قال المصطفى الرزرازي، أستاذ إدارة الأزمات بجامعة سابورو غاكوين، وأستاذ زائر في جامعة محمد الخامس في الرباط، إن العملية الأخيرة التي أفشلتها قوات الأمن المغربي بكل فعالياتها تؤشر على وجود هذه التداخلات بين عصابات تجارة المخدرات وعصابات الإرهاب و الانفصال بالمنطقة، و هذا ما قد يظهر جليا عند استكمال التحقيقات المعمقة الجارية. وقد حصل الرزرازي على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة طوكيو في عام 1998، كما شغل منصب أستاذ زائر في جامعة برنستون، وهو محلل سياسي في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبو ظبي، ونائب مدير معهد العلاقات الدولية في جامعة Hagoromo في أوساكا (اليابان). كما يدير المرصد المغربي حول العنف والتطرف، ويرأس الجمعية المغربية للدراسات الآسيوية، فضلا عن كونه نائب رئيس مجموعة الأبحاث الدولية عبر الأقاليم للدراسات الناشئة (Iteas). واعتبر الرزرازي في حوار مع « الاتحاد الاشتراكي « أن المغرب يتوفر اليوم على خبرة واسعة في مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة وإرادة سياسية حقيقية في جعل المغرب نموذجا إقليميا، لذا ورغم تعقيدات الوضع الإقليمي العام الهش ، فهو يظن أن نجاحات المغرب تتنامى . p ما هي في نظركم العلاقة ما بين العصابات المنظمة المتخصصة في تهريب المخدرات الصلبة وتمويل المجموعات المسلحة والجماعات الإرهابية خاصة في دول غرب إفريقيا والساحل ؟ n من زاوية اقتصاد سوق المخدرات، أظن أن سلسلة توريد المخدرات بإفريقيا Drug Supply Chain أصبحت أكثر تعقيدا من ذي قبل، وذلك بسبب تطور رساميل تجارة المخدرات، وتطور مناطق وممرات التوريد، ثم تطور شبكة الوسطاء، علاوة على تطور تكنولوجيا النقل والتوريد. المشكلة الثانية التي زادت من تعقيدات تجارة المخدرات، هي تغيرات سوق الاستهلاك. إذ راوح عدد الأشخاص الذين تناولوا الكوكايين في عام 2010 طبقا للتقديرات، بين 13.3 مليون و19.7 مليون، أي حوالي 0.3 إلى 0.4 في المئة من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة. وعلى اعتبار أن أهم أسواق استهلاك الكوكايين متمركزة في أمريكاالشمالية وأوروبا وأستراليا، فإن تضييق شبكة التوريد في الممرات الشمالية أدى إلى تطور ممرات الجنوب، خاصة تلك التي تربط سوق الإنتاج بأمريكا اللاتينية، وممرات غرب إفريقيا و الساحل، لنقلها نحو أسواق الاستهلاك الشمالية. و إذا كانت السوق الأمريكيةالشمالية قد توفقت في خفض معدل الاستهلاك خلال الخطة الخمسية لمكافحة المخدرات ما بين 2005-2010 من 3.0 في المئة إلى 2.2 في المئة، فإن السوق الأوروبية قد حافظت على معدل استهلاكها. على مستوى دول الإنتاج، هناك مركزين أساسيين ،المركز الآسيوي، خاصة بدول جنوب آسيا و آسيا الوسطى، ثم دول أمريكا اللاتينية. فبالنسبة لدول أمريكا اللاتينية، سجلت المساحات المزروعة لشجيرات الكوكا انخفاضا بنسبة 18 في المئة خلال الفترة ما بين 2007 و2010، خاصة بكولومبيا خلال الفترة من عام 2007 إلى عام 2010. بينما ارتفع معدل الإنتاج ببوليفيا و البيرو. من هنا نخلص بإيجاز إلى أن تشديد سياسة مكافحة المخدرات بالولاياتالمتحدة، وتغير سوق الإنتاج بأمريكا اللاتينية،وظهور تغيرات نمطية في الوسطاء والموردين الأفارقة للمخدرات نحو أوروبا سيعطي دينامية جديدة في تدبير تجارة المخدرات. لقد شهدت السوق الأوروبية ارتفاعا في أسعار الكوكايين للدرجة التي أصبحت تمثل ضعفي أسعارها في الولاياتالمتحدة، مما زاد في اتساع ممرات التهريب من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا. لابد هنا من استحضار مؤشرين مهمين لفهم هذه الدينامية، مؤشر