طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المغرب    نشرة انذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة الأحد والاثنين بعدد من أقاليم المملكة    توقيف ثلاثة مواطنين صينيين يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الرقمية    توقيف 3 صينيين متورطين في المس بالمعطيات الرقمية وقرصنة المكالمات الهاتفية    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    ترامب يعلن عن قصف أمريكي ل"داعش" في الصومال    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    "بوحمرون".. الصحة العالمية تحذر من الخطورة المتزايدة للمرض    الولايات المتحدة.. السلطات تعلن السيطرة كليا على حرائق لوس أنجليس    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب ودمج CNOPS في CNSS    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    الشراكة المغربية الأوروبية : تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    توقعات احوال الطقس ليوم الاحد.. أمطار وثلوج    اعتبارا من الإثنين.. الآباء ملزمون بالتوجه لتقليح أبنائهم    انعقاد الاجتماع الثاني والستين للمجلس التنفيذي لمنظمة المدن العربية بطنجة    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    شركة "غوغل" تطلق أسرع نماذجها للذكاء الاصطناعي    البرلمان الألماني يرفض مشروع قانون يسعى لتقييد الهجرة    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    BDS: مقاطعة السلع الإسرائيلية ناجحة    إسرائيل تطلق 183 سجينا فلسطينيا    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    رحيل "أيوب الريمي الجميل" .. الصحافي والإنسان في زمن الإسفاف    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    زكرياء الزمراني:تتويج المنتخب المغربي لكرة المضرب ببطولة إفريقيا للناشئين بالقاهرة ثمرة مجهودات جبارة    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    تنس المغرب يثبت في كأس ديفيس    بنعبد الله يدين قرارات الإدارة السورية الجديدة ويرفض عقاب ترامب لكوبا    "تأخر الترقية" يخرج أساتذة "الزنزانة 10" للاحتجاج أمام مقر وزارة التربية    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    المغرب التطواني يتمكن من رفع المنع ويؤهل ستة لاعبين تعاقد معهم في الانتقالات الشتوية    توضيح رئيس جماعة النكور بخصوص فتح مسلك طرقي بدوار حندون    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    العصبة الوطنية تفرج عن البرمجة الخاصة بالجولتين المقبلتين من البطولة الاحترافية    الولايات المتحدة الأمريكية.. تحطم طائرة صغيرة على متنها 6 ركاب    بنك المغرب : الدرهم يستقر أمام الأورو و الدولار    المغرب يتجه إلى مراجعة سقف فائض الطاقة الكهربائية في ضوء تحلية مياه البحر    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي العرجات 2 باستعمال سلاحه الوظيفي    السعودية تتجه لرفع حجم تمويلها الزراعي إلى ملياري دولار هذا العام    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    غزة... "القسام" تسلم أسيرين إسرائيليين للصليب الأحمر بالدفعة الرابعة للصفقة    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    حركة "إم 23" المدعومة من رواندا تزحف نحو العاصمة الكونغولية كينشاسا    هواوي المغرب تُتوَّج مجددًا بلقب "أفضل المشغلين" لعام 2025    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الممثلة امال التمار تتعرض لحادث سير وتنقل إلى المستشفى بمراكش    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخرجون نجوم : دافيد لينش.. السينما بين الحدود غير الواضحة بين واقعين مختلفين

السينما من وجهة نظر دافيد لينش هى عملية تحويل حلم إلى فيلم سينمائى بالكشف عن لامعقولية العالم الحلمى فى الظروف العادية، ومن أجل هذا يستخدم دافيد لينش السرد المُتجزء وعدد لا حصر له من الكوابيس واللقطات التى تُشبه الحلم، وسوف نلاحظ فى أفلامه تكراراً للقطات للنار، والطرق السريعة ليلاً، والدخان، والأضواء المتقطعة، ولقطات عديدة مُشوهة.
أراد دافيد لينش أن يُصبح رساماً عندما كان عمره 9 سنوات، لكنه وبينما كان يتعلم ليصبح رساماً، أدرك أنه باستخدام الوسيط السينمائى يستطيع عمل صور مؤثرة، وأن السينما يمكن أن تكون أكثر الوسائط تأثيراً فى التعبير عن رؤاه.
