التحقت بالتعليم العالي قادماً إليه من مؤسستي الأصلية؛ الأمانة العامة للحكومة سنة 2005، بعد حصولي على الدكتوراه (2004). كانت أول دكتوراه في «الترجميات»، والدكتوراه الوحيدة التي تُناقش إلى اليوم في الجامعات المغربية في هذا الموضوع. درّست بكلية الآداب عين الشق لست سنين (2005-2011)، لم أتمكن خلالها من الحصول على المنصب المستحق لي؛ منصب أستاذ التعليم العالي مساعد، لخلل مكين في تعليمنا العالي يعميه عن أهمية درس الترجمة ونظريتها. فلما احتججت على عميد الكلية سعيد بناني، قابل ذلك الاحتجاج بالاستغناء عني. استقدمتني بعدها (2011) عميدة كلية الآداب بمراكش وداد التباع، بوعود كاذبة للعمل على خلق منصب لي، نظراً – كما كانت لا تفتأ تدعي – للحاجة الماسة إلى أستاذ لمادة الترجمة. فأمضيت بهذه الكلية خمس سنوات، درّست خلالها لآلاف الطلبة من كافة الشعب مادة الترجمة ومادة نظريات الترجمة، ودرّست المادتين كذلك لأفواج عديدة من طلبة الماستر. فلما طال بي الانتظار، واحتججت على إدارة الكلية وعميدتها، وبعض الأساتذة التي عملت في الشعب التي تعود إليهم مسؤوليتها، قامت العميدة بالتواطؤ مع الإدارة في شخص كاتبها العام سفيان العسري – الذي كانت من قبل سخرته لإسقاط اسمي من جرد الدكاترة الملحقين بالتعليم العالي من الوظيفة العمومية العاملين بكلية الآداب مراكش – فكان أن أسقط اسمي من قائمة موظفي الكلية برسم الموسم 2015-2016، مما أدى إلى توقيف أجري الشهري برسم شهري أكتوبر ونونبر 2016، دونما إشعار، ولا مكاتبة، ودون اتخاذ الإجراءات الإدارية المعمول بها في هذا الباب، وبغير دافع أو واعز إلا التكالب البغيض والحقد المقيت من أشخاص يرون في العلماء أعداء لهم. فلما تولى العمادةَ بالنيابة عبد الجليل هنوش، تقدمتُ إليه بطلب السماح لي بالعودة إلى كلية الآداب عين الشق، بعد حصولي على موافقة عميدها مراد موهوب، خاصة والمنصب المالي الذي به انتقلت للتدريس بكلية مراكش يعود إلى كلية عين الشق؛ فقد استعرته منها بعد تدخلات رفيعة. فحصلت من هنوش على الموافقة. وفي تلك الأثناء انتقلت عمادة كلية آداب مراكش بالنيابة إلى عبد الرحيم بنعلي، الذي كان من زبانية وداد التباع. فوجد الفرصة مواتية للانتقام مني. فقد توصل بالورقة الحاملة لتوقيع السيد عميد كلية عين الشق، وتوقيع السيد رئيس جامعة القاضي عياض، المرخصة لي بالعودة إلى كلية آداب عين الشق، فظل لشهور يمتنع من إطلاعي على فحواها أو تسليمها إليّ، إلى أن وقع بيننا شجار أدى إلى تمزيق تلك الورقة. ثم تقدمت إلى بنعلي بورقة أخرى تحمل موافقة السيد عميد كلية عين الشق، وتوقيع السيد رئيس شعبة الأدب الأنجليزي (بما يعني أنني كنت أشتغل بالتدريس بكلية آداب مراكش خلال موسم 2015-2016). وتطوع بعض الأساتذة للتوسط بيني والعميد بالنيابة، ولكن عبثاً حاولوا. فقد توعد بنعلي أن يتركني «معلقاً». ولديّ على هذا الكلام شهود من بعض الأساتذة. فهل يكون هذا السلوك السلطوي البائد من أعراف الإدارة المغربية الراهنة، ومن زمن الحداثة والمسؤولية، الذي نريد للمغرب أن ينتقل إليه من عهد العنجهية والتسلط والتحكم في رقاب الخلق؟ وهل بهذا السلوك السلطوي البغيض يُعامل، في زمن حقوق الإنسان، مغربيٌّ، تخرج على يديه في الكليتين عشرات الطلبة والطالبات، وكلهم يشهدون لهم بالمقدرة والكفاءة العلمية، وهل تكون هذه معاملة الإدارة التعليمية لمن هو حاصل على دبلوم الدراسات العليا (1999)، والدكتوراه (2004)، ولديه في رصيده خمسون كتاباً مترجماً. فهل انحطت أخلاق بعض رجال التعليم العالي، وانحط بعض هذا التعليم العالي كل هذا الانحطاط، ليكون مصير باحث هذا شأنه، كل هذا الهوان، والانتقام السافر، والحط من قيمته، وتعطيله عن نشاطه التعليمي والفكري؟ وهل يتصور السيد العميد بالنيابة هذه الكلية التي تولى أمورها «زريبة» ورثها، ويتصرف في أمورها على هواه؟ فلذلك، وانتقاماً من هذا الوضع البائس الكنود، وطمعاً في رفع هذا الحيف عني، وعن أمثالي من حملة الدكتوراه المغموطين في حقوقهم، لم أجد وسيلة (مع حالتي الصحية المتدهورة) غير الدخول في إضراب لامحدود عن الطعام. إن حاجة الجامعة المغربية لكبيرة إلى جميع حملة الدكتوراه. فليس مما ينهض بمستوى التعليم العالي في بلدنا أن تصير جامعاتنا تستعين في التدريس بحملة الإجازة، والأساتذة المغادرين، والمتقاعدين، وأن يكون السواد الأعظم من أساتذتها من خريجي معاهد تكوين المكونين، غير الحاصلين حتى على دبلوم الدراسات العليا، فيما الطاقات المؤهلة للعطاء، والحاملة لما تستحق به أن تبذل ذلك العطاء وتجوّده، تموت في دهاليز الصمت والإهمال والتنكر لقيمة الإنسان ومجهود الإنسان وماهية الإنسان.