الفعل التربوي فن، كما أكد ذلك رائد المدرسة البنائية، العالم جان بياجيه. و الفن يحتاج إلى مساحات واسعة من الحرية و الهدوء و التحفيز، حتى يقوم بوظائفه و يحقق نجاحه و يصل في النهاية إلى عقول و أذواق الجمهور. إلا أن المثير في هذا المضمار, أن مؤسساتنا التعليمية و مراكزنا التكوينية لازالت ليومنا هذا لم تقلع عن الأساليب الزجرية التقليدية، المشخصة أساسا سواء في قوانينها الداخلية أو طرائقها البالية, و ما تفشي ظاهرة العنف في هذه الأوساط ضد الإدارة التربوية و الفاعل التربوي إلا دليل قاطع على مدى الإهانة و الظلم والسلطة المفرطة التي تستخدمها هذه الأوساط في محاصرة حركية التلاميذ الطبيعية و التضييق عليها بدءا بالحجرة الدراسية و انتهاء بأوقات الاستراحة, لدرجة أن مضمون العملية التدريسية تغير من إكساب المتعلم التعلمات وا لمعارف العلمية اللازمة إلى مراقبة من يبتسم و يتحرك بكثرة داخل الحجرة أو من يلبس ملابس جديدة على مناخ هذه الأوساط أو من يحلق رأسه حلاقة غريبة.....الخ من الحركات و الصور والمتغيرات التي تعتبر من حق التلميذ لسببين رئيسيين: مادامت المؤسسة الأولى – الأسرة- قد وافقت عليها. ما دام اختارها لنفسه عن تذوق واقتناع . وإلا أين التربية على الاختيار؟ .ولعل الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح هي: ما حدود التقاطع و التباين بين الأسرة و المؤسسات التربوية و التكوينية؟ ثم إلى أي حد تتأثر منظومتنا التربوية بالتحولات العلمية و المعرفية العالمية؟ و أخيرا إلى أي مدى تستحضر برامجنا التعليمية احترامها للاتفاقيات الدولية التي صادقت بلادنا عليها؟ فعوضا أن تتحول مؤسساتنا إلى مخافر شرطة و إحالة التلاميذ على المجالس التأديبية قصد اتخاذ القرار – العقوبة- المناسب في حقهم ، نقترح أن تواكب إداراتنا التربوية التحولات التي يعيشها المجتمع المغربي خاصة على المستوى الرياضي و الثقافي و الفني ، حيث يبدي العديد من التلاميذ إعجابهم بهذه المجالات عن طريق تقليد أبطالها و نجومها سواء من حيث اللباس أو الحلاقة أو طريقة التعبير و الحركة. و عوضا أن تشكك في نواياهم و سلوكاتهم ، يستحسن أن تدخل معهم في حوار لمعرفة ميولاتهم و طموحاتهم، إذ بتقربها لهؤلاء و تحفيزها و دعمها لمبادراتهم و نشطاتهم يمكنها – مؤسساتنا التعليمية و التكوينية- أن تخلق منهم مجموعات غنائية أو فرقا مسرحية أوعدائين رياضيين أو أفرادا يتقنون التقديم و التواصل مع الجمهور وهذا مكسب كبير ليس فحسب للمدرسة الوطنية و إنما للتنمية الشاملة التي يراهن بلدنا جاهدا على تحقيقها . ترى الى متى ستظل المدرسة بعيدة عن الانفتاح على قضايا و تحولات المجتمع؟ * فاعل نقابي