التنمية المستدامة، ثم مؤشر الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الأمني. سياسيا، لابد من الانتباه أيضا إلى أن كولومبيا عاشت لفترات طويلة و لا تزال تدفع ثمن عقود من النزاعات الإقليمية و التنظيمات الانفصالية و العصابات المنظمة و الحركات الثورية التي استفادت كثيرا من زراعة المخدرات لتمويل عملياتها العسكرية ضد الدولة المركزية. خلال فترة الرئيسين ألفاروأوريبيفيليس (2002-2010) ثمخوان مانويل سانتوس (2010- )، قامت الحكومة المركزية بدور ملحوظ تجاه جماعات العنف والتمرد من خلال نهج آلية التحييد العسكري و التفاوض مما أدى إلى نتائج ملموسة من أهم مؤشرتها تحسن مؤشر الأمن ،انخفاض العنف، تفكيك بعض الجماعات شبه العسكرية، وفك العزلة عن بعض الأراضي الزراعية التي كانت الجماعات المسلحة تستعملها لزراعة المخدرات. ثم تلا ذلك إطلاق حوار من أجل السلام مع أكبر التنظيمات المسلحة وهي القوات المسلحة الثورية الكولومبية التي تكللت عام 2016باتفاق سلام مع المتمردين الكولومبيين وقع بوساطة كوبية في هافانا . لكن لم تستطع الحكومة الكولومبية قطع جذور زراعة وصناعة المخدرات لتداخل الفاعلين فيها على مستوى قاري، ثم لتلازم تجارة المخدرات مع مصالح جماعات سياسية مسلحة،ولعل تصويت الشعب الكولومبي ضد المصالحة مع جماعات العنف في استفتاء بهدف تحويل اتفاق السلام مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية إلى قانون يجرى تنفيذه، يعكس تعقيدات تدبير المشكلة. كولومبيا ليست المورد الوحيد لتوريد المخدرات، بل هناك بوليفيا والبيرو والمكسيك و فنزويلا و غيرها، وهي كارتلات تتداخل أحيانا فيها مصالح لوبيات لها حضور داخل مؤسسات صنع القرار بأمريكا اللاتينية، خاصة داخل المؤسسة العسكرية. في الشق الإفريقي، هناك ثلاثة أنواع من المخدرات، القنب الهندي، و الذي يرتبط بممارسات تقليدية في أغلبها محلية، و يتم معالجتها قطريا بالتعاون مع المنظمات الدولية المختصة، ثم هناك الهيروين في الشرق والكوكايين في الغرب اللذين يتم توريدهما من خارج إفريقيا. و بالنسبة لغرب إفريقيا التي تستقبل كميات المخدرات، خاصة الكوكايين لنقله في مرحلة لاحقة إلى الأسواق الأوروبية، نجد أن العصابات المتخصصة تستعمل السفن التجارية لنقل المخدرات إلى الشواطئ الإفريقية على امتداد الساحل الأطلسي أو عند خليجات الساحل أو يتم تفريغها في قوارب أخرى خارج المياه الإقليمية لما وراء 200 ميل المحددة لسيادة المياه الإقليمية للدول. و أحيانا كثيرة تقوم عصابات توريد المخدرات باستعمال الطائرات الصغيرة لنقل شحنات المخدرات إلى شواطئ إفريقية. خاصة أن عددا من الدول الإفريقية، كما يقر بذلك مكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة، غير قادرة تقنيا وميدانيا على رصد أو ملاحقة الطائرات التي تخترق مجالها الجوي، و من أهم محطات الاستقبال الجوي رصدت عدة تقارير دولية عمليات من هذا النوع بموريتانياومالي وسيراليون وغينيا و غينيا بيساو و الرأس الأخضر. أما عن عمليات النقل من إفريقيا نحو أوروبا، فيتم هنا استغلال ضعف المراقبة الأمنية على الحدود، و كذا غياب التنسيق الأمني بين الدول الحدودية، هذا علاوة على هشاشة المنظمات السياسية لعدد من الدول في تدبير ترابها الوطني بسبب وجود جماعات تستفيد من تجارة المخدرات، سواء تعلق الأمر بعصابات الجريمة المنظمة، أو جماعات انفصالية، أو عرقية أو جهادية. و تتقاطع المصالح وتتشابك لتصبح الحماية والوساطة العملة السائدة في المشهد العام رغم الجهود التي تقوم بها القوات الأمنية النظامية المكلفة بمراقبة الحدود ومكافحة الجريمة العابرة