قال دافيد لينش إنه يُفضل السينما عن أى شكل فني آخر، لأن السينما نفسها تحتوى على فكرة الزمن والسرد والحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وهذه الأشياء تُتيح له أن يعبر عن أفكاره وأحاسيسه التى لا يمكن التعبير عنها باستخدام أي وسيط فنى آخر.
دافيد لينش مخرج سينمائى أمريكى، تمثل أفلامه السينما المستقلة الناجحة، ودافيد لينش هو الوحيد من المخرجين الأمريكيين الذين نجحوا فى عمل أفلام فنية على الطريقة الأوروبية، وبالإضافة إلى أن دافيد لينش مخرجاً فإنه منتجاً وسيناريستاً، وهو أيضاً رساماً ومصوراً فوتوغرافياً وموسيقياً. ونستطيع ان نجد فى كل أفلامه أن العلاقة بين الاحلام والواقع من الموضوعات الأساسية، فالسريالية واللامعقول دائماً موجودان، وهو لا يلقى بالاً إلى الوسيط الفنى الذى يستخدمه سواء كان هذا الوسيط هو السينما أو التليفزيون، وغالباً فإن دافيد لينش يميل إلى الاحتفاظ بتأويلات أفلامه لنفسه فهو لا يبوح بها، فهو يترك هذه التأويلات لكى يستكشفها الجمهور بنفسه، ولأن أفلامه تصدر عن لا وعيه، فقد قال إنه يستمتع كثيراً بتأويلات الجمهور لأفلامه، وهذه التأويلات غالباً ما تكون مختلفة كلية عن رؤاه الخاصة.
وُلد دافيد لينش فى ميسولا بمونتانا فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1946، وبصرف النظر عن أن عائلته تنقلت كثيراً، فإن دافيد لينش عاش طفولة سعيدة، ورغم أنه وعائلته عاشا حياة الطبقة المتوسطة العادية، فدافيد لينش الطفل عرف أن الحدود بين الواقع والأحلام ليست جامدة، فقد قال «إنه عرف أن ثمة عالما آخر تحت سطح العالم الذى نعيشه، وأن عوالم أخرى يمكن اكتشافها إذا حفرت عميقاً تحت السطح»، ويقول لينش بأنه عرف هذا عندما كان طفلاً لكنه يقر بأنه استعصى عليه أن يجد دليلاً على زعمه.
العنصر السريالى فى أعمال دافيد لينش شديد الوضوح لأن عملية إخراج فيلم أو إبداع أي شكل فني من وجهة نظره ما هى إلى عملية لا وعي خالصة.
السينما من وجهة نظر دافيد لينش هى عملية تحويل حلم إلى فيلم سينمائى بالكشف عن لامعقولية العالم الحلمى فى الظروف العادية، ومن أجل هذا يستخدم دافيد لينش السرد المُتجزء وعدد لا حصر له من الكوابيس واللقطات التى تُشبه الحلم، وسوف نلاحظ فى أفلامه تكراراً للقطات للنار، والطرق السريعة ليلاً، والدخان، والأضواء المتقطعة، ولقطات عديدة مُشوهة.
أراد دافيد لينش أن يُصبح رساماً عندما كان عمره 9 سنوات، لكنه وبينما كان يتعلم ليصبح رساماً، أدرك أنه باستخدام الوسيط السينمائى يستطيع عمل صور مؤثرة، وأن السينما يمكن أن تكون أكثر الوسائط تأثيراً فى التعبير عن رؤاه.
قال دافيد لينش إنه يُفضل السينما عن أى شكل فني آخر، لأن السينما نفسها تحتوى على فكرة الزمن والسرد والحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وهذه الأشياء تُتيح له أن يعبر عن أفكاره وأحاسيسه التى لا يمكن التعبير عنها باستخدام أي وسيط فنى آخر.
وهو يُفضل الصورة عن الكلمة، وهذا واضح فى أفلامه وخاصة فيلم «رأس الممحاة» الذى يتميز بشُح الحوار، ودافيد لينش على أيه حال ظل محافظاً على وجود ضوضاء تغلف شريط صوت أفلامه، كما انه يكتب موسيقى أفلامه بنفسه، وهو يستخدم الكلمات الغامضة كعنصر من عناصر عالمه الحلمى.كما ان الستارة الحمراء هى أحد الرموز التى يتكرر ظهورها فى أفلام دافيد لينش، وظهرت للمرة الأولى فى فيلم «الأزرق المخملى». وقد عبر عن ولعه بلحظة محددة – وهى لحظة جلوسك فى صالة السينما بينما الأضواء تنطفئ وتنفتح الستارة ويبدأ الفيلم، وهذا يأخذك إلى عالم آخر- هذه اللحظة المحددة هى التى ألهمت دافيد لينش أن يستخدم رمز الستارة الحمراء أكثر من مرة فى أفلامه.
