها المراقبة والمحاسبة واسترجاع الحيوية للمجتمع (مجتمع المواطنة). بخصوص النقطة الثالثة، عبر الطالب أن الامتياز المغربي يتجلى في توفر البلاد على أحزاب تقدمية تاريخية قادرة على تأطير المجتمع بالرغم مما أصابها من ضعف (على رأسها الاتحاد الاشتراكي كحزب حي يعيش الانتقاد الداخلي باستمرار وحركية مكنته من الحفاظ على قوته التاريخية). وهنا اعتبر مطلب حركة 20 فبراير بحل الحكومة والبرلمان والمؤسسات المنتخبة لا يمكنه إلا أن يشوش على الإصلاح المركزي (إصلاح الدستور)، وأن الظرفية المغربية في حاجة إلى تقوية الاتحاد الاشتراكي في الدرجة الأولى، وتحقيق استقلاليته السياسية وتنمية قواعده وتمكينه من الإسهام في إعادة النظر في التشتت اليساري وتجاوز الخلافات القديمة الموضوعية والذاتية ومن تم تحقيق وحدته كقطب حداثي مؤثر في الحياة السياسية الوطنية. إنه السبيل الوحيد لضمان انخراط كل منظمات المجتمع المدني في كتلة وطنية تعمل إلى جانب هذا القطب على ترسيخ نظام ديمقراطي حداثي. في المداخلة الثانية، عبر المريني على حساسية الظرفية وخطورتها بالنسبة للمغرب وأكد أن الاحتفاظ بالخصوصية والاستثناء في المنطقة العربية مشروط بفتح حوار عميق يشارك فيه كل الفئات المجتمعية وكل المنظمات المدنية، والإعلام. كما عبر عن افتخاره بالسبق الموضوعي في رفع الحزب لشعار الملكية البرلمانية. لقد فندت التطورات السياسية الحالية بالمنطقة الانتقادات التي وجهتها بعض الجهات للحزب لرفعه هذا الشعار قبيل الانتخابات الجماعية السابقة. لقد اعتبر المريني ما يقع في المنطقة العربية بمثابة بركان هادر وقوي ينفض حمما من النار في بقاع لا مرد لها. إنها حركية غضب لم تتوقعها المخابرات لا الوطنية ولا الدولية. لقد انفجرت الشعوب العربية بسبب الإذلال القومي والوطني الذي أصابها والإخفاقات التي مست بكرامتها (الغزو الأمريكي للعراق، انقسام في فلسطين، القمع، التسلط، الفساد،...)، ناهيك عن تطور الآليات التواصلية بين الشباب (بعدما كان شبه مستحيل النجاح في إدخال جريدة من الخارج في السبعينات إلى المغرب، خلق الانترنيت ثورة تواصلية خيالية)، وتطور القنوات الإعلامية وعلى رأسها قناة الجزيرة. لقد تطور التواصل إلى درجة تطورت معه عدة عبارات منددة بالوضع السياسي المأساوي في الدول العربية والتي كان أشهرها كلمتين «ارحل» و «الشعب يريد إسقاط النظام»، حيث تم ترديد الأولى من طرف الشعوب لتعني بها أنها صاحبة الشرعية وصاحبة البلاد، والثانية للتعبير عن رفضها الاستمرار على نفس منطق الحكم. وبخصوص الوضع المغربي، أشار المريني أن عقارب الإصلاح توقفت ووجد الفاعلون السياسيون أنفسهم أمام الباب المسدود، بل أكثر من ذلك عاش المغرب في السنين الأخيرة تراجعات. فبعد اللحظة التاريخية سنة 1998 (لحظة تاريخية في تاريخ المغرب)، لم يكتب للتناوب أن يستمر ويكتمل، وجاء العهد الجديد بآمال جديدة، لكن تسببت ضريبة 2002 في عزوف سياسي كبير سنة 2007، وفقد المواطنون الثقة في الانتخابات، وساد بعد ذلك شراء الأصوات والذمم، تلاه تعيين شخصيات تم «صبغها» بألوان سياسية معينة في مناصب وزارية، ومبالغة كبيرة في عملية الترحال السياسي حيث تشكلت فرق سياسية من فراغ. وبخصوص سبيل الخلاص، أكد المريني أن الديمقراطية لن تستقيم إلا بملكية برلمانية (من يمارس السياسة يجب أن يحاسب) قوامها توفر البلاد على أحزاب قوية بأقطاب متجانسة إيديولوجيا. كما شدد على ضرورة إصلاح الإدارة والاقتصاد من خلال فصل المال عن السلطة وخلق جو تنافسي شفاف يمكن الطبقات المتوسطة من الاستفادة من الصفقات العمومية. وفي الردود على تساؤلات الحضور، شدد المتدخلان على ضرورة تقوية القوى اليسارية وتقوية قدرتها على تطوير الحرية الاجتماعية واتخاذ القرارات السياسية التي تتناسب مع القدرة النضالية للمجتمع. ولإجلاء الغموض على مفهوم القومية كفكر وتاريخ طويل، أكد الحبيب أنها ليست مرادفة لحزب البعث أو لفكر عنصري بل هي حركة نضال جماعي للشعوب العربية من أجل التقدم والتحرر. وبخصوص الارتباط بين العولمة وفكرها الليبرالي وأزماتها المتكررة وما يعرفه العالم العربي من حركية ومدى توفر شروط العودة إلى النهضة الاشتراكية الديمقراطية وتغيير طبيعة العلاقة بين الغرب والعالم العربي، أكد الحبيب أن الفكر الاشتراكي بدأ يسترجع مكانته وأن العالم يعرف اليوم دعوات لإعادة قراءة الفكر الماركسي، وبإمكان الظروف المستقبلية أن توفر شروط العمل الوحدوي العربي وأن تؤسس علاقة جديدة مع الغرب. وفي الأخير تم التعبير على حاجة البلاد الملحة إلى إعطاء مدلول حقيقي للديمقراطية، وإلى تقوية العمل الحزبي الحقيقي ودمقرطته (انبثاق الأحزاب من المجتمع)، وضمان ممارسة المراقبة والمحاسبة. كما تمت الدعوة إلى تعميق النقاش بشأن الترتيبات الإجرائية لتنزيل محاور الخطاب الملكي ومن تم اقتراح الإصلاحات الضرورية في اتجاه تحقيق الملكية البرلمانية.