قمة العبث السياسي المطبوع بالفوضى والضجيج، بالسخافة والصحافة، بالنميمة والإشاعة.. ما نلاحظه اليوم، بلوكاج مشاورات تشكيل الحكومة، «فاعلين» سياسيين وإعلاميين.. الكل يعلو كرسي الأستاذية ليفتي الفتاوى ويوزع النقط والميداليات، ويقرر في لائحة الفائزين والراسبين في مسار بناء الديمقراطية، ويحكم على الأحزاب ويصنفها إلى أحزاب قوية وأخرى ضعيفة أو ميتة، أحزاب حقيقية وأخرى غير مستقلة... عيب «ساستنا» أنهم لا يطبخون مواقفهم على نار هادئة، يندهشون بسرعة ويستنكرون بسرعة.. ردود انفعالية تنم عن الجهل أحيانا، وعن الخبث أحايين كثيرة.. عدم إعمال العقل وتغييب المنطق.. القفز على الواقع، والقطع مع التاريخ.. قراءة الأزمة/ البلوكاج بهواجس المصلح ونزوعات الذات.. في هذه اللحظة أصيب الجميع بإسهال سياسي.. صحف تدعي الحياد، وأخرى تزعم الاستقلالية.. مواقع تديرها جيوش الهدم والعدمية.. «خبراء» و»محللون».. «مناضلون» كانوا ذات يوم اتحاديين.. تعددت الأسباب والخلفيات والهدف واحد، جلد الاتحاد الاشتراكي، إعلان موت حزب «تقليدي» و»شائخ».. الكل يروم محو حزب القوات الشعبية، أو على الأقل تقزيمه وتهميشه.. التهمة جاهزة: «فشل» لشكر في تدبير المرحلة.. أنه المسؤول الأول والأخير عن بلوكاج مشاورات تشكيل الحكومة.. أن «جريمة» إدريس لشكر، أن «جريمة» الاتحاد الاشتراكي بأجهزته التقريرية والتنظيمية، حسب هؤلاء المتهافتين، هي أن الاتحاد الاشتراكي أعلن مشاركة مبدئية في الحكومة ولكن مشروطة، وهؤلاء يريدون من الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي أن يكون ريشة في مهب المشاورات يتلاعب بها مزاج رئيس الحكومة المعين ونزوات المنبطحين ومستعجلي الاستوزار، ولا يهم بأي ثمن! إن موقف الاتحاد الاشتراكي واضح كل الوضوح ولا يحتاج إلى سنوات للفهم والاستيعاب، فهو من الجلاء ما يجعله قابلا للإدراك، بعيدا عن متاهات التأويل والتوظيف السيء.. لنستمع بل لننصت لكلمة الكاتب الأول أمام اللجنة الإدارية في 12 نوفمبر 2016 «إن مشاركة الاتحاد الاشتراكي في أي تشكيلة حكومية، ستبقى دائما رهينة بشروط تتجاوز النقاش التقني المرتبط بعدد الحقائب الوزارية ونوعيتها، وتضع أسسا صلبة لأي عمل حكومي مستقبلي. فنحن نعتبر أن المشاورات حول تشكيلة الحكومة، ينبغي أن تتم ضمن سياق معين، تكون معالمه الرئيسية محددة مسبقا ومتعاقدا بشأنها». إن الاتحاد الاشتراكي عصي على لي الذراع، ولن يقبل دروسا من أحد، خصوصا من أناس لم يسبق لهم أن ناضلوا ولو من أجل أنفسهم، ولا ماضي لهم مطلقا، لكنهم اليوم من متزعمي السياسة الطارئة، وهم الذين تخلفوا عن كل المعارك القاسية التي خاضها ويخوضها الشعب المغربي من أجل امتلاك مصيره. عجيب أمر «كتبة» و»محللي» و»خبراء» زماننا، يكتبون ولا يفكرون، يحللون ولا يمنطقون، يقولون الكلام ونقيضه.. افتتاحية اليوم تلغي افتتاحية الأمس.. جرائد وصحف بدون خط تحريري، بدون مهنية، بدون استقلالية.. محللون وخبراء بدون بوصلة.. إنه زمن الرداءة، زمن الارتزاق والكتابة تحت الطلب، وإرضاء من يدفع أكثر.. والنتيجة تيه وعبث، لخبطة وفوضى.. المؤسسة التي تشتغل بشكل قوي وعندها سيادة هي