وتُمثل الستارة الحمراء نوعاً من الفاصل بين الواقع المادى الحقيقى وبين عالم الحلم، ففى فيلم «توين بيكس» فإن الغرفة الحمراء بالستائر الجدارية الحمراء هى المكان الذى تتخذ فيه الأرواح شكلها المثالى، وهى المكان الوسط بين عالمين حيث يمكن لأى شيء أن يحدث ولا توجد مشكلة بالنسبة للزمن.
الأحلام
الأحلام هى واحدة من أكثر الموضوعات المُستخدمة فى أفلام دافيد لينش، وهو يفترض فى معظم أفلامه ان العالم الذى نعيش فيه ليس هو العالم الوحيد المتاح، وبالنسبه له فأن الواقع اليومى الذى نعيشه هو مجرد ظل لأفكار مظلمة وخطيرة وشهوانية تسيطر على الإنسان العادي.
معظم مواضيع أفلامه تبدو أسيرة الحدود غير الواضحة بين واقعين مختلفين، ولكن بدون معرفة يقينية بما هو الواقع الحقيقى وما هو الواقع الحلمى، فشخصية «إيجنت كوبر» فى فيلم «توين بيكس» يسأل نفس السؤال الذى يراودنا عندما نفكر في الأحلام، فهو يسأل «هل تعرف من أين تأتى الأحلام؟، الخلايا العصبية المركزية تُطلق شحنات عالية الفولت إلى مقدمة الدماغ، هذه الشحنات تُصبح صوراً، والصور تُصبح أحلاماً، لكن لا أحد يعرف لماذا نختار تلك الصور بالتحديد» وعن سر إهتمامه بالأحلام قال دافيد لينش «عندما تنام، فانت لا تتحكم فى أحلامك، وأنا أحب أن أخوض فى العالم الحلمى الذى أختلقه، فهو العالم الذى اخترته والذى أتحكم فيه بشكل كامل».
التباين بين الحلم والواقع وبين الخير والشر موجودان فى فيلم «الأزرق المخملي» حيث تنقسم بلدة إلى قسمين، قسم للخير والثراء وقسم للفقر والوضاعة، ونفس الحال مع الشخصيات الرئيسية، فهى تخلق تبايناً، فشخصية جيفري تُمثل الخير وشخصية فرانك تُمثل الشر، وشخصية ساندي تُمثل البراءة بينما شخصية دوروثى تُمثل الدناءة، والحقيقة أن العديد من عناصر أفلام دافيد لينش تقابلها عناصر عكسية فيما له علاقة بإيمانه بالعوالم الحلمية وبحقيقة أن كل صورة كبيرة جميلة يمكن أن تحتوى على تفاصيل بشعة.
ومرة أخرى، فثمة توازى يمكن اكتشافه بين قناعات دافيد لينش فى العوالم البديلة وبين كل العناصر فى أفلامه التي ترمز لهذا، ففى واحدة من رسوماته التى تحمل اسم «أنا أنظر إلى نفسي» نرى جانبي شكل معروضين، فهو هنا يصور قناعاته بالشيئ وعكسه –الخير والشر، والحلم والواقع، والظلام والنور، والجمال والقبح، وكذلك يكشف عن المنطقة الوسطى بين العالمين حيث نجد ان الغرفة الحمراء فى فيلم «توين بكس» تعبر عن هذه المنطقة الوسطى، ويعلق دافيد لينش عن هذا قائلاً «إن الشيئ يقابله نقيضه، وهذا يعنى وجود شيئ فى المنتصف، وأن المنتصف ليس لتعادل النقيضين ولكن الوسط هو قوة النقيضين».
موضوع الحلم غالباً ما يتحول إلى موضوع الحلم الأمريكى- الذى غالباً ما يظهر فى أعمال دافيد لينش أيضاً – من المشاهد الأولى المُدهشة فى فيلم «الأزرق المخملى» إلى قصة بيتى إلمس، حيث تحاول فتاة صغيرة أن تصنع هذا الحلم الأمريكى فى هوليوود، فكرة الحلم الأمريكي يمكن أن يكون لها جذور من طفولته، فالعالم فى طفولة لينش كان في الضواحى شديدة الصغر، وعلى أيه حال، فهو غالباً ما يلمح إلى عناصر القبح فى حياة الضواحي، وهذا أيضاً موصوف فى أفلامه.