للأقاليم. علاقة العصابات المنظمة بالتنظيمات الإرهابية، تبدو أكثر وضوحا بمناطق جنوب آسيا، ثم بمنطقة الساحل والمعابر المتاخمة لها جنوب دول شمال إفريقيا. نظريا، الجماعات الإرهابية تستغل كل شيء قادر على تمويل عملياتها الجهادية، وتجد لنفسها مبررات شرعية مغلوطة. وهنا تتقاطع عمليات حماية الجماعات الجهادية و الإرهابية لعمليات التوريد و التعاون مع عصابات الجريمة المنظمة للحصول على المال و السلاح و نقل المقاتلين. و تستفيد التنظيمات الإرهابية كما عصابات الجريمة المنظمة من عطل التنسيق الأمني بين الدول، خاصة الدول التي توجد بينها قضايا حدودية، أو من أجل النفوذ الإقليمي، و المستفيد هنا هو الجريمة المنظمة بمعناها الواسع. العملية الأخيرة التي أفشلتها قوات الأمن المغربي بكل فعالياتها تؤشر على وجود هذه التداخلات بين عصابات تجارة المخدرات و عصابات الإرهاب و الانفصال بالمنطقة، و هذا ما قد يظهر جليا عند استكمال التحقيقات المعمقة الجارية. لكن المؤشرات موجودة ومادية عن علاقة الإرهاب و العصابات منذ عقد من الزمن، أذكر هنا تقريرا لمدير مكتبها لمكافحة المخدرات والجريمة أنطونيو ماريا كوستا الذي أقرّ في كلمة له في إطار ندوة حول ظاهرة تهريب المخدرات في إفريقيا تم تنظيمها في شهر دجنبر من عام 2009، بوجود أدلة موثقة عن استعمال الجماعات الإرهابية لموارد تجارة المخدرات لتدبير عملياتها، ثم هناك تقريرا ميدانيا نشرته مجلة " نيكان آسيان ريفيو" في عددها الصادر يوم 13 يونيو 2016، اعتمادا على مصادر استقتها المجلة من العاصمة الكورية الجنوبية سيول، على تفاصيل عمليات تجارة غير شرعية كورية شمالية للسجائر المزيفة وارتباطها بالمنظمات الارهابية والارهابيين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبخاصة مع المختار بلمختار، الذي أشار إليه التقرير بأنه أصبح يلقب "المستر مارلبورو" نتيجة أعمال تهريب السجائر التي تزايدت بعد ركود العمليات الإرهابية. و الأدلة متعددة اليوم حول عمليات أكثر تعقيدا بنيجيريا و مالي و المعابر الرابطة بين مدينة تندوف الجزائرية و الطوارق و شمال شرق موريتانيا. p كيف تنظر إلى الاختيار الجديد للعصابات المنظمة المتخصصة في تهريب المخدرات الصلبة للمغرب من حوالي عقد من الزمن كجسر ومعبر للمخدرات نحو دول جنوب غرب أوروبا على الخصوص ؟ n المغرب في تقدير عصابات تجارة المخدرات، معادلة صعبة، لأنه من جهة أقرب نقط العبور و التوريد نحو أوروبا، ثم هو محطة إذا تم استغلالها، يتم ذلك دون اللجوء إلى التحالفات الجزئية مع تنظيمات وعصابات مسلحة لانعدامها على التراب المغربي. لكن بالمقابل ، فالمغرب، وبفضل تحصين ساكنته منذ أكثر من عقد عبر مشاريع تنموية واعدة، ثم تعزيز خبرته في الملاحقة الأمنية والاستخباراتية لمصادر توريد المخدرات و الجريمة المنظمة، ليس محطة سهلة بالنسبة لعصابات تجارة المخدرات. و لذا تحاول عصابات تجارة المخدرات استغلال عدد من المواطنين الأفارقة وغير الأفارقة في نقل المخدرات في أمتعتهم بل أمعائهم، و قد تم ضبط عشرات الحالات بمطار محمد الخامس، ثم هناك محاولة استغلال ثغور المملكة، خاصة الجنوبية منها، اعتقادا من العصابات بأن الوضع الخاص للأقاليم الجنوبية قد يساعد على تمرير حمولات المخدرات كالتي تم اكتشافها خلال الفترة الأخيرة. ويبقى شمال المغرب، الذي شهد منذ عقود نشاط عصابات في تهريب الشيرا ، وكذا عصابات شرق المغرب المختصة في المخدرات الصيدلية المهلوسة، و مع كل هذا، تعرف كل هذه العمليات تراجعا ملحوظا، بفضل السياسات العمومية المتظافرة التي بدأت ببرامج تنموية و بإرساء اقتصاد بديل، مرورا بترسيخ التدبير