الراحلون كثر ، لكن المختلفين والمغايرين قليلون ، مثلما النادر والصعب في كل زمان ومكان ، وهذه هي المعادلة التي تجعلك مولعا بنصوصهم الساحرة ، وتلك هي براعة القلة. ثم هكذا هو الموت عادة ما يأخذ المبدعين وبطرق مختلفة ، لكنه لا يأخذ كتاباتهم الخلابة وما ساهموا به من إنتاج لتأثيث وحياة مشاهدهم الثقافية. بالمناسبة، قد لا يختلف الكثيرون مهما تعددوا وتنوعوا وتباينوا ، على الحضور الفاعل والجوهري للراحل حوري حسين على الركح المسرحي المغربي ، كتابة وإخراجا وتمثيلا ، فهو من المسرحيين القليلين الذين تفرغوا للمسرح بالرغم من إكراهات الحياة ، أمضى سنوات قبل رحيله المبكر متألقا في عالم الكتابة والإبداع ، ولعل المدونة المسرحية التي تركها المرحوم شاهد حي على تجربته التي تنطوي على قدر كبير من الاجتهاد والتنظير ، ألف كثيرا من المسرحيات الفردية نذكر منها على سبيل المثال :» مجنون المدينة ، الزمن الأحدب ، لعجاج ، السلخ ، والكرش وعربة القمامة وغيرها . مسرحيات كان يتحول فيها الركح إلى حلبة تدعو الجمهور إلى الاستمتاع بعمل مسرحي تتساوق فيه التعرية والفضح والسخرية السوداء والتحريض السياسي ، وفي نفس هذا الاتجاه ، يمكن الحديث عن بدايات سبعينيات مسرح الهواة التي أحدثت تحولا كان من نتائجه " النظر الى الممارسة المسرحية التقليدية ، ومحاولة تجاوزها عبر سلوك مسارات جديدة " يقول د. حسن المنيعي ، وللتذكير فقد كان المرحوم واحد من هذه المسارات الجديدة كالتنظير المسرحي الذي أفرز احتفالية عبد الكريم برشيد، ثم مسرح النقد والشهادة للراحل محمد مسكين والمسرح الثالث للمسكيني الصغير ومسرح الحقبة أو المرحلة لحوري حسين ، لذي قدم بيانين سنتي 1982و1985م ، اعتبرا المسرح مسؤولية تاريخية وليس فرجة فلكلورية، وذلك من خلال الارتباط بالواقع. وهكذا، يمكن القول أن مسرح المرحلة هو مسرح الصراع الجدلي، ومسرح اللحظة الواقعية ، التي تساير المرحلة الراهنة . وأخيرا، لا يمكن أن نقول لكل الذين تعنيهم ثقافتنا الوطنية وذاكرتنا المسرحية، إن حوري حسين لحقه ما يكفي من الجحود والنسيان، وإلا أين مسرحياته وبياناته؟ أين أصدقاؤه؟ وأين هو دور الجمعيات والهيئات والمؤسسات ذات العلاقة بالشأن المسرحي المغربي في مواجهة هذا الخراب الذي امتد حتى الذاكرة الثقافية، ليس في المسرح وانتهى الأمر، بل في الشعر والسينما وغيرها من الفنون التعبيرية. نعم، وبعراء نقولها، إذا استمر هذا النسيان المدمر لذاكرتنا الثقافية، وبهذا الجحود، سنكون في السنوات القليلة المقبلة، أمام كارثة لا تقل خطورة عن تفشي الأمية، وتدمير أي تجسير بين الأجيال والمراحل ، وتلك هي الذاكرة المفقودة.