لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن يتقهقر حال فريق الرجاء البيضاوي إلى هذا الدرك المتردي من التواضع، ليصبح مادة دسمة لوسائل الإعلام، أمام ارتفاع حجم الديون وكثرة المدينين، الذين اختاروا المحاكم لتحصيل حقوقهم المتأخرة. لقد بات حال فريق الرجاء لا يسر عدوا ولا حبيبا، وأصبح يجد صعوبة بالغة في تدبير أموره اليومية، بعدما تحولت إدارته، حسب مصادر من داخل مركب الوزايس، إلى قبلة للأعوان القضائيين، الذين يتوافدون بشكل يومي للتبليغ عن أوامر قضائية باستحقاق ديون للعديد من الأطراف، بل أكثر من هذا بادر بعض الدائنين إلى الحجز على مملكات النادي، بعدما كان في آخر سنوات الألفية الثانية يضرب به المثل- ليس وطنيا فحسب وإنما قاريا - في الاحترافية والتسيير المعقلن. وحمّلت العديد من الفعاليات الرجاوية المكتب المسير السابق مسؤولية ما وقع، خاصة وأن الرئيس السابق اعترف أنه حينما تسلم قيادة الفريق الأخضر كان مجموع ديونه 2 مليار سنتيم، بيد أنه في ظرف خمس سنوات تضاعف الرقم ثماني مرات، حسب ما كشف عنه الرئيس الحالي، سعيد حسبان في ندوة صحافية، أواخر شهر يونيو الماضي. فهل يتمكن الفريق الأخضر، أو الرجاء العالمي، كما يطلق عليه أنصاره من النهوض، بعد هذه الكبوة، أم أن أخطاء التدبير وسوء التقدير سترمي به إلى القاع، بعدما احتكر القمة لوحده منذ سنوات؟ من المجد إلى اللحد لن ينسى الرجاويون أبد الدهر يوم 24 دجنبر 2013، لأنه سيظل شاهدا على وقوف فريقهم المفضل في وجه أحد عمالقة كرة القدم العالمية، والذي كان يشرف عليه فيلسوف التدريب حاليا، الإسباني غوارديولا. لقد واجه أصدقاء محسن متولي بايرن ميونيخ في نهائي كأس العالم للأندية، ولعبوا بطريقة تفاعل معها كل المغاربة، لأنهم أظهروا المعدن الحقيقي للاعب كرة القدم المغربي، وأنسوا، ولو لأيام قليلة، الجماهير المغربية خيبات وانكسارات الرياضة الوطنية على مدار عقود، فحق لهم أن يحظوا باستقبال ملكي بعد أيام ووشحوا صدورهم بأوسمة ملكية، قبل أن يشمل جلالة الملك الفريق بعطف مولوي ويمكنه من هبة، تجسدت في بقعة أرضية، أعلن حينها الرئيس السابق محمد بودريقة، أنه سينشئ عليها أكاديمية خاصة بالفريق. تفاءل أنصار الرجاء بأن الغد سيكون مشرقا، وأن الفريق قطع مسافات كبيرة عن باقي الأندية الوطنية، وأنه سيتسيد الكرة المغربية، بل ستمتد سيطرته إلى الكرة الإفريقية، خاصة وأنه سبق له أن توج ثلاث مرات بدوري عصبة الأبطال، وفاز بالكأس الإفريقية الممتازة، وبعدها بلقب كأس الاتحاد الإفريقي، وامتد إشعاعه إلى القارة الآسيوية، بعدما توج بالكأس الآفرو آسيوية، بيد أن شمس الأصيل غابت، واستقيظ الفريق على وقع كابوس، مازال يقض مضجع الرجاويين إلى الآن. الصدمة كانت قوية كانت الصدمة كبيرة، عندما أعلن سعيد حسبان، يوم 30 يونيو 2016، وبعد أيام من انتخابه رئيسا للفريق خلفا لمحمد بودريقة، الذي قضى على رأس الرجاء خمس سنوات، أن كل ما روجه سلفه غير صحيح وأن ديون الرجاء تفوق ما ادعاه بودريقة. هذا الأخير كان قد أعلن في اجتماع له مع المنخرطين في آخر الموسم الماضي أن ديون الرجاء تقدر بثلاثة ملايير و800 مليون سنتيم، وأنها لا تصل إلى خمسة ملايير كما يروج البعض. وزاد بودريقة تأكيدا على أن