أثبتت الدراسات الفلسفية والسوسيولوجية، أن السؤال كان دوما عاملا أساسيا في تغذية عملية التواصل وانعاشها، وبناء على التغييرات والتحولات التي قادت الانسان الى التأهيل والانتاج في جميع المجالات تقريبا ، أضحى السؤال اليوم استراتيجية بنائية حاسمة في نجاح المنطلقات والرؤى والدراسات والمخططات والمشاريع. لذلك يمكن القول أنه: بقدر ما شغل السؤال الفلاسفة واحتل مكانة متميزة في رحاب منظومتهم الفكرية و التأملية، بقدر ما يغيب حضورهذا الاخيرداخل قاعات وحجرات مؤسساتنا التعليمية ومراكزنا التكوينية بشكل عام . إذ بالرغم من المحاولات والجهود التي تبذلها كل من وزارة التربية الوطنية والقوى الحية بالبلاد، وعلى رأسها فعاليات المؤسسات ذات الاهتمام بقضايا الطفولة وإطارات المجتمع المدني ومؤسسات الإعلام بشتى أطيافها وأنواعها- المقروءة والمسموعة- الورقية والالكترونية... فإن واقع الحال- تقريبا- لازال على حاله، ذلك أن المقاربات التي اعتمدت في العشرية الأخيرة- المقاربة بالكفايات والمقاربة المضامينية والمقاربة المعارفية- المعرفية- والمقاربة الفارقية....الخ، قد ساعدت المتعلمين- اليوم- على الخروج تدريجيا من الجمود وحالة العطالة التي كانوا يعانونها، نظرا لما كانت تتميز به الطرائق العتيقة من تلقين و جمود. أما اليوم و قد أصبحت المبادرة سيدة العملية التدريسية وأنشطتها نوعية وهادفة، وما تحفل به المكونات الدراسية من نصوص ووضعيات مشكلة ذات مضامين اجتماعية/ واقعية تمس عن قرب حياة المتعلم المدرسية والبيئية والرياضية والثقافية والاقتصادية، فقد غدا متعلمو اليوم منخرطين وفاعلين في قضاياهم المحلية، سواء التي تخص محيطهم المدرسي او الاجتماعي او البيئي، ينعمون بالحرية واتخاذ المواقف المنطقية والمناسبة اتجاه أية مشكل او موضوع يثير فضولهم العلمي أو الأدبي / الأخلاقي. إلا أن الأهم- في اعتقادي المتواضع- ظل غائبا ومنسيا، ونقصد بذلك التربية على السؤال الذي يتوخى رفع اللبس الحاصل أحيانا والمزيد من الإيضاحات والمقترحات الجديدة في أحيان أخرى، ودعم عملية التواصل الأفقي بين المتعلمين و مدرسهم أو بين التلاميذ التي ينبغي أن تحصل باستمرار. إن المقاربة بطرح الأسئلة لتعد المقاربة البيداغوجية الجديدة التي تفتقر إليها مناهجنا الدراسية وأوساط مؤسساتنا ومراكزنا التربوية والتكوينية، ومن ثم وجب تربية الأجيال الحالية والقادمة على هذا النمط حتى يصير طرح السؤال- مستقبلا- داخل حجرات مؤسساتنا ثقافة تربوية، يتداولها صغارنا أينما حلوا وارتحلوا. إن تدريب و تربية المتعلم على طرح الأسئلة لا يعني سوى تكوين شخصية فرد، يدرك في الأول و الأخير أن مسألة طرح السؤال- أينما كان- هي مسألة حق كوني إنساني يتميز بها الإنسان عن باقي الموجودات الحية. قد يثير الموضوع لدى البعض- في بدايته- بعض الاندهاش و المزايدة، لأن من شأن الطفل الاستهتار وعدم الاهتمام بكل ما يأتي من جهة الراشد،خصوصا إذا كان لا ينتمي إلى أفراد أسرته النووية أو الممتدة، و هذا جانب طبيعي يرتبط باناه و كبريائه الذي يريد من خلاله إثبات ذاته ووجوده في عالم الكبار. إذن هي مسالة وقت فقط ، أما المهم في الاسترتيجية البيداغوجية هو تحسيس المتعلمين بأهمية طرح السؤال او صياغة أو الاشكالية و تعويدهم عليها وتحبيبهم لها، حتى تتحول حجراتنا الدراسية من قبور يسكنها تلاميذ أحياء إلى فصول دراسية مفعمة بالحيوية والتواصل والنشاط والدفء التعلمي. وحتى تعطي كل المبادرات البيداغوجية الجديدة ثمارها المرجوة – بدءا بتحقيق الجودة التعليمية ومرورا ببيداغوجيا الادماج وضمان انفتاح المدرسة على محيطها الخارجي وانتهاء بتوسيع العرض المدرسي- و حتى يبقى للتربية على الاختيار والتربية على السلوك المدني معنى دال، فقد صار لزاما علينا اليوم{ كفاعلين تربويين واباء وأمهات واولياء التلاميذ ومحسنين اجتماعيين و فاعلين اقتصاديين و جمعيات المجتمع المدني وفاعلين اعلاميين.....الخ القيام بتحسيس المتعلم المغربي بأهمية التربية على السؤال وتدريبه على طرحه و التفكير في صياغته، لأنه ببساطة أضحى يشكل طاقة حرارية للعملية التدريسية ومنطلقا اساسيا لتعلمات ونشاطات المتعلمين، بل محركا مركزيا لفضولهم العلمي ورغباتهم النفسانية وميولاتهم الفنية والادبية. واعتقد أن ما حققه المربي الفرنسي سليسيان فرينه في هذا المضمار مع تلاميذه ليعد الثورة البيداغوجية النموذجية في تاريخ فن التدريس الذي رسم رائد المدرسة البنائية- جان بياجيه- هياكله وصاغ أدبياته ثم رحل. ترى إلى متى ستظل التربية على طرح السؤال مغيبة داخل فصولنا الدراسية؟ ألم يحن الوقت بعد لتدريب تلاميذنا على طرح السؤال والقدرة على المبادرة وتحمل المسؤولية؟ باحث تربوي