مؤسسة لا مرئية، إنها مؤسسة السر، قنوات تصريف الخبر والمعلومة أفقيا وعموديا تعتمد على مؤسسة السر، مع الإشارة إلى أنه يوجد فرق بين أن تكون للقائد السياسي أو الحزب السياسي أسراره، وبين أن تصبح مؤسسة السر هي القناة المفضلة أكثر لتصريف المعلومة، مما يجعل مؤسسة السر تستدعي مؤسسات أخرى هامشية بينها النميمة والإشاعة.. وهذا يتسبب في إعاقة المشهد السياسي برمته، وسيادة الشفوي على المكتوب، وسيادة الشفوي، تنتج أنه للحصول على المعلومة، يجب اللجوء إلى أداة التقرب، والتقرب يقتضي إعلان الرضا وهو ما ينتج الولاءات والزبونية، وينتج كذلك مجموعة مبنية ليس على المبادئ والقناعات ولكن على الولاء والتقرب والخدمة والخضوع.. وهذا هو حال بعض «الإعلاميين» و»الخبراء».. إن ما نسجله اليوم، هو هيمنة النميمة والإشاعة، التصريحات الكاذبة والمقالات المغلوطة، وهذا راجع إلى أن المجتمع لا يتوفر على وثائق أو محاضر الاجتماعات والمشاورات بل فقط تصريحات لأشخاص. من نقائض «كتبة» و»محللي» زماننا، أنهم يعتبرون الاتحاد الاشتراكي حزبا ضعيفا بل عند بعضهم حزبا ميتا، صاحب العشرين مقعدا فقط، ولكن، وفي نفس الآن، وفي نفس الافتتاحية أو المقال، يعتبرونه المسؤول عن البلوكاج! وهذه متاهة من لا يفكر بمنطق وموضوعية، ومتاهة من يحاول إبعاد المسؤولية عن رئيس الحكومة المعين... وفي افتتاحية لتوفيق بوعشرين بعنوان «من يقف خلف البلوكاج» يبدأ ب»سؤال واحد على لسان الخاص والعام: من يعرقل ولادة الحكومة الثانية لعبد الإله بنكيران؟ من يضع العصا في عجلة الأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، ويمنع هذه المخلوقات الحزبية العجيبة من دخول خيمة الأغلبية الجديدة، ماداموا جميعا يتوقون إلى كراسي الوزارة، ولا يتمنون الجلوس على مقاعد المعارضة؟» وبعد تفاصيل الجواب، حاول من خلالها بوعشرين إقناعنا أنه فقيه دستوري، ديمقراطي جدا، مؤرخ ومقارن، عالم منطق، مدرك للقوى المتحكمة في المشهد السياسي وفي المخلوقات الحزبية العجيبة، وقادر على رسم خارطة الطريق وتقويم أجندة البلاد.. يختم افتتاحيته بنوع من اليقين والإثبات «الآن أرى خلف الأزمة الحالية لتشكيل الحكومة بداية نهاية نظام الاقتراع الحالي، المسؤول عن البلقنة التي نراها الآن والبلوكاج القائم، وأرى قلما يكتب مشروع قانون جديد للاقتراع المقبل، يقطع الطريق على ألاعيب الداخلية لمعاقبة الأحزاب الكبرى، والالتفاف على إرادة الأمة، والمساس بالاختيار الديمقراطي، وإدامة التوازنات القاتلة للروح الديمقراطية». أخبار اليوم، العدد 2131، الأربعاء 9 نوفمبر 2016، يبدأ بوعشرين بمقدمة مسيئة للاتحاد الاشتراكي «كمخلوق حزبي عجيب» لينتهي إلى موقف اتحادي، ناسيا ذلك أو متناسيا، فأوهام العظمة جعلته يقرصن مبادرة الاتحاد الاشتراكي فيركب تضخم الأنا «الآن أرى... وأرى...» ومنطقيا هذا استنتاج غير متماسك مع المقدمة المنطلق منها. لننصت مرة أخرى إلى إدريس لشكر: «.. كنا الحزب الأول والرئيسي الذي بدأ مبكرا الاستعداد للانتخابات التشريعية مع مطلع سنة 2016 بإعداد مذكرة للإصلاح الانتخابي وتوجيهها لرئاسة الحكومة والأمناء العامين للأحزاب السياسية