من باب الاحتياط و "ماسكا ذيل كوكب" آخر إصدارات الشاعر والتشكيلي فؤاد شردودي (1978)، عن بيت الشعر بالمغرب 2015، ديوان عامر باستيتيقات ومفردات شعرية تقترب كل الاقتراب من اللغة التشكيلية ومفرداتها. داخل الديوان لك أن تتفسح وتتنزّه بمرح داخل حقول اللغة المرصعة بروتوشات تشكيلية، قادمة من العالم الخاص بهذا الشاعر-التشكيلي. بعِيدا عن كل صَوت كنت أسْمعه لحْظة ولادتِي //أهيِّئُ لسَمائي حوْض سِباحَتها //وأختارُ زاوية صَغيرة //لسَحابة تعرض نفْسَها أمام رسَّامها الأخِير //الذي يخْتار للمَوت ألوَانا زاهِية //كأنَّ الحياةَ ليسَت سِوى ترجمةٍ بِلا أصْل //مثل تفاحَة من زجَاج //الحَياة التي تصعَد قمَّة الجبل //كيْ لا تُفهم خَطأ. كأني به الشاعر شردودي ينقل مفرداته التشكيلية إلى عالم اللغة الشعرية التي يخيط بها ديوانه الأخير.. الديوان الذي يضم قصيدة مطوالة من 35 مقطعا، ينفتح كل مقطع على تأملات في اللامرئي، وعلى افتتان متجدد بالطبيعة ومجادل لها في الوقت نفسه، في تمددها وانكماشها. تتعدد الألوان الصباغية التي يوظفها الفنان داخل أعماله التشكيلية، بتعدد صوره الشعرية التي تركّب قصائد ديوانه. فلوحات التشكيلي-الشاعر فواد شردودي هي قصيدة ملونة أو لوحة شعرية –كما يقول الكاتب السوري هاني نديم- يتداخل فيها الانطباع ويتماوج حتى لا تعرف إن كنت تقرأ لوحة أو تستمع إلى موسيقى! كائنات هلامية ذائبة الأطراف والزوايا تتماهي مع قماش اللوحة، وتتناثر على مساحات حرة لا يمكن إلا أن تجمعها أنت كمتلقي وفق مخزونك البصري والمعرفي، فلك أن تقرأها أو تسمعها أو ترقص معها أو حتى تخاف منها. تكاد الأجساد تنعدم بالمطلق في أعمال فؤاد شردودي، التجريدية الصباغية منها، إذ يعتمد الفنان بشكل مطلق، في أعماله الأخيرة، على حركية اللون وانسيابيته، وسيلانه، وتقطيره، موظفا أحينا تقنيات التقطير. وإن يحضر الأبيض دائما داخل المنجز لديه، سواءً خلفية أو إضاءة. التجريدية هنا نوع من الذاتية، نابعة من داخل الفنان لا من الخارج. وهذه الذاتية هي الملاحظ بالإضافة إلى ثيمات أخر، في ديوان الشاعر الأخير، عبر توظيف لضمير المتكلم. هذه الذاتية تمزج بشكل شاعري مع مفردات تشكيلية صرفة عبر صور شعرية باذخة. -هَل أرسم غيرَ نفسي //في هذه الكرْنيكا القاسِية //مثل بَرد أسوَد يتلذذُ برحيل القِباب //من مَدينة وقتي البيضَاء ؟ -سَأمشي إلى غُرفتي //فقيراً هانئا مثل رِيشة رسَّام //يُخيفُه بياض السَّند //فيُسقط //كلاما عالقا في إحدى أذُنيْه //بِهزة رأس نصْف دائِريَّة //وينكفئُ في سُمِّه المُقدس. هذا بالإضافة لحضور مائز لمكونات الأربع للحياة، (الماء، الهواء، التراب، النار) داخل الديوان ككل، كمكون أساس داخله: – حِين أعبر إلى مَائك مع أشعَّة الصبَاح الجريئة- أُحاول أن أشعل ناراً في حطَبِ اللغة الباردِ – تلهُو الرياح بشَعرها البِدائي – ماسكاً مربَّع غيمة.