لا يمكن لأي زائر للشريط الغابوي المحيط بمدينة بنسليمان، إلا أن يتأسف ويتحسر على ما آلت إلى الأوضاع البيئية والطبيعية من تدهور فظيع وغير مسبوق بهذا المجال، الذي كان إلى وقت قريب يعد المتنفس الوحيد والقبلة المفضلة لساكنة المدينة التي كانت تقصده من أجل الترويح عن النفس والاستراحة من عناء العمل والأشغال المنزلية والاستمتاع بالهواء النقي وجمال المناظر الخلابة والمتنوعة للمجال الغابوي، كما كان يجد فيه الطلبة والتلاميذ فضاء مناسبا للمطالعة والقراءة والاستعداد للامتحانات المدرسية والجامعية، و كان يستغله شباب المدينة لإبراز طاقاتهم في مجال ممارسة الرياضة بمختلف أنواعها، خاصة رياضة العدو الريفي. لكن، وللأسف، عرف هذا الشريط الغابوي خلال السنوات العشر الأخيرة ، تدهورا بيئيا كارثيا نتيجة انعدام المراقبة والحراسة من طرف إدارة المياه والغابات وعدم تطبيقها للقانون في حق كل من قام بتخريب المجال الغابوي. فقد استغل البعض تقاعس المسؤولين في المحافظة على البيئة وحماية الثروة الغابوية، للهجوم على الشريط المحيط بالمدينة وتخريب مكونات ومحتويات الغابة التي تتميز بتنوعها البيولوجي الهائل وتوفرها على ثروات غابوية وحيوانية مهمة تلعب على المستوى البيئي دورا رئيسيا يتمثل في المحافظة على التوازن البيئي ومحاربة التصحر، وعلى المستوى الاجتماعي تساهم في خلق فرص العمل لساكنة العالم القروي وتعد موردا مهما لمداخيل الجماعات المحلية والدولة وفضاء مناسبا لممارسة نشاط القنص والترفيه والتنزه . وعلى المستوى الاقتصادي تخلق رواجا مهما يتمثل في إنتاج الخشب والحطب وإنتاج الفلين وتوفير الأعشاب الطبية والصيدلية. فقد تحول الفضاء الغابوي المحيط بالمدينة إلى مطرح للنفايات والأزبال بشتى أنواعها التي ترمى فيه بدون حسيب ولا رقيب وفي واضحة النهار من طرف منعدمي الضمير، الذين لا تهمهم لا المحافظة على البيئة ولا الحفاظ على جمالية ونظافة المدينة. فعلى طول الشريط الغابوي الممتد من ثانوية الشريف الإدريسي إلى الحي الحسني انتشرت الأزبال والنفايات على مختلف أشكالها وأنواعها، وبشكل فظيع وقبيح، تشمئز له النفوس. تحول على إثرها هذا الفضاء الغابوي إلى مزيلة نتيجة تراكم أكوام مخلفات مواد البناء من أتربة وبقايا الإسمنت والأجور التي انتشرت على نطاق واسع وسط أشجار غابة الفلين وبجوار الساكنة، بالإضافة إلى متلاشيات السيارات وروث الحيوانات الذي يقوم برميه وسط الغابة مربو الماشية والخيول التي تستعمل في جر العربات والكوتشيات القاطنون بالحي الحسني والحي القصديري المتواجد بوسط البقعة الأرضية للسوق القديم، والذي يوجد على مقربة من حي القدس، ناهيك عن مختلف النفايات والأزبال الضارة بصحة الإنسان وبمحتويات الغابة التي ترمى بهذا الفضاء وبجوار ساكنة الأحياء المجاورة في منظر جد بئيس يشوه جمال الغابة والمدينة ويساهم في تدهور الأوضاع البيئية بهذا المجال وتلويث المنطقة. وقد أدت هذه الوضعية البيئية الكارثية وغير السليمة إلى التخريب والاندثار الذي طال أشجار الفلين ومكونات الغابة، لدرجة أصبح معها الوضع لا يطاق، ولم يعد مقبولا أن يستمر التدهور بالمجال الغابوي. علما بأن الإدارة المعنية بالمحافظة على هذا المجال البيئي ونعني بها المندوبية الإقليمية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، توجد على مقربة من هذا الشريط الغابوي، والمسؤولون بها يشاهدون صباحا ومساء وبأم أعينهم ما يقع للغابة وللشريط المحيط بالمدينة من تخريب وتدهور جراء القطع العشوائي والجائر للأشجار وانتشار النفايات بدون حسيب ولا رقيب، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء القيام بالواجب للمحافظة على الغابة وتطبيق القانون تجاه كل المظاهر التي تؤدي إلى تدمير الثروة الغابوية. كما أن الشركة المكلفة بتدبير مجال النظافة لا تقوم هي الأخرى بواجبها وفق بنود دفتر التحملات، حيث أنها تكتفي فقط بتنظيف واجهة المدينة وإهمال الأحياء الهامشية بما فيها الشريط الغابوي المحيط بها، علما بأن المجال الحضري عرف مؤخرا توسعا إثر التقسيم الإداري الأخير. مما ينبغي معه تطبيق القانون في هذا الجانب خاصة وأن هذه الشركة تلتهم سنويا أموالا طائلة من بلدية بنسليمان إثر استفادتها من صفقة التدبير المفوض لمجال النظافة. لكن يبدو من خلال مظاهر قلة النظافة التي تعرفها جل أحياء المدينة، أن هذه الأخيرة لا تحترم بنود دفتر الشروط القانونية والإدارية، وأن المسؤولين بالمجلس البلدي لا يقومون بالواجب تجاه التدبير الفاشل لها.