الديموقراطي، مرورا بالاستقرار الأمني ثم انخراط المغرب منقطع النظير في الجهود الدولية ضد مكافحة الجريمة المنظمة بكل أنواعها. p تقوم السلطات الأمنية المغربية بمجهودات كبيرة لوقف تهريب المخدرات نحو السوق الأوروبية، وكان من أبرز العمليات التي أحبطتها الاستخبارات المغربية مؤخرا ضبط كمية غير مسبوقة من الكوكايين كانت في طريقها عبر الأطلسي إلى أوروبا . n لابد من النظر إلى هذه الجهود من ثلاث زوايا، الأولى تتعلق بجهود المغرب في مكافحة زراعة القنب الهندي بالريف شمال المغرب، المغرب اختار توعية الساكنة بالريف باستبدال زراعات القنب الهندي بزراعات غذائية، رافقتها عمليات دعم لوجيستي و تنموي كبير، رافقتها عمليات تمشيط أمني واسعة خلال العقد الأخير كان هدفها القضاء على سماسرة و أباطرة الاتجار بالمخدرات، ثم رافقها المجهود التعبوي للحد من استهلاك المخدرات، وإرساء مراكز لمكافحة الإدمان. فقد قامت الحكومة المغربية بوضع برنامج للتنمية البديلة المندمجة بمناطق زراعة القنب الهندي، خصصت له عام 2009 اعتمادا ماليا بقيمة 70 مليون دولار، استهدف حوالي 74 جماعة قروية. وتراجعت المساحة المخصصة لزراعة القنب الهندي بحوالي 65 في المئة ما بين سنتي 2003 و 2010. الشق الثاني، أسس له المغرب من خلال شراكاته الأمنية مع عدة دول من الشمال أطرها مصادقته على الاتفاقيات الثلاث المتعلقة بمكافحة المخدرات ومؤثراتها العقلية لسنة 1961 بصيغتها المعدلة ببروتوكول سنة 1972، ثم اتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971، إضافة إلى اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988 . أضف إلى ذلك الدور الريادي الذي يضطلع به المغرب داخل الانتربول الدولي في مكافحة الجريمة المنظمة . المغرب يتوفر اليوم على خبرة واسعة في مكافحة المخدرات و الجريمة المنظمة وإرادة سياسية حقيقية في جعل المغرب نموذجا إقليميا، لذا ورغم تعقيدات الوضع الإقليمي العام الهش ، فأظن أن نجاحات المغرب تتنامى . p يبذل المغرب جهودا كبيرة لتأمين حدوده، سواء شرقا شمالا جنوبا أو غربا ، هل تعتقد أن الخطر اليوم ، سواء تعلق الأمر بتهريب المخدرات في علاقته بتمويل الحركات الإرهابية ، قادم من الجنوب والشرق أساسا بالنظر للوضع الأمني الهش الذي تعيشه بعض بلدان دول الساحل والصحراء وليبيا ؟ n المغرب بجهوده المتعددة يجد نفسه مضطرا لرفع درجة الحذر في ظل وضع إقليمي مضطرب ، بوجود جارة ترفض التعاون الكامل بسبب دعمها لمشروع البوليساريو الانفصالي، وجارة جنوبية هي موريتانيا تعيش تقلبات غير مطمئنة، وجوار إقليمي يتميز بتزايد المخاوف الأمنية الكبرى بليبيا و مالي حيث الجماعات الإرهابية و تجارة الأسلحة. أمام مثل هذا الوضع فرضية التحالف بين الخارجين عن القانون بكل أنواعهم محتملة ، و بعض مؤشراتها بدأت تظهر إلى الوجود. إذن فجهود المغرب موفقة، متبوعة بشرط الاستمرارية. ومن حسن حظ المغرب أن التنسيق الأمني بين مختلف أجهزته يساعد كثيرا على فعالية عمليات مكافحة الجريمة المنظمة. لكن يبقى التنسيق الإقليمي في حاجة ماسة للتفعيل، وهناك ثلاثة مفاتيح مركزية، وهي ضرورة تغيرعقلية التعاون الأمني لدى صناع القرار بالجزائر، و استخدامهم للعلاقة الترابطية بين الأمن القطري و الأمن الإقليمي، ثم ضرورة مراجعة مجموعة الساحل الخمس التي أقصت دولا مركزية في مكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة خاصة المغرب و الجزائر، ثم الحاجة الماسة لاحقا إلى إدخال ليبيا، وإلا فإن عملها لن يرقى لمستوى التحديات الإقليمية. الأمر الثالث أو المفتاح الثالث هو ضرورة تحسين الحكامة السياسية والأمنية بإفريقيا.