التناقض بين الجمال التام وبين التفاصيل القبيحة يمكن رؤيته فى المشهد الافتتاحي من فيلم «الأزرق المخملي» حيث تنتقل الكاميرا من صورة لمنزل جميل مبنى على بقعة من العشب الأخضر المقصوص، لتكشف لنا الكاميرا عن العنف الشديد لحياة الحشرات تحت هذا المنظر البديع فى جماله.
هذا الملمح من العنف فى الحلم الأمريكي يتكرر فى أعمال دافيد لينش، إنه يفحص الجانب المظلم من المجتمع، الذي يمكن أن يوصف بأنه واحد من العوالم البديلة التى يحرص لينش على تقديمها كثيراً، فهناك شيء ما يحدث ويمكن رؤيته وثمة شيء آخر مختلف كليةً يحدث تحت السطح، والذى يمكن اكتشافه هو عندما تدخل ما يسمى المنطقة الوسطى فقط، فيلم «توين بيكس» و فيلم «مولهولاند درايف» وفيلم «الأزرق المخملي» هم أكثر أفلام دافيد لينش التى ينطبق عليها ما سبق من توصيف لأسلوبه.
فيلم الأزرق المخملى
يداوم لينش على تحدي أبعاد الواقع وغالباً فإنه من المستحيل أن نعرف ما هو الحقيقى فى أفلامه وما هو حلم، فأى تفصيلة يومية تحتوى على هذه الحالة، وحتى الأشياء الأكثر إعتيادية يمكن ان تُصبح مؤرقة، ويفعل دافيد لينش هذا مع المنازل كالبيت الذى عاش فيه فى طفولته حيث يبدو خانقاً وكئيباً «البيت هو المكان الذى تتجه فيه الأشياء فى إتجاه خاطئ».
فيلم «الأزرق المخملي» فيلم تذهب الأشياء فيه إلى الاتجاه الخاطئ. بطل الفيلم «جيفري» هو ولد مراهق عادي، وبعد أن يكتشف أذناً مفصولة، فإنه ينخرط فى عصابة منحرفة تحتبس زوج أحد المغنيات وابنها كرهينتين حتى ينالوا منها جنسياً، المشاهد العنيفة يمكن أن تُرى كرمز للعنف الأسرى داخل العائلات، ففرنك يمثل الأب المتعسف وجيفرى إبنه، الفيلم يستكشف العقدة الأوديبية بمشاهد مشوشة حيث «الوليد يريد أن يمارس الجنس».
فيلم الأزرق المخملي لا يُصدر مشكلات العالم، فكل المشكلات التى يتعاطى معها الفيلم هى مشكلات تدور فى المنطقة السكنية وداخل عقول الناس، ويصور الفيلم الظهور البريء والساذج لبلدة صغيرة، حيث العالم السفلى القبيح يواصل الظهور، لاشئ سوى الأسود والأبيض، والتباين الموجود فى فيلم «الأزرق المخملي» يعبر عن هذا، فالفساد والجرائم والدعارة واضطهاد النساء من الأشياء المخفية تحت سطح الحياة فى بلدة من بلدات الضواحى الهادئة.
جيفرى له دور فى الفعل كجسر بين العالم السفلى المظلم وبين حياة الضواحى البريئة، بينما كل من العالمين مختلفين كلية عن بعضهما بعضاً «أنا أرى شيئاً مخفياً دائماً، أنا فى منتصف شيء غامض، وكل ما فيه سري» يبدأ جيفرى فى ملاحظة ازدواجية الحياة حتى فى بلدته الصغيرة.
والمرأة التى تقع فى ورطة هى واحدة من أكثر مواضيع أفلام دافيد لينش، فى فيلم «الأزرق المخملي» يتم التعدى على دوروثي فالنس من فرانك، مما يجعلها واهنة وغير سوية من الناحية العقلية، بينما فرانك بوث - المجرم الذى يحتجز زوج دوروثى وابنها كرهينتين – يعتدى عليها جنسياً مراراً وتكراراً، إنها تصبح مُدمرة لدرجة أنها تبدأ فى اعتبار أمر الاعتداء الجنسى عليها كشيء مفيد « جزء منك معي، أنت تضع مرضك بداخلى وهذا يساعدنى، فهو يجعلني قوية» وعندما تكتشف جيفري في شقتها بعد أن اعتدى عليها فرانك لتوه، وبينما يذهب جيفرى إليها ليهون عليها، فإنها تستحلفه ان يضربها.