قصد المراجعة الشاملة للمنظومة الانتخابية. وقد انطلقت مذكرتنا من حقائق ومعطيات موضوعية، معتبرة أن إصلاح المنظومة الانتخابية مدخل أساسي من المداخل المؤدية إلى الإصلاح السياسي الشامل.. لم تتم الاستجابة لمبادرتنا الإصلاحية ولم تتبلور الإرادة السياسية للتفاعل الإيجابي معها.. وجاءت جل التطورات التي حصلت بعد ذلك لتبين صحة وجهة نظرنا...» واليوم يعتبرها بوعشرين وجهة نظره هو! يصاب المرء بكثير من القرف عندما يتأمل أقوال وكتابات ثوار الديمقراطية الجدد، المؤلفة جيوبهم، سماسرة السياسة ونصابوها، اليوم الكل يخاف على توقف الدولة، والجميع يرى في تأخر تشكيل الحكومة كارثة تستدعي جراحة قيصرية ولو خارج أعراف مهنة الطب وأخلاقياتها، اكتشف البعض «الحركة الشعبية، الأحرار، الاتحاد الاشتراكي» مخلوقات حزبية عجيبة، وأن من لم يصطف خلف رجل الإصلاح بنكيران فهو فاقد لاستقلالية القرار. يعتقد هؤلاء واهمين أنهم بمثل هذه السفاسف سيجردون الاتحاد الاشتراكي من رصيده التاريخي وإرثه البطولي، وسيفقدونه شموخه وأصالته... وينسى هؤلاء أن الاتحاد الاشتراكي الذي صمد في وجه الأعاصير، وناضل في المعارضة لمدة تفوق الأربعين سنة ولم تستطع آلة القمع والتدمير القضاء عليه، لا تستطيع رغبات ونزوات أشخاص انتهازيين النيل من قوته وعرقلة مساره.. إن من سقط سهوا على السياسة والصحافة، لن يستطيع اغتصاب عذريته وقرصنة تحدياته.. إن حزبا صنعته النضالات العسيرة والتضحيات الجسام، عصي على المحو بكتابات سخيفة. واليوم، لا أحد يملي على ابن كيران شروطه من القصر، وإن اعتقد هو والمؤلفة جيوبهم، أن أزمته مع الأحزاب هي بتوجيه خارجي، أو بسبب افتقادها للقرار المستقل، فتلك انطباعات وإسقاطات يعوزها دليل وحجة وإقناع، وسيكون ابن كيران واهما إن اعتقد أن الأحزاب ستسلمه مفاتيحها دون مقاومة، إنها أحزاب سياسية لديها حساباتها ومصالحها، لديها طموحاتها ورهاناتها. إن تاريخ الاتحاد الاشتراكي، هو تاريخ استقلالية القرار وسيادة الموقف، وهذا من أسباب صموده، ومن أسرار تميزه. وحده حزب القوات الشعبية من رفض التدخل في سيره وصيرورته، وهذا ما كلفه الثمن غاليا، والفاتورة عند هيئة الإنصاف والمصالحة. لنتذكر موقف الاتحاد الاشتراكي من الاستفتاء في الصحراء المغربية، لنتذكر عبد الرحيم بوعبيد، وهو يتلو قوله تعالى «رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه»، لنتذكر «لاءات» عبد الرحيم في وجه المرحوم الحسن الثاني، لنتذكر رفض الاتحاد اقتسام الغنائم الانتخابية، لنتذكر رفض الاتحاد التدخل في اختيار الكاتب الأول خلفا لعبد الرحيم بوعبيد كما حدث مع حزب الاستقلال يوم توفي علال الفاسي، أو كما حدث مع أحزاب أخرى.. إن الاتحاد الاشتراكي في التأسيس والمسار كان دائما مستقلا ومتميزا، إيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا، فكرا وممارسة.. ويعلم الجميع أن الاتحاد رفض الاحتواءات المشرقية، بعثية كانت أو ناصرية، ورفض الاحتواءات الشيوعية... لنعد التذكير بهذه الحقائق، فعلى ما يبدو سماسرة السياسة ونصابوها ينسونها دوما، ونحن هنا لتذكيرهم بها متى كان الأمر ضروريا، هذا الحزب مستقل