العجز المالي للرجاء لن يتجاوز مليار و800 مليون سنتيم، على اعتبار أن الفريق الأخضر ينتظر التوصل بمبلغ مالي يقدر بملياري سنتيم من صفقة انتقال لاعبه النيجيري بابا توندي إلى الخليج. وفند حسبان كل هذه التصريحات، معتبرا في ندوة صحافية تلت انتخابه لقيادة السفينة الخضراء، مشددا على أن الوضع المالي للفريق خطير جدا، وأن الرجاء على حافة الإفلاس، بعدما صدم الجميع برقم 16 مليار و800 مليون سنتيم، هو مجموع الديون الحقيقية للفريق. وأوضح حسبان أن الرجاء بحاجة إلى عملية إنقاذ عاجلة، مطالبا كافة فعاليات النادي والدولة المغربية بالتدخل الفوري لإخراج الأخضر من الأزمة الحالية، التي وصفها بالتاريخية وغير المسبوقة. وزاد حسبان تأكيدا بأن التقرير المالي، الذي تم الكشف عنه في الجمع العام الأخير لا يعكس حقيقة ما يعيشه الفريق، لأن الأرقام الحقيقية ضخمة وكارثية، ثم أعلن أن الفريق مطالب في الفترة الحالية بأداء 7 ملايين و500 مليون سنتيم، تمثل أجور اللاعبين المتأخرة ومنح التوقيع وديون الموردين، كما أنه ملزم عند حلول 31 دجنبر المقبل بأداء 3 مليار و 100 مليون سنتيم، ما يرفع حجم المبلغ الإجمالي الذي يحتاجه النادي حتى متم العام الجاري إلى قرابة 10 ملايين سنتيم. وأمام توالي اتهامات حسبان، وكذا دعوة المنخرطين إلى فتح باب القضاء للتدقيق في حسابات الفريق، وهو ما خرج به الجمع العام الأخير، وفي ظل اشتداد الأزمة داخل البيت الرجاوي، عاد الرئيس السابق ليكشف بدوره أنه حينما تسلم مقاليد الرجاء كانت الديون تفوق 2 مليار سنتيما، «وقمت بتسديدها كلها، ولم يمنعني ذلك من انتداب لاعبين لتعزيز الفريق، ولم أتحدث عن الديون التي وجدتها، لأن الرئيس يجب أن يتحمل المسؤولية كاملة» . وطالب بودريقة المكتب المسير الحالي بجلب الموارد بدل البحث عن المبررات، قبل أن يدعوه لترك الفريق إن كان عاجزا عن تدبير أموره. القشة التي قصمت ظهر البعير لم تنطلق استعدادات الفريق للموسم الكروي الجديد بشكل عادي، بعدما اختار اللاعبون الإضراب، ممتنعين عن الانخراط في التداريب مالم يؤد المكتب المسير حقوقهم ومستحقاتهم التي يدينون بها للفريق، الأمر الذي جعل المدرب رشيد الطاوسي - الذي سيضطر هو الآخر، أياما بعد ذلك، إلى مغادرة الفريق وترك مكانه لامحمد فاخر - يستنجد بلاعبي الفريق الثاني واصطحبهم إلى معسكر إيفران، استعدادا للموسم الجديد. وبدأ تمرد اللاعبين برفض الخضوع للفحص الطبي، الذي سبق انطلاق التداريب، مصرين على التوصل بمستحقاتهم أولا، قبل أن ينجح الرئيس في احتواء الوضع بتمكينهم من نصف مستحقاتهم، وتأجيل النصف الباقي إلى بداية شهر نونبر المقبل، وهو ما ينذر بأيام عاصفة تنتظر الفريق، لأن اللاعبين عبروا عن استيائهم من هذا الوضع، وهددوا بإضراب جديد. وفي ظل هذا الوضع المتأزم، لم يجد الرئيس سوى العمال والمستخدمين والأطر التقنية، حيث قام بتخفيض أجورهم، الأمر الذي خلف استياء عاما، لأن أجور هؤلاء العمال، لا تعادل حتى عشر ما يتقاضاه اللاعبون. ومن مظاهر الأزمة، التي تضرب الفريق إلغاء معسكر إسبانيا، الذي سبق أن أعلن عنه المدرب رشيد الطاوسي، وباركه الرئيس السابق، حيث اقتصر برنامج التحضير على معسكر إيفران، قبل أن يبرمج تجمع ثان بمدينة مراكش، أصر عليه المدرب امحمد فاخر. لماذا كل هذا الاستهداف؟ يبدو أن الأحوال تزداد سوء داخل الفريق الأخضر، سيما وأن الرئيس يتواجدا خارج المغرب، حيث أجرى عملية جراحية على عينه، وأن فترة غيابه طالت، لدرجة أصبح معها أعضاء مكتبه المسير يجدون صعوبة بالغة في تدبير الأمور، رغم حرصه على الاتصال شبه اليومي بفريق عمله. وكشف مصدر مسؤول داخل الفريق على أن المكتب المسير الحالي وجد نفسه مطالبا بتسديد مصاريف المكتب السابق، والذي كان أعضاؤه يحرصون على التنقل في الدرجات الممتازة ويحجزون الأجنحة بالفنادق، فضلا عن مصاريف أخرى، كان الكثير منها غير لازم. وعلق على ذلك مصدرنا بالقول ضاحكا « هوما يتبرعوا وحنا دابة نخلصو»، مشيرا إلى أن وضعية الفريق صعبة، وتحتاج تدبيرا حكيما. وأضاف ذات المصدر أن المكتب المسير الحالي واع بمسؤوليته، وأنه عازم على الاستماتة في وجه هذه المرحلة الدقيقة، وأنه لا يفكر في المغادرة، لأن مصلحة الرجاء تقتضي الصمود وليس الهروب إلى الأمام. وتشكل مسألة الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الفريق كابوسا يوميا لإدارة الرجاء، حيث توصلت بحوالي 12 دعوى قضائية في ظرف أسبوع، وهو كم هائل، لم يسبق أن توصلت به سابقا، حيث اختار مجموعة من الممونين وأصحاب الفنادق ووكالات الأسفار وحتى اللاعبين والأطر التقنية إرسال أعوان قضائيين إلى إدارة الرجاء من أجل تبلغيها أوامر بتنفيذ تحصيل ديونهم. وأضاف مصدرنا أن إدارة الرجاء أصبحت تكرس أغلب وقتها لمعالجة مشاكل موروثة عن المكتب السابق، وأنها تجد صعوبة بالغة في تدبير أمور الفريق، الذي يواجه أعنف أزمة مالية في تاريخه. وتشك إدارة الرجاء في وجود نية مبيتة وراء هذا الأمر، حيث تكَوّن لديها اقتناع تام بأن هناك من يقف وراء هذا النهوض الجماعي لدائني الفريق، سيما وأن من بينهم، حسب مصادرنا، من سكت عن ديونه عدة سنوات، قبل أن يستفيق في هذا الظرف الحساس. واعتبرت ذات المصادر أن هناك من يمسك خيوط الأزمة داخل الرجاء بدهاء وإحكام، حيث أنه يحركها كيف شاء وفي أي وقت يشاء، حتى لا يترك الفرصة للمكتب المسير لاسترجاع أنفاسه. وأضافت مصادرنا أن البداية الجيدة للفريق جعلت هؤلاء «المحرضين» يصابون بخيبة أمل كبيرة، سيما وأنهم راهنوا في البداية على إضراب اللاعبين خلال استعدادات بداية الموسم، قبل أن يحولوا وجهتهم صوب الدائنين. وانضاف رشيد الطاوسي ومساعديه إلى قائمة المطالبين بحقوقهم، بعد الهولندي رود كرول و المدير التقني السابق حرمة الله، الذي تسلم 300 مليون سنتيم عند فك الارتباط، قبل أن يلجأ للجامعة من أجل تحصيل 120 مليون سنتيم أخرى، فضلا عن نزاعات لدى الفيفا، حيث يطالب المسعودي والتونسي خالد القربي والغاني باكايوكو، بالإضافة إلى الفريق السابق للاعب النيجيري كريستيان أوساغونا، الذي انتزع حكما من الاتحاد الدولي يقضي بتمكينه من مبلغ 150 مليون سنتيم بشكل فوري، بعدما أخلف الرئيس السابق للرجاء وعده لرئيس إينوغو رانجيرز النيجيري. وفي حالة عدم السداد الفوري فإن الفيفا سيسلط عقوباته على الفريق الأخضر، والتي قد تصل إلى حرمانه من الانتداب مستقبلا. ودفعت الأزمة المالية إلى توقف الأشغال بأكاديمية الرجاء، التي كان المكتب المسير السابق قد أعلن عن انطلاقتها. وما