وبينما تصبح شخصيات الفيلم على علم بنفوسها المظلمة، فإنهم يقبلون هذا ويواصلون الحياة، فالحياة تستمر دائماً، ويصور الفيلم قناعة دافيد لينش بالطبيعة الازدواجية للعالم، فأينما كان هناك ضوء فهناك أيضاً ظلال– فلا يوجد شيء كامل، المشهد الأخير من الفيلم يصور عصفوراً يجلس على حافة النافذة، وفى منقاره عقد يمسك به– فهناك دائماً عالم سفلى مظلم، وبإدراك هذه الحقيقة فلا شيء آخر يمكن عمله إلا مواصلة الحياة.
يبدأ الفيلم بأذن وينتهى بأذن، بينما جيفري يستيقظ فى نهاية الفيلم، بينما الكاميرا تتباعد «زووم أوت» عن أذنه، وهذا قد يلمح إلى أن كل ما حدث فى الفيلم ما هو إلا خيال من جيفري، والمشاهدون يُتركون مرة ثانية لتأويل الفيلم على الطريقة التى يحبوها.
فيلم «مولهولاند درايف»
«مولهولاند درايف» واحد من أكثر أفلام دافيد لينش التى تعبر عن أسلوبه، وعلى أيه حال، فهو أيضاً واحد من أفلامه التى رفض أن يحلله أو يفسره، الفيلم يستكشف الكثير من مواضيع دافيد لينش الأكثر شيوعاً فى أسلوبه، مثل الذاكرة والهوية والمدينة الكبيرة الغير واقعية – وهى لوس انجلوس فى هذا الفيلم – كما لا يوجد سرد تقليدى فى الفيلم، وعلى أيه حال فإن الشخصيات وذواتهم يتدمرون ببطء وعلى غير المتوقع.
فالممثلة الطامحة بيتى إلمس تصل إلى لوس أنجلوس وتكتشف إمرأة تعانى من فقدان الذاكرة تعيش فى الشقة التى من المفروض ان تكون شقتها، فتصبح المرأتين صديقتان وتحاولان تجميع أجزاء القصة غير المفهومة، وبينما يتقدم الفيلم، فالأمر يصبح أكثر وضوحاً فى أنه من المستحيل أن نجد استنتاجاً واحداً صحيحاً للقصة، ومع فقدان الذاكرة للشخصية المحورية وحقيقة أن نفس الممثلات يؤدين أدواراً مختلفة، فإن الجمهور يتشتت كثيراً، وعندما يجلس رجلان للعشاء، يناقشان حلم مر به أحدهما عندئذ نرى نفس الوحش الموصوف فى الحلم خلف عشائهما، ويبدأ الجمهور مرة ثانية فى التشكيك فيما هو واقع وما هو خيال.
ويتحول الفيلم أكثر إلى السريالية عندما تكتشف المرأتان صندوقاً أزرق ومفتاحاً مطابق لقفله، فتلح بيتى على الذهاب فوراً إلى نادى «سيلينشيو» بالرغم من أن الساعة قاربت الثانية ليلاً، وفى النادى يشاهدان امرأة تغني ، وفجأة تنهار وتقع بينما صوت الغناء يستمر، الممثلتان يبدوان فى شخصيتين مختلفتين الآن، وهذا يجعلنا نستشكل فى كل حبكة الفيلم حتى تلك اللحظة.