في مواقفه وقراراته، ولا يشبه أحدا وليس تابعا لأحد، ببساطة لأن المغرب بلد لا يشبه ما عداه ومن عداه من بلدان، ولن نستورد أي نموذج آخر نراه في «الجزيرة» أو غيرها. النموذج المغربي هو المشروع الوحيد القابل للتداول على هاته الأرض الآمنة، وهذه مسألة لن يفهمها من ألِف بيع ذمته بمختلف العملات العربية أو الأوربية أو الأمريكية. إن الاتحاد الاشتراكي، بالأمس واليوم، يرفض بالمطلق التدخل في شؤونه الداخلية وقراراته السياسية، حزب ناضل ويناضل في الوضوح من أجل الديمقراطية الحق.. كان ولا يزال، ضد الصفقات المشبوهة والتسويات الفوقية.. كان ولا يزال يمارس السياسة بأخلاق. إن الاتحاد الاشتراكي حزب تاريخي وأصيل ومستقل، بمشروعه العقلاني والحداثي، وباختياراته الديمقراطية جنَّب المغرب الانحراف إلى بولسة النظام أو خونجته... وبتضحياته الأسطورية استطاع أن يصمد ويواجه نيران سنوات الرصاص، ويبطل مفعول المؤامرات التي كانت تستهدفه وتستسرع نهايته... لقد شكل الاتحاد الاشتراكي، سليل الحركة الوطنية المقاومة، استثناء حزبيا في التاريخ السياسي المعاصر... إنه الحزب الوحيد في المنطقة العربية كلها الذي لم يصبه الوهن ولم تنل منه معاول الهدم ولا تطورات الواقع وتغيرات المجتمع، لقد كان دائما جوابا جديدا لسؤال متغير.. لهذا استمر في حين انقرضت أحزاب التحرر العربي في مصر والشام.. من هنا لما انفجر الشارع العربي مطالبا برحيل الأنظمة الفاسدة والمستبدة، مع ما نتج عن هذا الانفجار من غموض مستقبلي، فإن الشعب المغربي نهج نهجا مختلفا، نهجا أرسى دعائمه الاتحاد الاشتراكي الذي بنضالاته وتضحياته سجل مواقف تاريخية تتعالى عن حركات الشهور ومزايدات الوافدين الجدد، سواء الذين لبسوا لبوسا دينيا أو لبوسا ليبراليا. لنتفق مبدئيا، لا أحد من المناضلات والمناضلين الاتحاديين طبعا، سرته نتائج 7 أكتوبر 2016.. لا أحد تقبلها بارتياح.. الكل غاضب والكل محبط.. ولكن لنتفق أيضا، بالرغم من مشاعر الانزعاج والغضب والقلق.. وبالرغم من الجروح والآلام التي أحدثتها فينا هذه النتائج المتواضعة، فإنها مع ذلك لم تفاجئنا ولم تصدمنا.. إن ما حدث اليوم لم يكن صدفة ولم يكن وليد اللحظة.. نتائج اليوم لها امتدادات سببية في الأمس البعيد والقريب. لقد أفضت نتائج الاقتراع إلى تأكيد منحى ذي نفحات محافظة وعبثية عموما في اختيارات الناخب المغربي، وهذا ما تعكسه الخارطة التي أكدت أن قوى العقلانية والديمقراطية والحداثة في السياسة أبانت عن ضخامة العمل الذي مازال ينتظرها. بالنسبة للاتحاد الاشتراكي، فرغم الكبوة التي مسته، فإنه من الخطأ الاعتقاد بأن إضعافه يخدم الديمقراطية والتحديث والتقدم، وهذه إحدى الخلاصات التي لم تبرح القوى السياسية أن أقرت بها على اعتبار أن خيارات التحديث والديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون حزب من وزنه، ولا مصداقية ولا مشروعية لأي تكتل في غياب الاتحاد الاشتراكي.. إن هذا هو الدرس الذي أرادت قيادة حزبنا تلقينه للجميع بعد ظهور نتائج الانتخابات وخلال المرحلة الأولى من المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة. لقد أبانت القيادة