يزيد من استفحال الوضع، عدم وجود ملعب يستقبل فيه الفريق مبارياته، بعد إغلاق مركب محمد الخامس، الأمر الذي حرم الفريق الأخضر، وأيضا جاره الوداد، من مبالغ مالية كبيرة، مع يفرضه اللعب خارج البيضاء من مصاريف وأعباء مالية كبيرة. يضاف إلى ذلك عدم حلول موعد استخلاص مبالغ الاستشهار، الأمر الذي يزيد من حدة الضائقة المالية. وفتحت إدارة الرجاء مفاوضاتها مع بعض الدائنين لإيجاد صيغ تراضي، وفعلا نجحت في وضع حد لدعوى قضائية مرفوعة من طرف أحد الفنادق البيضاوية، حيث مكنته من مبلغ 20 مليون سنتيم، مع تقسيط الباقي على دفعات، وتسعى للقيام بالشيء نفسه مع باقي الدائنين، قبل أن يؤكد مصدرنا على أن صورة الرجاء تضررت كثيرا، حيث أصبح الكثير من أصحاب الفنادق والممونين يطالبون بالأداء مسبقا، لأن الرجاء في حالة إفلاس، بل رفض بعض الممونين بالأمتعة الرياضية تقديم عروضهم لإدارة الرجاء، بعدما قررت فتح طلب عروض لتزويد فئاتها الصغرى. أين الحكماء؟ كشف الفريق الأخضر على موقعه الإلكتروني على وجد صعوبة كبيرة في إيجاد ملعب لاحتضان مباراته أمام أولمبيك آسفي، برسم الجولة السادسة من الدوري الاحترافي، قبل أن يضطر إلى الاستقبال بمدينة أكادير، مع ما يفرضه ذلك إرهاق لمالية الفريق المتعبة أصلا. وأعلن مصدر مسؤول داخل الفريق أن الرجاء – إن استمر الوضع على حاله - سيرفض مستقبلا اللعب ما لم تجد إشكالية الملعب حلا، حيث أصبح يواجه صعوبة بالغة في توفير ملعب لإجراء مبارياته. وفوجئ الفريق الأخضر يوم الأربعاء برفض عمالة الحي الحسني الترخيص له باستقبال أولمبيك آسفي عن الجولة السادسة من الدوري الوطني، بملعب الأب جيكو. وهو القرار نفسه اتخذته عمالة فاس، بعد توصلها بمراسلة رجاوية تلتمس الموافقة على إجراء المباراة بمركب فاس، ليطرق الفريق الأخضر بعدها أبواب أولمبيك خريبكة، الذي كان رفضه ديبلوماسيا، حيث أبدى موافقته، بشرط أن يحصل على الضوء الأخضر من عمالة المدينة، طالما أن مركب الفوسفاط مملوك للمجمع الشريف للفوسفاط. وألمح مصدرنا إلى أن الوضع الحالي يبعث على التذمر، لأن مشكل الملعب بات مؤرقا للغاية. وتعالت الأصوات داخل الفريق الأخضر مطالبة بإيجاد حل عاجل لهذه المعضلة، التي اعتبرها أنصار الرجاء، على موقعهم الإلكتروني «ديما ديما راجا» ضربا لمبدأ تكافؤ الفرص. وفي هذا الصدد أعلن مصدر من داخل لجنة حكماء الرجاء على أن الوضع الحالي لا يبعث على الاطمئنان، متأسفا في الآن ذاته على مآل هذا الفريق، الذي كان إلى وقت قريب يضرب به المثل في الهيكلة والاحترافية، قبل أن يتقهقر إلى الحضيض. واستغرب مصدرنا تمويه الرئيس السابق، الذي كان قد أعلن في تصريحات لبعض المواقع الإلكترونية استعداده لدعم الرجاء، بشرط أن يقوم حكماء الرجاء بنفس الأمر، وهو ما اعتبره مصدرنا مزايدة رخيصة، لأن الرئيس السابق هو سبب أزمة الرجاء، وهو الذي أوصلها إلى هذا المستوى من التواضع. وألمح مصدرنا إلى أن فعاليات الرجاء لن تتخلى عن فريقها، وأن هناك مبادرات تدرس بهدوء، لكنه في الوقت ذاته طالب السلطات الحكومية بدعم الرجاء في هذه المحنة، لأنه الأمر لو اقتصر على 20 أو 30 مليون درهم لهان ذلك على الرجاويين، أما أن يتجاوز الرقم 100 مليون درهم، فهذا لن يقدر عليه الخضر بمفردهم.