ومثلما فى فيلم «الازرق المخملي» يرسل لنا الفيلم رسائلاً بأن لا شيء يبدو كحقيقته، فلا يوجد مكان أفضل من هوليوود للتعبير عن ذلك، كما أنها المكان حيث المظهر هو كل شيء ولكنه لا يكفى، وبينما الممثلون الذكور يجب عليهم أن ينالوا باستمرار الأدوار التى تجعل منهم أشخاصاً آخرين، فمن السهل أن ننسى الهوية الحقيقة لأحد الممثلين، ويبحث دافيد لينش أيضاً فى هذا الملمح فى فيلمه «إمبراطورية أرضية» Inland Empire «
الستائر الحمراء تظهر فى هذا الفيلم مرة أخرى، كما لو كانت رأس «رجل من مكان آخر» « Man From Another Place « الذى نراه فى فيلم «توين بيكس» وملح جيد من الازدواجية يُضاف إلى قائمة دافيد لينش عن الأشياء ونقيضها، مثل السذاجة واللؤم، الأضواء المتقطعة يتم تقديمها أيضاً كشواهد متعددة لحالة النوم والتى توحى بالأحلام، وهذه الأضواء واحدة من التيمات الرئيسية فى الفيلم.
الحياتان المتوازيتان للمرأتين يمكن تفسيرهما كحلم، فكل منهما تنام كثيراً وكل منهما لديها طموح، وعلى أيه حال، ففى هذا الفيلم لا توج إجابة صحيحية واحدة ولا يوجد عالم حقيقي، وبينما يهتم دافيد لينش بالعوالم المتوازية وبازدواجية كينونتنا، فثمة ما يجعل بعض من مشاهد هذا الفيلم تقع فى المنطقة الوسطى بين عالمين.
وهناك فى هذا الفيلم فقرت يمكن وصفها بأنها تصدر من اللاوعى والبعض الآخر مجرد قصص فرعية فى الفيلم وهى تقود للاشئ، بينما الشخصيات تصل إلى حالة من التقبل لحيواتهم الاستثنائية ويتعلمون أن يتعايشوا معها، وكذلك الحال مع المشاهدين، فيلم «مولهولاند درايف» لا يعبأ بالحقيقة، فالشيء المهم هو العزف على ألحان سوداوية والإكثار من التفاصيل واللعب بالضوء.
دافيد لينش علق بنفسه على الضوء فى مدينة لوس أنجلوس قائلاً إنه أكثر ملمح يميز المدينة، وعلى الرغم من أن لوس أنجلوس تُصور بطريقة مرعبة أكثر فى فيلم «مولهولاند درايف»، فقد قال لينش إن لوس أنجلوس مدينة تجسد رهابه من المدن الكبرى بسبب الإضاءة الخاصة التى يدعي بأنها تتميز بها، الفيلم جميل من الناحية الجمالية وتجربة شديدة الذاتية – وتفسير الفيلم منوط بمن يشاهده، وعلى أيه حال فالفيلم يترك المُشاهد وبداخله إحساس بالجمال المؤرق.
دافيد لينش مخرج يستطيع أن يتركنا نشعر بالتشوش والصدمة، وأن يجعلنا مذهولين ومرتبكين، أفلامه تأتى من لا وعيه، وأفلامه تبدو كأمكنة شديدة الظلمة، إنه شخص روحانى إلى أقصى حد، وتصور شخوصه هذه الظلمة ببراعة، لأن لا احد من شخصياته يتصف بالخير المطلق أو الشر المطلق، كذلك فدافيد لينش يؤمن بوجود أكثر من وجود او عالم، وهو يوحى أيضاً بحتمية وجود شيئ يربط هذه العوالم، وهذا المكان ليس واقعياً تماماً وليس خيالياً تماماً.
يستخدم دافيد لينش موتيفات تشتهر بها أفلامه، مثل الطرق السريعة ليلاً، والستائر الحمراء، والنار، والدخان، والنساء الجميلات اللاتي يقعن غالباً فى مشاكل، كما يستخدم أكوام الزبالة ويتبنى مفهوماً خاصاً عن الصوت، وأكثر المواضيع التى تركز عليها أفلامه، هى العائلة والجنس والعنف الجنسى والهوية والأحلام ، وعدم واقعية الحياة التى نحياها.
إنه يوظف التفاصيل الصغيرة والسرد غير التصاعدى ليخلق صوراً مؤرقة لقصص مستحيل تصديقها ولكنه يحيل هذه الاستحالة إلى حقيقة، وهو يتركنا دائماً مُندهشين، إنه يتركنا ونحن غير متيقنين من أى شيء، وأن تلك الأحلام هى جزء من حقائق حياتنا، وبينما نشاهد أفلامه، فنحن غالباً لا نحصل على كل الإجابات، وهذا يجعل لا وعينا يكشف عن نفسه، ويسمح بتفسيرات لا حصر لها لمغزى أفلامه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.