الحزبية عن حدس سياسي ناجع، وذكاء تفاوضي حكيم، في تدبير هذه المفاوضات، وتذكير الجميع بأن دور الاتحاد الاشتراكي ضروري لإنجاح المشروع الديمقراطي الحداثي الذي تنشده بلادنا، ولا يمكن أن نتصور أي تحول ديمقراطي أو ديمقراطية بدونه، ولا يمكن أن نؤسس ونبني مشروعا ديمقراطيا بالتشكيك في قوته وتبخيس فعاليته، أو بمحاولة تجاوزه أو إلغائه. لقد تصرفت القيادة بوعي وحكمة.. وتبين لكل من يعنيه الأمر بأن الاتحاد الاشتراكي ليس رقما عدديا بل رقما أساسيا في أجندة البلاد.. الاتحاد الاشتراكي لا يقاس بعدد المقاعد المحصل عليها بل يقاس بثقله السياسي كقوة فاعلة ووازنة. إن الاتحاد الاشتراكي له من الشرعيات، التاريخية والنضالية والديمقراطية، له برنامج سياسي هادف ودقيق، له من الكفاءات الأكاديمية والسياسية.. ما يؤهله ليكون قوة جاذبة وفاعلة، لا جماعة منجذبة وتابعة، الاتحاد الاشتراكي ليس قطعة غيار ولا لعبة للتسلية.. ليس أداة للضغط على الآخرين، وليس لاعبا احتياطيا يوضع رهن الإشارة في قاعة الانتظار.. إن الاتحاد الاشتراكي لا يتهافت على الحكومة ولا يهاب المعارضة، فلا هذه تقويه ولا تلك تضعفه.. ويبقى الاتحاد الاشتراكي رقما وازنا في المعادلة السياسية ببلادنا، ومؤهلا ليكون هنا أو هناك. لننصت مرة أخرى للكاتب الأول: «إن إعلاننا المبدئي مازال قائما ومرتبطا بالعرض الذي ننتظره من رئيس الحكومة المعين، وهو عرض نتمنى ألا يكون عرضا تقنيا، بل عرضا سياسيا واضحا قائما على أسس صلبة تراعي برنامجنا الانتخابي، مؤكدين أننا سندرس كل عرض، ونحدد موقفنا على ضوء المعطيات، وليس بناء على اختيار جاهز، لأن حزبنا لا يستمد موقعه من وجوده في الحكومة أو المعارضة، بل من الدور الذي يمكن أن نلعبه في البناء الديمقراطي والتنموي وتغيير الأوضاع للأفضل...» لا يجب أن يخيفنا هذا التعثر في تشكيل الحكومة، وأطروحات عطالة البرلمان، وتأخر صدور قانون المالية، وعدم تعيين رؤساء عدد من المؤسسات الدستورية، هي حق، لكنه حق يراد به باطل، وفي أحسن الحالات وبعيدا عن سوء الظن هي كليشيهات غير جدية، نحن لسنا في نظام جمهوري تتعطل فيه الدولة، مصالح الدولة تسير بشكل عادي، وعدم صدور قانون المالية إشكال أجاب عنه الدستور وأطرته القوانين، ولنا مؤسسة ملكية قوية، حامية، وحافظة لأمن البلاد واستقراره واستمرار الأوراش التنموية الكبرى والاستراتيجية. الأسوأ، ليس أن يتأخر تشكيل الحكومة، لكن أن نخرج بحكومة غير ديمقراطية أو نشكلها بطريقة عشوائية، ومما لا يقل سوءا أيضا، أن تمر لحظة تشكيل الحكومة دون أن نعتصر منها تراكمات للبناء الديمقراطي، ونستخرج من أحشائها قواعد جديدة وغير مسبوقة، يمكن أن تؤسس لمستقبل آخر، ليس هو مستقبل الحكومات السابقة. نحن، إذن، وكما جاء في الخطاب الملكي، نحن في حاجة إلى «حكومة جادة ومسؤولة وتجاوز المنهجية الحسابية ومنطق الغنيمة الانتخابية»، ومن هنا أكد جلالته على «البرنامج الواضح، والأولويات المحددة، والهيكلة الفعالة والمنسجمة والكفاءات المؤهلة، التي تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات لتجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية».